1,644 عدد المشاهدات
الجلسة بدأت بحديث لرئيس المركز سعادة جمال بن حويرب، الذي رحب بالضيف المحاضر من دولة الكويت الشقيقة، والذي وثق لتاريخ الكويت بشكل مطبوع، خاصة فيما يتعلق برحلات الحج، وهو مهتم بالتراث وشغوف بدراساته، كما أن مكتبته قبلة للباحثين في الكويت، فكل شيء كتب بخط اليد يحاول الحصول على نسخة منه فلهذا تعدّ مكتبته من المكتبات الثرية في الكويت وأصبحت مرجعاً لتاريخ الكويت والباحثين والمهتمين، ولقد ذُكرت في العديد من الكتب التي ألفها الباحثون والمؤرخون وذكروا بأنهم استفادوا من مكتبة الباحث صالح خالد المسباح.
حضر الجلسة أحمد عتيق الجميري والباحث بلال البدور، رئيس ندوة الثقافة والعلوم، والمهندس رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني، والعميد متقاعد محمد صالح بداه العوضي والباحث راشد بن هاشم، والشاعر مؤيد الشيباني وجمع من المثقفين والإعلاميين.
وجاء في تعريف المحاضر، ضمن كلمة رئيس المركز سعادة جمال بن حويرب أن صالح خالد المسباح، هو أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين السابق ومدير تحرير مجلة البيان السابق، وعضو مجلس ادارة الجمعية الكويتية للتراث.
بدأ انشاء مكتبته منذ كان طالباً في الثانوية سنة 1974، وكانت انطلاقته الأولى حينما افتتح في الكويت معرض الكتاب الاسلامي عام 1975، وكذلك عندما تم افتتاح معرض الكتاب العربي وهو أول معرض عربي، وسمي بذلك لأنهم يدعون الدول العربية إلى المشاركة فيه، فيه تحت رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فهذان المعرضان هما المنبعان الرئيسيان لمكتبته الخاصة.
من إصداراته «بمناسبة مرور 50 عاما على جريدة الكويت اليوم ومطبعة الحكومة» وهو عبارة عن كتاب توثيقي، والكتاب الآخر مشترك عن حملات الحج الكويتية على الإبل للمؤلفين عدنان سالم الرومي وصالح خالد المسباح و د.خالد يوسف الشطي وتم فيه توثيق 30 حملة حج كويتية على الإبل.
وأضاف جمال بن حويرب أن المسباح يسعى جاهداً لحفظ التراث، ويتمنى أن تجتمع الجهود وتتشابك في أرشفة وتخزين تراث الكويت؛ لأن هناك العديد من المقتنيات والمطبوعات والمخطوطات التي لا يتوافر لها الجو الملائم للمحافظة عليها.
الحج والتوثيق
المحاضر صالح خالد المسباح، بدأ المحاضرة بتعبيره عن سعادته بزيارة الإمارات، والمشاركة في هذه الجلسة، التي ينظمها مركز جمال بن حويرب للدراسات، معرباً عن تقديره لجهود المركز وصاحبه في تشجيع الأبحاث والباحثين، وبخصوص موضوع المحاضرة فقال إن مشروع حملات الحج، كموضوع بحثي، يعد من أهم المشاريع البحثية في الخليج العربي، وقد بدأ التفكير فيه سنة 1975، حينما ذهب رفقة والدته إلى الديار المقدسة كمحرم، بتكليف من الوالد، وكان يومها طالباً، فأخذت الطريق في السيارات قرابة 3 أيام، فأدرك وقتها المشقة التي كان يكابدها الأوائل، قبل السيارات، كما أنه بحكم عمله لاحقاً في “البعثة الطبية” وهي بعثة لوزارة الأوقاف الكويتية ترافق الحجاج اقترب أكثر من تجليات هذا الموضوع، وفي عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت اقترح المسباح على وكيل وزارة الأوقاف توثيق حملات الحج القديمة، من خلال جمع روايات كبار السن، الذين حج بعضهم على الإبل، لكن هذا الأمر تأخر قليلاً وفي سنة 2000 قدم زميله في البحث عدنان الرومي المقترح ذاته، كما أنجز الباحث راشد الشطي رسالة دكتوراه عن العمل الخيري في الكويت، أفرد فصلاً منها للحج، فاجتمعوا ثلاتهم على البدء في توثيق هذه الحملات القديمة.
وأضاف المسباح أن خطتهم البحثية بدأت بالاطلاع على الكتب التي تحدثت عن رحلات الحج من الكويت، لكنهما وجدوا معلومات ومقتطفات قليلة عن هذه الرحلات، وقال إنهم من خلال الاستقصاء أدركوا أن البحث يتطلب تقصي مرحلتين، إحداهما مرحلة رحلات الحج على الإبل، والثانية الرحلات التي تمت عبر السيارات في تلك الفترة، فكان حصيلة ذلك كتابان، اشتغلنا على الأول منهما زهاء خمس سنوات، وحمل عنوان “حملات الحج الكويتية على الإبل”، والثاني “حملات الحج الكويتية عبر التاريخ” .
غلاف كتاب حملات الحج الكويتية على الإبل
تأصيل تاريخي
وفي تأصيله للموضوع وفق المعطيات التاريخية مهد المسباح بالحديث عن الكويت وتاريخها، حيث تأسست الكويت سنة 1613 حينما استوطنها آل الصباح والعتوب، وأخذوا الإمارة من بني خالد، وكانت الكويت، بحكم موقعها الجغرافي المميز بمثابة محطة للتموين، وكانت تعرف بـ”الكوت”، حيث يمر بها المسافرون إلى الأراضي المقدسة والقادمين من العراق وإيران وبلاد الهند والسند.
