1,591 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لم تكن الحصون والمربعات وأبراج المراقبة يوماً لتحمي أرضاً أو تعزز هُويّةً أو تقود حضارةً عالميةً وإنّما العزة في القلوب المتعاونة الشجاعة والعقول الملأى بالحكمة والفطنة والهمم التي لا تعرف الكلل والملل، الحافظة لمكتسباتها والحامية لأوطانها بالأرواح فهي هي الحصون وهي هي الدروع السابغات والسيوف المرهفات القواطع.
ولله درّ شاعر عمان الكبير ناصر بن سالم بن عديّم الرواحي (1875-1920م) عندما ذكر القبائل العربية الموجودة في عمان والإمارات العربية المجاورة لها فمدحها وخصّ قبيلة «بني ياس» بأبيات رائعة يؤكد فيها بكل فصاحةٍ على أنّ الحصون والأسوار لا تفيد شيئاً ولا تدفع عدواً فقال:
وما رجاء بني ياسٍ على خطأٍ
فإنّما القوم أعوانٌ وإخوانُ
قومٌ على صهواتِ الخيل طفلهمُ
يربو لهُ من دمِ الأبطالِ ألبانُ
مساعرُ الحرب إنْ تنزلْ لهم نزلوا
وإنْ تعاضلهمُ رُكباً فركبانُ
أسدٌ خدورهمُ سُمر الرماحِ فإنْ
شبّ الهياجُ فتلك الشهبُ شُهبانُ
إلى أن قال بعد وصفه لشجاعة «بني ياس» ونجدتهم:
تلكمْ حصونُ بني ياسٍ ومعقلهمْ
لا يحصنُ القوم أسوارٌ وأفدانُ
هذه هي الحقيقة التي عرفتها وأكدتها الأشعار القديمة وذكرها الحكماء بأنّ الحصون لا تغني ولا تمنع إنْ كانت القلوب محطمّةً والأرواح متنافرة، ولهذا لم تبنِ هذه القبيلة العريقة حصوناً إلا قليلاً بسبب وحدتها وقوة عزيمتها وترابطها على مر القرون الطويلة وتاريخها شاهد لها.
قصر الحصن العريق في إمارة أبوظبي من هذه الحصون القليلة التي بناها شيوخ بني ياس الحكام الكرام في مناطق حكمهم، ولم يكن في أول إنشائه إلا برجاً صغيراً عندما بدأت الأسر الياسية وغيرها بالانتقال إلى جزيرة أبوظبي.
ثم بانتقال الشيوخ إليها أصبحت مقراً للحكم، بعد أمر الشيخ شخبوط الأول حاكم أبوظبي بتحويل هذا البرج إلى مقرٍ له وسكنٍ في سنة 1793م تقريباً، ثم تطور الحصن وأضيف إليه أبراج أخرى ومبان أخرى وساحة داخلية، ولم يسمح بالبناء لأحدٍ بالقرب منه لحمايته من أي عدوان محتمل.
من يشاهد الحصن اليوم يراه شامخاً مهيباً ثم إذا التفت إلى الجهات الأربع حوله سيرى الإنجازات العظيمة التي تسلب الأنظار وتبهر العقول وسيتأكد بأنّه إنجاز عالميٌّ لعاصمتنا الرائعة الفاتنة تحت ظل القيادة الحكيمة للشيوخ من آل نهيان الذين يشهد لهم التاريخ بالحكمة والكرم والشجاعة والرؤية الثاقبة على تعاقب العصور.
رحم الله الشيخ زايد باني دولة الإمارات العربية المتحدة وأخاه الشيخ راشد وجميع الحكام المؤسسين فقد بنوا لنا حصناً منيعاً لا يمكن بإذن الله وفضله أن يُهدم، لقد بنوا اتحاداً عظيماً لدولتنا الحبيبة حفظها الله ورعاها وحفظ رئيس دولتنا المفدى ونائبه.