تاريخ الخدمات الصحية في دبي

الكتاب مجلة مدارات ونقوش – العدد 2

 2,892 عدد المشاهدات

مركز جمال بن حويرب للدراسات- دبي

 

قالت الدكتورة رفيعة عبيد غباش، رئيسة جامعة الخليج سابقاً، مؤسِّسة متحف المرأة في دبي، ومؤلفة كتاب “تاريخ الخدمات الصحية في دبي”: إنَّ البحوث والدراسات أهمُّ بكثيرٍ من شهادات الطب وغيرها، وقد أجريت أكثر من 45 بحثاً ودراسة طبية وصحية، نشرت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وأنحت الدكتورة غباش باللائمة على الانتداب البريطاني لمنطقة الخليج، في القرن الماضي ، بصورة عامة، ولدولة الإمارات بخاصة، كونه لم يهتم بإنشاء العيادات والمستشفيات، وصحة الناس، في حين كان السكان يعانون من الأمراض والأوبئة، ووصفته بأنه من أسوأ أنواع الاستعمار، على عكس الأميركان، الذين كانوا يأخذون الجانب الصحي للسكان بعين الاعتبار.

جاء ذلك في ندوة نظَّمها مركز جمال بن حويرب للدراسات، في إطار برنامجه التثقيفي والتوعوي. تحدَّثت فيها الدكتورة رفيعة غباش عن “تاريخ الطب والخدمات الصحية” في دولة الإمارات  بصورة عامة، وفي دبي بخاصة، شهدها عدد من المسؤولين والمثقفين والإعلاميين، ومسؤولين من القطاع الصحي في الدولة، وطغى الحضور النسائي الذي كان لافتاً.

كان في مقدمة الحضور معالي عبدالله غباش، وزير الدولة السابق، الكاتب والأديب عبد الغفار حسين، بلال البدور، سفير الدولة السابق في الأردن، الكاتب والأديب محمد صالح القرق، مؤلف كتاب “غيض من فيض” الذي جرى التوقيع عليه في الأمسية ذاتها، والدكتور صلاح القاسم، المستشار في هيئة الثقافة والفنون في دبي، د. جمعة خلفان بلهول ، المدير العام الأسبق لهيئة الصحة والخدمات الطبية في دبي، وصاحب مستشفيات بلهول، د. شهاب غانم، الشاعر والكاتب، الباحث التراثي رشاد بوخش، د. خالد الوزني، المستشار في مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، علي عبيد رئيس، دائرة الأخبار في مؤسَّسة دبي للإعلام، القنصل الجزائري في دبي، محمد الدراجي، والأستاذ عبدالله الرستماني، إضافة إلى جمع من الأطباء والطبيبات ورجال الصحافة والإعلام.

موضوع مهم

بداية رحَّب جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، رئيس المركز، بالدكتورة رفيعة غباش، وقال: تمَّ اختيار هذا الموضوع “تاريخ الصحة في الإمارات”، كونه يهم كل مواطن ومقيم على أرض هذه الدولة المعطاء، ولنعرف من خلالها، كيف كانت الخدمات الصحية في بلادنا، قبل نحو نصف قرن، وما آلت إليه اليوم، حيث أصبحت الإمارات في مقدمة دول العالم في مجال المستشفيات المعتمدة عالمياً.

وقدَّم بن حويرب المحاضِرة قائلاً: تعدُّ الدكتورة رفيعة غباش واحدة من أعلام النساء في الإمارات، تحمل شهادة دكتوراه في الطب النفسي من جامعتي القاهرة ولندن، ولها عشرات البحوث والدراسات في هذا المجال، ولها كتاب عن “تاريخ الطب في الإمارات”، وخاصة في دبي، وهو مفقود من الأسواق، واتفقنا على طباعته مجدداً، ليكون في متناول الجميع.

وأضاف أنَّ الدكتورة رفيعة غباش، كما تعلمون، هي التي أنشأت متحف المرأة في دبي، بل في الإمارات، وعلى حسابها الخاص. ولنا الفخر، كونه يعدُّ الأوَّل من نوعه عربياً.

وأشاد بن حويرب بالدكتور جمعة بلهول، قائلاً: للدكتور جمعة باع طويلة في تطوير الخدمات الطبية في دبي.

