3,727 عدد المشاهدات
الكاتب: سعد بن عبد الله الحافي
تمهيد:
كلما ابتعد زمن النص الشعري وكان مرتبطاً بقصة أو حكاية، فإنَّ الجانب الأسطوري يبدأ في التضخم والتهويل، بينما المتفحص لدلالة النصوص يجدها تنفي الجانب الأسطوري. ومن ذلك ما أثير حول هائية الشاعر ابن عبد الرحيم المطوع من أهل القرن العاشر الهجري.
النص
قال التميمي الذي شب مترف
مدى العمر ما شاء في زمانه جاه
يا ركب ياللي من عقيل تقللوا
من نجد إلى الريف المريف مداه
احدروا بنا من جو عكل وقوضوا
على كل هباع اليدين اخطاه
علاكم تجد السير لكنها
الى خثع بالريدا اخلاف سراه
صريمة حيدٍ حدها جال تيما
على الأرض من عالي النبا بوطاه
فلما ان جو الدهناء والإنسان ماله
ملاذ وما كتب عليه وطاه
لقوا جادلٍ في زربها مستكنه
حماها من لفح السموم ذراه
خذوها بلا رمح زرق ولا عصا
ولا دفنوا لها حبل العقال تاطاه
غشاها لذيذ النوم والنوم قد غشا
من القوم حذرٍ وايتلوه عداه
غزالٍ يشابه لخلي ومثله
عنق ٍوعينٍ والحلا حلياه
أقول لإخواني ومثلي ومثلهم
يشكي همومه إلى من الزمان وطاه
دعوها تخوض في الغي والغي راده
كوده الى رأني يشوف مناه
واقفيت مثل هرشٍ من الزمل موقف
تحايد عن الماء لين حل ضماه
اقفى وهو يتلي سنا نوض بارق
يصب على الريدا سفايح ماه
واقفيت يم الطعس ميس حياتي
ولالي بعد خلي من الزاد شهاه
عزي لعيني عذبتني بالشقا
ودمعي جرى من ناظري واحفاه
يا شمل يا مأمونة الهجن هوذلي
إلى دار من صعب علي لقاه
تلفي لخلاني وخلي واهلها
في حايط العزام يا ماحلاه
دقاق مجل اطواق يا ناق وان طرى
على القلب زاده من عناه شقاه
يا رب عطنا رجفة تجمع الملا
حتى بها خلي يطير غطاه
لعل قصرٍ حال بيني وبينها
لنجمٍ من المولى يهد بناه
ابغي الى هد العلا من قصوره
واذهلن عطرات الجيوب حياه
يظهر خليلي سالمٍ من ربوعه
هذاك مطلوب الفتى ومناه
خليلي خلا قلبي من الولف غيره
بعت الاخلاء والشجون حذاه
خليلي معسول الثنيات فاتني
كما فات لقاي الدلي ارشاه
كن عن صغير السن حذر ولا تكن
دنوعٍ إلى شفته بسن سفاه
إلى صار ما يأخذ ثلاث مع أربع
وعشرٍ فلا يشفي الفؤاد لقاه
تعاديه ما يدري تصافيه ما درى
وما عطي من غالي الحديث حكاه
من باعنا بالهجر بعناه بالنيا
ومن جذ حبلي ما وصلت ارشاه
الاقفا جزى الاقفا ولا خير في فتى
يريد هوى من لا يريد هواه
الأيام ما خلن من لا كونه
ومن لا كونه عابيات عباه
الشاعر وعصره:
يسميه بعض الرواة عبد الرحمن وعند البعض عبد الرحيم أو ابن عبد الرحيم، ويشتهر عند الجميع بالمطوع وبابن المطوع، وجاء عند جبر بن سيار (المتوفى عام 1085هـ)، قال ابن عبد الرحيم من أهل وشيقر:
قال التميمي الذي رد في الصبا
ضماياه من بعد الصدير حيام
وأقول نعتمد كلام جبر بن سيار، لكونه أقرب عهداً بالشاعر، ويؤكد أنَّ عصره قبل القرن الحادي عشر الهجري، وهذا يتفق مع دلالة البيت الذي استشهد به بركات بن مبارك الشريف المشعشعي من أهل القرن الحادي عشر الهجري حين قال:
قلته على بيت قديم سمعته
على مثل ما قال التميمي لصاحبه
إذا الخل أورى لك صدود فأوره
صدود ولو كانت جزال وهايبه
وهو يشير بذلك إلى بيت ابن عبد الرحيم الذي يقول فيه:
من باعنا بالهجر بعناه بالنيا
ومن جذ حبلي ما وصلت ارشاه
وحدد ابن بسام وفاته عام 1010هـ اجتهاداً منه في وضع قائمة لوفيات عددمن الشعراء، ولم يبين علامَ اعتمد في ذلك، ويذهب اليوسف إلى أنه عاش مطلع القرن العاشر، وأنه لم يعمِّر طويلاً.
