6,287 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
نستعرض في هذا التقرير الخاص ومضات من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، تغوص في تفاصيل تاريخ السنوات الأولى للدولة، وتعود بنا إلى أيام ما قبل الاتحاد على يد الوالد المؤسِّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه.
يتناول التقرير مسيرة حماة الوطن على مرّ التاريخ في رحلة عبر التاريخ العسكري للقوات المسلحة خلال الفترة من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، بداية من تاريخ الوجود البريطاني وتاريخ قوة الساحل المتصالح، ما عرف تاريخياً باسم قوة ساحل عمان أو كشافة الساحل المتصالح، التي تأسَّست عام 1951 بأمر ملكي صادر عن التاج البريطاني، والتي كانت أولوياتها المساعدة على استتباب الأمن الداخلي والخارجي في الإمارات المتصالحة، إضافة إلى حماية أعمال الشركات الخاصة بالتنقيب عن البترول في المنطقة.
ويبرز التقرير المسيرة التاريخية الكاملة لتشكُّل قوات دفاع أبوظبي، ودبي، والشارقة، ورأس الخيمة، وأم القيوين، وعجمان، والفجيرة عبر سرد التفاصيل التاريخية والخرائط والصور الوثائقية لمراحل تشكُّل القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي عبر سلسلة من المقالات التي تستعرض النشأة والتأسيس والخلفية التاريخية لمراحل تطوُّر الهيكل النظامي لقواتنا المسلحة وقوات الشرطة.
ويستعرض العدد الحالي من مجلة (مدارات ونقوش) النواة الأولى لتشكُّل القوات المسلحة والشرطة الإماراتية منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى بداية سبعينيات القرن العشرين، عبر رحلة تاريخية تفصيلية لمرحلة ما قبل إنشاء قوة ساحل عمان وتداعيات تدهور الأوضاع الاقتصادية على استتباب الأمن في المنطقة، وانتشار تجارة الرقيق وعصابات خطف الأطفال والنساء، ثمَّ يغوص في رحلة تاريخية تفصيلية حول التاريخ الأول لحماة الوطن ومراحل تشكُّل قوة كشافة الساحل المتصالح التي تمَّ تغيير اسمها فيما بعد إلى قوة ساحل عمان، مع عرض مقتنيات وثائقية نادرة تظهرها الصور من وثائق الأرشيف البريطاني والأرشيف الوطني لدولة الإمارات، لإبراز الجوانب الخدمية التي قامت بها قوة ساحل عمان بشكلٍ عام ومراحل تطوُّر الزي العسكري والمعدات والتجهيزات والأسلحة المستخدمة في تلك الفترة.
رحلة في تاريخ السنوات الأولى للدولة
بدأ الوجود البريطاني منذ العشرينيات من القرن التاسع عشر، إلا أنه استمرَّ لفترة طويلة دون أن تؤسِّسَ الحكومة البريطانية قوة أمن إلا في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، ولم تكن هناك مبرراتٌ لعدم تشكيل قوة لاستتباب الأمن الداخلي، سوى أنَّ الحكومة البريطانية لم تكن تسمح بتأسيس قوات أمن محلية في ظل حمايتها للمنطقة، كما لم يكن ممكناً لأيِّ حاكم أن يشكِّلَ قوات أمن لحماية إمارته خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة خلال فترة ما قبل اكتشاف النفط، ويذكر التاريخ أنَّ قوة الأمن الوحيدة التي وُجِدَت في الإمارات هي مجموعة الحرس المسؤولة عن تأمين الحاكم، والتي عرفت آنذاك باسم «المطارزية» وكانت تنحصر مهامها فقط في توفير الحماية الشخصية للحاكم وتنفيذ بعض المهام البسيطة.
على الرغم من مظاهر انعدام الأمن بوجه عام في المنطقة، وانتشار الحوادث التي تهدِّد الأمن والسلم العام مثل غارات القبائل على المدن، وحوادث خطف الأطفال والنساء التي انتشرت بكثرة من العشرينيات إلى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وغياب الأمن بشكل كامل عن المناطق البعيدة عن المدن الساحلية، فإن السلطة البريطانية لم تتعامل مع الأمر بالجدية اللازمة، ولم تقم بتشكيل قوة أمن للحفاظ على الأمن الداخلي.
في بدايات الأربعينيات من القرن العشرين، استشعرت السلطة البريطانية الحاجة إلى إنشاء قوات أمن لحماية المسؤولين البريطانيين، وتوفير الأمن لمجموعات التنقيب عن النفط التي بدأت في التوافد إلى المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب زيادة معدلات جرائم خطف النساء والأطفال والاسترقاق بشكل خطير استدعى ضرورة تأسيس قوة للتصدي لها، حيث نشرت بعض الصحف المحلية في فترة الثمانينيات من القرن العشرين أخبار رجال ونساء من الإمارات اختطفوا عندما كانوا أطفالاً وأُرْسِلوا إلى دول الخليج ضمن صفقات لبيع الرقيق، وعادوا إلى الإمارات يبحثون عن أهلهم، وكانت هذه الحوادث لا شكَّ مفجعة وتعبِّر بوضوح عن قسوة الحياة في فترة ما قبل النفط، وخاصة بعد انتشار الكساد الاقتصادي بداية من فترة الثلاثينيات من القرن العشرين بعد انتشار اللؤلؤ الصناعي الذي أدّى إلى تدمير المهنة الرئيسة لمواطني منطقة الخليج، والذي تسبَّب في تغيير الكثير من سكان المنطقة لأنشطتهم بحثاً عن مصادر أخرى لكسب الرزق؛ مثل صيد الأسماك والزراعة ورعي الجمال والأغنام، ما أدّى أيضاً إلى هجرة الكثيرين للعمل في آبار النفط المكتشفة في البحرين والسعودية والكويت، واتجه البعض إلى التجارة الممنوعة، بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية، وكانت تجارة الرقيق هي أسوأ أنواعها وأكثرها قسوةً خلال هذه الفترة. ونظراً لمحاربة حكام المنطقة لهذا النوع من التجارة الممنوعة، لجأ تجار الرقيق إلى المناطق البعيدة التي لا توجد فيها سلطة، واستقروا في المناطق المتنازع عليها خلال تلك الفترة.