وقال إن الحجاج كانوا يسلكون طريق الحج البصري، ومن المحتمل جداً أن هذا الطريق كان هو الأكثر استخداماً لحملات الحج الكويتية، بينما كانت الرحلات البحرية تأخذ مسارات بحرية إلى جدة تمر بكراتشي ومومباي أحياناً. أما أقدم رحلة على السفن فكانت سنة 1270 للهجرة (1853 م) ونظمها الشيخ محمد الصالح الإبراهيم، وكان معه الحاج شاهين الغانم.
وتحدث المسباح عن الأسباب التي كانت تعيق حملات الحج، وحصرها في كثرة الأوبئة الفتاكة والحروب، وتواجد قطاع الطرق، قبل استتباب الأمن في الجزيرة العربية على يد الملك عبد العزيز آل سعود، إضافة إلى أسباب مرتبطة بالبيئة كالحرارة وغير ذلك.
وثيقة من أيام الحج على الإبل
وتحدث المسباح عن هذه الحملات ووسائلها التقليدية وقتها، والتي كانت تعتمد على الإبل، حيث يتم الاستعداد للرحلة قبل أشهر، ويقوم صاحب الحملة بشراء النوق المناسبة، والتي كان يتم اختيارها أكثر من الجمال، لكونها مطواعة أكثر، وأكثر تحملاً في السفر، ويستفاد من حليبها خلال السفر، كما توشم الإبل بوشم خاص بصاحب الحملة، موضحاً أن الحجاج يتجمعون عادة في مكان قريب من صاحب الحملة، وقد يكون خارج سور الكويت في منطقة الشامية، ويكون الانطلاق من دروازة نايف التي كانت المحطة الأولى للقوافل التجارية الذاهبة إلى نجد والشام، ومن ثم باتجاه الجهراء، التي يتفرع منها طريقان، أحدهما باتجاه البصرة والثاني باتجاه الرقعي ثم الحفر، وهو طريق حجاج الإبل، ومن هناك إلى بريدة، التي تعد محطة استراحة، أحياناً تستبدل الإبل، ومن ثم إلى مكة المكرمة.
وشرح المسباح لوازم العدة الخاصة للمسافرين، وما يتعلق بركوب النساء على الهودج، وما كان يرافق الطريق من مخاطر وصعوبات، مبيناً أنه مع ظهور السيارات أصبحت الرحلات أكثر يسراً، وكان ذلك في بداية الأربعينيات، مع وصول العديد من آليات الجيش البريطاني من شاحنات وسيارات من العراق، والتي تم بيعها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت حملات الحج تسير رحلاتها بواسطة السيارات.
وقد وثق رحلات الحج على الإبل وظروفها العديد من الشعراء، منهم قاضي الكويت المشهور عبدالله الدحيان في قصيدة جميلة سنة 1906م، وكذلك الشاعر فهد بورسلي في قصيدة يقول فيها:
انصح التاجر نصيحة والفقير
لا يحدّونه على ركب البعير
لا يحدّونه على ركب الركاب
بالدراهم يشتري ضيم وعذاب
عقب خمسة يسحب وروكه سحاب
من نزل من كورها مثل الكسير
خلفوا بالقلب جرح مايطيب
والمجرّب يالربع غير الطبيب
وثيقة من أحد متعهدي حملات الحج
كما استعرض المسباح أسماء أقدم الحملات التي انطلقت من الكويت قاصدة بيت الله الحرام، كحملة «الناشي» وحملة «بزيع» وحملة “الدهام” وذكر أسماء أصحابها، مشيراً إلى أن هذا البحث تم التوسع فيه بشكل خليجي، حيث تم إعداد برنامج إذاعي توثيقي لرحلات الحج على المستوى الخليجي.
وفي نهاية اللقاء أشار سعادة جمال بن حويرب إلى الجهد المهم الذي قدم المحاضر ووثق تاريخ 200 سنة من رحلات الحج الكويتية، وبحث في جانب غفل عنه الكثير من الباحثين، فمثلاً في الإمارات لم توثق حتى الآن رحلات الحج القديمة، مشيرا إلى أنه تحدث مع صالح بن لاحج لتوثيق تجربته الكبيرة في هذا المجال، وأشار إلى أن هذه الدراسة البحثية التي قدم صالح المسباح تفتح الباب لكل الباحثين في الخليج العربي لتقديم دراسات مشابهة أو مجالات أخرى، مقتدين بالمنهج والطريقة التي اختط الباحث.
إحدى حملات الحج الكويتية القديمة
وفتحت المداخلات حيث تحدث مجموعة من المتدخلين، حيث أشار بلال البدور أن هناك مشروع بحثي إماراتي لتوثيق رحلات الحج القديمة، يعكف عليه الباحث عبدالله عبد الرحمن، صاحب كتاب «فنجان قهوة»، وقد اطلع على هذا المشروع في معرض الحج بأبوظبي، وأكد له الباحث أنه قيد الإعداد.
كما تحدث المهندس رشاد بوخش، عن الحج قديماً من الإمارات، حيث كان يتم عبر البحرين، وهو ما أكده الباحث راشد بن هاشم مبرزاً دور العلماء في هذه الرحلات، ومرافقتهم للمسافرين لتعليمهم كيفية أداء مناسكهم.
وفي الختام، شكر سعادة جمال بن حويرب المحاضر صالح المسباح على المحاضرة القيمة، وكذلك الحضور، على أمل استئناف جلسات المركز في سبتمبر المقبل، كما منح سعادته المحاضر درع المركز، فيما منحه الباحث راشد بن هاشم درع نادي الوصل الرياضي، احتفاء بالأخوة الإماراتية الكويتية، كما تم التقاط مجموعة من الصور الجماعية.