4,465 عدد المشاهدات
الكاتب :سعد بن عبد الله الحافي – رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني السعودية
كثيراً ما تتشابه النصوص الشعرية في البحر والقافية ثم يتداولها الرواة فيخلطون بينها، وينسبون هذا النص للشاعر الفلاني وينفونه عن الآخر، وكأنه لا يوجد سوى نص واحد يتخاصم عليه الجميع، وبين يدينا ثلاثة نصوص لثلاثة شعراء قدماء بينهم فترات زمنية ممتدة إلى سبعمائة عام، اختلف الرواة في نسبة النصوص لهم وأدخلوا أبياتاً من هذا النص في النص الآخر وهكذا، حتى لم يعد المتلقي يميز شاعر النص الأصلي ولا الأبيات الصحيحة في النص.
وللأسف، جمع بعض الباحثين النصوص الثلاثة في نص واحد! (وريّح رأسه)، وكنت قبل عشر سنوات نشرت مقالاً في جريدة «الرياض» بعنوان «الهمزية بين العامري والمري والشويعر: تشابه الغرض سبب خلط الرواة.. ولغة النص فيصل للتمييز»، وتم تداوله بين المنتديات الشعرية دون حفظ حقوق (وسطا عليه بعض المتطفلين من الرواة)، وقد زودني الأخ الباحث نايف البراق بصورة من مخطوط شعر يمني محفوظ في مكتبة باريس الوطنية كتب بين 1918 – 1929م، تضمن قصيدة لشاعر اسمه أبو جار الله الشبيبي تتفق مع قصيدة حمد الغيهبان في غرضها ومعظم أبياتها، وفي نسبة الشاعر إلى «قبيلة آل مرة»، فرأيت أن أعود إلى دراسة النصوص بشكل موسع مع الآخذ في الاعتبار التعقيب التوضيحي من الأستاذ سعود المري، أحد أحفاد الشاعر الغيهبان على مقالي في جريدة «الرياض».
النص الأول:
يا خلتي عوجوا بنا الانضائي
أبصر بدارٍ عذبة الجرعائي(1)
دارٍ خفت آثار ساكن حيها
ووزا بحالي شوفها وبكائي(2)
خلف الضبيعه في دعاثير الغضا
مقصد مغيب النجمة الجوزائي(3)
دارٍ لصافية الجبين لكنها
بدرٍ يفاوج حندس الظلمائي(4)
أو مشعلٍ جنح الدجى مع قابس
أو بارق يوضي من المنشائي(5)
فيلا تكشف عن ثنايا ذبل
كاللؤلؤ المنثور للشرائي(6)
لا تشتكي رمداً ولا مطروفة
كلا ولا مشبوحة قلبائي(7)
والا كما وصف الجداة من المها
من غير كحل عينها سودائي(8)
سمح الزمان لنا بطيب وصالها
ثم انتوت في نية شطنائي(9)
أسري لها والليل ما حت الندى
وبساقتي ضواري تحدائي(10)
متقلد صافي الحديدة صيرم
وافي الذباب ينوض في يمنائي(11)
يقلط به القلب الجسور على العدى
نعم الرفيق بليلة الظلمائي(12)
أيضاً وحدباً في حزامي كنها
سم الأفاعي أو زلال المائي(13)
لم تلقني يوماً أقزي ضلع
كلا و لا مع ثلة من شائي(14)
لم تلقني إلا على يعبوبة
نوطا العنان طويلة العلبائي(15)
ما يقدر الرجل القصير يعنها
إلا أن يكون لها على سندائي(16)
كالفهد بالأوثاب والاّ كنها
خلف التوالي كنها عرجائي(17)
لو كنت يا ابن العم أكثر عزوة
فأنا وربعي حضرة الهيجائي
ترا الدجاج كثيرةٍ فراخها
والاّ الحرار قليلة الأضنائي
والى ربا بالعش أشقر افحج
