2,278 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لعل كثيراً من الناس الذين يرافقون الحكام في أسفارهم لا يسجلون ذكرياتهم عن هذه الرحلات، لأنهم كانوا فيها ويمكنهم أن يسردوا وقائعها بأنفسهم متى أرادوا، فإذا مرت الأيام وانقضت الأعمار من حيث لم يحتسبوا وجدنا أن كل ما جرى في هذه الرحلات المهمة ذهب إلى عالم النسيان.. اللهم إلا ما كتبته الصحافة في تلك الفترة أو ما كتب من تقارير لدى الدولة المستضيفة وحفظت في مكاتب الخارجية أو غيرها.
وقد يصادف أن يكون في الرحلة شاعر أو عالم أو مؤرخ فيدون ما يستطيع تدوينه من مشاهداته أو مما سمعه ثم من بعده يكون هذا التدوين وثيقة تاريخية يرجع لها الباحثون وهناك أمثلة لا بأس بها في تاريخنا القديم وتندر جداً للأسف في تاريخنا الحالي. ومن هذه الرحلات المهمة رحلة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي (1958-1990م) إلى أميركا وكانت في سنة 1963م بدعوة من شركة نفط دبي الأميركية، والتي زار فيها الشيخ راشد عدة دول حتى وصل إلى نيويورك ومنها زار عدة ولايات أميركية مهمة. وقد رافق الشيخ راشد في هذه الرحلة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، ومجموعة من الأعيان منهم المؤرخ الشاعر أحمد بن سلطان بن سليم، رحمه الله، والشاعر حمد بن سوقات، والسيد عيسى القرق، وغيرهم.
وقد كتب غريم ولسون في كتابه «راشد الأسطورة» جانباً من هذه الرحلة كما سيأتي، وقد زرت الشاعر الفاضل حمد بن سوقات الذي كان مرافقاً للشيخ في هذه الرحلة، وأخذت منه بعض المعلومات وتأكدت مما كتبه غريم عن زيارة الشيخ راشد الأولى لأمريكا. وقد التقيت الأستاذ سليمان بن حامد المزروعي منذ فترة وأهداني رسالة للمؤرخ الشاعر أحمد بن سليم كان قد بعثها لصديقه ياسين الهاشم الغربللي من دولة الكويت بتاريخ 5/9/ 1963م أي بعد شهرين من بداية السفر وذكر فيها خط سير الرحلة وبعضاً من أحداثها وقد تمنى أنه شرح كل مشاهداته وانطباعاته عن أميركا، ولكنه لضيق الوقت لم يفعل وليته فعل رحمه الله.
تفاصيل
يقول غريم مؤرخاً لهذه الرحلة:
في العام 1963، قرر الشيخ راشد أن الوقت حان لزيارة أميركا بعد أن كان لزمن طويل يزيد إعجاباً يوماً بعد يوم بالولايات المتحدة، كما كان يستقبل من وقت إلى آخر مبعوثين سياسيين وعسكريين يأتونه من الضفاف الغربية للأطلسي، تلقى العديد من الدعوات في مناسبات مختلفة، تمنت عليه بإصرار شديد أن يقوم بهذه الزيارة شركة كونتيننتال الأميركية للنفط التي كانت قد فازت بامتياز للتنقيب البري عن النفط في دبي.
بعد رحلة بحرية في المتوسط وقضاء أسبوع من الراحة في لندن، وصل الشيخ برفقة نجليه الشيخ حمدان والشيخ محمد وأحمد بن سليم وعيسى صالح القرق وحمد بن سوقات إلى نيويورك على متن السفينة السياحية «الملكة اليزابيث»، وكان وصولهم غير المعلن في 30 تموز/يوليو 1963. برنامج الزيارة على مدى أسبوعين، كان منهكاً، وقد ضم زيارات إلى مبنى «امباير ستايت» والأمم المتحدة والبيت الأبيض وسدّ هوفر، ثم قصدوا سلاسل جبال الروكي. لا شك في أن مضيفيه الأميركيين جهدوا في جعل الزيارة تشمل عدداً من المعالم السياحية الكبرى، بالإضافة إلى الأماكن التي أبدى الضيوف اهتماماً بزيارتها.
