سلالات الخيل.. سفراء العرب إلى العالم

الخيول العربية مجلة مدارات ونقوش – العدد 22 - 23

 8,191 عدد المشاهدات

 

مدارات ونقوش (خاص)

كانت الخيل ولم تزل ذلك المخلوق المكرم الذي تجاوز الوصف حتى غدا معشوق الفرسان والأشراف. والجواد من الخيل بمنزلة طبقة النبلاء في عالم الحيوان، إذ قلما اجتمعت صفات في حيوان ما كما اجتمعت في الخيل من حيث الجمال والرشاقة والذكاء والنبل والشجاعة والوفاء، فقد تجذَّرت العلاقة بين الإنسان والخيل فنشأ بينهما تحالف منذ أقدم العصور أسهم في تطور الحياة البشرية بتجلياتها من مشاركة الإنسان في السلم والحرب.

غير أنَّ الخيل في مضارب العرب لها شأن آخر عن الأمم الأخرى، فعندما ولدت الخيل في ديارهم تطوَّرت مواهبها ومواصفاتها حتى وصلت على أيديهم إلى مرحلة لم يسبقوا إليها من الكمال والمثالية، وأصبحت الخيول العربية هي المقياس الذي تحكَّم به الخيول في العالم أجمع، من ناحية الدم والنسل ونقاء السلالة. وهذا ما تناولنا جزءاً منه في وقفتنا ضمن العدد السابق عندما تحدثنا عن موضوع الأصيل والهجين من الخيل. ونتابع في عددنا هذا الحديث عن سلالات الخيل العربية بين الماضي والحاضر، مسلطين الضوء على أبرز مواصفاتها وسلالاتها وأسمائها، وما يتعلَّق بذلك من شؤون.

 

شرف وأصالة

إنَّ المطلع على تاريخ الخيل العربية في الجاهلية والإسلام لن يجد كلَّ هذه الأسماء والسلالات، فقد كانت الخيل تسمَّى بأسماء فرسانها أو بالأحداث التي مرت بها أو نسبة إلى قبائلها ومرابطها، وكثيراً ما كانت تسمَّى نسبة إلى صفاتها التي تمتَّعت بها. مثل: الأغر لشداد بن معاوية، والجرادة لعامر بن الطفيل، والجموح لمسلم بن عمرو الباهلي، والدهماء لمعقل بن عامر الأسدي، والسمحة لجعفر بن أبي طالب.

ومن أكثر خيول العرب شهرة في الماضي الأعوجيات، وقد كثرت الآراء في سبب تسميتها وإطلاق الأعوجيات عليها.

قال زيد الخيل:

جلبنا الخيل من أجأ وسلمى

     تخب نزائعاً خبب الذئاب

جلبنا كل طرف أعوجي

     وسلهبة كخافية العقاب

نسوف للحزام بمنكبيها

     شنون الصلب صماء الكعاب

(السلهبة: الفرس الطويلة، وشنون الصلب: لا مهزول ولا سمين)

تتولد السلالة عندما يكون الفحل من نفس الخيل لعدة أجيال، وعندما تتركز الخيل في أسرة واحدة أو مكان، فتتولد الأرسان والمرابط. وربما تلعب البيئة دوراً في تميز بعض الصفات الفرعية الخاصة. والبيئة هي الإقليم الذي تعيش فيه الخيل، وقد رصدت العرب هذه المواصفات الإقليمية، فقيل: خيول نجدية، وخيول حجازية، وخيول يمانية.

فابن البيطار في كتاب “كامل الصناعتين” يقول: أولها الحجازي، وهو أشرفها، والنجدي، وهو أيمنها، واليماني، وهو أصبرها، والشامي، وهو أخشنها، والمصري، وهو أملحها، والخفاجي، وهو آصلها، والمغربي، وهو أنسلها، والإفرنجي، وهو أفشلها.