تازي جميع الطايرات أحدائي
أما فقولك قد غزيت حليلتي
والله ما اكتحلت بها عينائي
أقفت مع اعرابٍ لكن ظعينهم
نخلٍ تميل بروسه الأقنائي
والا فلي هدات ليثٍ دونها
هدت ليوث شرائع القصبائي
ما يعلمن البيض بي تركتهن
ترف البطون ربائب النعمائي
ينخنكم قد طار عنهن الغطا
بأسمائكم نوبٍ وبالآبائي
انشد سراة بنو شبانه حيث هم
بيض الوجيه طعانة الأعدائي
والا فسل ربيعة ابن مُقدّم
مرو العلامة راعي الخضراء
لما لحقته بالمضيق وقال لي
قلط ووخر إن بغيت جزائي
ورفعت راس الرمح ثم ركزته
براع القبا والجوخة الخضرائي
أيضاً شهرت الرمح ثم ركزته
بالمهرة المقذولة الشقرائي
طعنت أنا بالخيل طعنٍ بين
لامن كسيت اقطيهن ادمائي
والزمل ياما ذدتكم عن قربها
ذود الضوامي عن زلال المائي
لعين قانية البياض بحمرة
كالتبر خلطه فضةٍ بيضائي
إني أبو حمزة ذوابة عامر
خيّالها المعروف بالهيجائي
ما ابيع حقي بالسفاه ولو بقت
للناظرين سمامتي حدبائي
أنا حصاة المنجنيق على العدى
حنا شراب السم وحنا الدائي
حنا كما صلٍ ربا في روضة
مشروبها وماه الندى وهوائي
مشروبها وماه الندى متظرغم
عينه توضي كنها شمعائي
وحنا ندين جارنا من كيلنا
وندينه دينٍ بغير وفائي
وتابا عن الطمع الزهيد انفوسنا
وفروجنا تابا عن الفحشائي
نصبر ولو طق القصير خيارنا
من خوفنا تشمت بنا الأعدائي
ثم الصلاة على النبي محمد
ما لعلعت جنح الدجى الورقائي
تخريج النص الأول
لا يكاد يخلو ديوان أو مخطوط من هذه القصيدة، وإن كانت تختلف في بعض أبياتها من ديوان لآخر وتزيد وتنقص، وقد اعتمدت ما ورد في مخطوط مجموع شعر نبطي لجامع مجهول كأساس، مكتفياً بمقارنته بما جاء عند سليمان الدخيل في مخطوط كتاب البحث عن أعراب نجد وعما يتعلق بهم، وكذلك بما دوّنه الحاتم، وملتزماً بترتيب النص الأساس، بغض النظر عن ترتيب الأبيات في المصادر الأخرى.
الشاعر
هو أبو حمزة شفيع من بني شبانة بن قديمة بن شبانة بن عامر بن عوف بن مالك بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وثبت من خلال مدح الشاعر للأمير كبش بن الأمير أبي عامر منصور والذي تولى إمارة المدينة سنة 725هـ وقيل 727هـ، وقتل في نهاية شهر رجب من عام 729هـ. ومن ذلك نخلص إلى أن شاعرنا من مواليد النصف الأخير من القرن السابع الهجري ولم يتجاوز على الأرجح النصف الأول من القرن الثامن الهجري.
دلالة النص
تضمن النص دلالة على مكان وجود شاعرنا أبو حمزة حيث ذكر الضبيعة في هذا البيت:
خلف الضبيعه في دعاثير الغضا
مقصد مغيب النجمة الجوزائي
والضبيعة مدينة صغيرة شمال غرب الخرج، مازالت تعرف بهذا الاسم، ذكرها الهمداني في القرن الرابع الهجري، وقد سميت بذلك نسبة إلى بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل الذين منهم صاحب (النعامة) الحارث بن عباد بن ضبيعة.