طلب الشيخ راشد أن يزور المركز الإسلامي في واشنطن العاصمة، وهو من أكبر مساجد الولايات المتحدة آنذاك، كما أخذه مضيفوه لمشاهدة مشروع كبير للريّ الصحراوي في فينكس – أريزونا، وفي العام 1963 كان مشروع الريّ هذا أكبر المشاريع المماثلة في العالم.
ورد في التقارير في ما بعد أن الشيخ راشد كوّن انطباعاً إيجابياً جداً عن زيارته الأمم المتحدة، فقد استقبله عند وصوله رئيس قسم البروتوكول وجال مطولاً في أرجاء السكرتاريا مصحوباً بدليل يتكلم اللغة العربية. كذلك حضر نقاشاً في مجلس الأمن. كان البحث فيه دائراً حول الأراضي البرتغالية.
«بدا أن الشيخ راشد وجد الزيارة بكاملها ممتعة ومفيدة»، كما أورد ممثل البعثة البريطانية في الأمم المتحدة الذي رافقه خلال الزيارة. أما في واشنطن العاصمة، فتم الاتصال به من وزارة الخارجية، ودعي لإجراء محادثات مع المسؤولين، وقد أسعدته الدعوة ورحب بها. قيل له إن سيارة ستأتي إلى الفندق لاصطحابه، ولكن حَرَجاً شديداً انتابه، ولا يدرك السبب إلا من يعرف كرهه الشديد للأبّهة، عندما خرج من الفندق ليجد في انتظاره على المدخل موكب سيارات كالذي يُعدّ للرئيس كنيدي نفسه.
انتقل الشيخ راشد إلى وزارة الخارجية راكباً في واحدة من أربع سيارات ليموزين سوداء، مع مجموعة كاملة من رجال الأمن الخاص بنظاراتهم السوداء، وثمانية أفراد من الشرطة على دراجاتهم النارية التي يسبقها ضجيج صفاراتها. من يعرف الشيخ راشد يدرك مدى انزعاجه حين رأى شوارع واشنطن تتوقف فيها الحركة إفساحاً في المجال لمرور موكبه، وشارات المرور تنفتح على اللون الأخضر أوتوماتيكياً كي لا يضطر موقفه للتوقف.
لكن اللافت أن الشيخ راشد مع وفده المرافق قرر بعد أسبوعين من التنقل براً وجواً، قطع زيارته والعودة إلى لندن من نيويورك على متن السفينة الملكة «اليزابيث».
وفي برقية أرسلها إلى لندن القنصل العام البريطاني في نيويورك يعلمها فيها عن العودة المبكرة للشيخ راشد، ورد ما يلي: «يبدو أن الحاكم لم تكن لديه فكرة واضحة عن المسافات الطويلة في الولايات المتحدة، وأنه لم يكن مستعداً للقيام برحلات جوية تستغرق هذا الوقت الطويل، وعلى العموم لم ينته إلى انطباع إيجابي عن رحلته بشكل عام، باستثناء الزيارة إلى الأمم المتحدة».
مع أن هذا التقويم قد يكون صحيحاً للرحلة، كانت هناك نظرة مختلفة حول قطع الشيخ راشد رحلته قبل أوانها، وقد عبّر عن هذه النظرة أحد أعضاء البعثة البريطانية إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك أخذاً بعين الاعتبار لطبيعة الحياة وحركتها في دبي. بعد تناوله العشاء مع الشيخ راشد، لاحظ أن «الشيخ راشد كان واضح الانزعاج من وتيرة الحركة السريعة والضجيج اللذين تغرق فيهما نيويورك. «انتهى كلام غريم»
أمنية
وفي آخر هذه المقالة أتمنى أن يهتم أصحاب القلم ممن يرافقون الحكام أن يسجلوا لنا مشاهداتهم لتبقى شاهدة للأجيال القادمة، وألا يتكاسلوا عنها، وإني قد ذكرت هذا الموضوع للأستاذ المؤرخ عبدالغفار حسين، وقد وعدني بكتابة ذكرياته عن الرحلات التي رافق فيها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه.
نص الرسالة
يقول أحمد بن سليم في هذه الرسالة المؤرخة في دبي 17/4/1383هـ – 5/9/1963م:
أخي الحبيب السيد ياسين القاسم الغربللي المحترم حفظه الله..
