2,188 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
أتقدَّم إليكم بالتهاني والتبريكات بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439 هجرية، وأحبُّ أن أشارككم هذه الرحلة في عمق التراث الإسلامي، حيثُ نجدُ فيها الفائدةَ والطرفةَ والتاريخَ والأدب.
فقد روى المعافى بن زكريا في كتابه الجليس الصالح قصةً طريفةً وقعت بين زياد وأشعب في رمضان، فيقول: “كان زياد بن عبيد الله بن عبد الله الحارثي (150 هـ) السفّاح، والياً لأبي العباس على مكة، وهو خال أبي العباس، فحضر “أشعب” مائدته في أناسٍ من أهل مكة، وكان لزياد بن عبد الله الحارثي صحفة (صحن يصلح لخمسة رجال) يُخص بها، فيها مضيرةٌ (طبخ اللحم باللبن الحامض) من لحم جديٍ، فأتى بها، وأمر الغلام أن يضعها بين يدي “أشعب” وهو لا يدري أنها المضيرة، فأكلها “أشعب”، يعني أتى على ما فيها، فاستبطأ زياد بن عبد الله المضيرة، فقال: يا غلام! أين الصحفة التي كنت تأتيني بها؟ قال: قد أتيت بها – أصلحك الله – فأمرتني أن أضعها بين يدي أبي العلاء، قال: هنأ الله أبا العلاء وبارك له، فلما رفعت المائدة، قال: يا أبا العلاء – وذلك في استقبال شهر رمضان – قد حضر هذا الشهر المبارك، وقد رققتُ لأهل السجن لما هُم فيه من الضرّ، ثمَّ لانضمام الصوم عليهم، وقد رأيت أن أُصَيِّرَك إليهم فتلهيهم بالنهار وتصلّي بهم الليل، وكان أشعب حافظاً لكتاب الله، فقال: أو غير ذلك – أصلح الله الأمير – قال: وما هو؟ قال: أعطي الله عهداً ألا آكلَ مضيرة جديٍ أبداً.
وروى ابن الطقطقي في كتابه ″الفخري في الأحكام السلطانية″ عن الأمير بدر الدين بن لؤلؤ (ت 657 هـ)، وكان من قضاته، قائلاً: “كان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل- رحمه الله- أكثر ما يجري في مجلس أنسه إيراد الأشعار المطربة، والحكايات الملهية، فإذا دخل شهر رمضان أحضرت له كتب التواريخ والسِّير، وجلس الزّين الكاتب وعزّ الدين المحدّث يقرآن عليه أحوال العالم”.
يوم الركبة
وفي حكاية أخرى، يقول ابن بطوطة في رحلته عن وصوله لمنطقة ”أبيار” (وهي تقع اليوم في غربية مصر ضمن كفر الزيّات) واحتفال الأهالي بهلال رمضان: ″لقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر، حضرت عنده مرة “يوم الركبة”، وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان، وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشهر شعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه، تلقاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه قائلاً: بسم الله، سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به. فإذا تكاملوا هنالك، ركب القاضي وركب من معه أجمعون، وتبعهم جميع مَنْ بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال، ثمَّ يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، ويوقد أهل الحوانيت الشمع بحوانيتهم، ويصل الناس مع القاضي إلى داره، ثمَّ ينصرفون. وهكذا فعلهم في كل سنة”.
وصف هلال عيد الفطر
ولجمال الدين بن نباتة (ت 768 هـ) رواية في مدح المؤيد أمير حماة يصف فيها هلال عيد الفطر:
كأنَّ شـَــكْـــلَ هـــلالِ الـــــعِـــــــيدِ فـــــــي يَدِهِ
قوسٌ عـــلـــى مـــهـــجِ الأعـــداءِ مـــوتـــــورُ
أو مــخـــلـــبٌ مـــدّه نـــســـرُ الـــسَّــماءِ لـــهـــم
فكـــلُّ طـــائر قـــلـــبٍ مـــنـــه مـــــــذعـــــــورُ
أو مـنـجـلٌ لـحـصـاد الـصـوم مـــنـــعـــطـــفٌ
أو خـنـجـرٌ مـرهــفُ الـــحـــدَّين مـــطـــرورُ
أو فـــصـــلُ تـــبـــرٍ أجـــادت فـــي هـــديتـــــه
إلـــى جـــوادِ ابــــــن أيوب الـــــــمـــــــقـــــــاديرُ
أو راكعُ الظـهـر شـكـراً فـي الـظـَّلام إلـى
مَنْ فَضْلُهُ في السَّما والأرضِ مشكورُ
أو زورقٌ جـــاء فـــيه الـــعـــيدُ مـــنـــــحـــــــدراً
حيثُ الـدُّجـَى كـعـبـابِ الـبـحـر مـسـجــورُ
أو لا فـــقـــل شـــــــفةٌ لـــــــلـــــــكـــــــأس مـــــــائلةٌ
تذكـــر الـــعـــيش إنَّ الـــعـــيشَ مـــذكـــــــورُ
أو لا فـــنـــصـــف ســـوارٍ قــــــام يطـــــــرحـــــــهُ
كفُّ الـدُّجَـى حـينَ عـمـــتـــه الـــتـــبـــاشـــيرُ