2,922 عدد المشاهدات
الكاتب :جمال بن حويرب
انتشرت في الآونة الأخيرة في الإمارات خريطة، كما تسمّى حديثاً، أو «صورة»، كما كان يسمّيها الجغرافيون المسلمون قديماً، ويدَّعون أنَّ هذه الخريطة (الصورة رقم 1) يعود تاريخها إلى سنة 1559م لجغرافي عربي أصله من تونس عمل عند السلطان سليمان القانوني، اسمه حاجي أحمد، فقام بترجمة خريطة لاتينية للعالم رُسِمَت سنة 1535م (صورة رقم 2)، ويزعمون أنَّ في خريطة حاجي أحمد ذِكْراً لقبيلة بني ياس (الصورة رقم 3)، القبيلة العدنانية الهوازنية التي منها رئيس دولة الإمارات حاكم أبوظبي، ومنها نائبه حاكم دبي. وتنتشر فروع القبيلة كذلك خارج أبوظبي ودبي، في الإمارات الأخرى في الدولة، وفي قطر والبحرين والسعودية قليلٌ منهم. وظن هؤلاء أنَّ في هذه الخريطة فتحاً لهم، حيث إنَّ قبيلة بني ياس ذُكِرَت في هذه التاريخ المتقدّم، وكان أقدمُ ذكرٍ لهم في رحلة التاجر الإيطالي «بالبي» عام 1580م. وقد كنت أتمنّى أن يكون هذا الاكتشافُ صحيحاً، ولكن للأسف وجدته بعد الدراسة محضَ وهمٍ وجهلٍ، وخطأً في علم الجغرافيا، وكسلاً في الرجوع إلى المصادر الأخرى، وهذا ما سنُبَيِّنُه لكم في عجالة من غيرِ تفصيلٍ في هذا العدد، وسنتركُ التفصيلَ للأعداد القادمة إن شاء الله.
أولاً: مَن هو حاجي أحمد؟
لا توجد أيُّ معلوماتٍ عن حاجي أحمد سوى أنه من تونس، وما كتبه هو عن نفسه في الخريطة، حيث قال إنه: «تعلَّم في مدينة فاس المغربية، وقد تمَّ استعباده وبيعه لأوروبي، قد يكون فرنسياً، وسُمِحَ له بمزاولة شعائر الإسلام». والظاهر أنه اتصل بطريقة ما إلى الدولة العثمانية إبّان حكم السلطان سليمان القانوني، الذي بلغت سطوته في أوروبا ما لم يبلغها غيره مِمَّن سبقه، ولعلَّه تعرَّف إليه أحدُ العاملين في قصر السلطان أو اتصل بأبنائه في سنوات ما قبل 1559م، فتَرْجَمَ الخريطةَ الفرنسيَّةَ لمعرفته باللاتينية، وكانت هذه الخريطة مدخلاً له إلى البلاط العثماني على أغلب الظن، إن كانت هذه الرواية صحيحة، وأن الخريطة رُسِمَت في تلك السنة، والعلماء يشكِّكون في ذلك وينفونه كما سيأتي.
ثانياً: مَن صاحبُ الخريطة الأصلية التي ترجمها حاجي أحمد؟
خريطة حاجي أحمد هي ترجمة لخريطة رسّام الخرائط الفرنسي أورانس فين (1494-1555م) الذي رسم خريطة العالم على شكل قلب سنة 1535م (الصورة رقم 2) وتتميَّز بخصائصَ أوروبيَّةٍ محددة، حيث تشمل استخدام المصطلحات الغربية، وقد أشار إلى ذلك مترجمها حاجي أحمد، بأنه ترجمها إلى لغة المسلمين- التركية حينذاك.
