6,549 عدد المشاهدات
الكاتب: أ. سعد الحافي
تمهيد:
تشكل النصوص اليتيمة ظاهرة ملفتة في الادب الفصيح والعامي ودائما ما ترتبط بحدث، وبين يدينا أحد تلك النصوص من الشعر العامي، فلم يعرف للشاعر غيره وقد شاع تناقله بين الناس نتيجة ارتباطه بقصة وقيمة إنسانية تدور حول وفاء الابن مع والده، ولهذا السبب العاطفي الإنساني نال النص شهرته، ولكن عند قراءتي للنص والتدقيق فيه ومراجعة عدة مصادر للنص، وجدت أن هناك تناقض واختلاف بين المصادر في عدد ابيات النص وترتيبها بين التقديم والتأخير وهذا يشكل خلل في اتساق السياق المعنوي للنص، كما وجدت تناقض بين مسميات الأماكن ودلالتها على الوجهة التي حددها الشاعر ودلالتها على واقع الحالة الاجتماعية والدينية والاقتصادية في تلك الأماكن، حيث نجد في مختلف المصادر تباين في ورود أسماء مدن وأماكن في جنوب شرق الجزيرة العربية وهي (مسكت ،نزوا ،ديرة بني ياس) مع ورود أسماء مدن وأماكن في شمال الجزيرة العربية والعراق وهي (راوه، البصرة ، حما، الاوراس، العين، الطاس، الجزيرة) و إشارات الى اتجاه الشاعر الى شمال الجزيرة العربية من بلدته (العودة)عندما يقطع (الدهناء، الصلب، الصمان) وإشارات أخرى إلى الجنوب ليصل الى (مسكت)وكيف نجمع بين كل هذا وتحديد المسافة بمسير (سبعين يوم ) أو (تسعين يوم) وفق مصدر آخر، تكون بين (العودة) وهذه البلد التي قصدها، ونظراً لأهمية النصوص الشعرية كونها سجل صادق يعكس حياة المجتمع في فترات زمنية سابقة، ولكون بعض الرواة يتدخل في النصوص الشعرية فيعدل ويضيف وفق دوافع معينة أو اجتهاد خاطئ يجهل ما يترتب عليه من إساءة بغير وجه حق لأشخاص أو مجتمع غير معني بما جاء في النص، كان لابد من العمل على تحقيق هذا النص للوصول الى حقيقته ولذلك نستهدف في هذا البحث الإجابة على التساؤلات التالية:
ما المصادر الأقدم للنص؟
من هو شاعر النص ومتى وأين عاش؟
ماهي مناسبة النص؟
ماهي البلد التي قصدها دباس وأستقر فيها؟
ما الأسماء الصحيحة للاماكن التي وردت في النص؟
ما مدى تطابق دلالة المسافة في النص على الأماكن؟
ما مدى تطابق الدلالة الدينية المذكورة في النص على مجتمع تلك الأماكن؟
ما مدى تطابق الدلالة الاقتصادية المذكورة في النص على الحالة الاقتصادية في تلك الأماكن؟
ما مدى تطابق المهنة التي مارسها دباس المذكورة في النص مع واقع ومسمى العمل في تلك الأماكن؟
ما مدى اتساق السياق المعنوي للنص؟
ما مدى صحة الابيات في النص؟
النص:
يا ونةٍ ونيتها من خوا الراس
من لاهــبٍ بالكبد مثــل السعيره1
ونيـن من رجله غدت تقل مقـواس
ويون تالي الليل يشكي الجبيره2
يامل قلبٍ مثل بنٍ بمحماس
وياهشـم حالي هشـمها بالنقيـره3
يا وجد قلبي يا ملا وجد غراس
يوم اثمرت واشفا صفا عنه بيره4
على ثمر قلبي سرى هجعة الناس
متنحرٍ دربٍ عسى فيه خيـره5
الله يفكه من بلا سـوء الأتعاس
ومن شر عبات الليالي يجيره6
في ديرةٍ تقطعت عنه الأرماس
سبعين يومٍ للركايب مسيره7
لا والله الا حال من دونه الياس
حط البحر والبر دون الجزيره8
علق بلدانٍ ورى العين والطاس
وقلبي على فرقاه تسمع فريره9
يالله ياللي رد من عقب ما ياس
يوسف على يعقوب وابصر نظيره
ترد علي دباس يا محصي الناس
ياعالــمٍ ما بالخفــــا والســـــريره10
يا دباس انا اوصيك عن درب الأدناس
تـــرى الـــذي مثلك يناظــر مســــيره11
عليك بالتقـــوى تـرى العــز يادبـــاس
في طاعـــة الله مــا ينجيــك غيـــــره12
هـذي ثمــان ســنين من غبت يادبـاس
لا رســـالةٍ جتنــي ولا مــن بــريــره13
يادباس من عقبك ترى البال محتاس
وعليــك دمــع العيــن حــرق نظيـــره
وعليك كني في دجا الليل حراس
اصبح على حيلي وعيني سهيره
اصبح وانا ما بين طاري وهـوجاس
وطـــواريٍ تطـــري علينــا كثيــــــره14
مثل الوحش قلبي على كف حباس
يكفـخ كمــا طيـرٍ ســبوقه قصيــره
متحيرٍ من عيلة البيت يا دباس
ارجي ثواب الله واخاف المعيره15
اخاف من حكي العدا ثم الأنجاس
اهـــل الحكايــا الطايلــه والقصيـــره16
ويقال خلا عيلته عنز الـراس
اقفــى وخـلا عيلــةٍ له صغيره17
والا فانا يا بــوك قطاع الأرمـاس
مانــي بمثبـــورٍ ورجلــــي كســـيره18
اصلك لو دونك نبت حمـر الأطعـاس
الصلـــب والصمّــــــان لوهي عســيره19
مهـــــالكٍ مـــداركٍ مابــه اونـــــاس
الا الثعـــل والبـــوم تســـمع صفيـــره
لى اركب على وجناً من الهجن عرماس
فجا النحر يا دباس حمرا ظهيـره20
متـروسة الفخــذين مزبـورة الـــراس
كــن الخـــلاص عيونهــا يوم اديره
تشبه كما ربداً تخفق بالاوناس
وان رفعت جنحانها مستذيره21
تنشر من العـــوده على نـــور الأنفـاس
عنـد الفجــر والليــل مقفــي مــريــره22
العصـر بالصمان تسمع لها اضـراس
حبل الرســن خطــر تبتـــر جــريــــره23
نهــار ثالــث بيــن حمــــا والأوراس
واره ايمامك جعلهـــا لك ســــفيره24
ملفاك في مسيكه بها الخير محتاس
لولا الكفر والشرك يا وي ديره25
عزالله انه ديرة مالها اجناس
لولا بها يعبد مع الله غيره26
لولا بها يشرك عليٍ وعباس
أيضا بها الفاروق سبه بريره27
فيها الطبيخ وراهي الخبز يا دباس