كانت المنطقة الشرقية في الإمارات أحد مراكز استقبال الرقيق، حيث تذكر التقارير أنَّ أعداداً كبيرة من الأطفال والنساء أُسِرُوا في مدن الإمارات وأُرْسِلُوا ضمن صفقات لبيع الرقيق عن طريق البحر. وتقول التقارير إنَّ تجارة الرقيق انتشرت بكثرة في المنطقة خلال هذه الفترة، على الرغم من أنَّ حجمها كان صغيراً في إمارات الساحل بالمقارنة بالمناطق الأخرى. ومما زاد من رواج هذه التجارة، ظهور تجار رقيق يدفعون أسعاراً كبيرة نظير الرقيق المختطفين، ولم تنجح الحكومة البريطانية في التصدي لهذه التجارة المفجعة في إمارات الساحل، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها المنطقة قبل مرحلة النفط، فاستمرت هذه التجارة بقوة حتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. إلى جانب ذلك، بدأت بعض القبائل الإغارة على المدن للاستيلاء على ما تستطيع الحصول عليه من مؤن.
حاكم رأس الخيمة يحرِّك المياه الراكدة
تشير التقارير إلى أنَّ حاكم رأس الخيمة رفع شكوى في عام 1939 إلى السلطة البريطانية ضد هجمات على ممتلكات بعض إمارات الساحل، وكتب رسالة للوكيل المحلي جاء فيها: “تبعاً لمشاغلنا الداخلية الراهنة فيما يتعلَّق بالقبائل التي يزعزع رجالها السلام، ويرتكبون الجرائم ضد الحياة والممتلكات، نوافق ونتعهد بأن تكون بلادنا دولة واحدة، وأنَّ أية جريمة ترتكب ضد إمارة من الإمارات ستعدُّ كأنها موجهة إلينا جميعاً، وأن المجرم لن تكون له أية حماية، وتعاقبه أية إمارة تقبض عليه، ولو أنَّ قبيلة عصت شيخها المسؤول، الحاكم، فستعدُّ عاصية وعلينا معاداتها ومقاطعتها جميعاً.
ويشير ذلك إلى وجود مسودة اتفاقية للتعاون بين الحكام ضد هذه الأنشطة. ورفع الوكيل المحلي في الشارقة مذكرة إلى الوكيل السياسي في البحرين ليخبره بأنه أعلم حاكم رأس الخيمة بأنه في حال توقيع شيوخ الإمارات على هذه الاتفاقية لغرض التعاون، ومساعدة كل منهم الآخر للتصدي لهذه الأنشطة، فإنَّ السلطات البريطانية تؤيد ذلك.
وفي أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، بدأت المباحثات بين المسؤولين البريطانيين حول ضرورة تشكيل قوات لحفظ الأمن.
طيلة فترة وجودها لم تسعَ بريطانيا لتأسيس قوات برية لعدم حاجتها إلى ذلك، فقد كان الهدف الأساسي للنفوذ البريطاني في الإمارات منذ عام 1820 حتى استقلال الهند عام 1947 هو الحفاظ على السلم البحري في مياه الخليج بوصفه أحد الممرات الحيوية للهند. لذا حرصت بريطانيا على تجنُّب التورُّط في أي مشكلات داخلية كالحروب التي تنشب بين القبائل ما دامت لا تهدِّد سلامة الملاحة البحرية، إلا أنَّ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت تحوُّلاً جذرياً في هذه الاستراتيجية، إذ انتقلت المصالح البريطانية من الساحل إلى الداخل إثر تزايد احتمالات العثور على النفط من ناحية، واستغلال الهند من ناحية أخرى، وكانت المشكلة الأخطر التي أقلقت بريطانيا هي عدم استقرار الأوضاع الأمنية في الإمارات في الوقت الذي تطوّر فيه التمثيل الدبلوماسي البريطاني لديها. ونشطت شركات النفط في عمليات المسح الجيولوجي، ومثلت حالة عدم الاستقرار الأمني هذه انعكاساً حقيقياً للحالة الاقتصادية المتردية التي عانت منها المنطقة، مع انتشار البطالة التي نجم عنها حدوث كثير من الاضطرابات.
وكانت المشكلة الرئيسة الثانية إلى جانب تجارة الرقيق، التي أسهمت بشكل فعَّال في زيادة توتُّر الوضع الأمني في الإمارات، اشتعال مشكلات الحدود الداخلية إثر استئناف شركات التنقيب عن النفط نشاطَها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واحتاجت تلك الشركات إلى معرفة مناطق نفوذ كل حاكم لتحديد مساحة امتيازه، ولم تكن هناك أية خرائط سياسية دقيقة تحدِّد بداية حدود كل إمارة ونهايتها، ولم تكن مناطق نفوذ الحكّام تحدَّد بالأراضي التابعة لهم، بل بالقبائل الخاضعة لسيادتهم، ولما كانت هذه القبائل في ظل النظام القبلي، وظروف الصحراء القاسية تنتقل من مكان لآخر بحثاً عن الماء والكلأ، فإنَّ نفوذ الحكام كان ينتقل معها. وأسهمت هذه العوامل في انتشار حركات التمرُّد لدى بعض القبائل التي انتقلت إلى مناطق جديدة تحت سيادة حكّام آخرين، وعندما ظهرت قضية الامتيازات النفطية، بدأ بعض الحكّام بالمطالبة بالأراضي التي تسكنها تلك القبائل، والتي اعتبروها جزءاً لا يتجزأ من إماراتهم، وكان لنشوب بعض النزاعات المحلية أثره في تفكير الحكومة البريطانية بالتدخل بنفسها في النزاعات الداخلية.
