1,046 عدد المشاهدات
ما يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، بأدواتها المختلفة، يشكّلُ محتوىً لغوياً يقدّم مادة للتعلُّم والتدارس والتعبير، يرسي قيم اللغة بشكل عام. وتواجه اللغة العربية، من أبنائها، على منصات هذه الوسائل الكثير من الجحود، رغم المبادرات العديدة التي تسعى جاهدة لتمكينها، موضوع «شبكات التواصل الاجتماعي واللغة العربية» كان محور محاضرة استضافها مركز جمال بن حويرب للدراسات، حاضر فيها الإعلامي والصحفي في قناة «العربية» والناشط على وسائل التواصل محمد أبوعبيد، والذي أكَّد أنَّ الاعتزاز باللغة الأم مصدر هوية، كما أنَّ التباهي الفج بعدم معرفة الفصحى من قِبَل أبنائها نوعٌ من الضياع الحضاري.
حضر هذه الفعالية الأديب والمؤرخ جمال بن حويرب، رئيس المركز، والأديب عبدالغفار حسين، والأستاذ إبراهيم العابد، مستشار المجلس الوطني للإعلام، والباحث بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، والدكتور والشاعر شهاب غانم، والعميد المتقاعد محمد صالح بداه العوضي، والباحث راشد بن هاشم، والأستاذ علي عبد القادر، عضو مجلس إدارة جمعية حماية اللغة العربية، ولفيف من المثقفين والإعلامين.
اللغة العربية
جمال بن حويرب، أعرب في بداية المحاضرة، عن سعادته بتواصل أنشطة المركز، سواء أكان حاضراً أم مسافراً، ما يرسّخ رسالة المركز كوجهة للعلم والتعلُّم، موجهاً خطابه للحضور بأنَّ هذه الأنشطة عامرة ومتواصلة بهم، وبخصوص موضوع المحاضرة قال إنَّ شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً فاعلاً ومؤثراً في الحياة، حيث أصبح الكل يغرد، ونناقش اليوم حضور اللغة العربية على هذه الشبكات، وفي تقديمه للمحاضر، قال بن حويرب: إنَّ محمد أبوعبيد، ابن قرية عرابة في مدينة جنين الفلسطينية، هذا الاسم الذي يرتبط أوّلاً بحريته، وقد ظفر بها بعد أن خرج من زنزانته في سجون الاحتلال، وهو يحمل صخرة الشمس على ظهر العزيمة، وهو خريج جامعة بيرزيت، قسم الدراسات التاريخية والسياسية، حيث اخترق كلَّ جدران العزلة ليصل إلى العالم عبر الفضاء الرَّحب؛ الإعلام، فكان الإعلامي الجريء، والمتزن في ذات الوقت. وأضاف أنَّ «الفلسفة بالنسبة إليه لا تقتصر على الدراسة إنما الرؤية، فقد انتقل من صباحات العربية حتى قبض على عمق الحدث فيها، وفرض شخصيته من خلال طموحه، ومثابرته، وهو ربما ما عرّضه كثيراً لانتقادات طالت شخصه وحياته الخاصة، لم يسلم بها من بعض المتطرفين، وقناصي الصور، ومعاول الهدم في ملكوت الضوء والشهرة».
واستطرد بن حويرب، «أبوعبيد نشأ وتربّى ودرس حتى أنهى دراسته الثانوية في جنين، وسافر إلى روسيا لمتابعة تعليمه الجامعي، ولكنه عاد بعد عامين والتحق بجامعة بيرزيت ليدرس التاريخ والعلوم السياسية، وخلال دراسته برز نشاطه الوطني والسياسي الذي عرّضه للاعتقال في السجون الإسرائيلية مرتين عام 1990 لمدة ثلاثة أشهر تحقيق، وعام 1996 لمدة أربعة أشهر. وعمل في الجامعة في قسم العلاقات العامة خلال فترة دراسته. وقد كان لوالده المتوفى خلال فترة مراهقته الأثر الكبير فيه؛ فقد نشأ على حب التعليم والثقافة، ويقول إنَّ والدته كانت مدرسته الأولى، وهي التي تحمَّلت مسؤولية تربية أبنائها، ومنعهم من التأثر بالثقافة الإسرائيلية المحيطة».