دراسة النص
بدأ قصيدته باكياً على الاطلال التي محت آثارها السنين، محدداً مكانها شمال غرب الضبيعة، حيث يكثر في رمالها نبات الغضا، حيث كانت منازل حبيبته ذات الوجه الأبيض الوضاء وكأنه بدر أو مشعل ضوء في ليلٍ حالك السواد أو وميض برق يشق الظلام، ثم يعدد صفاتها الجمالية وكيف أنه فارقها بعد كان يتمتع بلقائها حينما يذهب إليها ليلاً قبل أن يسيل الندى عن أوراق العشب، وكيف أن كلاب الحي من خلفه تنبحه بأصواتها وهو يتقلد سيفه الصارم الذي هو نعم الرفيق عندما يحيط به الخوف والظلام من كل جهة، كما يتمنطق بخنجر معكوفة حول خصره، ثم يفتخر بشجاعته وفروسيته وأنه لم يشاهَد يوماً مع الرعاة الذين يهتمون بالإبل المصابة خلف القطعان أو يسوق مجموعة شياه، بل يوجد على فرس طويلة كأنها الفهد في وثباتها السريعة على جمع العدو، وعندما يفرّ قومه تكون بطيئة العدو كأنها مصابة بالعرج، فهو لا يهرب وإنما يكون خلف قومه لحمايتهم من العدو، ثم يدخل إلى الغرض الرئيس للنص وهو خلاف بينه وبين أحد أبناء قبيلته ومعه آخرون، إذ يبدو أنه حصل بينهم تنافر وحرب وافتخروا عليه بكثرتهم، ليؤكد الشاعر أنه ومن معه هم أهل الحرب وفرسان القبيلة المعدودين، وأن الكثرة لا تنفع الدجاج، أما الصقور الحرة فهي قليلة فراخها، وعندما يظهر في العش صقر حر أشقر الظهر متباعد ما بين ساقيه (أفحج) فستكون جميع الطيور عنده كطائر الحدأة، ثم الشاعر ينكر على خصمه ما اتهمه به من التحرش بزوجته، ويقسم الشاعر أنه لم ينظر إليها، فقد ذهبت مع ظعن بدو تميل بهم الجمال كما تميل العذوق في أعالي النخل، بل يؤكد أنه قد دافع عنها وهاجم الأعداء كما تهاجم أُسد الغاب فرائسها، ولن تتكلم النساء البيض المنعمات في ترف العيش أنه قد تركهن لعدو، بل إنهن وقد تكشفت الأغطية عن وجوههن كن يصرخن وينادين عليكم بأسمائكم وأسماء آبائكم، واسأل عن ذلك بني شبانة، وهم الكرام الشجعان، واسأل ربيعة بن مُقدم صاحب الفرس الخضراء عندما لحق به في المضيق، وطلب من الشاعر ألا يقتله حتى يدرك منه الجزاء، فرفع عنه الرمح وطعن أمير القوم صاحب القباء والجوخة الخضراء، كما أصاب برمحه الفرس الشقراء الصغيرة ذات الشعر الطويل المنسدل من الرأس والرقبة، ثم يفتخر بشجاعته وأنه قد أثخن فيهم الجراح وجعل دمائهم تسيل على مؤخرات أفراسهم كناية عن هروبهم منه، مبيناً أنه كثيراً ما كان يحمي ظُعنه منهم ويطردهم عنها كما تُطرد الإبل الظامئة عن الماء العذب الصافي، وكل ذلك لعيون فتاته الجميلة ذات البشرة المختلط بياضها بالحمرة فكانت كالذهب المخلوط بالفضة البيضاء، ليؤكد مفتخراً أنه (أبو حمزة الشيخ المقدم في بني عامر وفارسها المعروف في الحرب، ولن يترك التشبيب بالنساء حتى وإن كبر سنه واحدودب ظهره وسيبقى هو وقومه مرهوبي الجانب كأنهم ثعبان الصل الذي يُخشى سمّه، كما أنهم كرام يبذلون لجارهم من أموالهم ولا ينتظرون منه الوفاء، فنفوسهم العزيزة تمتنع عن الطمع الزهيد، وهم أهل شرف وعفاف عن الفحشاء، ويتحملون أذى الجار وإن ضرب كبيرهم حتى لا تشمت بهم الأعداء.
اختلاف الروايات حول النص
سنقتصر على بعض الاختلافات بين المصادر، بما يعطي تصوراً واضحاً عن تدخل الرواة في الأبيات بحسب ما يتفق مع فهمهم لها:
1- الدخيل (عوجا لي) (نبصر)، الحاتم (نبصر).
2- الدخيل (عفت)، الحاتم (خلت من ربع ساكن حيها(.
3- الدخيل سبق هذا البيت ببيت لم يذكر عند سواه:
أوهى بها صرف الزمان فلا بقى
إلا الرسوم وما يهضن عزائي
الدخيل (في غراميل الغضى)، (قصد المغيب لانجم)، الحاتم (يمين الضبيعة).