وسط هذه الظروف الصعبة، برزت مشكلة عدم وجود قوة عسكرية تساعد الإنجليز على حفظ استقرار الوضع الأمني في الداخل، وزاد من تفاقم المشكلة اتساع دائرة نشاط شركة تطوير نفط الساحل المنبثقة عن شركة نفط العراق التي تنقّب عن النفط، وحاجة موظفيها للحماية، إذ أبلغ مسؤولوها الحكومة البريطانية عدم قدرتهم على متابعة أعمال التنقيب ما لم تتوافر قوة لحمايتهم، وأمام كل هذه المستجدات والظروف المختلفة، فكَّرت الحكومة البريطانية عام 1949 في إنشاء قوة عسكرية ثابتة لها تستخدم في المناطق الداخلية من الإمارات.
تاريخ المباحثات بين المسؤولين البريطانيين حول تشكيل قوة عسكرية
جرت مناقشات كثيرة بين المسؤولين البريطانيين حول تشكيل قوة ساحل عمان. ويبدو واضحاً من المناقشات، أنَّ الغرض الأساسي والأهم هو حماية شركات النفط والدبلوماسيين البريطانيين وليس الأمن الداخلي للإمارات، وتأتي مسألة تجارة الرقيق في المرتبة الثانية وربما الأخيرة من حيث الاهتمام بإنشاء تلك القوة. ويتضح كثير من الحقائق في رسالة بعث بها مكتب الوكيل البريطاني بالبحرين بتاريخ 30 ديسمبر 1948 عن محادثات مطولة مع سلطان عمان والشيخ صقر بن سلطان النعيمي زعيم قبيلة النعيم، حول المخاطر التي تواجه شركات النفط في عمليات التنقيب في المناطق الداخلية لساحل الإمارات المتصالحة. وتقول الرسالة: «الوضع العام لا يشجع على العمل من دون وجود قوة حماية مناسبة منذ وقعت حالتان لإطلاق النار على بعض ضباط الحكومة البريطانية وموظفي شركة نفط العراق البريطانية المنقبة عن النفط، ويبدو صعباً تحديد مصادر النيران مع وجود انتشار قبلي كبير في الصحراء والمناطق الجبلية». كما أن المحادثات مع بعض رجال القبائل لا تحلُّ المشكلة، ولكن تبقى أفضل من لا شيء، ولو شكّلت الحكومة البريطانية قوة من الجنود البريطانيين لحماية تلك الشركة أو غيرها، فربما يصبح هؤلاء الجنود هدفاً سهلاً لرجال القبائل لأسباب متنوعة، ولذا كان هناك اقتراح بتشكيل تلك القوات وخاصة في تلك المناطق، من قوة تتكوَّن من نحو 50 فرداً يتم اختيارهم من القبائل بنفس الأسلوب الذي تشكّل به اللواء العسكري العربي في الأردن، شريطة أن يقودها ضبّاط أكفاء.
وكان من ضمن المقترحات التي تضمنتها رسالة روبرت هاي الوكيل السياسي البريطاني في الخليج أن تقوم شركة النفط بتأسيس وتدريب قوة من الحرس، خاصة أنَّ شركة نفط العراق البريطانية كانت تدفع مخصَّصات اللواء العسكري العربي في الأردن، وكانت وجهة نظر الحكومة البريطانية مطابقة لهذا الاقتراح، وأن تؤسِّس الشركة قوتها الخاصة من رجال القبائل بعيداً عن الحماية الحكومية.
واستمرت المباحثات بين المسؤولين البريطانيين طيلة عامي 1948 وحتى عام 1950 حول تأسيس تلك القوة ومهامها، وكان من أهم البنود الصعبة التي أخذت وقتاً طويلاً هو مصادر تمويل هذه القوة وصرف مخصَّصاتها ورواتبها. وفي مطلع عام 1950، وافقت وزارة المالية البريطانية على تشكيل قوة من 70 فرداً بدلاً من 100 فرد كما ورد في توصيات التقرير المرفوع لها، وأن تتحمَّل الكلفةَ وزارةُ الخارجية، واقترح في البداية الحصول على نواة لهذه القوة من عدن، لكن تقرَّر فيما بعد أنه يمكن توفير جنود من الجيش العربي في الأردن، وتمَّ تعيين ضابط بريطاني انتدب من الجيش العربي الأردني ليشغل منصب القائد مع ضابطين عربيين، وانتدب 32 فرداً من أصحاب الرتب والأفراد مع تجنيد العدد المتبقي من القوة محلياً، وتقرر تسميتها «قوة ساحل عمان»، وأن يكون مقرها في الثكنات الخالية التابعة لسلاح الجو الملكي في الشارقة.
وجرت مناقشات كثيرة حول حق الحكومة البريطانية في تشكيل القوة، بسبب عدم وجود اتفاق دولي أو معاهدة تنصُّ على ذلك، وطُرِح في البداية اقتراحٌ للقيام بمحاولة للحصول على موافقة الحكّام على تشكيلها، فاعترض الوكيل السياسي على هذه الطريقة، وفي النهاية صدرت إليه الأوامر لإبلاغ الحكّام شفوياً باقتراح تشكيل القوة، والأسباب الداعية إلى ذلك على أساس أن تعدَّ بعد ذلك قانونية.