يقعد خوي الراس خنة خميره28
هي ديــرة اللي باغــيٍ كيفــة الـــراس
ولا له حــد همــه من النـــاس غيــره29
هيسٍ ولد هيـسٍ للاصحاف لحـاس
يفرح ليا نيدي لذبح العقيره30
ذا ماقفٍ يا دبــاس ما فيــه نومـــاس
يصلــح لقيّــن ٍمهنتـــه طـــق زيــــره31
تــرى الفــداوي دوايٍ وانشــــد النـــاس
راعيـــه ما يذكـــر بمـــدح وبريره32
ما له سوى طق الحنك منه واليـاس
واليا انقطـــع خــرجـــه فلا له ذخيــره33
طلب المعيشه بالحراثه والأجناس
المشـترى والبيـــع خيرٍ وخيره34
ثم انهض العيرات مع كل فـراس
يادباس دور خيّـرٍ تسـتشـيره
جدك وعمانك هـل العز والباس
هـل اللوازم مكملين القصيره35
يا دباس ما يصبر على البق والحاس
الا الـــذي مالـــه بنجـــــد عشـــــيره
واليـــوم ما مـــروي شــــبا كل عبــاس
يا القرم يا لطام وجــه المغيـره36
عشـرين عامٍ كلها ارجيك يادباس
مثل الغرير اللي تولع بطيـره37
عدل المناكب هيلع فرخ قرناس
يمناه في لطم الحباري شطيره38
عانق خلوج روحت عقب مرواس
عند العصير لبيضها مستذيـره39
والليل جاه وحال من دونه اغلاس
روحه على فرقاه فـرت فريريه40
يا دباس انا يابوك ما نيــب بـلاس
مير ان عيلات الرفاقه كثيره41
جنبت وسط السوق وامشي مع الساس
واخذ شوي الحق ويدي قصيره42
يا دباس لونك جبت لي طرم الأكياس
مختلفةٍ ما بيـن زرٍ ونيره43
ما لي بها ياجعلها تقلب نحاس
يا جعلها تذهب ولو هي كثيره44
يا دباس قلبــي كل ما هـــب نسناس
شـرقية هبة بقلبي سعيره45
والحال يا فرز الوغى مسها الباس
عليـك دمع العين هيض عبيره46
وغصـون قلبي يا فتى الجود يباس
غديت انا يابوك كني هشـيره47
من شاف حالي قال ذا فيه لسـاس
واللي بـراء حالي إلآهـي خبيره48
لا وعلى من قبل غوال الأنفاس
ومفارق الدنيا يجينا بشـيره49
عسى تطق الباب والناس غطاس
ياوالي القدره عليك تعبيره50
وصلاة ربي عد ما هب نسناس
على النبي عـــدة حقوق المطيـره51
تخريج النص:
ورد في مخطوط الربيعي (62) بيت(1368هـ)، مخطوط ابن يحيى ( 48)بيت(1387هـ)، الحاتم: ديوان خيار ما يلتقط ج1 (62) بيت(1372هـ)،محمد سعيد كمال: الازهار النادية في اشعار الباديةج1 (61) بيت(د. ت)، ابن نفيسه اضمامة من التراث(57) بيت(1401هـ)، أبابطين المجموعة البهية من الاشعار النبطية(62) بيت(1389هـ).
بالإضافة الى كثير من المجاميع المطبوعة التي تضمنت هذا النص ومن مراجعة لها وجدت انها ناقلة عن المصادر السابقة وإضافتها لن تقدم شيء في الدراسة لذلك أكتفينا بالأقدم منها منعاً للتكرار.
منهج البحث:
سيكون منهجنا في البحث هو المقارنة بين ابيات النص في المصادر المختلفة وترجيح الأصح عندما يكون هناك اختلافا يحتم ذلك، ثم استخراج دلالات النص ودراستها على حده بما يحقق أهداف البحث، وقد اعتمدت ما جاء في مخطوط الربيعي كنص رئيس عند المقارنة بين المصادر للأسباب التالية:
يتميز مخطوط الربيعي بأنه من المصادر الاقدم تدويناً وهو للراوي والناسخ الأشهر عبد الرحمن الربيعي المتخصص في تدوين النصوص الشعرية.
أن المخطوطات دائما ما تكون أقل أخطأ فيما يلاحظ كثرة الأخطاء المطبعية للنصوص في المصادر المطبوعة الاخرى.
عند المقارنة المبدئية بين مخطوط الربيعي ومخطوط ابن يحيى نجد عدد ابيات النص عند الربيعي (62) بينما يبلغ في مخطوط ابن يحيى (48) بيت وبفارق (14) بيت وهي مؤثرة عند الدراسة على استيفاء كافة السياقات المحتملة للنص عند ابن يحيى فيما لو أخذناه كنص رئيس للمقارنة.
أن اختيار ما جاء عند الربيعي كنص رئيس لن يؤثر على نتيجة المقارنة حيث نتناوله بالتحليل بيتاً بيتاً في جميع المصادر وتثبيت ما يرجح لدي صحته سواء عند الربيعي أو غيره فليس هدف الدراسة فقط الترجيح بين المصادر ككل بل ترجيح صحة البيت أين كان.
الشاعر:
جاء عند الربيعي وابن نفيسة والحاتم ان أسمه محمد أبو دباس وسماه ابن يحيى راشد بن دباس، ويذكر أحد الرواة(1) أن اسمه راشد بن عبدالله بن دباس من آل شماس من قبيلة الدواسر، فابن يحيى ينتمي إلى نفس الإقليم (سدير) والراوي من نفس الفرع القبلي وبالتالي نعتمد صحة ما ثبت لديهم من اسم الشاعر، ودلالة النص تتفق مع ما جاء في مصادر الدراسة بأن الشاعر من اهل (العودة) في إقليم سدير وهذا ينفي من يذهب الى أن الشاعر من عائلة أخرى بنفس المسمى(الدباس) من قبيلة بني تميم، وفي بلدة (حوطة سدير).
أما زمن الشاعر فقد أرخ ابن نفيسة(2) لمناسبة النص وأنها جرت أحداثها في عام 1150هـ، وقد جاء عند ابن بشر في تدوينه لأحداث سنة1163هـ قوله” وفيها قتل حمد بن سلطان ودباس رؤساء العودة المعروفة في سدير، قتلهم ابن عمهم علي” (3)فهذا التاريخ مقارب لما ذكره ابن نفيسة فيرجح لدي أن المقتول هو دباس بن راشد (ابن الشاعر) ويقوي هذا الترجيح أن الروايات تتفق على العداء بينه وبين أبناء عمومته بعد أن قام بقتل بعضهم انتقاماً لتعديهم على والده حين كبر سنه، ويؤكد ذلك ان عقب الشاعر قد انقطع على أبنه دباس، ومما سبق فإن شاعرنا راشد من مواليد النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري وتوفي في بداية النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري.