4- الدخيل سبق هذا البيت ببيتين يتسقان مع السياق المعنوي لما قبلهما من بكاء الأطلال
ضلت بها عنسي تدور وضل بي
وجداً قد أوقد ضامر الاحشائي
من باكر حتى هفت شمس الضحى
لمغيبها واقتادها الممسائي
الدخيل (كأنها قمر يشق حنادس الظلماء) وهذا ركيك وما ثبت أقوى منه.
5-الدخيل (أو مشعل من قابس في ربوة).
6-الدخيل (فالى تبسم عن ثنايا ذبل أيضاً ومقلة جادل نعساء). الحاتم (تبسم).
7-الحاتم (ولا مصبوبة).
8-الدخيل (كأنها وصف).
9-الدخيل (جاد الزمان بطيب وصلها).
10- الدخيل:
ضويتها والليل قد حط الندى
ومن ورائي ضواري نومائي
11-الدخيل (مستنجد صافي الحديدة صارم ماض الذؤابة ينوض في يمنائي)، الحاتم (متنجد) (صارم).
12-الدخيل (يمضي به)، (بالليلة الليلائي).
13-لا اختلاف فيه.
14-الدخيل (اجزي ضلع)، الحاتم (ادرج ضلع).
15-الحاتم (مشبوحة العلبائي).
16-لا اختلاف فيه.
17-الدخيل:
كالفهد في وثباتها فأردها
خلف المخلا كأنها عرجائي
وعند الحاتم كما يلي:
هي الأوله حد الورود واردها
خلف السبايا كنها عرجائي
وهنا يتضح تعديلهم بحسب ما يرون معناه قريباً من فهم المتلقي، وبالوصف المندرج في زمنهم، مع العلم أن البيت في المرجع المعتمد واضح وأبلغ.
النص الثاني
يا الله يا المطلوب يا جزل العطا
يا من بغيب العالمين ترائي(1)
يا من إذا قد قال كن كان الحيا
تحيي العظاه اليابسه بالمائي(2)
اطلبك مطلب كل من كان مخلصاً
بعد الرضى في عيشة سعدائي(3)
وأسالك يا مولاي تحسن ميتتي
في ساعةٍ ما مثلها برقائي(4)
أني بليت بأربعٍ لم يخلقوا
الا لكثر شقاءتي وعنائي(5)
ابليس والدنيا ونفسي والهوى
كيف النجاة وكلهم أعدائي(6)
اسير في الدنيا بقولة ما ترى
بناً وخرباً بالهناء ونهائي(7)
كم من غلام جا مطرب فيني
فضحكت له وسروتله بدهائي(8)
عبرت تميلهم شقات انفوسهم
حتى ترى طريقهم عوجائي(9)
من سار في طرق الخطأ ترك الهدى
مثل الذي في الليلة الظلمائي(10)
وانا الشبيبي شيخ سبع قبيلةٍ
شيخ آل مره بدوه وقرائي(11)
السائحين السارحين على العدا
القاطعين الشقة الفيحائي(12)
ما شاقني ان كان سمعت بصايحٍ
صوتٍ سمعته ليلة المسرائي(13)
وانا على الحيطان اهوجل بالدلا
اسقي جوادي كم من الشقرائي(14)
فنظرت وان ذا حرمةٍ مسلوبةً
تبكي بدمعة عينها الروشائي(15)
بيضا يحليها البياض بصفرةٍ
مثل الذهب في الفضة البيضائي(16)
فقلت وا بيضا عليك بسترك
العز تحت الخوده البيضائي(17)
وان كان لحقت البل وما رديتها
فانا خليل القصه السودائي(18)
فركبت فوق الصاعقه الهنديه
عشرين سلقت راسها شلقائي(19)
فلحقتهم وخضضت محمل خيلهم
واصطدت راعي الجوخة الحمرائي(20)
وقتلت منهم سبعةٍ وثمانيه
واشبعتهم للذيب والعرجائي(21)
واخرجتها سبق الطريق على العدا
واني براعي جيشها ملقائي(22)
اذا لفقت راس الشيوخ وحجةٍ
فالحكم تحت عمامتي صعيائي(23)
وازكى الصلاه على النبي المصطفى
من قد ترجا ليلة المسرائي(24)
تخريج النص الثاني
اعتمدت هنا النص الوارد في مخطوط يمني لجامع مجهول نسخ في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري بين 1918 – 1929م. وبذلك يكون أقدم مرجع أجده ذكر النص.