اللغة والهوية
وتناول الحديث المحاضر الإعلامي محمد أبوعبيد، الذي شكر المركز على هذه الفعالية المعرفية، وقال إنَّ اللغة جزءٌ من الحضارة، ولغتنا العربية غنية بمحتواها كما أنها لا تحتمل الجمود، الذي توصم به أحياناً ظلماً، فهي لغة مملوءة بالمفردات والدلالات، كما أنَّ وسائل التواصل، إضافة إلى التقنية بكل ما سهلته من أدوات، تتيح تقديم لغتنا بالشكل الذي يليق بها، لكن بعض أبنائها، وخاصة الشباب على مواقع التواصل يتباهون بجهلهم بها، وهو ما يدلُّ على عدم وعي حضاري. وأضاف: إذا كان الاعتزاز باللغة العربية ضرب من التخلف، فأنا أعتزُّ بتخلفي، مهيباً بإمكانات هذه اللغة الفريدة في النهوض والتعبير وإعادة الثقة.
وأوضح أبوعبيد أنَّ وسائل التواصل منصة للتعبير، وتتيح الكثير من الإمكانات غير المحدودة، لكنها تعاني من التنميط كالكثير من الأشياء الأخرى، وأضاف أنه يحاول قدر المستطاع، منذ مجيئه إلى دبي قبل 18 سنة كسر مثل هذه الصور النمطية، سواء المتعلق منها بالفلسطيني، أو العربي أو اللغة العربية، فالكثير من الناس يتصور أنَّ من هو أنيق المظهر لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال ضليعاً باللغة العربية، ويحاول إلصاق التخلف جهلاً بهذه اللغة، وقد وقع الكثير من شبابنا ضحايا لهذه الصورة النمطية، حيث نراهم على منصات التواصل يتباهون بجهلهم بلغتهم، مؤكداً أنَّ ذلك نوعٌ من غياب الوعي بالهوية.
وقال إنَّ اللغة العربية قابلة للتطوير، فاللغات الأخرى مرّت بالكثير من المراحل، نافياً نظرية المؤامرة التي يرددها البعض حول تهميشها، فالتقنية أتاحت كلَّ شيء، كما أنها لغة معتمدة أممياً وفي ترتيب مهم ضمن لغاتها الدولية، لكن المشكلة في أبنائها، الذين لا يستغلون هذه الأدوات بالشكل الصحيح للتعبير بلغتهم بالشكل الصحيح أيضاً، وتوظيف هذه الشبكات حتى لا تصبح معول هدم.
وأضاف أبوعبيد أنَّ «تويتر» علَّمنا الإيجاز والبلاغة من خلال فرض عدد محدَّد من الكلمات للتغريدة الواحدة، مطالباً بضرورة اعتماد الاختصارات للتسميات الطويلة.
مشيراً إلى أنَّ الكتابة باللهجة المهذبة أفضل من الكتابة باللغة بشكل فوضوي، لا يحترم عقول القراء ولا يتبع القواعد والأسس السليمة للكتابة، وما تقتضيه من ضبط لأصول النحو والإملاء وعلامات الترقيم التي قد تغيّر المعنى، هذه الأخيرة التي أصبح الكثير من الناس يكتب دون تقيُّد بها، خاصة في مجالات الكتابة الصحفية، وهو أمر له أضراره بهذه اللغة ومعانيها وسياقاتها، مشدداً على جماليات لغتنا، كونها لغة ثرية في محتواها وقاموسها.
جهود وتشجيع
وأوضح أنَّ هناك موضوعاً مرتبطاً بالسلوك، على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو تصيُّد الأخطاء التي تهدم جهود تشجيع اللغة العربية، فبعض الناس يترك المهم، ويخوض في أشياء ثانوية لا تخدم تعلم اللغة، كما أنَّ بعضهم على هذه المواقع حسَّاس بخصوص التصحيح له، لذلك يجب توخّي الأسلوب المناسب في التوجيه وتمرير المعلومة.