مناسبة النص:
تتلخص مناسبة النص حسب دلالة أبياته، في أن الشاعر كان يعيش في بلدة (العودة) من أقليم سدير(4)وقد كبر سنه وشعر بالضعف والاقصاء والتعدي من أهل بلدته بعد أن كان يحظى بالتقدير، فتذكر أبنه (دباس) الذي غادر قبل ثمان سنوات مع إحدى القوافل التجارية لطلب الرزق، فبعث له هذه القصيدة يعتب عليه هذا الانقطاع ويحثه على الرجوع إلى بلدته، وهذا يتفق مع جميع الروايات، وهناك بعض الروايات التي تذكر أن أخوة الزوجة الثانية للشاعر حاولوا إجباره على تزوجيهم من أخوات دباس وعندما رفض قطعوا مسيل السيل عن مزرعة الشاعر استضعافاً منهم له، ثم يذكرون أن دباس عاد وانتصر لأبيه، ويزيد على ذلك ابن نفيسه بتفصيل أكثر بأن نخل أبو دباس كان يسيل من سيل الظهرة إذا جاء موسم الأمطار ولا يصل السيل لجيرانه الا بعد أن تشرب النخل من السيل فكان من احسن نخيل عودة سدير.. وأن دباس سافر الى البصرة لطلب المعيشة وسعة الرزق فمكث طويلاً وانقطعت أخباره وبعد ما كبر سن الشاعر، تطاولوا عليه جيرانه وصرفوا السيل عن نخله فاصبح فريسة للفقر والعمى والجيران وكان له ابنة صغيرة لا تتجاوز عشر سنين فأرسل هذه القصيدة إلى إبنه دباس في البصرة والذي كان محبوباً عند الحكام وله مكانة عند جماعته وبعد أن وصلت القصيدة إلى دباس رد على قصيدة والده بقصيدة ثم مكث عدة اشهر وتوجه الى عودة سدير وكان وقت مطر فقصد المسيل فوجد انه مصروف عن نخلهم فعدله وكمن قريباً يراقب حتى جاء وقت الصباح فظهر أهل النخيل فوجدوا المسيل مصروف الى نخل أبو دباس فأرادوا أن يسدوه ويصرفوه الى نخيلهم فخرج عليهم دباس من مكمنه فصار بينهم نقاش حاد ثم أن دباس استظهر القردة(5)التي كان مخفيها لهذا الغرض ووقف على جال المسيل فمن تقدم إليه أرداه فاثخن فيهم وقتل منهم حتى انهزموا عنه، وكانت أخته الصغيرة قد خرجت في الصباح فوجدت السيل (يحوك في نخلهم)(6)فأخبرت والدها الذي استنكر ذلك وأخذته الى النخل فقال لها ما لون السيل فقالت تغير الى قليل من الاحمرار ثم مكث قليلاً فأخبرته أنه جاء في السيل دم ثم لم تلبث أن قالت جاء السيل برجل رجل ثم قالت جاء براس رجل قال الآن سال النخل وابشري بأخيك.
المقارنة بين الروايات في النص:
(1) عند ابن يحيى(…لاهبٍ بالقلب…).
(2) عند ابن يحيى:
أو ونة من رجله غدت تقل مقـواس
لاجا تويلي الليل يشـكي الجبيره
واختلف ترتيبه الى الثالث
(3) عند ابن يحي(ياحمس قلبي حمس بنٍ بمحماس…..)واختلف ترتيبه الى الثاني.
(4) عند ابن يحيى(او وجد حالي…)
(5) الحاتم(من ثمر…..)والاصح على .
(6)عند ابن يحيى(…ومن شر خبثات الليالي…..) والحاتم وكمال(…عبثات…)فالأرجح عبات أي دورات وصولات.
(7) عند ابن يحيى:
بديرةٍ تقطعت عنه الأرماس
تسعين يومٍ للركايب مسيره
واختلف ترتيب البيت بالتاخير.
(8) عند ابن يحيى(…….حط البحر من يمته الجزيرة).
(9) لم يرد عند ابن يحيى، الحاتم وابن نفيسة (علق بسلوانٍ…)والاصح بلدانٍ .
(10) عند ابن يحيى والحاتم (تول…..) والأرجح ما ثبتناه فيقال ترد علي ولا يقال تول علي وهذا يدل على أن ابن يحيى ناقل لرسم الكلمة..
(11) لم يرد عند ابن يحيى.
(12) لم يرد عند ابن يحيى.
(13)عند ابن يحيى(ذلك ثمــان ســنين من رحت يادبـاس…..)
(14)عند ابن يحيى(…روابعٍ….).
(15) عند ابن يحيى(متحملن ابعيلت البيت……)
(16) عند ابن يحيى0……..ويقال خلا عيلةٍ له صغيره)
(17) لم يرد الشطر الأول عند ابن يحيى والشطر الثاني جاء في البيت السابق.
(18)عند ابن يحيى(….ورجلي قصيره).
(19) عند ابن يحيى والحاتم وكمال(…دروبٍ عسيره).
(20)سبق البيت بيتان أدخلت على النص وأثبتناه في هذا البحث:
لو كنت في نزوا وديرة بني ياس
اهل المواذي والوجيه الغبيره
عبادة الاصنام شرابة الكاس
الخمر والتنباك فيها وغيره
وكذلك وردت عند ابن يحيى والحاتم وكمال وابن نفيسه والبابطين
(21) عند ابن يحيى والحاتم (ياشبه ربداً…) كمال(او شبه بدر…)
(22)عند ابن يحيى:
تنشر من العـــوده مع وقت الأنفـاس
عنـد الفجــر والليــل رايح دبيــره
(23)عند ابن يحيى(…….خطرٍ على حبل الرسن والجريره).
(24)عند ابن يحيى وكمال:
نهــار ثالــث بيــن حمــــا والأغراس
وارا يمينك جعلهـــا لك ســــفيره
(25) سبق البيت بيت أدخل على النص وأثبتناه في هذا البحث:
ثـــم على ســــاجيه تقلـــب الـــراس
تمشـــي باهلها في البحـــور الغـزيــره
وورد عند ابن يحيى وابن نفيسه وجاء بعده:
البصره الفيحاء بها الخير محتاس
لولا الكفر يا ناس يا وي ديره
وعند الحاتم(الى مسكت الفيحاء بها الخير محتاس…..)وعند كمالوالبابطين(الى مسقط الفيحاء….)
(26) لم يرد عند ابن يحيى.
(27) لم يرد عند ابن يحيى.
(28) عند ابن يحيى.(…يدعي سمين الراس خنت خميره).