الشاعر
جاء في تقديم النص (هذه القصيدة الفريدة للشادي الأغن أبو جارالله الشبيبي رحمه الله)، وفي تعقيب سعود المري المنشور في جريدة «الرياض» ذكر أن اسمه الشيخ حمد بن هادي (الغيهبان) آل جابر المري، وقد نقل القصيدة من أحد كبار السن من يبرين، حيث عاش حمد بن هادي الغيهبان مع جماعته آل جابر يصيفون (في وقت الصيف) في العبر وحبونا في نجران ويربعون (وقت الربيع) في السودة (حدود المملكة مع الكويت)، وكانت أمه من أهل الجنوب وله من الإخوة اثنان، وحدث سوء تفاهم مع أحد كبار السن من القبيلة فقال الرجل لحمد (ليت الجنوبية ما كثّرت) أي ليت أمك لم تلدك، فغضب حمد وأخذ زوجته وإبله واعتزل جماعته وذهب بهم ناحية الجنوب، وبمروره على الأطواء التي تقع شرق السليل كان عنده مهرة أصيلة يدربها، فذهب ولما رجع إذ بزوجته تبكي قد سلب حليها وأخذت الإبل، فاستعان بمولاه واتكل عليه ولحق القوم ونصره الله عليهم، ورد إبله عليه فأخذ يقصد.. وبالتالي فإن النص لشاعر واحد هو أبو جارالله حمد بن هادي الغيهبان الشبيبي المري.
دراسة النص الثاني:
بدأ قصيدته داعياً الله عز وجل ومثنياً عليه ومتوسلاً إليه أن يرزقه الحياة السعيدة ويحسن خاتمته، ثم يتحدث بلسان الناسك المتعبد الذي يرى أن أعداءه أربعة هم إبليس والدنيا ونفسه والهوى، وينصح بالتمسك بطريق الهداية، ليوضح مفتخراً بأنه (الشبيبي) شيخ قبيلة (آل مرة) من البدو وأهل القرى، ثم يذكر قصة سماعه لصرخات امرأة تستنجد بينما هو على مورد ماء يسقي فرسه، فنظر فإذا هي امرأة قد تكشف سترها ذات بشرة بيضاء مخلوط بصفرة كأنها الذهب في الفضة، ثم يأمرها بالستر ويلحق بالغزاة ويقتل منهم صاحب الجوخة الحمراء وخمسة عشر آخرين، ليتركهم وليمة للذئاب والضباع.
اختلاف روايات في النص:
1-عند المري:
يالله يالمطلوب ياجزل العطا
ياللي بغيب الكامتين أدرائي
ويلاحظ أن مفردة (أدرى) بمعنى أعلم، ولكن تم عسفها بالهمز (ادرائي) وهذا لا يصح بل الأصح (ترائي)، وهذا يؤيد صحة اعتمادنا على المخطوط وتدخل الرواة في النص.
2-عند المري:
(البايدة بالمائي).
3-4- لم ترد عند المري.
5-عند المري:
ربي بلاني بخبرة لم يخلقوا
إلا لأجل شقاوتي وعنائي
6-عند المري:
أبليس والدنيا ونفسي والهوى
وكيف النجاة وكلهم أعدائي
واتبع هذا البيت ببيتين لم يردا في المخطوط:
إبليس يرمى بي لدرب مهونتي
والنفس ترمي بي على البلوائي
فإذا نهيت النفس عن درب الهوى
قامت تزايد دائماً قشرائي
7-8-9-10- لم ترد عند المري.
11-عند المري:
ابن شبيب والذي له سابق
من خيل نجد مهرة شعوائي
ويختلف في الترتيب في النص واتبعه بالأبيات التالية:
كود على الرجل القصير يعنها
إلا يعرضها شبا سندائي
أبرها ولابعد ركبتها
إلا نهار ميرادنا الأطوائي
سميت بالرحمن ثم ركبتها
وطلبت من عند الولي اهدائي
12-13-14 لم ترد عند المري.