وتبعاً لذلك جرى إبلاغ الحكّام في سبتمبر عام 1950 وكانت النتائج مرضية، وبالتالي قوبل تشكيل القوة بالترحيب في كل مكان، ومن أجل إخضاع أفراد قوة ساحل عمان لسلطة الحكومة البريطانية، ومن أجل تبرير إصدار لوائح ملكية حول إنشاء وتجنيد وانضباط ونظامية القوة المقترحة، صدر مرسوم جديد لإمارات الساحل في ديسمبر 1950، ثمَّ صدرت اللوائح الملكية بعد فترة قصيرة تقضي بتأسيس قوة ساحل عمان.
أول نواة لقوات الأمن في المنطقة قوة ساحل عمان
كانت أول قوة أمن نظامية في الإمارات هي قوة ساحل عمان التي كانت تتبع لإدارة السلطة البريطانية، والتي تأسَّست رسمياً في عام 1951 تحت مسمّى «كشافة الساحل المتصالح» ثمَّ تغيَّر اسمُها إلى «قوة ساحل عمان» في عام 1965 والتي استمرت في العمل حتى عام 1971، قبل أن يتم تسليمها إلى دولة الإمارات وتسميتها «قوة دفاع الاتحاد».
وعلى مدار فترة وجودها لمدة 20 عاماً، لعبت قوة ساحل عمان دوراً محورياً في استتباب الأمن الداخلي وتطوير تشكُّل القوات المسلحة في الإمارات. وكان من أبرز إنجازاتها؛ التصدي لتجارة الرقيق، والمساعدة على مكافحة أعمال الشغب في عمان، والتصدي لغارات القبائل، والتصدي للنزاعات القبلية واستتباب الأمن في المنطقة. وتعدُّ قوة ساحل عمان هي النواة الأولى لتأسيس معظم قوات الأمن الداخلي والقوات المسلحة في الإمارات. وكان ذلك عن طريق ندب أفرادها لقيادة وإدارة وتدريب هذه القوات، والمساعدة على تدشين برامج تدريب عسكري للأفراد المنضمين لصفوف قوات الأمن في الإمارات.
أسَّس أفراد كشافة الساحل المتصالح أوَّل نواة لقوة الأمن، وكانت عبارة عن قوات برية، على الرغم من قيامها بدوريات تمشيط للساحل، ولم تمتلك هذه القوة أي طائرات واعتمدت بشكل كامل على القوات الجوية الملكية المتمركزة في الشارقة والبحرين.
مرسوم ملكي بريطاني بتشكيل قوة ساحل عمان
في 11 مايو عام 1951، أصدرت السلطة البريطانية قراراً رسمياً بتشكيل قوة كشافة الساحل المتصالح، وكانت إدارة هذه القوة وصرف رواتبها وإدارتها الكاملة في هذه الفترة تتبع مكتب الوكيل المحلي للسلطة البريطانية وليس الوكيل العسكري، ويرجع ذلك إلى أنَّ رؤية السلطة البريطانية في هذا الوقت كانت إنشاء القوات لحماية المصالح البريطانية وليس بغرض القيام بأي مهام عسكرية. تمركزت القوات في الشارقة وكانت تتبع إدارة الوكيل السياسي للسلطة البريطانية في البحرين وفق مهام مكلفة بها للعمل تحت الإدارة المباشرة للوكيل المحلي وحماية أفراد السلطة البريطانية في الإمارات، والتصدي لجرائم تجارة الرقيق، واستتباب الأمن في المناطق البعيدة غير الخاضعة لسيطرة الحاكم.
ولغرض إنشاء قوة ساحل عمان، تمَّ تكليف الجيش العربي في الأردن بتوفير مجموعة مكلفة بقيادة وإدارة وتدريب أفراد القوة الجديدة. وفي عام 1951، وصلت مجموعة مكوَّنة من 35 فرداً إلى الشارقة، بقيادة ضابط بريطاني من قوات الجيش العربي في الأردن، وأصبح هذا الضابط الرائد «ميشيل هانكين توفين» أول قائد لقوة حرس عمان.
تمَّ تشكيل القوة وتدريبها وتسليحها وكان يحمل أفرادها لقب «جند أميري» للقيام بمهام الأمن الداخلي كقوة شرطة وليس كقوات برية. ولمساعدتها على قيامها بالمهام الشرطية في حفظ الأمن الداخلي، مُنِحَت سلطة الضبط والاعتقال ووصل قوامها بنهاية عام 1951 إلى 60 فرداً، ونجحت في استتباب الأمن، حيث كتب الوكيل المحلي خلال تلك الفترة في أحد تقاريره «نجحت قوة ساحل عمان في استتباب الأمن، حيث لم يتم رفع أي تقرير حول جرائم خطف أو تجارة رقيق على مدار العام، كما لوحظ انخفاض كبير في جرائم غارات سرقة الممتلكات والمؤن».
استغرقت الخطة الأولية لإنشاء قوة ساحل عمان، والتي كانت تستهدف تعيين 100 فرد من مواطني الساحل المتصالح 18 شهراً، ومثّل ذلك أحد التحديّات في المراحل الأولى نظراً لعزوف المواطنين عن الانضمام لصفوف القوة في البداية، لعدم وضوح دورها ومهام عملها في بداية الأمر، إلى جانب أنَّ سوء التغذية في هذه الفترة أدى إلى عدم وجود أعداد كبيرة من لياقة المتطوعين للانضمام إلى صفوف القوة، وتمَّ فيما بعد ضم أفراد عمانيين (بمن في ذلك البلوش والباكستانيون وأبناء قبيلة الظفيري) وجنسيات أخرى تمَّ ضمها في الفترات الأولى، ثمَّ تقلَّص عددهم في العقدين التاليين، على الرغم من استمرار وجود أفراد غير إماراتيين في صفوف القوة حتى عام 1971.