(29)عند ابن يحيى:
يفرح به اللي باغــيٍ كيفــة الـــراس
ولا يهمه احدٍ من النـــاس غيــره
(30) عند ابن يحيى والحاتم(هيس بذرا الاجواد للصحاف لحاس…………).ومتأخر في الترتيب عند ابن يحيى
(31) عند ابن يحيى(….راعيه ما يذكر بطيبٍ وغيره).
(32)عند ابن يحيى((…..يشبه لقينٍ سهمته طق زيره).
(33) عند ابن يحيى(ما همه الا الحنك وقوة البـاس………).
(34) عند ابن يحيى:
طلب المعيشه بالحراثه والألياس
المشـترى والبيـــع يوصف لغيره
وعند الحاتم(……يوصف لغيره)
(35)عند ابن يحيى والحاتم(….اهل المواجب مكرمين القصيره)
(36)عند ابن يحيى والحاتم(….انت يا لطام وجه المغيره)وهو يكسر الوزن ولاشك هذا الاتفاق ينم عن أن أحدهم ناقل عن الآخر بهذا الخللولو اضفنا (وين) لتكون(وين انت يا لطام وجه المغيره)لصح.
(37) عند ابن يحيى(ثمان اسنينٍ وانا ارجيك يا دباس…..).
(38) لم يرد عند ابن يحيى.
(39) لم يرد عند ابن يحيى.
(40) لم يرد عند ابن يحيى.
(41) عند ابن يحيى(انا بوك يا دباس…….)وبهذه الصيغة يكسر الوزن.
(42) عند ابن يحيى(قمت اجنب وسط السوق واباري الساس…….).
(43) عند الحاتم:
يا دباس لونك جبت لي دحب الأكياس
مختلفةٍ ما زرٍ ونيره
وعند كمال(…روحت لي دحب…..)
(44) عند ابن يحيى والحاتم:
ما لي بها ياعلها بالف كباس
وياعلها تذهب ولو هي كثيره
(45) لم يرد عند ابن يحيى
(46) لم يرد عند ابن يحيى
(47)عند ابن يحيى:
وغصـون قلبي يا ذرا الجود يباس
غديت انا يابوك مثل الهشـيره
(48) لم يرد عند ابن يحيى
(49) لم يرد عند ابن يحيى
(50) عند ابن يحيى:
ارجيك تطق الباب والناس غطاس
ياوالي الدنيا عليك تعبيره
(51) عند ابن يحيى:
وصلاة ربي عد ما حجوا الناس
او عد ما حقت سحايب مطيـره
دراسة النص:
اعتمدت دراسة كافة الجوانب الدلالية المختلفة للنص وفقاً لما يلي:
أولاً_ أسماء الأماكن:
نجد ان تسمية الأماكن في النص جاء على مرحلتين منفصلتين الأولى اختصت بذكر الأماكن التي غادر اليها دباس حينما ترك والده والمرحلة الثانية تختص بالأماكن التي حددها الشاعر في خط سير المرسول حينما حمل رسالة الشاعر الى دباس وهي كما يلي:
1-المرحلة الأولى:
تضمن النص(أسماء) الأماكن التي استقر فيها أو تجاوزها دباس حين مغادرته ويشير لها بوضوح في قوله:
لا والله الا حال من دونه الياس
حط البحر والبر دون الجزيرة
علق ببلدان ورا العين والطاس
وقلبي على فرقاه تسمع فريره
فمعنى البيت الأول أن دباس استقر في (الجزيرة)(7) وعند أهل نجد تطلق الجزيرة ويراد بها المنطقة التي بين نهري دجله والفرات، أما (البحر) الذي دون الجزيرة فيقصد به (نهر الفرات) فالعرب تطلق على كل تجمع مائي بحر ومن ذلك قول الشافعي:
ما ضر بحر الفرات يومـاً
إن خاض بعض الكلاب فيه
فالمعنى أن دباس استقر في الجزيرة ومن دونها نهر الفرات والصحراء(البر) ويكمل الشاعر ويؤكد ذلك في البيت الثاني الذي يوضح ان دباس سافر إلى بلدان وراء (العين والطاس) فالعين يقصد بها (عين التمر) في العراق، اما (الطاس) فهي (الطاش) بالشين ولضرورة القافية كتبت بالسين وهذا مشاهد في نصوص كثيرة لشعراء الفترات السابقة يستخدمون الحروف المتقاربة في النطق والرسم، و(الطاش) هي منطقة في جنوب (الرمادي) في العراق يقول الشاعر فجحان الفراوي في مدح الجربا وهم في الجزيرة:
جيت الشيوخ للي ورى شط ريفه
تزمي قطوب بيوتهم من ورى الطاش
ونلاحظ ان الثلاث مناطق تأتي متوالية الترتيب للقادم من (عودة سدير) حيث مدينة (عين التمر) ثم (منطقة الطاش) ثم (الجزيرة) كما ذكر بتوالي البحر (نهر الفرات) ثم (البر) ثم (عودة سدير) بالنسبة لدباس وهو في الجزيرة، كما هو موضح على الخارطة المرفقة.