15-عند المري:
يوم جيت لاذي كاعبي مسلوبه
تذرف بدمعة عينها النجلائي
16-عند المري:
بيضا مخالطها البياض بصفره
مثل الذهب في الفضة البيضائي
وأتبع ببيت لم يرد في المخطوط:
لاهي قصيره والقصيره شينه
ولاهي بالطويلة العنبائي
17-عند المري:
ثم قلت يالكاعب عليش بسترش
والستر تحت البيضة النصبائي
18- عند المري:
كاني لحقت البل ولارديتها
فانا رقيد القينة السودائي
واتبعه ببيت لم يرد في المخطوط:
وكاني لحقت البل ثم رديتها
فانا رقيد الكاعب البيضائي
19- لم ترد عند المري.
20-عند المري:
لحقت شيخ القوم ثم قضعته
قضع الجمال الصدر في الظلمائي
21-عند المري:
ذبحت منهم سبعة وثمانية
ورديت جزلاهم على الهزائي
22-لم يرد عند المري.
23-عند المري:
أنا الا اجتمعوا الشيوخ ثم جلهموا
فالعلم تحت العمامة الصعيائي
واتبعه بأبيات لم ترد في المخطوط ومعظمها أبيات مأخوذة من نص الشاعر أبو حمزة مع التغيير على الأبيات وأسماء الشخوص، ولا تتسق مع غرض النص ولغته وسياقه المعنوي، بما يؤكد أنها مزادة بتدخل من الرواة:
أنا كما رص نشا في رصرص
شروبه الداء والنداء والدائي
فلا بتلقاني مدرج ضلع
ولابراعي فرقة معزائي
لكن تلقاني على شلوانه
طويلة السمحاق والعلبائي
وحوافر مثل الزلف متجفيه
قباً قحوص تجرح البيدائي
تلحق ولايلحق بها طرادها
مثل الوحش لاعانق الربدائي
ياعم لاتفرح على بقله
يوم حن شوي وانتم الكثرائي
ترى الحرار عيالها ثلاثة
ولا الدجاج تكثر الضنائي
يشهد لفعلي ناصر بن مقرف
راعي الرغين وراعي الحمرائي
ساعة لحقته في المضيق فقال لي
يامن وياسر لابغيت جزائي
عدلت راس الرمح ثم ركزته
في راعي المجبوبة الزرقائي
ذا قول منهو ماغدا في زله
عند الرفاقة دائماً طرقائي
إلا ورى بدوان يام سابر
نكال كل سرية دهيائي
ياما خذينا دونهم من جرده
تلقى مراجع خيلهم هملائي
وياما عقرنا دونهم من سابق
بمسرهد وطويلة علبائي
أهل دهاديم الجهام وسربه
شهب على روس القناة أثنائي
واهل تطاليع القفور الاوزا
في القبض راعي الفرقة المعزائي
مرية في الحرب يضرب بها المثل
رجليهم يكسب مع المطائي
تكرم من الهرج الخبيث لحانا
وفروجنا تكرم من الفحشائي
مرباعنا السودة ومقياضنا العبر
ونجران وحبونا موارد مائي
هذا وصلى الله على سيد البشر
اختم بها قولي بعد مبدائي
النص الثالث:
لاح المشيب وبان في عرضائي
ونعيت من بعد المشيب صبائي
ونعيت خل كان في ماضي مضى
لاحت عليه بوارح الجوزائي
ومرةٍ جهالتها على كبيرة
تحسبني اخرج من نقا الدهنائي
تقول حط وقط والا ففارق
مالي بشوف الشيبة الشمطائي
قلت أيها الشوق الذي من قبل ذا
ماهوب شره يوم عصر اصبائي
واليوم خالفت الطبوع وكثرني
منك الكلام وزادت البغضائي
هو ذا طمع بي فهاك دراهم
وان كان بغض ما لقيت دوائي
البغض نفس ما تطيب على الرضا
وحش جفول فاتن الفرقائي
ذي عادة المحب وعاده
ما قط رافق صاحب البغضائي
وان كان تبغين قط همات الصبا
تراي عنها قد طويت رشائي
وان كان هو بغض أو صيدك طامح
فخذي ثلاث واضربي البيدائي
قلت دنانيري وعدت بهمه
جذت حبالي عن ورود الماء
العام انا لي كدة ما شومه
هبت عليها البارح اليمنائي
اسلفت بها يومين هم جذت
عنها العصير إلى أنها بيضاء
وادلجت راسي مرتين توجد
وصفقت بالوسطى على الطرفاء
وركبت من غالي النشيد بكاعب
غراء تشادي السابق الخضراء
حيرانة الدملوج غامضة الحشا
ما مسها خبث ولا سقواء
مصرية الأطراف ناعمة الصبا
قامت بردف كنها عجزاء
هركولة ياما اتلفت من جاهل
حقت على ديرانها الأنواء
سكنت قصور الوشم شرقي النقا
ما لاوذت من بارح الجوزاء
يممتها لابن نحيط كساب الثنا
ورث الشيوخ من أول الدنياء
ولد الحديثي الذي من لابته
ترثة تميم وفرعه العلياء
يا ابن حيط الله لي من عيله
خليتهم في الوشم في رجوائي
يرجوني وانا ارتجي من خير
والفضل من ندواك في يمنائي
وصلوا على خير البرايا محمد
ما ناض برق بالليلة الظلماء
تخريج النص الثالث
اعتمدت على ما ورد عند منديل الفهيد في كتاب من آدابنا الشعبية الجزء الثالث.