وفي منتصف عام 1952 وصل عدد القوة إلى 100 فرد، وتمَّ تحديد مهام القوة لتشمل دوريات التمشيط للمناطق الداخلية البعيدة عن السواحل للتصدي للجرائم، ومطاردة المجرمين، وجمع المعلومات الاستخباراتية ورفعها إلى الحاكم والسلطة البريطانية، إلى جانب قيام القوة بالتدخل للتصدي لأعمال العنف والشغب المرتبطة بملكية المياه، وحصاد النخيل، والموارد الأخرى والتصدي لأي محاولات لتصعيد الموقف. وفي حال عدم قدرتهم على التصدي للنزاعات من خلال التحكيم، يتم رفع الأمر إلى الحاكم أو وكيل السلطة المحلية، وفي حالات التصعيد واستمرار النزاع كانت القوات تقوم بإنشاء نقطة أمن صغيرة تتمركز للحفاظ على الأمن والتصدي لأي أعمال شغب، ثمَّ يتم حل هذه النقطة وعودتها إلى صفوف القوة بعد انتهاء الأزمة.
أزمة البريمي تؤدي إلى تحالف عسكري وتستدعي ضرورة تعزيز قوة ساحل عمان
في عام 1952، نشبت أزمة البريمي فقرَّرت السلطة البريطانية التدخل للحل السلمي، وتمَّ توقيع اتفاقية في عام 1952 سمحت لكل من القوات السعودية والقوات البريطانية بالاستمرار في مواقع تمركزها إلى حين انتهاء المفاوضات. واتفق الطرفان على عدم تعزيز قواتهما العسكرية وعدم الاستعانة بالقبائل المحلية.
وقررت السلطة البريطانية زيادة عدد القوة إلى 500 فرد على فترة زمنية ليست قصيرة في ظل الأزمة، وبالتالي قررت السلطة البريطانية ندب أفراد بريطانيين لدعم استتباب الأمن إلى حين وصول القوة للعدد المطلوب. في يناير 1953، وصلت مجموعة من السيارات المدرعة التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية، وبداية من فبراير 1953 بدأت الدفعات الأولى لمجموعة تتألف من 300 فرد تابعين لقوة حماية عدن التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية في التوافد لدعم قوة ساحل عمان. ولدعم تعزيز صفوف القوات، تمَّ ضم مئات من أفراد قوة حماية عدن إلى صفوف قوة ساحل عمان، وبحلول أغسطس 1953 اكتملت خطة تعزيز قوة ساحل عمان ووصلت إلى العدد المطلوب، وعاد الأفراد التابعون لقوة حماية عدن إلى نقاط تمركزهم، على خلفية تدهور الوضع بسبب المشكلات الكبيرة التي أحدثتها القوات العدنية في صفوف القوة، وتورط جنود عدنيين في جرائم قتل ضابطين بريطانيين وضابط صف في العين. وفي نوفمبر 1953 تمَّ تسريح السرية العدنية بالكامل، التي كان يبلغ عددها 90 فرداً، واستبدالهم خلال أشهر قليلة بمواطنين إماراتيين وجنود عرب غير مواطنين بنظام التعاقد.
مــن اليميــن إلــى اليســار: المــازم بيــر تورنــر مــن القــوات الجويــة الملكيــة البريطانيــة، والشــيخ زايــد بــن ســلطان آل نهيــان، ممثــل الحاكــم فــي منطقــة العيــن آنــذاك والحاكــم المســتقبلي لأبوظبــي ورئيــس الإمــارات فيمــا بعــد، والنقيــب بيتــر ماكدونالــد مــن قــوة ســاحل عمــان، وضابــط مــن قــوة حمايــة عــدن، (المصــدر: أليســتاير ماكدونالــد)
وعلى الرغم من أنَّ مكتب الوكيل العسكري كان تدخله محدوداً في شؤون قوة سلطة عمان، إلا أنَّ أزمة البريمي استدعت رفع طلب تدخُّل القوات البريطانية، وفي عام 1952، وصل أول ضابط بريطاني للخدمة في صفوف قوة سلطة عمان، وتبعه العديد من الضباط البريطانيين، وكان لهم دورٌ ملحوظٌ في رفع كفاءة القوة وتدريبها وقيادتها، وكان الرائد «ميشيل هانكين توفين» المنتدب من لواء قوات الأردن هو المؤسِّس والقائد الأول رسمياً لقوة ساحل عمان. وفي عام 1954 تمَّ إعلان تشكيل القوة رسمياً وأصبحت تابعة للإدارة المشتركة مع مكتب الوكيل العسكري.
وابتداءً من هذا التوقيت، تولّى ضباط الجيش البريطاني المناصب القيادية والإدارية في جميع وحدات قوة ساحل عمان، فيما تولّى الضبّاط العرب المناصب الأخرى ضمن صفوف القوة. كما خدم أيضاً ضبّاط صف تابعون للجيش البريطاني في القوة، وكانوا يتولّون مهام التدريب والمهام التخصصية. وكانت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لمركز القيادة، وتطلَّب ذلك أن يتحدَّث الضبّاط البريطانيون الذين يخدمون في صفوف القوة اللغة العربية، وكان يتم إلحاقهم بدورات تعليم اللغة العربية قبل الالتحاق رسمياً بالخدمة في صفوف القوة.
تطور تشكيل قوة ساحل عمان
على الرغم من نجاح العمليات العسكرية في البريمي، إلا أنها أظهرت ضعفاً واضحاً في تشكيل قوة ساحل عمان، أكَّد عدم قدرتها على القيام بمهام القوات البرية العسكرية بسبب النقص في القوة العددية والتدريب وأسلحة المشاة الثقيلة. وعلى خلفية ذلك، تمَّ فيما بعد تعزيز القوات عددياً ورفع قدراتها وتجهيزها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة وتكليفها رسمياً بحماية حدود الساحل المتصالح. وتضمَّنت خطة التعزيز إضافة سرية مشاة خامسة، وتكوَّنت كل سرية من قوة تتألف من 94 إلى 150 فرداً، وتمَّ إضافة وحدة متخصِّصة لتدريب القوات، وتجهيز كل سرية بفصيلة مجهزة بمدافع الهاون.