45 بحثاً ودراسة

الدكتورة رفيعة غباش، تحدَّثت قائلة: جاء اهتمامي بالطب النفسي كونه يشكِّل أهمية كبيرة في حياة البشر، وتطور المجتمع صحياً. وقد أجريت 45 بحثاً ودراسة حول هذا الموضوع، تمَّ نشرها في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا؛ لأنهم هناك يهتمون بمجالات الطب النفسي كثيراً.

وأضافت: بدأت في العام 1987 – 1988، بحوث التحضير لشهادة الدكتوراه، وكنت أجري دراسات ميدانية في البيوت والسكيك، لكن لا أحد يعرف نتائجها، وعندما عدت من بريطانيا كان معي 6 شهادات في الطب غير الدكتوراه؛ لأنَّ نظام التعليم البريطاني يسمح بذلك.

ولأنَّ- في اعتقادي- الدراسات والبحوث أهم من كل الشهادات، فقد شكَّلت فريق عمل، لإجراء بحث ميداني في مجال الصحة النفسية، من حيث تأثير التغيُّر الديمغرافي والبيئي على النساء في دبي، وعلى وضع المرأة اجتماعيًّا ونفسيًّا وصحيًّا، واستعنت بأحد المشرفين في هيئة كهرباء ومياه دبي لمعرفة البيوت وأصحابها، وركَّزت على عينة عشوائية، بعد أن زوَّدني المشرف بلائحة أسماء معروفة، لم تكن هي المطلوبة في عملي.

واسطردت: بدأت من الحمرية في ديرة، مروراً بمنطقة جميرا، ثم أقاصي العوير والخوانيج، وغيرها، دخلت خلالها نحو 800 بيت. وكان بعض النسوة في جميرا يستهجن ما أقوم به؛ إذ كيف يجوز لامرأة أن تسوق سيارة، وتدخل البيوت للسؤال والاسقصاء، وبعضهن كنَّ يقدِّمن لي “العيش والسمك” ظناً منهنَّ أنني جئت لطلب المساعدة.

في العين ومستشفى دبي

وقالت غباش: بعد نحو 10 سنوات على هذه الدراسة، طلبت مني جامعة الإمارت إجراء دراسة على نساء العين، وقد ساعدني فريق مكوَّن من أكثر من 30 باحثاً من الرجال والنساء، وكانت النتيجة أنَّ نسبة الأمراض النفسية بينهن لاتتجاوز 7%، وهي أقلُّ ممَّا هي في دبي.

وأشارت الدكتورة غباش إلى أنَّها أجرت دراسة بيولوجية عن ظاهرة اكتئاب النساء بعد الولادة، في مستشفى دبي، حيث كانت تقابل النساء اللاتي ولدن قبل يومين، فجاءت النتائج مقبولة، 80% أعراض نفسية، ما برحت أن انخفضت بعد 6 أشهر إلى نحو 4%.

وأكَّدت الدكتورة رفيعة أنَّ دولة الإمارات تعدُّ الأكثر في نشر أبحاث الطب النفسي عربيًّا، أكثر من مصر والأردن وغيرهما، ولعلَّ الفضل في ذلك يعود إلى معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، وزير التعليم العالي والبحث العلمي- آنذاك- “1996- 1999”.

وأشارت المحاضرة إلى دور ندوة الثقافة والعلوم بدبي، في تشجيع أبحاث الطب النفسي، وقالت لقد منحتني “الندوة” الجائزة الأولى، مؤكِّدة أنَّ توثيقَ تاريخ الطب مهمة وطنية.

تاريخ الطب

تحدثت الدكتورة رفيعة عن تاريخ الطب في الإمارات، وأشادت بدور الكاتب الصافي، والكاتب عبدالله عبدالرحمن في توثيق هذا الأمر من خلال كتابه “فنجان قهوة”، وذكرت أنَّ هناك أكثر من خمسين معالجاً مواطناً، كانوا يتواجدون آنذاك، منهم أحمد بن سالم بن مزروع، وابنته منيرة، ورفيعة بنت ثاني، والدة حسين بن لوتاه التي كانت جريئة في وضع الخلطات، معتمدة بذلك على كتاب “الحكمة”. وقالت إنَّ صالح المطوع لديه مخطوطة نادرة عن العلاج الطبي في الدولة.