ويرجح لدي من دلالات نصوص الشاعر ووثيقة السقيا وإشارة جبر بن سيار ودلالة نص بركات الشريف أنه عاش النصف الأخير من القرن التاسع الهجري، والنصف الأول من القرن العاشر، وقد عمَّر طويلاً.
دراسة النص:
تتعدد روايات النص الشعري، ويدخل في بعضها الصنعة الواضحة، ومازالت تحتفظ في مجملها بنسق مترابط وعدد أبياتها يقارب الستين بيتاً، وهنا جمعت بين ما جاء عند ابن يحيى واليوسف، وأرى أنَّ فيه دلالة قد تخدمنا في إجلاء الغموض، ويرتبط هذا النص بقصة تناقلها الرواة تتلخَّص في أنَّ الشاعر قد أحبَّ فتاة صغيرة السن من عائلة خارج القبيلة، ولمعرفته بأنَّ أسرته ستعارض هذا الزواج، اتفق مع أهلها على كتمان الأمر حتى تأتي الفرصة المواتية، واستمر الزواج عدة أشهر، وفي ذات يوم دخلت هذه الفتاة إلى بستان الشاعر لتأخذ بعض الثمار، فلاحظتها أخت الشاعر؛ فانتهرتها على ما تعدُّه سرقة، فقالت الفتاة إنها في أملاك زوجها، فافتضح أمر الزواج، وكيف أنَّ إخوة الشاعر قد هدَّدوه بتطليقها أو قتله، وأنهم أخذوه معهم في قافلة تجارية تمر بنفود الدهناء، ثمَّ اصطادوا غزالة غلبها النوم في مربضها؛ فأراد منهم إطلاقها كونها تشبه حبيبته، ولكنهم ذبحوا الغزالة؛ فانسل منهم إلى مرتفع رملي قريب، ففقدوه وذهبوا في طريقهم ظناً منهم أنه سيتبع أثر القافلة، وكتب هذه القصيدة بدم إبهامه، وقيل كتبها بدم الغزالة على عباءة من الجلد كان يرتديها، وعند عودة القافلة مروا بالمكان الذي فقدوه فيه وعند البحث عنه وجدوه ميِّتاً وبجانبه القصيدة في ذلك المرتفع الرملي الذي التصق به اسمه إلى هذا العصر (نقا المطوع). ويذكر سعود اليوسف في كتاب “أشيقر والشعر العامي” أنَّ للشاعر بستاناً يسمَّى بالنجيمي، ويشرب من بئر العلا شمال أشيقر، وأنَّ أسرة الفتاة لهم بستان مجاور لبستان الشاعر، ولقد حصلت أخيراً على وثيقة مرفقة صورتها خاصة بتقسيم السقيا بين مزارع متجاورة، وردت فيها إشارات إلى حائط العزام الذين هم أسرة الفتاة، وبستان ابن عبد الرحيم والعلا، وهي ترتبط بدلالتها بما ورد في النص:
تلفي لخلاني وخلي وأهلها
في حايط العزام يا ماحلاه
دلائل الرواية:
1-إنَّ الشاعر قد أحب فتاة صغيرة السن وتزوجها بدون علم أهله .
