1,986 عدد المشاهدات
الكاتب : إلهام المسكري – مؤلفة سلسلة كتاب الخيل
بينما أتأمل رحلة اكتشاف الذات التي قمتُ بها أخيراً، لا أزال أشْعُرُ بالسعادة بسبب الطريقة التي نَهَجْتُها في نَسْجِ علاقتي بالخيولِ. نَمَتْ هذهِ العلاقة على الأرضِ وعلى السرجِ، حتى أثَّرت في تطويرِ بَعْض جوانِب شخصيتي التي أحْضُنها اليوم. بدأت قصتي بفضولٍ بسيط «لمس وحك الخيل وإعجابي لركوبها». في تلك المراحل الأولى لم أكن أعْرف شيئاً عن عجائبِ عالمِ الخيول التي لم أستكشفها بعد. لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى بدأت في ربطِ تجربتي على السرجِ بممارساتِ حياتي اليومية. رأيتُ نفسي أتعلَّم من الخيلِ فنَّ مواجهة الخوف وطريقة التغلُّب على لحظاتِ عدم اليقين وتذليل التحديات. كان شغفُ التعلُّم والطموح والمثابرة المتزايد في حلبةِ الفروسية ينعكس بوضوح على حياتي الشخصية والمهنية.
فلسفة التعلُّم
عندما دَخَلْتُ تجربة التدريس المنزلي، نقلتني رسالتي إلى العديد من المجالات وصفحات المنتديات التي من خلالها تعرَّفت إلى فلسفة التعلُّم بمساعدة الخيول (EAL). EALهو نموذج يستخدم لتعزيز النمو الشخصي والجماعي من خلال تمارين التعلُّم التجريبي ذات الهدف الموضوعي على الأنشطة الأرضية بدلاً من «الركوب».
كما الحيوانات الفريسة، الخيول حسّاسة للغاية لبيئتها وتتفاعل مع لغة الجسد والعواطف. وللخيول الذكاء والقدرة على قراءة النوايا الحقيقية للآخر. وبسبب هذه الخاصية المذهلة، فهي تتفاعل معنا من منطلق احتمالات تصرُّفاتنا حسب الرسالة التي نعرضها والطاقة التي نردِّد صداها. وبذلك فهي تقدِّم قراءات وانعكاسات من وحي الملاحظة وليس من وحي الخيال أو نتيجة انفعالات اعتباطية. إنه انعكاس حقيقي على كيفية تعاملنا مع بناء العلاقات وعملية التعلُّم وإدارة التحديات. يحدث تعليم EAL باعتبار الخيول هي التي نتعلم منها! لقد أثبتت هذه الفلسفة الناشئة فعاليتها وممارستها عالمياً، وأخذت في نمو شعبيتها في العقد الماضي لمساهمتها في العديد من المجالات؛ مثل العلاج والتدريب، وتنمية الشخصية، والقيادة التنظيمية، وأنشطة محو الأمية والتعلُّم لمختلف الفئات العمرية.
بركة الخيل
لقد اهتمَّ العرب والمسلمون منذ القدم بالخيل وتربيتها، حتى إنَّ رسول الله صل الله عليه وسلم حضَّنا على تعليم أبنائنا ركوب الخيل عندما قال: «علِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل». وقال أيضاً: «… وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَواصِيها الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». هكذا وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم استدامة بركة الخيل وعلاقتها مع الزمن.
تاريخياً، لعبت الخيول العربية دوراً محورياً في الحرب والسلام، وحركة النقل والتنقل، وبناء علاقات الصداقة والتعاون بين البشر. وحتى اليوم، وببركة سماتها الفريدة من جمالها وقدرتها على التحمُّل فهي لا تزال واحدةً من أكثر سلالات الخيول قيمةً في العالم.
مفتاح الألغاز
من شبه الجزيرة العربية، حيث تتجذَّر أصالة الخيول العربية ببيئتها وعمق تراثها، فإنَّ هذه الخيول دُرِّبَت في الصحراء على يد البدو العرب الرُّحَّل، وغالباً ما كانت تعيش معهم في الخيام لتوفير المأوى والحماية. هذا الارتباط الوثيق بينها وبين الإنسان هو مفتاح لغز قدرات وشخصية الخيول العربية، كونها أكثر تعلُّماً وطاعةً لأصحابها.