2,644 عدد المشاهدات
الكاتب:جمال بن حويرب
المدح في الشعر بعد تغير أحواله منذ زمن بعيد اتخذه الشعراء المدّاحون مطيةً للوصول إلى مآربهم حتى أصبح عادةً للتكسّب وطلب الثراء فلم تعد قيمته عند الناس تلك التي عرفها العرب بادئ ذي بدء فظنوا الشعر أنه كذبٌ ومبالغاتٌ ولا خيرَ فيه وزهد فيه كثيرون اللهم إلا قليل من هنا وهناك وبعض من القصائد التي تشعر وأنت تسمعها مشاعر الود والتقدير والإجلال من صاحبها للممدوح فهو يذكر محامده وصفاته بغير مبالغة ولا تجاوزٍ للحدود البشرية، وهؤلاء هم من نطرب إلى أشعارهم ووصفهم بل نطير فرحاً عندما نرى قصيدة تنتمي إلى دوحتهم فهم ليسوا بحاجةٍ إلى الشعر ولا للمدائح لأنّ فعالهم شاهدة على أمجادهم ليلَ نهار وإنجازاتهم تلهج بمدحهم وتفضيلهم فلا يتعجب أحد عند سماع شاعر كبير يجزل المدح فيهم وكيف إذا كانت هذه المدائح صاغ دررها ونظم عقد أشعارها رجل من هؤلاء العظماء الذين ملأوا الدنيا بأمجادهم.
ولا أظن أيها القارئ الكريم يخفى عليك من أعني بهذه المقدمة وإن كنتَ لا تدري فإني أعني بها الشيوخ العظام الذين أفتخر بالحديث عنهم وأتشرف بشرح أشعارهم فهم فخر لكل من يذكرهم وشرفٌ عظيم لكل من يدخل منظومة أفكارهم السامية، كما فعلت اليوم وأنا أقرأ قصيدة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله الذي لامست قصيدته في أخيه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله شغاف قلوبنا وملأت أسماعنا ووعينا ما فيها من بليغ كلماته وروائع شعره والشيخ محمد بن زايد وإن كان مقلاً في الشعر فإنه إذا أنشد أجزل وشنّف آذان السامعين بالسهل الممتنع والوصف الذي لا يليق إلا بالملوك أبناء الملوك من الذين تعودوا الحكمة ومارسوا القيادة وخبروا الحياة وعرفوها حق المعرفة.
قصيدة “أخوي محمد” من عنوانها نعرف محتواها وكما يقال الكتاب يعرف من عنوانه كذلك قصائد الزعماء رسائل عظيمة ترسل لمن يستحقها وهي ليست أول مرة يقولها فقد قال هذه الكلمات نفسها سابقا نثراً في كلمةٍ مؤثرةٍ أمام محفل كبير في قمة الحكومات فقال “محمد بن راشد أخي وصديقي ومعلمي ” وهو يقولها الآن شعراً ويؤكد عليها ويبدأ بها لأنّ أعظم شيئ للرجل أن يشعر بوجود أخ حقيقي معه وهو الذي يشعر به بوخالد حفظه الله وقد قيل قديما:
أخاك أخاك فإنّ من لا أخا لهُ
كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
ومعنى البيت أن إلزم أخاك يا من تريد النجاح فلا نجاح بغير أخ صادق معينٍ وربّ أخٍ لك لم تلده أمك.