وهنا ينقل كتاب “تحكيم الجواد العربي بين الأصالة والجمال” عن الأمير عبد القادر الجزائري بعض المواصفات الإقليمية لها، إذ يقول:

  • الحجازية: حسنة الأحداق، رقيقة الجحافل، طويلة الآذان، صلبة الحوافر، جيدة الأرساغ.
  • النجدية: طويلة الأعناق، قليلة لحم الخد، مدورة الرأس، عريضة الكفل، رحبة البطن، رقيقة القوائم، غليظة الأفخاذ.
  • اليمانية: مدورة الأبدان خشنة، غليظة القوائم، محدبة الكفل، خفيفة الأجناب، قصيرة الرقاب.
  • الشامية: حسنة اللون، لينة الحافر، صلعة الجبهة، كبيرة الأحداق، واسعة الأشداق.
  • المصرية: طويلة الأعناق، حديثة الآذان، رقيقة القوائم، طويلة الأرساغ، قليلة الشعر، رديئة الحوافر.
  • المغربية: عظيمة الأعناق، غليظة القوائم، مدورة الأوضفة، ضيقة المناخر، عابسة الوجوه، طويلة السبيب، غزيرة الشعر.
  • الإفرنجية: غليظة الأبدان، عظيمة الصدر والرقبة، ضيقة الكفل.

 

سلالات شهيرة

كان الأجانب، من منطلق حرصهم في عصر النهضة الأوروبية على التوثيق والتدوين وعنايتهم التي أخذوها من علماء العرب والمسلمين، أحرص منا نحن العرب على تدوين سلالات الخيل، وذكر أسماء خيول العرب وتدوينها بمصطلحات خاصة، ضمن شهادة نسبها (الحجة)، فمدير نادي الأصيل الألماني جورج أولمز، يذكر الرموز التالية لبعض السلالات:

كحيلان K، كحيلان حيفي KH، عبية أم جريس OG، معنقي حدرجي MH، هدبان النزحي HE، صقلاوي جدراني SG، صقلاوي شعيفي SS، حمداني سمري HS.

 

كحيلان كروش البيضاء من الخيول السورية مع شهادة نسبه
كحيلان كروش البيضاء من الخيول السورية مع شهادة نسبه

 

 

نسب كحيلان كروش
نسب كحيلان كروش

 

 

حجة الجواد العربي

تفيد مصادر بعض الرحالة أنَّ الحصان العربي لا يسأل عن أصله ضمن ديار القبيلة؛ لأنَّ سلالته تكون معروفة عند الجميع، وكأن شهرته تكون من شهرة وأصل مالكيه، وعند البيع أو نقل الخيول إلى قبيلة أخرى، أو عندما تؤسر في الحرب لا بدَّ من أن تحرَّر لها شهادات نسب، تُعرَف في البادية بالحجة، وقد تبقى الحجة مكتوبة ومحفوظة بمحفظة جلدية تعلق في عنق الفرس للدلالة على الأصل في كل وقت.

إنَّ كتابة وتدوين الحجة يعدُّ تقليداً تراثياً رائعاً في ديار العرب، حيث يجب أن يبدأ باسم الله تعالى، مع كتابة أبيات من الشعر، أو حكمة عربية، أو حديث شريف، مع قسم بالله وبالشرف وتغليظ الأيمان على صدق الحجة، ثمَّ يحدِّد السعر واسم المربط أو السلالة واسم المالك والمشتري، وتمهر الحجة بأختام شيوخ القبيلة واحداً بعد الآخر. وقد كثرت نماذج الحجج في كتب الرحالة، فهناك حجة دونها الرحالة البريطاني أبيتون على لسان الشيخ سليمان بن مرشد لأحد الخيول ومهرها بخاتمه، وهناك حجة دونها الرحالة الألماني كارل شوان (رضوان الرويلي) للجواد العربي الذي أخذه هدية من الشيخ مشعل الفارس الجربا.