ولتعزيز القوات، استشعرت قوة ساحل عمان ضرورة زيادة عدد الضبّاط والأفراد البريطانيين، ووصل العدد الإجمالي للبريطانيين خلال الفترة 1960-1961 إلى 40 ضابطاً و100 ضابط صف. وتمَّ تغيير مهمة قوة ساحل عمان في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين وإعادة انتشارها لحماية مواقع التنقيب عن النفط في غرب أبوظبي والإمارات الشمالية لاستتباب الأمن في هذه المناطق وحماية المصالح والممتلكات.
كما تمَّ تعزيز القدرة العسكرية لأجنحة المشاة في قوة ساحل عمان بنهاية الخمسينيات من القرن العشرين، للمشاركة في العمليات العسكرية في عمان، حيث ظهرت حركة تمرد منشقة في عمان ترأسها إمام المذهب الإباضي، وكانت تسعى إلى تأسيس دولة منشقة داخل حدود سلطنة عمان. وبعد أن قام المتمردون بهزيمة قوات سلطان عمان في عام 1957، تمَّ تكليف قوة ساحل عمان بمهمة دعم القوات البريطانية والقوات العمانية التي كانت تقوم بعمليات عسكرية لإعادة استقرار الحكم لسلطان عمان. وتمت هزيمة المتمردين في عام 1959، وأعقب ذلك انسحاب جميع أفراد قوة ساحل عمان من سلطنة عمان، وكانت تلك هي آخر العمليات العسكرية التي شاركت فيها قوة ساحل عمان خارج حدود الإمارات، واستمر عملها فيما بعد في التصدي لخطوط الإمداد التي كانت منتشرة لنقل الأفراد والمؤن لدعم ثورة ظفار في سلطنة عمان (خلال الفترة 1962-1976).
تطوّر تشكيل قوة ساحل عمان من حيث العدد في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، ووصل تعدادها إلى 680 فرداً، وفي مايو 1960 بلغت قوتها 1300 فرد، وكان مواطنو الساحل المتصالح يمثلون أقل من نصف الجنود غير البريطانيين في صفوف القوة آنذاك، حيث كان يبلغ عددهم 450 فرداً من إجمالي 1150. وبنهاية الخمسينيات من القرن العشرين، تمت إعادة تنظيم تشكّل قوة ساحل عمان لتضمَّ خمس سرايا مشاة تتألف كل منها من 120 فرداً، إضافة إلى مجموعة للدعم وتمركزت جميعها في مقر قيادة واحد. كما ضمّت أيضاً سرية قيادة عمليات وورشة صيانة كبيرة، ووحدة نقل، ومركز إشارة، ومستشفى صغير، وسرية تدريب وفرقة موسيقى عسكرية.
وفي أغسطس 1960، كانت هناك مخاوف من ضرورة مشاركة قوة ساحل عمان من جديد في عمليات التصدي للنزاعات في المنطقة، واستدعى ذلك الحاجة إلى إعادة تنظيم تشكّل القوات، فتمَّ تقسيم القوة إلى فرقتين؛ كتيبة برية لها مركز قيادة مستقل وتركّزت مهامها على عمليات المشاة العسكرية، وكتيبة الساحل المتصالح التي لها مركز قيادة مستقل في الشارقة، والذي تمَّ تعزيزه بمزيد من الأفراد والتجهيزات لإدارة عمليات لواء كامل في حالة الطوارئ. وفي عام 1961 تقرَّر أنَّ تشكّلَ القوة على هيئة كتيبتين بهذا الشكل غيرُ مناسب، وذلك على خلفية تعزيز القوات العمانية لقوتها العسكرية ما يستدعي ضرورة تدخل قوة ساحل عمان من جديد في عمليات خارج منطقة الساحل المتصالح، وعاد تشكّل القوة إلى ما كان عليه في السابق بحل الكتيبة البرية، وعادت القوات من جديد لتتألف من السرايا الخمس كما كان في السابق ولها مركز قيادة لعمليات المشاة معزز بسرية قيادة عمليات وسرية تدريب.
وفي عام 1961، أنشأ الرائد ستيفينسون فرقة عسكرية، تمَّ إرسالها إلى عدن للتدريب، وتولّى الرائد جاكوز إدارة هذه الفرقة بعد عامين، وكانت الفرقة العسكرية تعزف أثناء العروض العسكرية والاحتفالات.
نجاح قوة ساحل عمان في استتباب الأمن والحفاظ على سيادة الإمارات
بداية من فترة الستينيات من القرن العشرين، كانت مهمة قوة ساحل عمان تتركز على التصدي للمخاطر.
واستدعى ذلك تطبيق نظام البدل في سرايا المشاة كل 4-6 أشهر للتمركز في مناطق النزاعات. وكانت مقار التمركز الأساسية للقوات في مسافي في الجبل الأخضر، والمنامة، وقلعة الجاهلي في العين، والمرفأ في الساحل الغربي لأبوظبي القريب من مواقع التنقيب عن النفط في طريف. وتمَّ تطبيق نظام البدل وتمكَّن نشر نقاط أمنية في هذه المناطق ودوريات أمنية لحماية مواقع التنقيب عن النفط، إلى جانب التصدي للجرائم التي كانت منتشرة خلال تلك الفترة مثل تهريب الأسلحة، لإمداد الحركات الثورية والمتمردين في سلطنة عمان بالأسلحة. والحفاظ على الأمن الداخلي، وتوفير الحماية لأفراد مكتب الوكيل المحلي وعمليات التنقيب عن البترول التابعة للشركات البريطانية، إلى جانب استتباب الأمن والحفاظ على النظام، والتصدي لأعمال التخريب والشغب التي ظهرت خلال تلك الفترة مثل الإضراب العمالي في عام 1963 لمحطة تصدير البترول في جزيرة داس في أبوظبي، واقتحام مجموعة من المتضررين من البطالة لمدرج الطائرات في الشارقة.