2- يُفْهَم من الرواية أنَّ أهل الفتاة لم يمانعوا الزواج ورضوا ببقائه سراً .
3- يُفْهَم من الرواية أنَّ الفتاة أرادت إعلان الزواج ووضع أسرة الشاعر أمام الأمر الواقع؛ فأقدمت على الدخول في أملاك زوجها.
4- يُفْهَم من الرواية أنَّ من خرج به إلى الدهناء هم إخوته مهددين إياه بالقتل أو التخلي عن الفتاة.
5- يُفْهَم من الرواية أنه حاول الهرب من القافلة، وربما الرجوع إلى بلدته أشيقر.
6- يُفْهَم من الرواية أنه مات في ذلك المرتفع الرملي، ووجدت قصيدته فيما بعد مكتوبة على عباءته.
دلائل النص
1- إن الشاعر قد صحب ركب نجدي من بني عقيل، وقد قصدوا البصرة (الريف المريف).
2-إن بداية الرحلة كانت من جو عكل، ويعني به بلدة أشيقر وهي من منازل بني عكل من تميم، ولذلك نسب المكان إلى القبيلة مباشرة.
3- إنَّ الركب قد أمسك بغزالة، وقد شبهها بحبيبته وطلب إليهم أن يطلقوها، فلم يحققوا رغبته؛ فتركهم إلى المرتفع الرملي وهو في حالة من اليأس.
4- يطلب الشاعر من ناقته أن تجدَّ السير نحو دار الفتاة، ويسمِّي المكان حائط العزام بعد أن صعب عليه لقاؤها.
5-الشاعر يدعو بالرجفة ليطير القناع عن وجه حبيبته، ثمَّ يدعو أن يسقط نجماً من السماء يهدم البيت الذي يحجبها عنه لتخرج منه سالمة معافاة، وهذا يؤكد أنَّ المنع حصل من طرف أهل الفتاة ويؤكد ذلك قول الشاعر:
الاقفا جزى الاقفا ولا خير في فتى
يريد هوى من لا يريد هواه
6- إنَّ الشاعر لم يتزوج الفتاة؛ فقد فاتت عليه ولا يتصور أن يراها زوجة لغيره:
خليلي معسول الثنيات فاتني
كما فات لقاي الدلي ارشاه
7- إن الفتاة لم تبلغ السابعة عشرة من عمرها، وبالتالي هي لا تستطيع كتم السر أو التمييز في تصرفاتها:
كن عن صغير السن حذر ولا تكن
دنوع إلى شفته بسن سفاه
إلى صار ما ياخذ ثلاث مع أربع
وعشر فلا يشفي الفؤاد لقاه
تعاديه ما يدري تصافيه ما درى
وما عطي من غالي الحديث حكاه
نصٌّ ثان للشاعر ذو دلالة:
أبحت العزا يا شكر في رأس مرقب
وجريت بالحان علي اعجاب
على مثل غصن الموز غض شبابه
يقود الهوى بين أشفتيه اعذاب
بايعتها والسوق بيني وبينها
والبيع في بعض الأمور اكذاب
ولحقتها إلى باب العطيفه ظاهر
ألينه غدا بين البيوت ذهاب
وهو بادي وأنا مع الحضر قاعد
وطرد البوادي للحضور عذاب
فيا ليت زمول البدو يوم رحيلها
تكون في ذاك النهار ذهاب
نطحني غب السيل في الوادي الذي
اذا قلت أنحى في مسيله هاب
نشدته من يعزى عليه وقال لي
أنا من عقيل ما علي اطلاب
وقفا يخوض الماء في خمص نواعم
وساقين فيهن الحجول لباب
تبسم عن عذاب غر ذوابل
يردن من عاف السفاه وتاب
واقول تقطيف الثمر من غصونه
يزيد الفتى ما دام فيه شباب