الشاعر
حميدان الشويعر وقيل إن اسمه الحقيقي حمد، من السيايره من الدعوم من بني خالد، عاش في مطلع القرن الثاني عشر الهجري، نشأ مزارعاً في بلدة القصب وفي أواخر عمره انتقل إلى بلدة أثيثية، وهناك اختلاف بين المؤرخين هل توفي شاعرنا في أثيثية أم أنه انتقل منها إلى بلدة أخرى، ومن خلال دراسة سبق ونشرتها هنا، رجح لدي أنه عاد إلى القصب وتوفي فيها في عام 1200هـ.
دراسة النص الثالث:
يتلخص موضوع النص في شكوى الشاعر من تبعات كبر السن وسوء معاملة زوجته له بسبب فقره وكبر سنه، ثم يمتدح ابن نحيط راعي الحصون طمعاً منه في العطاء ومراعاة لظروفه.
نتيجة المقارنة بين النصوص:
1-إن نص حميدان الشويعر في غرضه وسياقه المعنوي بعيد كل البعد عن التداخل مع نص أبو حمزة أو نص أبو جارالله الشبيبي (الغيهبان)؛ وبالتالي يستبعد، فمن السهل التمييز بينه وبين النصوص الأخرى، وبالتالي نقصر المقارنة بين النصين الآخرين.
2- زمن الشاعر أبو حمزة لم يتجاوز النصف الأول من القرن الثامن الهجري، بينما زمن الشاعر الغيهبان بحسب سلسلة النسب المنشورة في التعقيب (سعود بن فهيد بن جباره بن قريع بن فهيد بن عويضة بن فهيد بن علي بن حمد بن هادي بن حمد (الغيهبان) بن هادي بن حمد علي آل جابر المري)، وبالتالي يكون بينه وبين صاحب التعقيب تسعة آباء، وبحسبة الأجيال يكون الزمن قبل ثلاثمائة سنة أي من أهل القرن الثاني عشر أو على الأبعد أواخر القرن الحادي عشر، وبذلك زمن ابو حمزة متقدم عليه، ما يعطي تصوراً حقيقياً عن مسحة الفصاحة التي تظهر جلية على قصيدة أبو حمزة.
3-قصيدة الغيهبان في المرجع الأقدم (مخطوط يمني) لم تتداخل مع قصيدة ابو حمزة في أي من أبياتها.
4-أبو حمزة استهل قصيدته باكياً على الأطلال ومشبباً، ثم عرج على ذكر معركة وخصومات مع أبناء عمومته مفتخراً بنفسه وواصفاً جواده في سياق معنوي مترابط، وهو مختلف عن غرض قصيدة أبو جارالله الشبيبي الغيهبان في المرجع الأقدم، حيث الأبيات لا تخرج عن وصف الحدث الذي قيلت فيه من خوضه معركة مع بعض الغزاة الذين سلبوا إبل إحدى الفتيات، وقام الغيهبان باستعادتها دون أن يكون هناك مجال للغزل.
5- من المقارنة بين الروايات في قصيدة الغيهبان، يظهر جلياً تدخل الرواة إضافة وتعديلاً.
6- الضبيعة من منازل بني عقيل قبيلة الشاعر أبو حمزة في تلك الفترة، ولم يرد ذكر الأطواء في نصه أو في نص أبو جارالله الشبيبي (الغيهبان) في المخطوط اليمني بينما وجدت في الروايات المحورة.