الهايكو الياباني يوصل ترانسترومر إلى نوبل

مقالات متنوعة

 685 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

لا يعرف العربي القصيدة إلا إذا كانت مكونة من أبيات سبعة على الحد الأدنى ثم يبني عليها ما يشاء الشاعر أن يبنيه. فقد تكون مائة بيت أو أكثر ، ولا يمل العرب سماع الشعر ولو رُدّد على أسماعهم مرارا وتكرارا لأنهم يتلذذون به كما يلذ لهم الشواء الحنيذ .

وقد توارثوا الاهتمام بالمطولات الشعرية من أجدادهم . وما أظن أنّ ملكا أهدى شاعرا هدية على بيت من الشعر أو سبع كلمات مثلا بل كلما كانت القصيدة مطولة جزلة مبتكرة المعاني والأساليب وأحسن الشاعر في إلقائها كان أكثر حظا وحظية عند الخلفاء والأمراء ورغب الناس في أدبه وشعره .
*كانت العرب تسمي البيت والبيتين باليتيم فهو في أذهانهم لا يصلح إلا أن يسمّى بهذا الإسم ولا يعدونهما قصيدة كما هو معروف في كتب النقد، ولكن ربما يكون بيت واحد أبلغ من قصيدة كاملة ولهذا كان يقال عن بيت في قصيدة: هذا بيت القصيد أي أفضل ما فيها وأحكمها. ونحن إن اطلعنا على أشعار الأوروبيين والهنود والفرس فإننا لم نطلع على آداب اليابانيين وأشعارهم إلا ما حصل في العصر الحديث فقد بدأت الترجمات للأدب الياباني تسقط من السماء مع حبات المطر الغربي وتعرفنا على اللغة اليابانية العريقة وأخذنا نتلمس طريقة أدبها وصناعة شعرها.
*فهل تعلمون ما الهايكو الذي أوصل الشاعر السويدي توماس ترانسترومر ذا الثمانين سنة والذي ترجمت أشعاره إلى خمسين لغة منها العربية علي يد صديقي الصحفي الأديب قاسم حماده إلى جائزة نوبل ؟ فإن كان الجواب :
لا، فدعونا نتعرف إلى الهايكو وهو نوع من الشعر الياباني أخذ من نوع آخر قديم يسمى الرنغا، يجمع بين الاختصار والأحاسيس الصادقة الجياشة وترتبط بالحواس الخمس فتبدأ مثلا بالشم وتنتهي باللمس، وقد شاع هذا الفن كثيرا في القرن السابع عشر والثامن عشر بفضل معلمه الأول باشو وهو عبارة عن بيت واحد مكون من سبع عشرة كلمة مقسمة إلى 5 ثم 7 ثم 5 وفي هذه الكلمات تختصر المعاني في ألفاظ وجيزة وتختزل الجمل في بيت واحد وأضرب عليه مثالا لشاعر ياباني أخذته مترجما من الويكيبيديا:

تغوص روحي في الماءْ
ثم تطفومع طائرِ الغاقْ

وهو شعر يظنه الذي لايعلم أنه سهل ولكنه يحتاج إلى دربة ودراية يأسر السامع والقارئ ويتعجب منه المتذوقون للأدب وهذا نفسه الذي حصل لترانسترومر السويدي الذي قالت عنه اللجنة المانحة لجائزة نوبل :
إن ترانسترومر قد فاز بالجائزة لأنه ومن خلال الصور المكثفة والشفافة التي يرسمها بشعره، يمنحنا طريقة جديدة لاستشراف الحقيقة”. لقد تعرض توماس ترانسترومر إلى جلطة منعته من الكلام وأصابته بشلل نصفي سنة 1990 ولكن زوجته الوفية وقفت معه في محنته ومنحته كثيرا من وقته والشاعر متمكن من الهايكو وأصدر ديوانا جديدا سنة 2004 عبارة 45 قصيدة قال عنها المتحدث باسم لجنة نوبل :
لقد مال ترانسترومر في ديوانه الأخير إلى اقتضاب أكبر وإلى درجة أكبر من التركيز”. هذا هو الهايكو وهذه اختيارات لجنة نوبل فهل نترك المطولات الشعرية و(نهيّك) الشعر العربي كما فعل توماس لنفوز بالجائزة ؟

نشر في البيان
بتاريخ 14 أكتوبر 2011