2-المرحلة الثانية:
قام الشاعر برسم خارطة سير المرسول لكي يصل الى البلد التي فيها دباس بدقة جغرافية وزمنية لصاحب الهجن وذكر فيها أسماء أماكن في الابيات التالية:
تنشر من العـــوده على نور الأنفـاس
عنـد الفجر والليل مقفـي مـريره
والعصر بالصمان تسـمع لها اضراس
حبل الرسن خطر تبتر جريره
نهــار ثالــث بين حما والأوراس
واره ايمامك جعلهـــا لك سـفيره
ثـــم على ساجيه تقلـب الراس
تمشي باهلها في البحور الغـزيره
ملفاك في مسكت بها الخير محتاس
لولا الكفر والشرك يا وي ديره
فنجد أن المرسول ينطلق من (العودة) عودة سدير وقت الفجر وسيكون وقت العصر في (الصمان) وقد توجه نحو الشمال وفي اليوم الثالث سيكون بين (حما والاوراس) و(حما) يقصد به (نهر الحمى) والذي يقع بين سوق الشيوخ والناصرية في العراق وعلى نفس الاتجاه الشمالي من عودة سدير و(الاوراس) جهة الرمادي الجهة الشمالية الغربية من حمى وعندما سيكون في هذا المكان ستكون (راوه)امامه وليست (وارة) الجبلة التي في الكويت لأنه يكون تركها خلفه في الجهة الجنوبية الشرقية وبما يزيد عن 200كم ومن يقصدها لا يتخذا هذا الطريق، ثم أن قول الشاعر بعد ان يحدد مكانه وان (وارة) امامه يقول (جعلها لك سفيرة) أي توكل على الله واقصدها وهنا الطبيعي أن يكون بعد هذا البيت:
ملفاك في (مسيكه) بها الخير محتاس
لولا الكفر والشرك يا وي ديره
و(مسيكة) بلدة في الجزيرة الفراتية وتأتي بعد (راوه) باتجاه الشمال، ولذلك الراوي التبس عليه الاسم وهو لا يعرف الا (مسكت) في (عمان) فاحتار كيف يكون ذلك فعدل (راوه) الى (واره) وبدل (ايمامك) الى (يمينك) ولكي يجد اجابة على السؤال الطبيعي اذا كان يريد (مسكت) فلماذا يصل الى هذا المكان ثم يعود للخلف كل هذه المسافة؟! ولان السفر الى مسكت من هذا المكان لا يعقل على الذلول بعد ان قطع كل هذه المسافة الى الشمال لذلك اخترع هذا البيت وادخله على النص:
ثمٍ على سـاجيه تقلـب الـراس
تمشي باهلها في البحور الغزيره
واخترع بيتين أدخلهما على النص كما سيتبن معنا (في الفقرة ثالثاً) لكي يكون الوصول الى عمان ضمن التحدي الذي يراهن الشاعر على الوصول اليه، وغاب عنه معنى الشطر الثاني من البيت (لولا الكفر والشرك يا وي ديره) فأهل مسكت عمان ليسوا أهل كفر وشرك، ويبدو أن (ابن يحيى وكمال وابن نفيسه والبابطين) لم يقتنعوا بقصة السفر الى (مسكت) ولم يعرفوا (مسيكه)فغيروها إلى (البصرة الفيحاء) فكان البيت هكذا:
البصرة الفيحاء بها الخير محتاس
لولا الكفر يا ناس يا وي ديره
كما أن ابن نفيسه في حديثة عن مناسبة القصيدة ذكر ان دباس كان في البصرة ولكن في كتابتة لأبيات النص ذكر (مسكت)وهذا يؤيد ما ذهبنا اليه عن تصحيف(مسيكه)الى مسكت، وبالتالي الابيات الصحيحة لخط سير رحلة المرسول تأتي هكذا وبذلك ثبتناها في النص الرئيس:
تنشر من العوده على نور الأنفـاس
عنـد الفجــر والليل مقفي مريره
والعصر بالصمان تسـمع لها اضراس
حبل الرسن خطر تبتر جريره
نهار ثالث بيــن حمـا والأوراس
واره ايمامك جعلهـــا لك سفيره
ثـــم على ســاجيه تقلـب الـراس
تمشـــي باهلها في البحور الغـزيــره
ملفاك في مسيكه بها الخير محتاس
لولا الكفر والشرك يا وي ديره
ويؤيد ذلك ما جاء في قصيدة الرد من دباس على والده والتي حملها نفس المرسول الشاب:
حي الجواب اللي لفانا من الرأس
جابه غلامٍ ما تونى مسيره
ونفس الهجن العرماس التي ليست فاطر وليست صغيره وهي قوية ضخمة ليس عليها سوى الشداد وطعامه الذي يسد جوعه وقليل من الماء وهذا المرسول شاب يحب السفر ولا يخطئ الطريق ينطلق من البلد التي فيها دباس ويصل الى بلدة العودة دون أن يذكر ركوبه سفينة او ما شابه ليبلغ عشيرته السلام ويختص أبيه بخبر عودته القريبة:
وخلاف ذا يا راكبٍ فوق عرماس
مأمونةٍ من نقوة الهجن عيره
حمرا وهي في سنها وقم الأسداس
ماهيب لا فاطر ولا هي صغيره
ماهي لحوحٍ راكبه للعصا داس
حرم عليها غير شيل النجيره
والخرج هو وبيوت قيلٍ بقرطاس
مع مزهبٍ والما يسده يسيره
فوقه غلامٍ منوته قطع الأرماس
لو هو بليل ما تغير نظيره
وليا لفيت الدار فاجهر بالأحساس
وبلغ سلامي كل ذيك العشيره
واختص أبوي اللي نفل جملة الناس
خصه بعلم وقل تراني بشيره
ثانياً_ دلالة مسافة الرحلة:
نجد ان النص حدد رحتلين منفصلتين كما سبق وجعل لكل رحلة وسيلة ومسافة وزمن مختلف عن الأخرى حيث اختصت الأولى برحلة دباس والثانية اختصت برحلة المرسول وسنتناولها كما يلي:
1-قياس رحلة دباس:
نجد أن النص تضمن تحديد المسافة التي بين بلدة العودة وبين البلد التي فيها دباس في هذا البيت:
في ديــرة تقطعـــت عنــه الأرمـــــاس
ســـبعين يـــومٍ للركـايب مســيره
هناك فرق بين المرسول الذي يمتطي ذلولة المخصصة لهذه المهمة ويكون وحيداً وبين مصاحبة قافلة ولاشك ان دباس عندما غادر العودة فقد صحب قافلة ولذلك ذكر الشاعر (الركايب)وهي جمع ثم حدد المسافة بسبعين (70)يوم وبحساب المسافة المقدرة للمسير اليومي على أساس ان القوافل تقطع في اليوم للمسافات البعيدة متوسط(25كم) فتكون البلد تبعد(1750كم) ولو تتبعنا المسار للقافلة من بلدة العودة الى سوق الشيوخ في العراق ومن سوق الشيوخ الى كربلاء والنجف ومنها الى الموصل ومسيكة (1580كم) وهي مقاربة إذا أخذنا في الاعتبار تفاوت ظروف الطريق وحالة الطقس وقصد الموارد المائية للسقياء وحالات التوقف في محطات المدن للتزود والبيع والشراء، بل أنه جاء عند ابن يحيى بأن المسافة(90)يوم وهذا دلالة على أنها في غاية البعد، بينما المدة التي تقطع فيها القافلة المسافة من بلدة العودة الى الكويت براً تستغرق خمسة عشر يوم ومن الكويت بحراً الى مسقط من سبعة الى عشرة أيام وبمجمل لا يتجاوز (25) يوم وهذا لا ينطبق مع تحديد النص سبعين يوم.
2-قياس رحلة المرسول:
نجد أن المطية التي اختارها الشاعر للمرسول هي من الهجن بقوله:
لى اركب على وجناً من الهجن عرماس
فجا النحر يادباس حمرا ظهيره
فقد عرف عن الهجن السرعة وقوة التحمل للمسافة الطويلة وتتفوق في ذلك على الخيل حتى أنها تقطع في الساعة متوسط20كم دون اجهاد وانما يتنوع سيرها بين الهملجة والعنق واذا كان يسير في اليوم10ساعات فيكون معدل اليوم200كم للهجن، وهذا يثبته نص الشاعر في انه عند انطلاقة المرسول من العودة وقت الفجر فسيكون وقت العصر في الصمان وقد قطع ما يقارب200كم وفي اليوم الثالث يكون بين حمى والاوراس وقد قطع 600كم تقريباً وهذا تؤيده قاسات المسافة انظر الخارطة المرفقة.