وقد نقل الغربيون هذا التقليد عن العرب فأصبحوا يدونون اسم الفرس ويتتبعون أجداده حتى الجد السادس، ويصدرون كتباً سنوية تُعرَف بسجلات أنساب الخيول العربية الأصيلة، فصدرت لأنساب الخيول العربية في كل من: بريطانيا وأمريكا وألمانيا.. وهناك سجلات معاصرة في بعض البلدان العربية كسوريا ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها يعترف بها الاتحاد الدولي للفروسية.

 

الوصية بالخيل خيراً

من النوادر التي يرويها الرحالة الغربيون في البادية العربية أنَّ نسب الفرس العربية لا يُكْتَب ولا يُحْجَب حتى عن الأعداء، وإذا ما سقط فارس عن جواده في ساحة المعركة فإنَّ آخر ما يتكلم به هو الحديث عن نسب فرسه، ويتمنى أن تحظى بالعناية اللازمة عند مالكيها الجدد، وهو ما أكده الرحالة والباحث البريطاني هنري ليارد بأنه مرَّ عام 1850 على قبيلة طيء في الجزيرة الفراتية، فوجدهم في شغل شاغل بسبب هزيمتهم في معركة أمام قبيلة شمر، وخسارتهم لأربعين فرساً. جلس شيخ القبيلة وسط أصحابه منشغل البال عابس الوجه، من جراء النكبة التي ألمت بهم، وكان من بين الحاضرين رسول من قبيلة شمر، التي هزمتهم، ملتفاً بثياب رثة، يرقب دون اكتراث معرفة نسب الخيول التي أسرت.

 

خيل عربية ولدت في روسيا عام 1883 واحضرها الى روسيا الكونت ستروغانوف عام1888
خيل عربية ولدت في روسيا عام 1883 واحضرها الى روسيا الكونت ستروغانوف عام1888

 

 

ويقول ليارد: إن من لم يكن على علم بعادات وتقاليد الفروسية العربية يرى في ذلك ضرباً من السخافة، والاستهتار، ولكن هذا السفير الخصم يتمتع بحصانة مطلقة بسبب الخيل.

 

 

حجة فرس نادرة مصدرها كتاب «الخيول العربية عند البدو»، ولعلها من أرشيف الرحالة كارل شوان الزاخر بالنوادر عن بادية العرب، وقد ذكرها صاحب كتاب «تحكيم الجواد العربي» وقال: عندما نترجم محتويات الحجة، نجد أنَّ عمرها يزيد على مئة عام، كانت محررة لجواد عربي من سلالة وذنان الأخرس، اشتراه من رجل من العقيل في القصيم من بدو السويلمات من عنزة، وفي الحجة كامل المعلومات المعهودة، ممهورة بأختام مجموعة من الصقور السويلمات. تقول الحجة: «نحن المحررة أسماؤنا وختومنا إننا شيوخ السويلمات في عشائر عنزة وكبار السويلمات، نشهد بالله ومحمد بن عبد الله، نشهد شهادة صحيحة من دون جبرانه بخصوص حصان معاشي الحشاي السويلمي، وهو الحصان (الحمر) الذي في قصته هلال، إنه بالحظ والبخت أنَّ أمه وذنه خرسان، وأبوه كحيلان أبو جنوب، معلوم الرسن والأصل، حصان يشبا، وذلك في علمنا. وبموجب اطلاعنا أنه صار ثمنه على حظ العقيلي في خمسمئة وخمسين غازي، وبموجب علمنا وخبرنا حررنا هذا الاستشهاد وما شهدنا إلا بما علمنا، والله خير الشاهدين. حرر وجرى في غرة صفر، سنة 302هـ، شهد بذلك شقير بن جليدان من كبار السويلمات، فرحان الموط من كبار السويلمات، الشيخ مشعان بن بكر، محمد بن مرزوق شيخ الصقور، جهيم مطلق الديدب، عن إقرار البايع معاشي الحشاي السويلمي، الزوين من كبار الصقور، دعيبل الجاسب من كبار الصقور، عامش بن ظلعان شيخ الدهمان م الصقور، راغب بن موجف شيخ الصقور، حجر الغرو شيخ الحماطرة من السويلمات».