3,024 عدد المشاهدات
الكاتب: د. غازي مختار طليمات
تشتهر دول ومدن بسمات ومزايا رياضية أو طبيعية أو عمرانية تميزُها من غيرها؛ فإسبانيا تفردت بمصارعة الثيران، والبندقية بشوارعها المائية وقواربها الرشيقة. والقاهرة بأهرام الجيزة، وبيزا ببرجها المائل، أمّا مدينة حمص السورية فقد تفرّدت من البلاد العربية عامة ومن بلاد الشام خاصة بمهرجان اجتماعي، له مظاهر دينية، وأهداف جهادية.. وهو «خميسُ المشايخ». فما هذا المهرجان؟ ومتى كان يُقام؟ وما المرامي التي كان يرمي إليها؟
خميسُ المشايخ عيد شعبي كانت تحتفل به حمص طوال قرون من عصر صلاح الدين الأيوبي إلى منتصف القرن العشرين، حينما أُلغي الاحتفال به سنة 1954. فحُرِمَت حمص بإلغائه من ظاهرة كانت تباهي بها، ومن وفود وحشود كانوا يؤمونها من المدن الشامية الأخرى لمشاهدة ما لا يشاهدون في بلداتهم.
بهجة الحياة
كان العيد يقام يوم الخميس الأخير من شهر نيسان/ إبريل من كل عام. وكأنما اختير هذا اليوم للتعبير عن الابتهاج بتجدد الحياة في الطبيعة مع قدوم الربيع، وصفاء السماء، ونقاء الهواء، وازدهار الأشجار.
ويعود بدءُ الاحتفال به إلى أيام صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الصليبيين، وحرَّر القدس من الاحتلال الأوروبي، وردَّ إليها شرفها ومجدها وطابعها العربي الإسلامي، ثمَّ ذهب صلاح الدين، وبقي الاحتفال بزوال الاحتلال، فلماذا حافظت حمص وحدها على هذا العيد المجيد السعيد؟
طُرق صوفية
عُرفت حمص بنزعتها الجهادية الدينية، وبشيوع الطرق الصوفية بين مشايخها، وأبرزُ الطرق التي كانت شائعة فيها – كما يقول المؤرخان محمود السباعي ونعيم الزهراوي في كتابهما: حمص دراسة وثائقية:
1. الطريقة السعدية: وشيخها سعد الدين الجباوي ومن فروعها الشيخ أحمد مهرات، والشيخ رجائي الصريع، والشيخ سعدو سالمة.
2. الطريقة الرفاعية، وشيخها عبدالله جندل الرفاعي.
3. الطريقة القادرية أو الكيلانية، وشيخها مصطفى عثمان.
4. الطريقة الجنيدية.
5. الطريقة الأحمدية.
6. الطريقة الدسوقية.
كان الاحتفال يبدأ صباح يوم الخميس باجتماع الشيوخ ومريديهم وأتباعهم في الركن الشمالي من المدينة أمام جامع خالد بن الوليد، حيث ترتفع فوق كل شيخ راية كبيرة فخمة النسيج، طرزت بآيات الذكر الحكيم، واصطفت حول الشيخ وعلى ميمنة جواده وميسرته خيول عربية يمتطيها مريدوه، ووراء الصف أتباع الشيوخ، يسيرون أرتالاً، وفي أيديهم الدفوف والمزاهر، وهم ينشدون الأناشيد الدينية الجهادية الداعية إلى التقوى وإلى التضحية في سبيل الله..
من أجواء موسم خميس المشايخ
طقس جماهيري
وعلى الأرصفة المحاذية لجانبي الشوارع تقف جماهير الشعب الحمصي والزوّار لمشاهدة هذا الموكب الضخم الفخم، أو للتبرك بالشيخ، ويظلُّ الموكب سائراً حتى يخترق شوارع حمص الكبرى من الشمال إلى الجنوب مجتازاً خمسة كيلومترات حتى يصلَ إلى ضاحية بابا عمرو عند العصر، وفي هذه الضاحية مقام عمرو بن معد يكرب الزبيدي.
إنَّ بدء الاحتفال من مقام بطل، وانتهاءه عند مقام بطل آخر يرمز إلى المعنى الخطير الكبير وإلى المرمى البعيد المجيد الذي يرمي إليه هذا الاحتفال، وهو الحفاظ على روح الجهاد، ونقلها من الأجداد إلى الحفدة، لكيلا ينسيهم ترف الحياة حبّ الموت في سبيل الله.