ثالثاً_ المعتقد الديني والأخلاقي في البلد:
1-تضمن النص وصف المعتقد الديني للبلد التي قصدها دباس من تقديس علي وعباس وسب الفاروق عمر:
عز الله انه ديرة مالها اجناس
لولا بها يعبد مع الله غيره
لولا بها يشرك عليٍ وعباس
أيضا بها الفاروق سبه بريره
وهذا السلوك معتقد رئيس في مذهب الشيعة الاثنى عشرية والتي مقدساتها في النجف وكربلاء في العراق، بينما لا ينطبق على الإباضية في عمان الذين يترضون على عمر والصحابة ولا يعتقدون في قدسية علي وعباس، أما ديرة بني ياس فهي ذات مذهب سني مالكي.
2-تضمن النص بيتان وصف فيهما أهل (نزوى وديرة بني ياس) بأهل أذى وفساد وعبادة الاصنام وشرب الخمر والتنباك:
لو كنت في نزوى وديرة بني ياس
اهل المواذي والوجيه الغبيره
عبادة الاصنام شرابة الكاس
الخمر والتنباك فيها وغيره
وأقول:
لا نجد دليل من كتب التاريخ أو الأخبار المنقولة التي رصدت حياة المجتمع في نزوى أو ديرة بني ياس تلك الفترة الزمنية بما يثبت هذه الصفة، بل أنه عند التدقيق في السياق المعنوي للنص نجد أن موضع البيتان من النص أخل بالسياق المعنوي للنص، ففي الأبيات السابقة لهما تحدث الشاعر بأنه يستطيع الوصول الى مكان ابنه وان حالت دونه رمال الدهناء او متاهات ومهالك الصلب والصمان التي لا يشاهد فيها سوى الثعالب ولا يسمع الا صوت البوم، وهنا يفترض أن يكمل الابيات بوصف كيفية الوصول، ولكن اختلف المعنى في البيتين ليكرر تحدي الوصول لمكان آخر مختلف واسترسل في هجاء لا محل له، وهذا قطع تسلسل السياق، ويؤكد ذلك أن الابيات التالية للبيتين ذكرت الكيفية التي سيصل بها، حيث سيركب على ذلول ثم يصف قوتها وسرعتها وانها تنطلق من عودة سدير وتتجاوز الصمان باتجاه الشمال، ففي السياق قطع يدل على أن البيتان مزيدان و ليس هذا مكانهما وإنما وضعهما الراوي الأول ليدلل على وجهة نظرة بذهاب دباس الى(مسكت) مسقط حسب فهمه الخاطئ واعتقاده أن (مسيكة) هي مسكت، ولو تخلصنا من البيتين لاتسق المعنى وصح التسلسل المنطقي للأبيات هكذا:
اصلك لو دونك نبت حمر الأطعاس
الصلب والصمان لو هي عسيره
مهالكٍ مداركٍ مابه اوناس
الا الثعل والبوم تســـمع صفيـره
لى اركب على وجناً من الهجن عرماس
فجـا النحـر يا دبـاس حمـرا ظهيــره
متروسة الفخذين مزبورة الراس
كـن الخلاص عيونها يوم اديره
تشبه كما ربداً تخفق بالاوناس
وان رفعت جنحانها مستذيره
تنشر من العوده على نور الأنفـاس
عند الفجر والليل مقفي مريره
والعصر بالصمان تسمع لها اضراس
حبل الرسـن خطرٍ تبتر جريره
3-وصف (مسكت)بأن بها خير كثير (لولا الكفر والشرك) في قوله:
ملفاك في مسكت بها الخير محتاس
لولا الكفر والشرك يا وي ديره
ومن الخطأ الكبير أن توصف مسكت بهذا الوصف مقارنة ببلدان منطقة الجزيرة الفراتية والتي منها(مسيكه) حيث ينتشر اليزيديون والصابئة المندائيون والنصارى واليهود والشيعة الاثنى عشرية وغيرهم، وبالتالي الوصف يشير إلى الجزيرة و(مسيكة) ولا يشير إلى عمان و(مسكت).
رابعاً_ الحالة الاقتصادية في البلد:
1-تضمن النص وصف حالة اقتصادية باذخة في تلك البلد بحسب ذلك الوقت من توفر (الطبيخ والخبز) أي أن المطاعم والمخابز منتشرة بكثرة في البلد ورائحة الخبز تملأ المكان وتنعش الجائعين:
فيها الطبيخ وراهي الخبز يا دباس
يقعد خوي الراس خنة خميره
هي ديــرة اللي باغــيٍ كيفــة الـــراس
ولا له حــدٍ همــه من النـــاس غيــره
أقول:
وهذه الحالة لا تنطبق على مسقط بل ميزة تختص بها بلدان منطقة الجزيرة في العراق بكثرة انتاجها الزراعي من القمح وغيره وقد ذكرت كتب المؤرخين القديمة أن ميرة أكثر العراق من أقليم الجزيرة(8)في تلك الفترة وفي أسواق بلدانها تنتشر بكثرة الخانات والحانات والمطاعم والمخابز ويعتبر العراق مصدر كبير للتمن والقمح الذي من وفرته يقدم غذاء للبهائم حتى أن أحد شعراء نجد(9) المهاجرين للعراق يقول مستغرباً وواصفاً هذه الظاهرة:
يا ويل اهل نجد لو يدرون
الخبز يعطى البعاريني
2-تضمن النص اسماء العملات الرسمية المستعملة في تلك البلد وهي (النيرة والزر) في قوله:
يادباس لونك جبت لي طرم الأكياس
مختلفةٍ ما بين زرٍ ونيره
ما لي بها يا جعلها تقلب نحاس
يا جعلها تذهـب ولو هي كثيره
فالنيرة هي الليرة وتنطق في العراق بالنون والليرة والزر هما العملتان الذهبيتان الرسميتان المستعملة في السلطنة العثمانية ذلك الوقت والعراق كانت خاضعة للحكم العثماني بينما العملات المستخدمة في مسقط كانت الروبية الهندية.
خامساً_ مهنة دباس في البلد:
تضمن النص ما يعتقده الاب من صفة مكوث دباس في تلك البلد في الابيات التالية:
ذا ماقفٍ يا دباس ما فيه نوماس
يصلح لقين ٍمهنته طق زيره
ترى الفداوي دوايٍ وانشد الناس
راعيه ما يذكر بمدح وبريره
ما له سوى طق الحنك منه والباس
واليا انقطع خرجه فلا له ذخيره
يفهم من الابيات عتب الوالد وعدم رضاه عن المهنة التي عمل فيها دباس في تلك البلد حيث لا يمارس تجارة او زراعة ويبدو أن هناك من أخبر الشاعر أن دباس يعمل في مهنة فداوي عند حاكم أوشيخ عشيرة أو أحد كبار الشخصيات في تلك البلد مقابل راتب والفداوي (9) مصطلح شائع في العراق والشام ولا يعرف في مسقط.
