1,967 عدد المشاهدات
الكاتب :علي عبيد الهاملي
من الوسائل التي تطوَّرت خلال فترة زمنية قصيرة، وشهدت قفزاتٍ هائلةً إلى الدرجة التي جعلتنا نلهث خلفها ونحاول اللحاق بكلِّ جديدٍ فيها. الاتصالات الهاتفية التي كانت ذات يوم ترفاً في مجتمعاتنا، غدت اليوم ضرورة، ووسيلة متاحة بأفضل المواصفات وأكثرها حداثة، حتى لم يعد اقتناؤها حكراً على المقتدرين من أفراد المجتمع، كما كانت في السابق، بل لعلَّ ذوي الإمكانات المادية القليلة أصبحوا أكثر حرصاً وسعياً إلى اقتناء عدد أكبر من أجهزة الاتصالات، بعد أن كان أولئك المقتدرون قبل سنوات هم المالكين الوحيدين لآلة الهاتف التي كانت من عجائب الزمان حينذاك.
حاولت أن أتذكَّر عدد البيوت التي كان أصحابها يمتلكون جهاز تليفون في محيط دائرة الحي الذي نشأت فيه، فلم أجد بيتاً اقتنى أصحابه جهازاً في تلك المرحلة. وقد تأكَّد لي ذلك وأنا أتصفَّح أوَّل دليل هاتف يصدر في دبي، بعد أن أعاد مركز المعلومات للدراسات والبحوث في مؤسَّسة «البيان» طباعته، وهو الدليل الذي صدر في اليوم الأول من يناير 1961، كما جاء على غلاف النسخة التي عُثِرَ عليها ضمن مجموعة وثائق المرحوم ناصر بن عبداللطيف السركال. وقد تصدَّرت الدليلَ في الطبعة التوثيقية لأقدم دليل هاتف لإمارة دبي وثيقةٌ بخط يده، عليه رحمة الله، شرح فيها قصة تأسيس وافتتاح أول مركز لتليفون دبي في شهر يوليو عام 1960، وصدور أول دليل لتليفون دبي في يناير 1961. في قراءة “المعلومات العامة” التي صدرت بها “شركة تليفون إمارة دبي المحدودة” الدليل، متعةٌ أقتطف منها بعض الفقرات التي ربما وجد البعض فيها غرابة في وقتنا هذا. تقول المعلومات:
تستعمل شركة تليفون دبي جهازاً أوتوماتيكياً كاملاً، حيث إنَّ جميع المخابرات تتصل من دون استخدام أي عامل، ولذلك فهي تعدُّ خصوصية وسرية معاً.
كيف تحصل على جهاز تليفون؟ تقدم طلباً كتابياً بذلك إلى مدير عام شركة تليفون دبي المحدودة الذي سيلبّي الطلب حالياً (واضح أنَّ المقصود حالاً).
أعمال نقل الأجهزة: التصليحات أو التجديد، كل هذه الأعمال إنما يقوم بها موظفو c وحدهم، فلا يجوز للأشخاص غير المصرح لهم التدخل بأيِّ حال في منشآت التليفون. كما أنه يمنع استعمال الأدوات غير المصرَّح بها من قِبَل الشركة نفسها. إنَّ أيَّ فرد من موظفي الشركة لا يحقُّ له أن يطلب أو يقبل أية نقود أو هدايا في مقابل أية خدمة يقدمها بخصوص المنشآت التليفونية أو أعمال النقل أو المحافظة والعناية، كما يرجى من المشتركين أن يحيطوا دائرة التليفون علماً عن أية تغييرات تطرأ من هذا القبيل.
تعليمات لاستعمال الجهاز الأوتوماتيكي:
استعمل دائماً العدد المتداول من (دليل التليفون)، وعندما يصدر عدد جديد من الدليل أتلف النسخة القديمة (لم أجد سبباً وجيهاً لهذا الطلب الذي لو استجاب له المرحوم ناصر بن عبداللطيف لما وصلت إلينا هذه النسخة من الدليل).
طريقة المكالمة:
1) لنفرض مثلاً أنك أردت إجراء مكالمة تليفونية مع الرقم (3276) ارفع السماعة بعناية تامة، كي لا يحدث ارتجاج في قاعدتها وضعها قريباً من أذنك لتسمع دقات منخفضة متواصلة هي ما يدّعى (طنين المزاولة).
2) عندما تسمع هذا الطنين فقط ابدأ بتدوير القرص (أو المزاولة) وذلك بإدخال طرف إصبعك في الثقب المقابل للرقم (3). دوِّر القرص إلى اليمين إلى أن يصل موقفه عند منتهى الدورة، ثمَّ ارفع إصبعك ودع القرص يعود تلقائياً إلى وضعه المعتاد.