وخريطة حاجي أحمد تشبه كذلك خرائط أخرى أوروبية، ما يؤكِّد أنها مترجَمة من أصلها الفرنسي. وهذه الخريطة كانت محفوظة في مجموعة الجغرافي جان باتيست بورغينيون دانفيل (1697- 1782)، ثمَّ اشتراها الملك لويس السادس عشر في عام 1779، ثمَّ حُفِظَت في المكتبة الوطنية في فرنسا منذ عام 1924 حتى اليوم.
ثالثاً: هل خريطة حاجي أحمد طُبِعَت سنة 1559م؟
يجيب عن هذا التساؤل الجغرافي الأمريكي «رودني دبليو شيرلي» في كتابه المميَّز جداً بعنوان: «خرائط العالم المطبوعة المبكرة» ويقول باختصار:
«تمَّ اكتشاف قطع خشب الكمثرى الست التي طُبِعَت منها هذه الخريطةُ الكبيرةُ وغيرُ الاعتيادية في مدينة البندقية في عام 1795، وأُخِذَ 24طبعة منها، ولم يتبقَّ منها سوى ثماني أو تسع نسخ؛ من ضمنها نسخة موجودة في البندقية، ونسخة في المكتبة الوطنية الفرنسية، ونسخة في المكتبة البريطانية، ونسخة في المكتبة الوطنية النمساوية، ونسخة في مكتبة وليام ل. كليمنتس، ونسخة ضمن مجموعة خاصة في نيويورك. وعلى الجهة الخلفية، يجب أن تكون هناك شهادةُ توثيقٍ تُبيِّن أنَّ الطبعاتِ أُخِذَت خلال الفترة ما بين 12 و18 سبتمبر عام 1795م».
الخريطةُ نفسُها مستمدَّة من خريطة العالم على شكل قلب، والتي رسمها عالِم الخرائط الفرنسي أورانس فين عام 1535م مع أسماء أماكن إضافية وخط ساحلي محدث للأمريكتين. هذه الخريطة أكبر بكثير من نسخة أورانس الأصلية، ويوجد نصٌّ باللغة التركية على وجه الخريطة. وصُمِّمَت الحدود الخارجية من الأرابيسك الجميل على شكل أزهار، ويحتوي الجزء السفلي من الخريطة على رسم لآلة ذات الحلق الفلكية، ونصفي الكرة الأرضية. ويوضِّح أحدُ مفاتيح الخريطة التاريخَ المفترضَ لإعدادها، وهو العام 967هـ أو 1559م.ثمَّ يصف رودني الخريطة فيقول: «النَّصُّ باللغة التركية طويلٌ ومفصَّل، ويتضمَّن ملاحظاتٍ حول العثور على خطوط الطول والعرض، ووصف القارات والبلدان الرئيسة، وأسماء المنازل أو الكواكب المرتبطة بها.وهناك نصٌّ يصفُ كيف قام المؤلف حجي أو (الحاج)أحمد، المولود في تونس والذي درس في فاس، بوضع الخريطة، لكنَّ المؤرخ البريطاني فيكتور لويس ميناج شكَّك بأنَّ الحاج أحمد هو مَن رسم هذه الخريطة، مشيراً إلى أنه تمَّ إعدادُها في البندقية لصالح السوق العثمانية بوساطة الإيطالي ميشيل ميمبري الذي كان مترجماً للغة التركية لدى السلطات في ذلك الوقت. وبلا شك فإنه لا يمكن إثباتُ الأسطورة القديمة بأنَّ قِطَعَ الخشب قد عُثِرَ عليها على متن سفينة تركية وقعت في الأسر عام 1664م».
وخلاصة حكم الجغرافي الكبير «رودني»:
«هناك إشارة في أرشيف البندقية بأنَّ أنطونيو جيوستينياني مُنِحَ عام 1568م امتيازاً لطباعة وبيع خريطة للعالم العربي، ربما تكون هذه الخريطة هي خريطة الحاج أحمد، لكن إذا كان جيوستينياني قد مضى قدماً بالفعل في النشر حينئذ، فإنه لم يتم تسجيل أيِّ نسخٍ باقيةٍ تحملُ اسمه».