المعنى الإجمالي للنص:
استهل الشاعر قصيدته بذكر حالة الألم والانين التي يعيشها وكانه ذلك الشخص المكسورة رجله والذي لا يبات الليل ثم يعدد صور أخرى للمعاناة مشبهها بمعاناته امعاناً منه في تأكيد الحالة السيئة التي يعيشها وتوجده على ابنه الذي غادر في سفر بعيد بعد ان آوى الناس الى مهاجعهم ويدعو له بالحظ والرعاية من الله عز وجل ويذكر أن الابن دباس قد قصد بلداً وانقطعت عنه الاخبار وهذه البلد تبعد عنهم مسير سبعين يوم للركائب ولذلك أصابه اليأس في أن يراه عائداً فقد بعدت مسافته عليهم وأصبح البحر والبر بينهم وبين الجزيرة التي هو فيها حيث قصد بلداناً وراء العين ووراء الطاس(الطاش) ثم يدعو الله الذي رد يوسف على يعقوب أن يرد عليه أبنه دباس ثم يوصي ابنه ان يحسن سلوكه ويتقي الله ويلتزم بفعل الطاعات ثم يذكره بأنه قد مضت ثمان سنوات منذ أن غادرت ولم يصل منك رسالة أو ترسل مالاً نستعين به، ثم يصف الشاعر سوء حاله الذي صار إليه من البكاء وما ينتابه من الحزن على فراق الابن وكثرة التفكير والسهر والحيرة والقلق على ابنه ويود أن يلحق به، ولكن كيف للاب أن يترك عائلته الصغيرة فيتكلم عنه أراذل الناس بما يسوء في أنه ذهب وترك صغاره، ثم يتحدث عن نفسه بفخر قائلاً أني اعتدت قطع الفجاج الخالية وأني لست بقليل الهمة أو كسير الرجل وأستطيع أن أصل اليك وان استطالت مرتفعة من دونك الرمال الحمر يعني نفود الدهناء فاجتازها وأجتاز الصلب والصمان وهي مناطق الظمأ والتيه والهلاك الخالية من الانس ولا يرى فيها سوى الثعالب ولا يسمع الا صوت صفير البوم وستكون مطيتي ذلولاً من الهجن الأصيلة الضخمة القوية وسيعة النحر من الابل الحمر المشهورة بالجري والسبق وهي ممتلئة الفخذين كبيرة الرأس يشبه عيونها بلون (الجمر) الأحمر المتقد وحين تعدو فكأنها النعامة البرية التي تجفل حين تشعر بأن هناك من يقترب منها فتنطلق مسرعة وقد مدت جناحيها وان هذه الناقة تتحرك من عودة سدير وقت الفجر وتكون وقت العصر في الصمان يستمع صوت اضراسها وهي توشك ان تقطع حبل الرسن دلالة على شدة الجري والاندفاع وأنها في اليوم الثالث ستكون بين حما والاوراس وباتجاه راوه، وجميعها في العراق، وسيكون مقصدة (مسيكه) في (الجزيرة الفراتية) التي تكثر بها الخيرات لولا أن فيها كفر وشرك فهي افضل بلد حيث أن فيها من يعتقدون في تقديس علي وعباس ويحتسبون الاجر في سب الفاروق وفيها الطعام المطبوخ والخبز الوفير الذي له رائحة نافذة تنعش راس الجائع وهذه البلد هي بلد من يريد الكيف والانبساط ولا يهتم لأمر أحد غير نفسه وينعت هذا الشخص بأنه(ثور ابن ثور) يعيش على فضلات صحون الاخرين ويفرح اذا نودي للوليمة، ومن هذه حالته لا يحق له ان يشعر بالفخر في عمله وهي حالة تناسب أراذل القوم والمماليك الذين يمتهنون الرقص والغناء ثم يؤكد أن من يعمل فداوياً فقد ضيع نفسه وعليه ان يسأل أهل المعرفة من الناس ولن يجد أحداً يذكر هذه المهنة بخير او نفع ، فهذه المهنة تختص بالسوالف و الحراسة الشخصية واذا انقطع عنه (خرجه) أي الراتب فلا يجد أنه له رأس مال أو شيء، ليؤكد أن طلب الرزق الأفضل يكون بالزراعة وبالتجارة وعليك أن تستشير من اهل الخير من يرشدك للصواب، وان جدك واعمامك اهل عزم وقوة واهل كرم ووفاء وأنه لا يصبر على هذه الحالة التي انت فيها الا من لا يجد له عشيرة في نجد، وان الشاعر قد امضى عشرين عام وهو يعلق على أبنه الآمال ويشبه حالته بحال من فقد طيره في مطاردة أنثى طائر الحبارى التي حلقت واستدارت مبتعدة وقت مغيب الشمس ثم يشتكى إلى أبنه تجاوزات قومه عليه، فهو لا يشي بهم ولكنه كثر التعدي منهم فاصبح يمشي في الشارع ملاصقاً للجدار متجنباً المواجهة معهم واصبح يقنع بأخذ القليل من حقه ويتنازل عن البقية، ثم يؤكد رغبته في عودة ابنه ولا يرغب في المال حتى وأن اتى به في أكياس مغلقة ممتلئة من عملات الزر والليرة الذهبية ويدعو عليها بالنفاد وان تنقلب الى نحاس حتى وان كانت كثيرة، ويبثه شوقه إليه وما يجده من وجد نفسه عليه ويتمنى أن يراه قبل أن يحين اجله وأن يأتي من يبشره به وهو يقرع الباب عائداً أخر الليل ويدعو الله ان تتحقق هذه الأمنية.
النتائج:
نخلص مما سبق إلى النتائج التالية:
1-يرجح لدينا أن الاسم الصحيح للشاعر هو راشد بن عبد الله الدباس من آل شماس من الدواسر.
2-يرجح لدينا أن الشاعر من مواليد النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري ومات في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري وعاش في بلدة العودة من إقليم سدير.
3-يرجح لدينا أن دباس قد غادر بلدة العودة الى بلدان الجزيرة الفراتية واستقر في مسيكة وعاد منها إلى العودة في عام 1150هـ فانتقم لوالده ممن تعدوا عليه وأنه قتل في عام1163هـ.
4-يرجح لدينا ان التدوين الأول للنص ونتيجة قصور معرفة المدون ببلدة(مسيكه) لذلك حرفها إلى (مسكت) ثم أضاف أو جاء من أضاف ابيات على النص ليجد مخرجاً لهذا التحريف الذي يتعارض مع دلالات النص الأخرى.
5-ان كافة الدلالة (الدينية، الأخلاقية، الاقتصادية) التي تضمنتها أبيات النص ترجح أن دباس قد قصد بلدان الجزيرة الفراتية واستقر في بلدة(مسيكه).
