زايد المؤسِّس لارتياد الإمارات الفضاء

Business مجلة مدارات ونقوش – العدد 9

 2,490 عدد المشاهدات

الكاتب: علي عبيد الهاملي

ما بين إطلاق أول قمر صناعي مصنّع بأيدٍ إماراتية بنسبة 100% هذا العام،  والإعلان عن أول رائد فضاء إماراتي سينطلق في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة «سويوز إم إس 12» الروسية في إبريل 2019، والتخطيط للوصول إلى كوكب المريخ عام 2021، يجتهد قادة دولة الإمارات وأبناؤها لتحقيق حلم زايد، عليه رحمة الله، لارتياد الفضاء، فهل حلم القائد المؤسّس ذات يوم بارتياد هذا المجال؟ ومتى؟

      

الجواب: نعم. فقد حلم زايد، عليه رحمة الله، بهذا قبل أكثر من أربعة عقود، عندما كانت دولة الإمارات نفسها حلماً يتحقق على أرض الواقع، لتولد دولة أصبحت اليوم صرحاً يعانق السماء، تسعى دول كثيرة إلى استنساخ تجربتها، وتحقيق ما حقّقته خلال سنوات قليلة. والشاهد على حلم زايد بارتياد أبناء الإمارات للفضاء ما زال بيننا، وهو واحد من أبرز العلماء الذين تركوا بصمات في هذا القطاع، وسجّلوا اسمهم في تاريخ رحلات الفضاء؛ ذلك هو العالم العربي المصري الدكتور فاروق الباز، الذي يشغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، ويحفل تاريخه بسجل كبير من المناصب والإنجازات في مجال علوم الفضاء.

أواخر شهر سبتمبر من عام 2014 زار الدكتور فاروق الباز دولة الإمارات بدعوة من ندوة الثقافة والعلوم لإلقاء محاضرة فيها، وتمَّ استضافته في مركز الأخبار، التابع لمؤسَّسة دبي للإعلام، لتسجيل حلقة من برنامج «قابل للنقاش»، وما أن بدأ تسجيل الحلقة، حتى فاجأته منتجة البرنامج ومقدمته، الإعلامية التونسية نوفر رمول، بصورة قديمة تجمعه بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، ومجموعة من روّاد الفضاء حول مجسّم لمركبة فضائية. ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه عالم الفضاء العربي، وقال إنه يتذكر تاريخ الصورة ومناسبتها التي تعود إلى أربعة عقود من الزمان، حيث جمعه لقاء بمؤسِّس الدولة عام 1974، لاحظ خلاله الاهتمام البالغ من قبل الشيخ زايد، عليه رحمة الله، برحلات الفضاء، الأمر الذي جعله يرشّح دولة الإمارات كي تكون واحدة من محطات جولة قام بها مجموعة من روّاد الفضاء الأميركيين عام 1976، حيث تمَّ التقاط الصورة بتاريخ 12 مارس من ذلك العام، عندما استقبل الشخ زايد، عليه رحمة الله، الدكتور الباز وروّاد الفضاء الذين نزلوا على سطح القمر، وقدّم دعماً سخياً لبرامج «ناسا» وأنشطتها التي تفيد الإنسانية، قائلاً: إنه وشعب الإمارات يسعون إلى الحصول على كلّ ما يساعدهم على النهوض بدولتهم وغيرها من دول العالم الشقيقة والصديقة، ومنها الاستفادة من علوم الفضاء.
هل كان الشيخ زايد، عليه رحمة الله، يفكّر في ارتياد أبناء الإمارات للفضاء، والوصول إلى ما هو أبعد من القمر في ذلك الوقت، وهل كانت المناسبة التي جمعته بروّاد الفضاء أكثر من مجرد صورة، وكم هو عدد الحكّام العرب الذين قابلهم الدكتور الباز، في تلك الجولة وغيرها، والتقط معهم صوراً شبيهة لم تتحوّل إلى مشاريع، حتى ولو على الورق، وهل حقّق أبناء زايد حلم والدهم ومؤسِّس دولتهم بعد أكثر من 40 عاماً من تلك الصورة؟
هذه الأسئلة نطرحها ونحن نتأمل صورة زايد، عليه رحمة الله، مع الدكتور الباز وروّاد الفضاء الأميركيين الذي نزلوا على سطح القمر، ونتابع ما يقوم به أبناء زايد وأحفاده اليوم، وما يخطّطون له من ارتياد الفضاء، بدءاً من “مسبار الأمل” الذي حدّدت له دولة الإمارات تاريخاً للوصول إلى المريخ هو عام 2021. وكان هذا ضرورياً، كما يؤكّد الدكتور الباز، الذي يقول إنه عندما خطّطت الولايات المتحدة للوصول إلى القمر في الستينيات من القرن الماضي، حدّد الرئيس الأميركي الأسبق “جون كيندي” فترة زمنية لبلوغ هذا الهدف، وكان هذا قراراً صائباً، إذ لو لم يحدث ذلك لما تمكن الأميركيون من إنزال أول إنسان على سطح القمر في 20 يونيو 1969. وهذا ما فعلته دولة الإمارات، عندما حدّدت مدىً زمنياً لمشروع إرسال مسبار إلى الكوكب الأحمر، وبدأت على الفور الخطوات العملية لتنفيذه، عبر تأسيس وكالة فضاء إماراتية، مروراً بإطلاق أول قمر صناعي مصنّع بأيدٍ إماراتية 100% هو «خليفة  سات» الذي يُعَدّ أيقونة هندسية فائقة التطور، بدأت مراحل إنجازه عقب إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن إطلاق مشروع «خليفة سات» في ديسمبر 2013؛ وتمَّ تصميمه وتطويره وتصنيعه وإدارته بالكامل في مرافق مركز محمد بن راشد للفضاء بواسطة فريق من المهندسين والكفاءات الإماراتية العاملة بالمركز، كما يعدُّ أول قمر صناعي يتمّ تطويره داخل الغرف النظيفة في مختبرات تقنيات الفضاء التابعة للمركز. وليس انتهاءً بأول رائد فضاء إماراتي سينطلق في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة «سويوز إم إس 12» الروسية في شهر إبريل 2019.
«لو رآكم زايد لدمعت عيناه.. أنتم غرسه وثمرة عمله وتتويج مسيرته» بهذه العبارة خاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فريق عمل «مسبار الأمل» عند الكشف عن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عام 2015. وقال سموه: «من خيمة  صغيرة قبل 43 عاماً بدأ زايد وراشد، ووصلوا الليل بالنهار لبناء إنسان الإمارات، واليوم تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لدينا فريق عمل ينافس الأمم الكبرى في الوصول للمريخ».
الأحلام الكبيرة لا تراود إلا القادة الكبار. وقد كان زايد، عليه رحمة الله، قائداً كبيراً، لذلك تجاوزت أحلامه حدود الواقع الذي كانت دولة الإمارات تعيشه بعد خمس سنوات من قيامها، فكان بذلك المؤسِّسَ الأوَّلَ لارتياد أبنائها الفضاء.