بعد كلمة محمد أبوعبيد شكر جمال بن حويرب المحاضر، وعقَّب على كلمته بدور هذه الوسائل في تعليم العرب الإيجاز، مضيفاً بأنَّ هناك عودة جميلة من شبابنا للغتنا الفصحى، كما أنَّ هناك دوراً كبيراً لمبادرة «بالعربي»، إحدى مبادرات مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، في ذلك، وكذلك غيرها من المبادرات، حيث كان الشباب يكتبون بالإنجليزية، أو ما اصطلح عليه بـ«العربيزي»، وهي اللغة العربية بحروف لاتينية ومشفرة.
لكن مع الوقت بدأ الشباب يكتبون باللغة العربية، كما رأيناهم غيّروا تعريفاتهم على مواقع التواصل إلى اللغة العربية أيضاً، وهو شيء إيجابي، موضحاً أهمية عودتهم وتعلمهم تدريجياً، دون تنفيرهم بترصُّد الأخطاء، موضحاً: «نحن نقول لهم دائماً اكتبوا وحاولوا أن تصححوا وتتعلموا»، وقال إنَّ اللغة العربية أصبحت علامة واضحة تراها في استخدامات الشباب، فهناك قبعات وقمصان موسومة بأحرفها، وهو شيء إيجابي وجيد، وذكر أنَّ كلَّ الأمور تصوب بالتدريج، فالذين يقولون من الشباب إنَّ اللغة العربية ليست لغة أفلام ولا مال ولا حياة، يجب أن لا نظلمهم، بل نصحّح لهم المعطيات ونقدّم البدائل لتمكين هذه اللغة، ووسائل التواصل تتيح ذلك؛ فالتغريدة الواحدة قد تشاهد ملايين المرات، لذلك يجب اغتنام هذه الفرص، وهناك تجارب جيدة لبعض الشباب يكتبون بالفصحى من ضمنهم الشاعر السعودي فواز اللعبون، الذي اكتسب شهرة واسعة على هذه الشبكات، مع أنه يكتب شعره باللغة الفصيحة.
بعد ذلك عقّب مجموعة من المتدخلين في المحاضرة، حيث قال الأديب عبد الغفار حسين إنَّ لغة مواقع التواصل هي لغة شعبية، وفي كلِّ اللغات هناك لغة شعبية ولغة الكتاب، لذلك يجب أن لا نطالب مستخدمي وسائل هذه الشبكات باستخدام لغة سيبويه، فإذا استطعنا التغريد بالفصحى فبها ونعمة، وإن لم نستطع فلا ضير في ذلك، لكن الصحف والمجلات هي المطالبة بالكتابة باللغة الإبداعية الرصينة والسليمة.
تصويب وتمكين
أمّا الباحث بلال البدور فقال: إنَّ هذه الشبكات كشفت الكثير من أخطاء الكتّاب، لكن علينا أن نصحّح لهم، وننظر كمهتمين باللغة العربية وتمكينها إلى هذا الأمر بشكل إيجابي، من خلال التصويب والتعلم.
أما الإعلامي حسين درويش فقال: إنَّ هذه الوسائل مهمة جداً، لكن من ناحية اللغة، فهناك إشكالات عدة بخصوصها، لكنه أشار إلى اللغة الوسطى، التي ابتكرها بعض الكتّاب، خصوصاً في مصر، ومن ضمنهم الكاتب أنيس منصور، فهذه اللغة لغة صحفية بسيطة وجميلة ومقبولة، ليست نخبوية ولا صعبة، كما أنها ليست سطحية ومبتذلة وعامة كما نرى في الكثير من الكتابات على شبكات التواصل، مثل هذه اللغة هي ما يعول عليه في تمرير الرسالة والتعبير عبر هذه الوسائل بشكل يخدم اللغة الأم.
كما أشار الباحث راشد بن هاشم، إلى أننا عبر هذه الوسائل نتجمل، لكن من الجيد أن نتجمل بلغتنا الجميلة، موضحاً أنَّ فيها الجيد والرديء، وعلى المثقفين استخدامها بشكل أمثل للتصحيح وإبراز الغنى اللغوي للعربية.
وفي ختام المحاضرة كرّم جمال بن حويرب، رئيس المركز، المحاضر الإعلامي محمد أبوعبيد، كما التقطت بعض الصور الجماعية.