6-أن أسماء الأماكن الواردة في النص (الجزيرة، العين، الطاش، حما، الاوراس، راوه، مسيكه) تؤكد أن دباس قد استقر في الجزيرة الفراتية، بينما (نزوى، ديرة بني ياس) جاءت في أبيات مزيدة مدخلة على النص وتتعارض مع دلالات النص الأخرى.
7-أن دلالة الوجهة وقياس المسافة التي قطعها دباس وقطعها المرسول والواردة في النص تتفق مع تحديد أسماء الأماكن بشكل متوالي وتتفق مع قياسات المسافة المتعارف عليها، وهي ترجح الاتجاه الى شمال الجزيرة العربية بقصد الجزيرة الفراتية.
8-أن دلالة النص على عمل دباس في مهنة فداوي ترجح انه مستقر في الجزيرة الفراتية.
8-أن السياق المعنوي للنص قد أخلت به الأبيات المزيدة عليه وعند التخلص منها أصبح السياق المعنوي للنص متسق.
9-إن ما جاء في مخطوط الربيعي يعتبر النص الأصح حيث جلاء معاني المفردات وانضباط الوزن واتساق السياق المعنوي بعد أن أثبت التحقيق ان ثلاثة ابيات مدخله على النص، وبالتالي فأن قصيدة أبو دباس تتكون من(59) بيت صحيح والمثبتة في النص الرئيس.
هذا والله أعلم.
الملاحق:
رد الابن دباس على قصيدة والده:
حي الجواب اللي لفانا من الرأس
جابه غلام ما تونى مسيره
أهلاً هلا به عد ما حبك قرطاس
او ما كتب به من بيوت كثيره
جواب من هو لي مودٍ من الناس
ابوي ما يوصف حليٍ لغيره
فرزا الوغى كنه على الوكر قرناس
اقروم ربعه كلها تستشيره
هو عيد عيراتٍ ليا هب نسناس
هيفيةٍ وافكارهم مستديره
مهفي الغنم لأهل الركايب والأفراس
إن جو مع الريدا عليهم قصيره
راعي معاميلٍ بها العبد جلاس
للبن يشري بالسنين العسيره
هاذي امركيها وهاذي بمحماس
وهاذي يصبه للوجيه السفيره
وخلاف ذا يا راكبٍ فوق عرماس
مأمونةٍ من نقوة الهجن عيره
حمرا وهي في سنها وقم الأسداس
ماهيب لا فاطر ولا هي صغيره
ماهي لحوحٍ راكبه للعصا داس
حرم عليها غير شيل النجيره
والخرج هو وبيوت قيلٍ بقرطاس
مع مزهبٍ والما يسده يسيره
فوقه غلامٍ منوته قطع الأرماس
لو هو بليل ما تغير نظيره
وليا لفيت الدار فاجهر بالأحساس
وبلغ سلامي كل ذيك العشيره
واختص أبوي اللي نفل جملة الناس
خصه بعلم وقل تراني بشيره
لا يا نجي العرض يا بوي لاباس
وأن كان تشكي الضيم فأنا أسيره
وان سايلك عني تراني بنوماس
وانا أحمد اللي ما اتوسل بغيره
المدح لو يشرى شريناه بأكياس
بأموالنا نرخص ندور الستيره
مطرق افرنجيٍ مضاريبه الراس
ومصلبخ جبته عساني ذخيره
صناعها نصرانيٍ يشرب الكاس
يذكر ورى جاوه بعيد مسيره
أبغيه للي حاديينك على الساس
أهل النمايم والحكايا الكثيره
ربعٍ نووا فيك الردا والتخساس
مهبول يا اللي قال غايب عشيره
علي حقٍ لودع الجمع ينحاس
واقطع بهم والكل يلعن مشيره
يا بوي أنا مارحت ابي كيفة الراس
مع ذا ولاني في سفاهٍ او غيره
ان ما سكنا الدار من غير هوجاس
ولا نعاف الدار وندور غيره
ابشر بمولودٍ على الضد فراس
ذي حالة الدنيا بشره وخيره
كله لعيني كلمةٍ قلت يا دباس
تشكي وانا دوني بحور غزيره
خذلك يمين الشرع قطاع الأنفاس
انه فلا جتني علوم سفيره
وان كان تشكي الضيق يا بوي لاباس
بمطرق فرنجيٍ عطيبٍ شريره
ولا فنا يا بوي قطاع الارماس
واتعب على الفرجه ولو هي عسيره
يا مسندي يا بوي شوف الذي ناس
ثم انشده قل ويش هو في مسيره
ان كان ما نفرح صديقك بنوماس
تحرم علي اللي نهوده صغيره
مدلول مجمولٍ زها زين الالباس
هي بنت من يثني خلاف الكسيره
طارٍ يقول اظهر وطاري بجلاس
قمت أشرب التنباك واثره نكيره
أبغي لعلمٍ يبرد القلب يا ناس
من لا هب شبت بقلبي سعيره
ومن كان له غايب فلا يقطع الياس
ان قدر الله جاب علمه بشيره
وجدي عليكم وجد من باللقا انداس
خلي طريحٍ قدم وجه المغيره
او وجد من شوح البلده ولا حاس
بتيلهم بان الخللفي مسيره
ارخص بذب المال وهو بالاكياس
يصيح للربان مامن جزيره
الهوامش:
1عبد الرحمن بن حمد بن راشد الدباس من لقاء تلفزيوني محفوظ على اليوتيوب.
2ابن نفيسه، سعد بن محمد، اضمامة من التراث،الكويت،1401هـ.
3ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، ص62.
4عودة سدير: اسمها القديم كما ذكرها البلدانيين(جماز)ثم عرفت (العودة) ويلحق بها اسم الإقليم (سدير) لتمييزها 4عن غيرها، فيقال (عودة سدير) وهي من أقدم القرى النجدية وتقع شمال غرب الرياض بمسافة 150كم تقريباً.
5سلاح اشبه بالسيف ولكنها أقصر منه ومستقيمة.
6يندفع السيل بقوة مصطدماً بجذع النخل.
7العرب يسمون بلاد ما بين النهرين العليا بالجزيرة، وتمتد في ثلاث دول حيث تضم كل من محافظة نينوى و محافظة صلاح الدين و محافظة كركوك وأغلب مناطق محافظة أربيل و دهوك وقسم من محافظة الأنبار حتى مدينة حديثة في العراق، والحسكة ومناطق من محافظتي دير الزور والرقة في سوريا. ومحافظات اورفا وماردين وديار بكر وبطمان وسعرد وشرناق وأديامان ووان وبدليس والأزغ وأجزاء من بينكل وملطية في تركيا.
8المقدسي، شمس الدين، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.
9 عايد الفدعاني العنزي