واستمرَّت عمليات تعزيز تشكّل قوة ساحل عمان في الستينيات من القرن العشرين حتى وصل قوامها إلى 1964 فرداً، وبُذِلَت جهود كبيرة في تلك الفترة لتعزيز تجهيزات القوات بالزي الرسمي والتسليح، حيث قام الرائد توج ويلسون، قائد قوة دفاع أبوظبي بتصميم زي رسمي مبتكر لقوته، ثمَّ صمَّم العقيد آيف لاحقاً سترة رصاصية اللون لجميع الضباط مزودة بأزرار فضية اللون، وتحمل خنجة متقاطعة الشكل، واستقرَّ الهيكل النظامي للقوات على استخدام شارات الرتب العسكرية البريطانية للضباط البريطانيين وتمييز ضبّاط الصف العرب بشارات تحمل نجوماً فضية اللون. وحمل الضبّاط العرب برتبة ملازم ثانٍ، التابعون لبعثة جلالة الملكة، شارات تحمل نجوماً حمراء اللون على الأكتاف، فيما حمل الضبّاط العرب برتبة ملازم ثانٍ، التابعون لبعثة قائد القوات، شارات تحمل نجوماً بيضاء اللون على الأكتاف. وكان ضبّاط الصف يحملون شارة تحمل أشرطة بيضاء اللون على الكتف اليمنى والأفراد بدرجة وكيل كانوا يحملون الشارة النحاسية البريطانية الرسمية مثبتة على عروة حزام باللونين الأزرق والرمادي.
وفي عام 1966 أعلنت الحكومة البريطانية رسمياً نيتها الانسحاب من عدن على خلفية الصراعات والحركات المناهضة للسلطة البريطانية، وتأزم الوضع السياسي في المنطقة، وصاحب ذلك مخاوف من السلطة البريطانية على مصالحها في منطقة الخليج، قام الجيش البريطاني بتعزيز الحضور العسكري في إمارات الساحل المتصالح وتمركز قوة تتألف مما يقارب 2400 جندي في الشارقة، واستدعى ذلك نقل أفراد قوة ساحل عمان إلى معسكر جديد تمَّ إنشاؤه في المرقب على بعد أميال من شمال غرب الشارقة في سبتمبر 1967.
انسحاب بريطانيا من الخليج وانتقال تبعية قوة ساحل عمان للدولة الجديدة
في عام 1968 أعلنت بريطانيا رسمياً نيتها الانسحاب الكامل من منطقة الخليج بنهاية عام 1971، وبالتبعية ستنتهي سيطرة السلطة البريطانية على قوة ساحل عمان، وبرغم ذلك، قرَّرت بريطانيا استمرار قوة ساحل عمان في القيام بمهامها للحفاظ على استتباب الأمن في الإمارات أثناء فترة انسحاب القوات البريطانية واستقلال دولة الإمارات، وقررت بريطانيا أن تكون قوة ساحل عمان نواة قوة الدفاع لإمارات الساحل المتصالح، وعرضت نقل القوات إلى التبعية تحت إدارة الدولة الاتحادية الجديدة، مقابل السماح للجنود والضباط البريطانيين من الاستمرار في الخدمة في صفوفها، وبيع وإهداء الأسلحة والمعدات والتجهيزات العسكرية للدولة الجديدة.
عملت بريطانيا على تعزيز قوة ساحل عمان، وقامت في عام 1969 بتزويدها بأسلحة مشاة حديثة لرفع كفاءتها وجاهزيتها استعداداً للمرحلة المقبلة من استقلال الدولة وإعلان الاتحاد.
وفي يوليو عام 1971 قرّر حكّام الإمارات تأسيس اتحاد الإمارات وأُعْلِنَ رسمياً في 2 ديسمبر 1971.
وعلى الرغم من انتهاء تكليف السلطة البريطانية رسمياً في 1 ديسمبر 1971، فإنها استمرت في قيادة قوة ساحل عمان إلى حين إعلان حلّها رسمياً في منتصف ليلة 21 ديسمبر 1971، وكان يبلغ قوامها آنذاك 35 ضابطاً بريطانياً، 33 ضابطاً عربياً، وإجمالي قوة تتألف من 1500 جندي. وتمَّ تسريح جميع الأفراد المنضمين لصفوف القوة من الإماراتيين، ودعوتهم جميعاً إضافة إلى الضبّاط والأفراد البريطانيين للانضمام إلى القوة الجديدة التي حملت اسم قوة دفاع الاتحاد، والتي تمَّ إنشاؤها تحت قيادة الحكومة الإماراتية. واستدعى ذلك أن يتمَّ تشكيل قوة دفاع الاتحاد وفق نفس الهيكل النظامي لقوة ساحل عمان، واستمرت في العمل بالهيكل النظامي للتسلسل الإداري والرتب العسكرية البريطانية، وشغل نفس أفراد القيادة ذات المناصب في القوة الجديدة، بما في ذلك قائد القوات، ونائبه، وجميع قيادات الوحدات والسرايا والفصائل والجماعات.
تشكّل قوات الشرطة عبر مراحل التاريخ الأول للدولة
جناح شرطة قوات ساحل عمان
في بدايات الستينيات من القرن العشرين، كانت أبوظبي وحدها تملك قوة شرطة. وفي باقي الإمارات، كانت مهام الحفاظ على الأمن الداخلي تتم بواسطة مجموعات الحرس التابعة للحكّام، حيث لم يتمكّن حكّام الإمارات في تلك الفترة من إنشاء قوات شرطة؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وقلة الموارد قبل مرحلة اكتشاف النفط، إلى جانب قلة أعداد المواطنين في الإمارات الأخرى وانخفاض معدلات الجريمة وعدم وجود ما يعكّر الأمن الداخلي والسلم العام.