3) كرِّر هذه العملية مع الأرقام 2، 7، 6 بالتتابع بالطريقة نفسها.
4) من المهم أن تلاحظ أنَّ عملية التدوير إنما تبدأ مباشرة بعد سماع (طنين المزاولة).
طنين الخط
وتمضي التعليمات شارحة طنين الخط الفاضي وطنين الخط المشغول إلى أن نصل إلى الفقرة الثامنة التي تقول:
8) عندما يدق جرس تليفونك ارفع السماعة وبلّغ عن رقمك وشخصيتك.
إنَّ عبارة «هالو» المتداولة لا تدلُّ على شيء، ومن الأفضل عدم استعمالها، لا تعيد (خطأ نحوي والصحيح لا تُعِد) السماعة إلا بعد أن تتمَّ المحادثة.
9) كيفية قطع الاتصال: عندما تتمُّ المحادثة أَعِد السماعة إلى مكانها واحرص على أن تعيد السماعة بطريقة صحيحة؛ لأنَّ عكس ذلك قد يشوّش على الشخص الذي يريد مزاولة رقمك فيما بعد. يجب على المشتركين ألا يتركوا سماعاتهم مرفوعة، حتى ولو كانوا لا يرغبون في استقبال مكالمات من أحد؛ لأنَّ مثل هذا قد يؤدي إلى قطع الاتصال مؤقتاً في مركز التليفون، ولتفادي أيَّ أضرار أخرى تحدث في الأجهزة.
دليل ازدهار تجاري
في الدليل جانب آخر طريف، هو الإعلانات التجارية التي احتوى عليها، وهي على خلاف المتوقّع وفيرة، تدل على ازدهار التجارة في دبي أوائل الستينيات من القرن العشرين، كما تدلُّ على إدراك التجار لأهمية الإعلان، ووعيهم بدوره في الترويج للسلع والخدمات التي يقدمونها. وقد صيغت الإعلانات التي تضمّنها الدليل باللغتين العربية والإنجليزية، لتأتي منسجمة مع الدليل الذي صدر باللغتين في النسخة نفسها. ولأنَّ الإعلان قد تطوّر كثيراً على مدى ستة عقود، هي الفترة التي تفصل بين سنة إصدار الدليل وأيامنا هذه، فإنَّ اللغة التي كُتِبَت بها الإعلانات ربما تبدو غريبة علينا، ولكنها كانت دون شك ملائمة لثقافة الناس في تلك المرحلة وفهمهم وأسلوب مخاطبتهم. وقد اخترت بعض النماذج لما بها من طرافة، فضلاً عن كونها توثّق لبعض أوائل السلع والعلامات التجارية التي دخلت المنطقة. وستلاحظون أنَّ بعض هذه الإعلانات قد عمدت إلى استخدام آيات قرآنية سعياً لكسب ثقة الزبون. كما أنَّ كثيراً من هذه الإعلانات كانت توجّه الدعوة لزيارة المحلات التي ستستقبل زبائنها بكل حفاوة وترحاب.
اقصدوا المطبعة
نبدأ بإعلان للمطبعة العمانية التي اشتهر صاحبها المرحوم السيد هاشم بالظرف، وتُرْوَى عنه في ذلك قصصٌ ومواقفُ كثيرة. يقول الإعلان: اقصدوا “المطبعة العمانية“. أعدت المطبعة العمانية لتكون رمزاً لخدمة الجمهور الكريم، فهي دائما ولم تزل تطلب المزيد من المكاتفة من زبائنها المحترمين. شرفوها لتنال منكم شرف الزيارة، ولتقدم لكم ما يلزم من الشؤون الطباعية الحديثة مهما كانت دقتها ومتانتها، تصميماً في العمل، وإنجازاً في الوعد، وتعاهد الله أن تكون عند حسن ظن الجميع (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) صندوق البريد 199 تليفونات: المكتب (8233) المنزل: (8254) دبي ـ ديرة ـ الخليج العربي.
أما شركة نقليات دبي لصاحبها يوسف باقر، فقد صاغت إعلانها على النحو التالي: إلى السادة التجار والمستوردين وأصحاب الأعمال. تقدِّم شركة نقليات دبي لصاحبها (يوسف باقر) استعدادها التام للقيام بجميع أعمال النقل بالسيارات. مواعيد صادقة، أسعار متهاودة، إمكانات كافية، خبرة طويلة. وهي مستعدة أيضاً لبيع ونقل المواد التالية: 1ـ الماء. 2ـ الرمل. 3ـ الطابوق بجميع أشكاله. 4ـ الكنكري. 5ـ أخشاب. 6ـ إسمنت. 7ـ سيارات يومية ومكائن طابوق للأجرة. وزيارة واحدة لإدارة الشركة تظهر لكم صحة هذا القول. وجميع الاتصالات بتليفون رقم (8425) ص.ب: 233 ـ دبي ساحل عمان.