وكل جناي ما جنى اثمار الهوى
يخيب ومن لا ذاق جنيه خاب
الا ياحمامات النجيمي وما حلا
غناكن لولا ان الضمير مصاب
مصاب من عين وخد ومبسم
وجيد ومجدول زهاه خضاب
وصلوا على خير البرايا محمد
عدد ما ناض بارق وهل سحاب
دراسة النص:
ورد هذا النص في مخطوط ابن يحيى، وقدَّم له هكذا: “مما قال عبدالرحيم المطوع من أهل وشيقر وهو التميمي”. وأقول: هو ابن عبد الرحيم كما أشرنا، وبالنظر في مطلع القصيدة، نجده يختلف في أسلوبه عن الأسلوب المعتاد لشعراء القرن العاشر الهجري بشكل عام، حيث يسمي كلُّ شاعر مطلع قصيدته باسمه، إلا أنَّ الشاعر هنا يخاطب مباشرة شخصاً يسميه (شكر) شاكياً له ما يعانيه من الوجد، وشارحاً قصته الغرامية مع إحدى الفتيات التي يبدو من النص أنه حصل بينها وبينه بيع وشراء، ثم تركته مرتحلة مع قومها بعد أن تعلق بها.
دلائل النص:
1-تعدد غراميات ابن عبدالرحيم، ولم تنحصر في قصته مع الفتاة صغيرة السن التي قيل إنه مات بسببها كما مرَّ معنا.
2- يذكر الشاعر بني عقيل، وهذه قرينة تؤكد أنَّ عصر الشاعر في القرن العاشر الهجري وما قبله، حيث لم يعد لبني عقيل ذكر في أحداث نجد في القرن الحادي عشر الهجري.
3- يذكر الشاعر باب العطيفة والنجيمي في بلدة أشيقر، ويقول عنه سعود اليوسف في كتاب أشيقر والشعر العامي: “باب العطيفة باب(حائط جميلة) ويقع شمال بئر الربيعة، يلتقي بسوق السديس المؤدي إلى خارج البلد والنجيمي هو بستان نخيل يسقى من بئر العلا في شمال أشيقر”. وأقول: إنَّ هذه الأماكن تؤكد مكان الحدث.
تساؤل:
هل نهاية الشاعر كانت مأساوية فعلاً أم هي من نسج خيال الرواة؟ وإذا كان كذلك، فكيف نستطيع الجمع بين الرواية التي تقول إنه مات في صباه بسبب العشق وبين مدلول هذا النص الذي يتوجد فيه الشاعر على فتاة أخرى غير صاحبة القصيدة الهائية، أو كيف نجمع بين القول بأنه مات شابًّا بعد أن هدده أخوته بالقتل، وبين مدلول نص آخر نجد سياقه المعنوي يدلُّ على أنَّ الشاعر قد خطَّه الشيب، ولم يعد فيه مطلباً للنساء؟ ويؤكِّد نسبة هذا النص للشاعر استشهاد جبر بن سيار بمطلع القصيدة في معرض حديثه عن الشاعر، والذي ذكر منها اليوسف أبياتاً في البيت الثالث والأخير منها خلل قمت بتصحيحه، يقول فيها الشاعر:
قال التميمي الذي رد في الصبا
ضماياه من بعد الصدير حيام
يا جانيات العصفر الغض بالضحى
عليكن يا نجل العيون سلام
قالت نسلم على المردان وأهل اللحى
ومن لاح شيبه ما عليه سلام
ياعقدة الباب التي قد تهدمت
بناياك من طول السنين اثلام
يا نبتة البرني سقيتي من الحيا
سحاب ومن عقب السحاب غمام
يا سدرة الفرع الشمالي من العلا
مقيالها إلى اخر النهار منام