وفي تلك الفترة، كان البريطانيون يرون أنه لا توجد حاجة لإنشاء قوات شرطة، وأنَّ القوات البريطانية تستطيع القيام بمهام الحفاظ على الأمن، فقام الوكيل السياسي البريطاني في دبي، دونالد هاولي، بانتداب الخبير الشرطي روبرت واجيت، للقيام بمهمة مراجعة الوضع الأمني في الإمارات الخمس في عام 1961. ورفع الخبير تقريره الذي أوصى فيه بالاستعانة بقوة ساحل عمان للقيام بمهام الشرطة، حفاظاً على الأمن الداخلي في الإمارات الخمس تحت مسمّى جناح شرطة قوة ساحل عمان، ووُضعت نفس السياسة العامة لباقي أجنحة قوة ساحل عمان، بالحد من تدخل جناح الشرطة في أي عمليات خارج المدن التي يقيم فيها حكّام الإمارات، وأنه لا يجوز لهم دخول هذه المناطق بدون إذن رسمي، ومع زيادة ثقة الحكّام في قدرات وكفاءة جناح الشرطة، كانت قوات جناح الشرطة مرحباً بها للدخول إلى مدن الحكّام وتسهيل قيامها بمهام الحفاظ على الأمن الداخلي والسلم العام.
وكانت الخطة الأساسية لجناح الشرطة هي أن تتشكَّل قوة تتألف من 35 فرداً تقوم بمهام وحدات الشرطة السيارة، ويترأسها ضابط شرطة له خبرة كافية بجغرافيا وسكان المنطقة. وبدأ تشكّل قوة جناح الشرطة في عام 1963 مع وصول قائدها، الضابط البريطاني السيد جاك بريجز الذي منح رتبة رائد، والذي يعود تاريخ خدمته السابقة ضمن قوة شرطة فلسطين، وكان آخر المناصب التي شغلها نائب قائد قوة شرطة قطر. وكانت أولى مهامه تعيين أفراد قوة الشرطة، وإنشاء برنامج تدريب شرطي، والتنسيق مع الحكّام وكسب تأييدهم للسماح له بنشر قوة الشرطة في مدنهم، عن طريق إقناعهم بأنَّ وجود جناح الشرطة سيؤدي إلى مكافحة الجرائم ويحافظ على استتباب الأمن.
كانت المهمة الأساسية لجناح الشرطة التصدي للجريمة، والتحقيق في الجرائم المرتكبة، وتوقيف المجرمين، وإدارة السجن، والتصدي للهجرة غير الشرعية ووقف جرائم تجارة الرقيق، ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة. وتمركز جناح الشرطة في الشارقة ضمن سرية قيادة العمليات التابعة لقوة ساحل عمان.
حاول الرائد جاك بريجز كثيراً إقناع الحكّام بالانتشار في مدنهم بدلاً من تمشيط المناطق الحدودية عن طريق الدوريات السيارة، ولكن محاولاته باءت بالفشل بسبب رفض الحكّام لها وعدم تأييدهم لفكرة انتشار القوات داخل مدنهم، واستمرت بالقيام بمهامها بتمشيط الحدود عن طريق دوريات سيارة، ولكن دورها لم يكن له جدوى وتراجعت أهمية استمرار قوة جناح الشرطة، وتقرَّر تسريح أفرادها في بداية عام 1965، وأصبحت وظيفة الرائد جاك بريجز معطّلة. وعلى خلفية قيام حاكم دبي بصرف قادة شرطة دبي من الخدمة في مايو 1965، عرض حاكم دبي عليه هذا المنصب، والذي قام بدوره بقبول المنصب الجديد في شرطة دبي وتقديم استقالته من جناح شرطة قوة ساحل عمان.
التاريخ الأول لتشكّل القوات البحرية الإماراتية
دورية الداو الساحلية التابعة لقوة ساحل عمان
لم يكن لدى قوة ساحل عمان قوة بحرية، على الرغم من استخدامها لدورية الداو في العديد من الأغراض الأمنية. وكانت مهمتها الأساسية في بداية الأمر تقتصر على نقل الأفراد والمؤن للوحدات المتمركزة، ولكن في بدايات الستينيات من القرن العشرين، استأجرت مركباً مزوداً بمحرك ديزل سريع يحمل اسم «القائد» ومزوداً بجهاز راديو متصل بمركز قيادة العمليات في الشارقة، وتمَّ تكليفه بمهام التمشيط ضمن دوريات تستمر كلٌّ منها 3 أيام للتصدي لجرائم التهريب، ونقل الأسلحة، والهجرة غير الشرعية، وكانت تتمتَّع بقدرة فائقة في تلك الفترة حيث كانت فائقة السرعة بالمقارنة بقدرة المراكب المستخدمة في التهريب ولديها القدرة على ملاحقتها وتوقيفها. وشارك مركب الداو «القائد» في عدد من العمليات العسكرية لتوقيف القطع البحرية المشتبه بها، ونقل مجموعات مسلحة تابعة لقوة ساحل عمان مع البنادق والذخائر والرشاشات. وخلال فصول الشتاء، كانت مهمة مركب «القائد» نقل المؤن الغذائية إلى سرية المرفأ في الفترات التي كان يصعب فيها المرور من منطقة السبخة، إلى جانب بعض المهام الأخرى مثل زيارة القرى النائية التي يصعب الوصول إليها برياً ونقل البعثات الطبية المكلفة بالكشف عن الجُدري والحفاظ على سيادة الإمارات على حدودها المائية.