بعد هذا العنوان الصادق الذي يخبرك بمجمل القصيدة ويُطمئن القلب بأنّ الود والتقدير كبير جداً بين المادح والممدوح نجد الشاعر الشيخ محمد بن زايد يبدأ قصيدته بالحكمة ليثبت الفهم الذي فهمناه من العنوان فيقول :
تقبل الأيام بحمولٍ ثقال
وتنثني وان صادفت منكب صمل
بين دورات الليالي والنزال
ما يفوز إلا من يعاضد رجل
الأيام لها دورة معروفة فهي تقبل بأحمال ثقيلة وأعباء لا يستطيع تحملها إلا الشديد القوي الذي عرف الحياة وخبرها وتعلّم كيف إدارتها ومواجهتها فالأيام كما قال الأول :
الليالي من الزمانِ حُبالى
مثقلاتٍ يلدن كلّ عجيبِ
وبنفس المعنى قال الشاعر الشعبي القديم حميدان الشويعر:
الايام حبلى والامور عوان
وهل ترى ما لا يكون وكان
نعم إنّ الأيام سيرها عجيب وثقيل على من لا يعرفه وهذا لعامة الناس فكيف إذا كان المعنيُّ تقع على منكبه أعباء الدولة وتدور حول بلاده الأحداث الكبيرة التي لا تتوقف فإنّ الأمر يختلف جداً ونزالها لا نجح ويفوز فيها إلا إذا كان من يعاضده رجل بكل ما تحمله هذه المفردة من معانٍ عظيمة لا يفقهها إلا الخبير المحنّك الذي يستطيع تمييز الرجال فقال واصفا طبقاتهم ومبينا صفاتهم:
الرجال أنواع والوقفه سجال
حد يرهيها وحد منها يفل
وحد لو ما قلت له صاير تعال
عارف المدخل وعارف من دخل
وعارف اجلال المعاني م الهزال
في أراضي المعرفه عقله بهل
يبيّن الشاعر الحكيم أن الرجال أنواع لكنهم يختلفون في تصنيفهم عن تصنيف العامة فهو يصنفهم حسب أدائهم والعامة تصنّف الرجال حسب عطائهم وهذا الفرق بين نظرة الزعيم الشاعر والشاعر العامي فهنا يقسّم بوخالد حفظه الله الرجال في مواقف الحق وسجاله الظاهرة للعيان؛ فمنهم من يرهيها أي يوسعها ويأخذها بأريحية ومنهم من يخاف من وقفة الحق فيجفل منها كما تجفل الجمال الخائفة ويهرب والعياذ بالله، وهناك من الرجال صنف عظيم لا يحتاج نداء ولا طلبا بل هو خبير وعليم يعرف مداخل الأمور ومخارجها ويقبل إلى مواقف الحق ويعين بدون طلب لأنه صاحب الخبرة الواسعة والمعرفة الكبيرة التي ينهل منها الناس ويستفيدون ولا ينطبق هذا الوصف إلا على رجل واحد وهو :
ذاك أخوي “محمد” يوم قال
كلمته ما تنثني قول وفعل
طوع الصعبات لين العود مال
وانطوت في قبضته طي السجل
يا منار العلم لى ما عنك فال
ضوء علمك في سما العالم شعل
بعد تقسيم الرجال وتصنيفهم انتقل الشاعر إلى ذكر صفات الممدوح الشيخ محمد بن راشد المعروف عالميا بأنّ قوله فعل فهو لا يتحدث إلا بعد الإنجاز ولا يعد بشيء إلا وفاه ولا يحب الطريق السهل فعشقه الطرق الصعبة التي لم تطأها أقدام أحد ويهيم بالصعب حتى قال رعاه الله :
من حبي الصعب أطرب كلما يصعب
متعود بالشدايد هايم هيامِ
فهو لا يطربه إلا الصعب الشديد من صغره حتى طوعه بقوته وجلادته وتوكله على الله وأصبحت في يده مثل ما يطوى سجل الكتب، وهو كذلك منارة للعلم جامعة مكونة من أكبر العلماء في فنون العلوم الظاهرة التي لا يمكن أن تخفى على أصحاب المعرفة في كل مكان فكل من عرفه وحاوره عرف معنى هذا البيت بل لا نحتاج أن نحاوره فيكفينا كل هذه الإبداعات الفريدة في إمارته دبي ودولته الإمارات لنعرف أننا نقف أمام محيط من الحكمة والمعرفة وأنوار علمه ساطعة في سماء الدنيا يعرفها القاصي والداني.