سيارات وطباخون
في الدليل أيضاً إعلان من محلات محمد وجمعة الماجد عن آلة كاتبة تظهر صورة لها وقد كتب أعلاها (هو ذا الجمال والروعة في التصميم)، وتحتها بخط أصغر (رمنكتن راند ـ الآلة الكاتبة الجديدة). وفي الصفحة نفسها صورة لطباخ كتب إلى جانبها (لا غناء لربات البيوت عن طباخ بريموس الأصلي صنع في السويد). وواضح أنَّ المقصود (لا غنى)، وإن كانت (لا غناء) صحيحة أيضاً لغوياً إلا أنها تحدث لبساً. أما إعلان سيارات «لاندروفر» لوكيلها عبدالرحمن الزياني وأولاده، فقد احتوى على عدة أوصاف للسيارة نختار منها: لاندروفر جمل الصحراء ـ لاندروفر لا تعيقه الصخور والرمال ـ لاندروفر بك أب يسهل عليك القنص. وفي إعلان محمد عبداللطيف المانع وإخوانه (مقاولون عموميون للإنشاء والتعمير ـ وكلاء منتجات فيلبس في قطر) ذكرت أرقام تليفونات المكتب العام، ومنزل المانع، ومنزل الممثل، ومنزل الموظفين. (ذكر أرقام هواتف منازل المسؤولين والموظفين ظاهرة ملحوظة في كثير من الإعلانات المنشورة في الدليل، ويبدو أنَّ السبب هو حداثة عهد الناس بهذه الخدمة، أو لارتباطها بالنشر في الدليل).
هناك أيضاً إعلانات كثيرة عن راديوهات ومسجلات سييرا، وكورر، وفيلبس، وهزماسترز وايز، وبي. آي، وإيرس، إضافة إلى أنواع عديدة من الساعات التي كانت معروفة في تلك الفترة مثل: رومر، ونيفادا، وفيفر لوبا (كتبت في الإعلان: فيورلوبا) وفلكاد تتوني، ووست إند، ورولكس، وتيودور، وأوميغا، وزنت، وسلطانة. وفي الدليل أيضاً إعلانات أخرى عن بضائع وخدمات متنوعة عديدة، أختار منها الإعلان التالي لأختم به. يقول الإعلان: (ورشة) علي بن أحمد بن زايد. مستعدون لتصليح السيارات بجميع أشكالها، واللحام بالأكسجين، وتصليح المكائن البرية والبحرية على اختلاف أنواعها، وكل هذا بوساطة «المخارط الحديثة» التي تقوم بالعمل قبل أن يرتد الطرف. فهلمّ أيها المواطن لتقديم أعمالك لهذه «الورشة» التي آلت على نفسها خدمة المواطنين بدقة وأمانة وإخلاص في العمل، ونعاهد الله أن ننفذ كلَّ نقطة قطعناها على أنفسنا (إنَّ العهد كان مسئولاً). زوروا محلنا ولو بصورة خاطفة ستجدون كلَّ ما يشرح الخاطر ويبهج النفوس. راجعوا محل علي بن أحمد بن زايد مقابل بناية محمد وجمعة الماجد ـ دبي ـ ديرة ـ الخليج العربي.
532 رقماً
هذه نماذج من التعليمات والإعلانات التي جاءت في الدليل الذي احتوى على 532 رقماً، وهو عدد يزيد على الحد الأدنى الذي اشترطه المستر إيلز، المدير العام لشركة IAL الذي يقول المرحوم ناصر بن عبداللطيف السركال إنه قد ناقش معه الفكرة التي رحَّب بها، وبالمشاركة في تأسيس شركة التليفونات في إمارة دبي، على ألا يقل عدد المشتركين عن 500 عميل، فتعهدوا له بذلك بعد تأسيس الشركة واستعمال مركز التليفون خلال سنة.
وكانت النتيجة أن رُفِع الأمرُ إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، عليه رحمة الله، الذي وافق فوراً على تأسيس الشركة، وجرى الاكتتاب في الأسهم. وهذه قصة “شركة تليفون إمارة دبي المحدودة” كما جاءت في أول دليل لها، وهي قصة تستحق أن تُرْوَى؛ لأنها تدلُّ على أنَّ إمارة دبي كانت سبّاقة دائماً إلى كلِّ ما هو جديد، يوفّر لساكنيها رغد العيش، ويسهّل عليهم الحياة، ولأنها أسَّست لكلِّ ما نجده اليوم على أرض دولة الإمارات من تطوُّر في وسائل الاتصال، تتابعه شركات الاتصالات فيها، لتقدم للمقيمين على أرضها أحدث المنتجات، وتوفّر لهم الرفاهية التي ينشدها البشر كلهم.