1,539 عدد المشاهدات
الكاتب: د. علي الأكلبي
الاهتمام بالتاريخ والبحث في سيرة الأشخاص البارزين في إرثنا المجيد؛ البعيد منه والقريب، من الأهمية بمكان حيث لا غنى عنه في استلهام العبر واستمرار المسيرة الطيبة، وفي التاريخ ما يشفي ويكفي لتقوم الحضارات وتستمر الأمم في التطور والبناء، وهذا ما أكَّدت عليه الكثير من النصوص القرآنية ومنها الآية الكريمة “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)”سورة يوسف. وانطلاقاً من ذلك، فقد ظهرت بعض البرامج الثقافية والمقالات العلمية التي اختطت طريق البحث في التاريخ والموروث والعمل على إعداده في قالب مشوّق يستحثُّ الجيل للمتابعة والاستفادة ممَّا اشتمل عليه من دروس ونصائح وتوصيات، ويأتي البرنامج الرمضاني التاريخي الثقافي الشهير ( الراوي) في كلِّ عام، والذي يُعِدُّ ويُقَدِّمُ حلقاته المؤرِّخ والأديب الإماراتي جمال بن حويرب، ليكون وجبة ثقافية رصينة في قالب تلفزيوني مشوّق، وبأسلوب تقديم خاص لا يُجيده إلا مُقَدِّمُ البرنامج وأمثاله ممَّن لديهم الأهلية العلمية، والتأهيل المهاري لمثل هذا العمل الجميل.
ها هو “الراوي” يدخل عامه التاسع في فتوة وحيوية تزيده ألقاً وتميُّزاً بعدما أنجز منه ثماني نسخ، حيث تعاقبت حلقات سلسلته التي تعرض سنويًّا في شهر رمضان المبارك على قناة دبي، وتحظى حلقات البرنامج بمتابعة الكثيرين من المتخصصين في الفكر والتاريخ والثقافة، والمهتمين بهذا الشأن وغيرهم ممن أحبُّوا البرنامج ووجدوا في حلقاته المتعة والفائدة، حيث لا يهدأ مُعِدُّه ومقدِّمه المؤرخ والأديب جمال بن حويرب، من التطواف بمتابعيه للوقوف عن كثب على أبرز ملامح سيرة الأعلام البارزين في السياسة والفكر والثقافة في عالمنا الواسع، وفي مادة البرنامج يتمُّ التركيز على إبراز أهم ملامح السيرة للعديد من الشخصيَّات البارزة، التي حظيت باهتمام العامَّة في أسلوب أدبي رائع لا يملك معه المشاهد الكريم إلا الإصغاء باهتمام كبير.
لقد أخذ مُعِدُ ومُقَدِّمُ برنامج الراوي على عاتقه، القيام بالحفر والتنقيب بقوة في جنبات وأعماق التاريخ، ليلخِّصَ لنا أهمَّ تلك المشاهدات ويرويها مع ضيوفه الذين يتمُّ اختيارهم بعناية في وقت وجيز من خلال تقديم وثيقة تاريخية تمنح للأجيال القادمة فرصة التعرُّف إلى إرث وحضارة المنطقة والثقافات المتنوعة عن قرب، إلى جانب استعراض أهمِّ المحطات في مسيرة أبرز الشخصيات المؤثرة في التاريخ، ويستقي البرنامج ما يقدمه من معلومات من مصادر موثوقة، بعد عملية بحث وتحقيق ومقارنة واطلاع وتنقيح مضنية، لتترك المتابعين بعد نهاية كلِّ، حلقة وقد عقد أكثرهم العزم على الاستعداد للحضور في مجموعة المشاهدين للحلقة التالية بناءً على ما تركته الحلقة السابقة في نفس المشاهد من متعة وفائدة، كيف لا وقد تلقى في البرنامج ما حاز اهتمامه من تلك الأخبار والمعلومات الموثوقة التي تمتاز بالدقة والموضوعية عن شخصيات ومحطات البرنامج يوميًّا.
إنَّ هذا البرنامج وما يشابهه من برامج في محطات ووسائل الإعلام كافَّة، تستحق الرعاية والعناية والتشجيع لها، لتمد الجسور بين الأجيال المتعاقبة، وتردم باقتدار فجوات الزمان بما يساعد على استكمال المسيرة واستمرار الإنجاز.
أرجو أن يستمرَّ عطاء هذا البرنامج في كلِّ عام، وأن يتمَّ التأسيس لاستمراره ورسم خطه الذي سار عليه، ليبقى همزة وصل تربط الجيل بماضيهم وحاضرهم، وتأخذ بأيديهم لمستقبل مشرق، وأدعو إلى تكرار فكرته في مجالات أخرى ونطاقات موضوعية مختلفة، لتسهم معه في إثراء الساحة الثقافية بالمفيد، كما أرجو ألا تندثر حلقات البرنامج السابقة ويعفو عليها الزمن، بل يتمُّ حفظها وتنظيمها وإتاحتها ضمن المحتوى العربي في المكتبات الرقمية.