نقتدي بك يوم الاريا في ضلال
صار في القمة لنا وسم وعزل
سيدي يا سناد عزمي بكل حال
والصعود وياك جنبنا الفشل
ان لقيت ليه على الصعب احتمال
مدة ايديك خلت الكايد سهل
والله انك يوم صكات الحبال
سيف يمنى حدك رهيف نصل
تاج راسي عز في سود الليال
عزوتي وان غلق للشيمه سبل
يتابع بوخالد حفظه الله واصافا أخاه الشيخ محمد بن راشد بأبلغ وصف فهو الذي يقتدي بها إذا عمت الأرجاء الضلال لأنه منارة العلم والهدى وبعلمه نفرق بين الحق والباطل مثل وسوم الإبل التي تفرق بينها ، ثم يتابع ويقول : ولأنك يا أبا راشد صاحب الخبرة الطويلة والعزم والحزم فإننا صعودنا نعنا جنبا الفشل لأنه ليس في قاموسك الاحباط ولا الفشل واحتمالي على كل ما ألاقيه من الصعوبات فهو بفضل الله ثم بسبب عونك لنا فكل عسير أصبح سهلا ميسرا وفي اليوم الشديد الذي يتبرأ كل خليل من خليله فإن سيفك لا ينبو في في حده الحد بين الجد واللعب. لهذا كله يا أبا راشد أنت تاج الرأسعندما تسود الليالي وملجأ عندما يتخلى الناس وتضيق الطرق. وإذا أردت شهودا وأدلة فإني أسوقها لكل من يقرأ هذه القصيدة فأقول :
كم للدولة نقل كتفك وشال
ان خلص فرضك تليته بالنفل
من ينادي للأمم لا للانفصال
يدرك الحسنات في لم الشمل
في عمار ديارنا نضرب مثال
نحن ما نحسب حسابات الجهل
من رسمها قبل يبني ع الرمال
يا أخو محمد ايرد له الفضل
نفتديها بكل حال وبكل مال
مجدنا بالروح والدم انكفل
ومن يحسب ديارنا لقمة حلال
ان شهرنا سيوفنا ما تنوصل
عهدنا لعيالنا ما به انتشال
وعهدهم النا بعد ما ينتشل
هذه أبيات يكمل فيها الشاعر وصفه ويضع جميع الأدلة على ما ذكره في بداية القصيدة ولا تحتاج إلى شرح منا فالشيخ محمد بن راشد رجل وحدوي عروبي له الفضل في هذه النضهة الحضارية الكبرى التي تشهدها الدولة في جميع الأصعدة وهي محمية بدماء أبنائها الأبطال لأن طريق الأمجاد لا يكن أبدا ممهداً لأحد بدوم البذل بالمال والدم .
يتابع بوخالد حفظه الله أبياته الرائعة ليمدح شعبه الوفي
المخلص فيقول:
كل يوم نشوم للنيف الطوال
دولة بافعال أهلها نحتفل
ع العهود أجيال تتوارث فعال
في بناها لا تكل ولا تمل
وللندا ما فيه يمكن واحتمال
كل ما تكبر به الشده بسل
والهدف لو هو بعيد في الوصال
تلحقه لعزوم لو عنها بتل
يحفظ الله بلادنا من شين فال
ينعمون شعوبنا في طيب ظل
يحفظ الله في ميادين القتال
جندنا لى ردوا العلم العدل
هذه الدولة التي نفتخر بها وبأفعال أهالها الماجدين الذي توارثوا الفعال والأمجاد وليس الكلام بذاته فهو لا يفيد فهم مجدون في بناء دولتهم بلا كلل ولا ملل ولا يترددون في تلبية الواجب وهم أهل الشجاعة والبسالة التي صارت مضرب الأمثال في العالم خاصة جنود الدولة الأبطال الذين سطروا أروع الأمثلة في ميادين الوغى والشدائد حتى صارت قصصهم تروى بين الأمم.
ثم لا ينسى الشاعر أن يذكر الملك سلمان ملك الحزم الذي يرفع راية الحق في هذا الوقت الصعب من تاريخ الأمة العربية والإسلامية فقال:
وللملك سلمان وقفات الجبال
ما توفيه القصائد والجمل
شرفتني بالمعاني والمقال
ولا يفوز إلا من يعاضد رجل
رائعة هذه القصيدة في بداية تحمل روعة استهلال وخاتمة مثلها .. شكرا سيدي على هذه الروائع