وعلى ما ذكره «رودني» نستطيع أن نقول إنه لا توجد أيُّ نسخةٍ باقيةٍ من عام 1559م في ما يشاع عن هذه الخريطة، إنما النسخ الموجودة اليوم طُبِعَت من ألواح في عام 1795م، وفي ذلك الوقت كانت قبيلة بني ياس بن عامر أشهر من نار على عَلَم، وقد حدَّد مواضعهم الرحّالة الدنماركي «نيبور» بين عامي 1761 و1767م في خريطته.
رابعاً: أين تقع منطقة اياس عرب؟
بعد مقارنة عدة خرائط أوروبية مع خريطة حاجي أحمد هذه التي أصلها من خريطة 1535م، كما مر في أول المبحث، استطعنا تحديد موقع منطقة «اياس عرب» كما تقرأ في الخريطة (صورة رقم 3) ووجدنا أنها تقع في بلاد اليمن فوق منطقة عدن، وبعيدة جداً عن الخليج العربي وهذا ما تؤيده هذه الخرائط والتي تذكر منطقة اياس عرب في نفس موقعها فوق عدن كخريطة 1804م (الصورة رقم 4).
خامساً: كيف نستطيع قراءة خريطة حاجي أحمد؟
الذي ينظر إلى خريطة حاجي أحمد (صورة رقم 3) يجد بعد منطقة «اياس عرب» كلمة «يمن»، ما يؤكِّد أنَّ المنطقة يمنية وليست من الخليج العربي.
سادساً: كيف انتشرت هذه المعلومة الخاطئة؟
انتشرت هذه المعلومة الخاطئة عن طريق الخطأ عام 2013م من خبر نشره الأرشيف الوطني في دولة الإمارات، وهو اجتهاد منهم، وليتهم درسوا الموضوع أكثر وعرضوه على أهل الاختصاص في هذا العلم؛ لأنَّ هناك من صدَّق هذه المعلومة غير الصحيحة، وانتشرت هذه المعلومة في الإنترنت وحسابات التواصل الاجتماعي، وكذلك في بعض المؤلفات لباحثين من الإمارات كما ورد في كتاب «الظفرة» للباحث علي الكندي المرر، حيث ذكر في صفحة 108: «ظهرت خريطة للعالم مرسومة على شكل قلب مأخوذة من خريطة منحوتة من خشب أعدَّها الرسام البندقي كستانلي… تمَّ ترجمتها إلى اللغة التركية لإهدائها على ما يبدو إلى أحد سلاطين الدولة العثمانية، وقد ذكر عليها اسم منطقة ليوا، وسكانها بنو ياس -ياس عرب- وكتب عليها: إنَّ المقيمين في هذه المنطقة أناس من قبيلة ياس وهم يتمتَّعون بالحكمة والطيبة».
وقد أشار الباحث الكندي إلى أنه أخذ هذه المعلومة من صحيفة الخليج الإماراتية في 4 مارس عام 2013، ومن كتاب «قبيلة بني ياس في أرشيف صحيفة الغربية» للباحث عبدالله المهيري، وهذا من أمانة الكندي وتميُّزه في أبحاثه. وقد رجعت إلى مصادره فوجدتها كما أوردها، وليته تأكَّد منها قبل نشرها، كما أعرفه، بتحقيق أي معلومة تصل إليه، وقد وردت أيضاً في كتاب «حصن الظفرة» للمهيري، ما أوجب تبيين الوهم في هذه المعلومة.
الخلاصة
هذه الخريطة لحاجي أحمد، ليس فيها ذكر لقبيلة بني ياس الهوازنية، وإنما فيها ذكرٌ لمنطقة يمنية اسمها اياس Ayas ذُكِرَت في عدة خرائط أوروبية، ونرجو من الذين وقعوا في هذا الوهم أن يصحِّحوه قبل انتشاره أكثر.