تحية وأشواقاً: شرفني كتابك الكريم رقيم 31 الماضي في لبنان فآنست بتلاوته المطمئنة عن صحتكم وحمدت الله على نجاح عملية العين التي أجريت لكم في العاصمة البريطانية والرحلة الأنيقة في القارة الأوروبية مع الأصدقاء الكويتيين الفضلاء والتي توجت بزيارة عاصمة النضال العربي النظيف ـ القاهرة ـ.
لم يصلني كتابك المرسل بيد الأخ سيف بن غرير إلى الآن.. يؤسفني أن نغادر بيروت إلى الموطن مساء يوم الأحد الماضي وأن أحرم فرصة الملتقى السعيدة في لبنان كما وعدت يوم الجمعة القادم..
هذه الفرصة التي طالما هفا القلب لها فعسى أن يسمح القدر بخير منها. لعلك علمت عن رحلتنا مع سمو الشيخ راشد بن سعيد إلى لندن وأميركا بدعوة من شركة نفط دبي الأميركية، فقد أبحرنا في مساء يوم «11 جولاي 1963» على الباخرة اسيريا في بيروت إلى إيطاليا ومررنا بالإسكندرية أقمنا بها 24 ساعة زرنا فيها القصور الملكية وتناولنا العشاء في قصر الصفا ثم غادرناها في اليوم الثاني إلى نابولي فمررنا بميناء سراقوسة في جزيرة صقلية.
وشهدنا بها بعض آثار العهد العربي ثم بمضيق مسينيا وشاهدنا بركان جبل ادنا على الجانب الصقلي ينفخ دخاناً وحمماً ثم وصلنا نابولي صباحاً وقضينا معظم النهار في أحد الفنادق وفي المساء غادرنا على القطار إلى روما فزرنا معالمها من بينها كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان ثم واصلنا سفرنا بالقطار إلى سويسره ومررنا أو اخترق بنا القطار سلسلة جبال الألب المكللة قممها بعمائم الثلوج، أقمنا يومين في فندق «بريزيدنت» المطل على بحيرة جنيف الجميلة ثم غادرناها ثم يوم 19 جولاي بالقطار إلى كاليه فمررنا بباريس وتناولنا الغداء في أحد فنادقها بعد أن زرنا بعض معالمها ثم واصلنا السير إلى كاليه.
حيث وصلناها مساء عبرنا بحر المانش إلى دوفر ثم بالسيارات إلى لندن فنزلنا في كارلتون تاور هوتيل، وفي يوم 25 فيه أبحرنا من ميناء ساوثهامبتون على الباخرة كوين اليزابيث إلى نيويورك «كوين اليزابيث» الطول 1033 قدم، العرض 118 قدم، بها بناية تحوي 6 طوابق من أقوى 4 مصاعد، سوق بمختلف المبيعات، والبائعات سكسونيات.
وبها 1200 بحار وعلى ظهرها 2250 راكباً وبها مصرف وهو فرع ميدلاند بنك وبها صالة سينما كبيرة، بها صحيفة يومية هي أوقات الأطلسي، سرعتها 37 ميلاً بها جهاز تليفون عالمي اتصلنا مرة بالشيخ «مكتوم» في دبي وناديناه تحية من المحيط الهادر…قطعت بنا المحيط في 5 أيام وصلنا نيويورك يوم 30 جولاي، وبالجملة قضينا في أميركا أسبوعين زرنا خلالها واشنطن وشلالات نياغرا المتاخمة لكندا، إن الوقت ليضيق لو أردت أشرح لك مشاهداتي أو حتى بعض انطباعاتي عن أميركا وربما في فرصة أخرى.
التقيت في لبنان بصديق قديم هو الأخ عبدالله العبدالعزيز البسام وأشعرته أني سأبعث لك الجواب بواسطة عنوانه في بيروت وقد أخذت عنوانه فإذا لقيته حيه عني أخلص تحية وسلامي عليك وعلى العزيز لديك، وسلم على الأخ صالح العلي الشايع الذي كذلك لم يسعدني الحظ بمواجهته في لبنان، مع أني زرت صِدّيق صديق لي مصري وأفادني أن الأخ صالح الشايع يسكن في الطابق الأعلى من البناية. والى اللقاء والله يحفظك..
أخيك الدائم العهد