1,210 عدد المشاهدات
الكاتب: د. علي بن ذيب الأكلبي – أكاديمي في جامعة الملك سعود
برز أخيراً مصطلح الوصول الحر تزامناً مع ثورة المعلومات واتساع المخزون المعرفي على شبكة الإنترنت، والمناداة بإتاحة الوصول إلى مصادر المعلومات على الشبكة العنكبوتية بدون مقابل، حيث يعني الوصول الحر للمعلومات تمكين الباحثين من الوصول المجاني لمصادر المعلومات.
ولأن التعريف بذاكرة الأمم ورصد مسيرتها العلمية والمعرفية والتطور البشري والحضاري لها مسؤولية أصيلة يضطلع بها العلماء ومؤسَّسات المعلومات بكل أطيافها، فإنَّ إتاحة تلك المعارف للوصول الحر لا تُقدَّر منافعها بمقدار محدد، بل إنها ذات نفع متعدد ليس أقلّه أن يتمَّ كشف الكذب والتدليس ومجابهة المغالطات والتزييف الذي يطول ثقافتنا وتراثنا من بعض المناكفين لنا ولديننا ولغتنا العربية.
إنَّ إتاحة التراث الرقمي العربي الإسلامي للوصول الحر هو جزء من التعريف بهويتنا ومن الحفاظ على المصادر الفكرية والثقافية، ويقلل من المخاطر والتحديات التي تكتنفُ تراثنا بِصُوَرِهِ كافَّة، ويقلل من احتمال ضياعه، أو تلف أو اندثار أجزاء منه لوجوده في متناول الجميع وبشكل آمن.
إنَّ تبني سياسة الوصول الحر لمصادر المعلومات التراثية والتاريخية، بل وبقية المعارف بشكل يُعدُّ رافداً حقيقياً لإثراء المحتوى الرقمي العربي، ويقلِّلُ أو يحدُّ من عوامل خطر اندثار أو تشويه التراث الرقمي عندما يبقى محدود الوصول، وتكتنف عمليات استرجاعه كثيراً من القيود التي لا تسمح بتصفحه ولا البحث فيه بشكل حر، وبالتالي فإنَّ العلماء والباحثين سيكون بمقدورهم الوصول إلى حقيقة المعلومات المتعلقة بالتراث والتاريخ والأدب العربي والإسلامي في مصادره الأصلية، وبما يساعد على تكوين الوعي السليم بالأمم التي أتاحت الوصول الحر لتراثها الرقمي دونما شكوك، ودونما تخرصات ولا تكهنات، فإتاحة المصادر تقطع التقوُّل على من أتاح مصادره بغير علم.
وتستطيع مؤسسات المعلومات القيام بمسؤوليتها تجاه إتاحة الوصول الحر للتراث الرقمي من خلال إنشاء المستودعات الرقمية المؤسَّسية المفتوحة التي تجعل الوصول متاحاً لكل أحد وفق سياسة الإتاحة المعلنة، وبما يحقق الهدف من الوصول الحر، ويوسع دائرة التعريف بالحضارات والتاريخ من مصادر أصيلة، وتضطلع بمسؤولية التحقُّق من سلامة المحتوى الذي تتيحه على مستودعاتها، على أن يكون الاستشهاد فقط بالمؤلف والكاتب كصاحب للعمل.
ويمكن إثراء محتوى هذه المستودعات عبر ما يتوافر من معلومات تعود ملكيتها للجهة التي أتاحتها، أو من خلال إيداع صاحب الإنتاج الفكري نسخة مجانية من إنتاجه، سواء كتاباً كان أو مجلة أو مخطوطاً، أو غير ذلك من الأنواع للاستخدام المجاني مع المحافظة على حقوق الملكية الفكرية، وهذا يتماهى مع مبادئ المعرفة للجميع والتنمية المستدامة.
وعندما تتسع مساحة الوصول الحر للتراث الرقمي، فإنَّ ذلك يقلل من احتكار المعرفة ومصادر المعلومات من قِبَل الأفراد أو المؤسَّسات، ويحفظ حقوق الملكية الفكرية ونسبة المعلومات إلى مصادرها مع الإسهام في زيادة استخدامها والاستشهاد بها، وفي هذا تعزيز ودعم لحركة البحث والتأليف والنشر وتلبية لحاجة المجتمعات المعرفية والبحثية دون قيد أو شرط، وتهيئة المناخ العلمي المناسب الذي يسهم في توثيق الصلة بين الباحثين الذين تبادلوا المعرفة عبر الإتاحة الحرة.
وتبقى التحديات التي تعترض طريق الوصول الحر للمعلومات بشكل عام قائمة في طريق الوصول الحر لمصادر معلومات التراث الرقمي، ومن بينها تعذُّر إتاحة النصوص الكاملة لأهميتها أو حساسيتها، أو عدم توافر أجزاء منها، أو تشكيك بعضهم في صحتها، كما أنَّ الإتاحة الرقمية تتطلَّب دراية كافية لدى العاملين في مؤسَّسات المعلومات، كما تتطلَّب تأهيلاً وتدريباً على رأس العمل، والأمر ذاته قد ينطبق على المستفيدين من حيث حاجتهم إلى معرفة آليات استخدام محركات البحث والقدرة على الاسترجاع الفعال لتلك المعارف، كما أنَّ التحديات القانونية وسياسة الاستخدام العادل، وما يتعلَّق بقواعد المعلومات التجارية تبقى من التحديات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والخلوص إلى شكل أمثل للمسائل المتعلقة بالوصول الحر لمصادر المعلومات مجاناً من خلال الإنترنت للعامة، وخاصة أنَّ كثيراً من مصادر معلومات التراث يتم التعامل مع حقوقها الفكرية بطريقة مختلفة تماماً، خاصة ما مضى على وفاة أصحابها المدة التي تنتهي معها ملكية المؤلف أو ورثته لحقوق نشرها وتوزيعها.