كما ذكرت أسماءً نسائية كنَّ يعالجن المرضى، منهن: آمنة بودبس، شيخة بالحصا، مريم بنت سهيل الحمر، روضة خميس المنصوري، فاطمة صقر سالم النعيمي، سهيلة الدليل وعفراء سالم بن فروج.

وتحدثت الكتورة غباش عن تاريخ الطب الحديث قائلة: دخل الطب الحديث بلاد الخليج العربي من خلال الحملات التبشيرية، وبالذات على يد الأميركان؛ إذ تمَّ تأسيس أول مستشفى في البحرين في العام 1903 على يد شارون توماس الذي جاء قبل نحو عام إلى البحرين.

وكانوا يعالجون المرضى مع حملات التبشير للدين المسيحي، لكن العلاج كان بغرض إنساني.

وأضافت: في العام 1935 ضرب المنطقة وباء الجدري، فكتب الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة، رسالة إلى المعتمد البريطاني في البحرين، يطلب المساعدة لمواجهة المرض، الذي أودى بحياة العشرات، منهم 10 في دبي و3 في الشارقة.

كما كتب الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي، آنذاك، رسالة مشابهة، يطلب فيها المساعدة، وأمر بعدم عزل المرضى، لعدم توافر البيوت لذلك العزل.

مستشفى المكتوم

وذكرت الدكتورة رفيعة غباش أنَّ أوَّل عيادة أنشئت في دبي، كانت في العام 1943، وأنَّ مستشفى المكتوم تم إنشاؤه في العام 1949، وتمَّ تكوين دائرة الصحة والخدمات الطبية في دبي عام 1970، وكان الدكتور جمعة خلفان بلهول أحد مديريها العموميين.

ومن الأطباء المواطنين ذكرت المرحومين، محمد حبيب الرضا، وعبد الحسين كامكار.

وختمت المحاضرة بالإشادة بجهود حكومة الكويت في رفد الخدمات الصحية بالإمارات، وتقديم الدعم والعون لها، من خلال البعثة الطبية الكويتية، حيث تمَّ إنشاء مستشفى الكويت في العام 1954.

وفي ختام الندوة، شكر جمال بن حويرب المحاضِرة والحضور، قائلاً: سألت مسؤولاً بريطانياً ذات يوم، أنتم كمستعمرين لم تتركوا لنا ما يشير إليكم بالجميل من القول أو الفعل، فأجاب: نحن لم نكن مستعمرين، بل كانت هذه البلاد تحت الانتداب البريطاني، ليس إلَّا!!

فبهت لهذا الرد اللامنطقي. ولكن نحمد الله سبحانه وتعالى على عطاء شيوخنا وحكامنا الكرام، الذين لم يدخروا ذخراً إلَّا وسخَّروه لخدمة بلدهم وشعبهم، وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت الأولى في العالم من حيث المستشفيات المعتمدة عالميًّا.

وعقب رشاد بوخش مطالباً بإنشاء متحف عن تاريخ الطب في الإمارات، أمَّا الدكتور جمعة بلهول، فعقَّب قائلاً: صحيح، نحن في المؤسَّسة الطبية في دبي، خسرنا الدكتورة رفيعة غباش؛ فهي تمتاز بروح القوة والتحدي، وتبحث في دقائق الأمور وتفاصيلها، لكن نجاحاتها هذه، التي حققتها لدولتنا في مجالات البحث والطب، تدعوني إلى أن أقف لها تحية تقدير واحترام.

 

إضاءة
د. رفيعة غباش
ولدت بدبي في العام 1957، وترعرعت في بيت كنفه العلم والتعلُّم، فكان طموحها منذ البداية دراسة الطب.

التحقت  في عام  1975 بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، ولدى عودتها  في عام 1983 بعد حصولها على بكالوريوس الطب والجراحة التحقت بمستشفى راشد لممارسة الامتياز.

مثَّلت الدكتورة غباش نموذجاً للفتاة الإماراتية المجتهدة، وخطت وفتيات جيلها أولى خطوات الرعيل الحديث كعنصر نسائي يدخل معترك مزاولة مهنة الطب، لتنتقل بعد ذلك إلى مجال التدريس، فقد عيِّنت في عام 1985 معيدة بكلية الطب والعلوم الصحية في  جامعة الإمارات العربية المتحدة.

بعد ذلك وبفترة وجيزة حصلت على منحة في  لندن لإكمال تحصيلها العلمي، فحصلت على الدبلوم الأول في الطب النفسي للأطفال، والدبلوم الثاني في  الطب النفسي خلال عام 1988.

وفي عام 1992 حصلت على الدكتوراه في وبائيات الأمراض النفسية من جامعة لندن، وعادت بعد ذلك إلى الوطن لتكمل مسيرتها الأكاديمية في  كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، فعيِّنت مدرساً بقسم الطب النفسي، لتتدرَّج بعد ذلك في عدد من المناصب؛ مساعداً للعميد لشؤون الطالبات، ووكيلاً لكلية الطب والعلوم الصحية، وفي عام 1999 حصلت على درجة أستاذ مساعد لتتولى بعد ذلك عمادة الكلية، وفي عام 2001 ‏عيِّنت رئيساً لجامعة الخليج العربي في البحرين، لتنتقل إلى مسيرة بناء أخرى في موقع آخر.

لها اهتمامات كثيرة بالنشاطات النسائية، حيث شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات الخاصة بالمرأة، سواء على الصعيد الطبي، أومن خلال نشاطها المجتمعي.

وهي عضوة في العديد من الجمعيات والمؤسَّسات العلمية والمهنية، وعضو في مجلس جامعة الإمارات العربية، ‏وكذلك نائباً للأمين العام لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية بين عامي 1999 – 2003، والمجلس الطبي العام في بريطانيا، ورئيس لجنة الأطباء السريرين لجمعية أطباء ما وراء البحار التابعة لمعهد الطب النفسي في لندن.

أسَّست متحف المرأة على نفقتها الخاصة في دبي، وصدر لها العشرات من الأبحاث والدراسات العلمية وغيرها، ولها عدد من الإصدارات من الكتب أبرزها كتاب “الطب في الإمارات”.
فازت بجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية عن فئة الشخصيات الطبية المتميزة  في المجال الطبي بدولة الإمارات العربية المتحدة لعامي 2003-2004م.

وفازت بالعديد من الجوائز، أبرزها جائزة مؤسَّسة العويس الثقافية، وجائزة إنجاز المرأة في الشرق الأوسط في مجال التعليم من مؤسَّسة “داتا ما تكس”  في العام 2002‏.

التوقيع على كتاب “غيض من فيض

رحَّب جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، رئيس مركز جمال بن حويرب للدراسات، باختيار الكاتب والأديب محمد صالح القرق، المركز للتوقيع على مؤلفه الأخير “غيض من فيض”، قائلاً: إنَّ هذا المركز بيت لكل الكتَّاب والأدباء والشعراء في الإمارات والخليج.

وأضاف: إن الأخ “أبو فهد” المؤلف، تحامل على نفسه، رغم مرضه، وأصرَّ إلَّا أن يوقِّع على كتابه الجديد، وسط هذا الجمع الطيب من المثقفين والكتَّاب والإعلاميين، وهذا شرف لي وللمركز.

ثمَّ أعطى الكلمة للأستاذ عبد الغفار حسين، ليتحدَّث نيابة عن القرق، الذي لم يسعفه صوته في الحديث بسبب الزكام، فقال: لقد كلَّفني الأستاذ محمد صالح القرق، بالتحدث إليكم نيابة عنه، بسبب المرض، كما ترون، وهذا الكتاب ليس الأوَّل لأخينا القرق؛ إذ له مؤلفات عدة، آخرها هذا الكتاب “غيض من فيض”، والحقيقة أنني قرأته قبل أن آتي إلى هنا، وهو يحوي 16 باباً، جمع فيها المؤلف، عصارة جهده، وكتاباته في الصحف والمجلات، وبخاصة جريدة الخليج، إنه كتاب يستحق القراءة لأكثر من مر ، وأن يحظى بجائزة تناسب الجهد المبذول فيه، والمقالات الرائعة التي يحتويها.

وتشمل أبواب الكتاب:

باب من أخبار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باب في الصلاة، باب شهر الصوم، في الأخلاق، أدعية ومواعظ، حوليات الإسلام، العلم والعلماء، مقدمات من بعض كتب التراث، في الشعر، من روائع اللغة العربية، في الأدب، من روائع الحضارة العربية، في الفلسفة، هيئات ومنظمات، أماكن لها تاريخ، وأخيراً من آثار الملوك والأمراء .

ثم قام القرق بإهداء نسخة من الكتاب لجميع الحاضرين.