4,646 عدد المشاهدات
الكاتب : سعد بن عبدالله الحافي – رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني السعودية
يُعدُّ الشعر الشعبي رافداً ومصدراً مهماً في تاريخ الجزيرة العربية خلال فترات زمنية تمتد لألف سنة غاب عنها التوثيق، وبقي الشعر وحده شاهداً نستقي منه معلومة من هنا وهناك، في سبيل تشكيل صورة واضحة الأبعاد تعكس لنا واقع الحياة في الجزيرة العربية خلال تلك الفترات بتنوعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، وفي هذا المقال نستنطق الشعر الذي يثبت البعد التاريخي لمسمى منطقة الظفرة، وأنها مصدر لسلالة الإبل الظبيانية من الهجن العربية الأصيلة بنات الفحل «ظبيان».
إشارة أولى في أبيات من القصيدة البائية:
اختر من الهجن المجاني صلابها
علكوم كوم يطوي الخد راكبه
خرسا اللسان وناحلاتٍ خفوفها
وما جاب منجوب الجناحين جات به
متى حست الساري علا فوق كورها
سرت وما جاب أشقر الريش جات به
على صلب ظبيانٍ طوال ضلوعها
نما من رعى (الظفرة) ولادٍ تلادبه
وحذرا من الهجن المجاني هزالها
ظهرها دبور ومن الازوار شاذبه
وحرونٍ إذا ما غارت الهجن ناخت
ومن سنها (ياء) عن السير تاعبه
فلا فوق غبنٍ في النضا باشهب الفضا
وفي العيد عصر العيد والبيض لاعبه
إشارة ثانية حيث يستمر في النصح إلى أن يرسل منجوباً ويصف راحلته في أبيات أخرى:
فيا راكبٍ من فوق علكوم كورها
خرسا اللسان ومشخص العين قاطبه
حمرا من (الظفرة) طوالٍ ضلوعها
فجٍ نحرها والمحاقيب شايبه
هوى من نوى طي التخاتيخ والسرى
شف المناه وعن قطا الطير نايبه
لها الدار مسرى العيس عن صرف ليلها
و(الكاف) (ياء) من هوى ذاك جايبه
لها الخد يطوى طايعٍ مثل ما طوى
سجلات خطٍ فارغٍ منه كاتبه
صبورٍ على المظماه والآل والقسا
منجوبةٍ وان هابت العيس داربه
على كورها حرٍ تقل باز ناصب
ع شمحوط حيٍ طال بالخال ناجبه
قليل الكرى بدر السرى باز من سرى
شف الورى يشفي حشا قلب نادبه
تلقاه يا (عواد) عجلٍ وقل له
يقول الخلاوي حاضر الراي غايبه
عسى الله رب الكون يرعى ويحفظ
منيعٍ سليل المجد ما ناب نايبه
قل يا تلاد الجود يطري لك النوى
ومتوكلٍ بالله والدرب ضاربه
إلى قلت (باسم الله) من فوق كورها
وسخر لك الرحمن ما كنت راكبه
وسرت النهار وليلةٍ طاب فالها
من فوق خد الشام والعيس طاربه
مستانسٍ في كور سمحه ومنتوي
إلى فتىً احيا لقلبي وفات به
سجها إلى من فات بالحب لبه
وصبٍ صبابات النسا فيه لاعبه
وليفٍ حليفٍ دابه الأن والأسى
وعيناه تهمي ما والدم غالبه
عجها على من لا درى لذة الكرى
مقدار ما يقضي من الكاس شاربه
عسى يالجى اللاجي تودي رسالة
من حي مسلوبٍ إلى حي سالبه
واحظى من الرحمن بالفوز والعطا
من فود من لا خاب يا (عقاب) طالبه
ومثلك دليل ونادر ما يوصى
لكن من شوقٍ شوى القلب لاهبه
وحط الجدي من خلف كتفيك بالسرى
وعيناك ترعى داب لسهيل ناصبه
وحذراك والميلات تكفى شرورها
ولياك تنهر شخص العيس داربه
وارخ الزمام وخل سمحه بنوها
معها الأمين وكايل الما بجانبه
وعين الإله الفرد ترعى لمن رعى
حظٍ لكم ربٍ رعى الكون قاطبه
وان جزت خدٍ للضواري وزادت
فان هاب قلبك ما بسمحه بهايبه
وعرضتها من فوق الاسباع يا فتى
وما جاب ذات الريش يا صاح جايبه
فكن مستريح البال في الحال يا فتى
سمحاك منها كف الاسباب قاضبه
لها في هبوب الريح مسرى وفي القطا
نصيب ومن لا طار بالريش طاربه
فلا ضرها يا صاح ما زار زاير
والليث من سمحاك تخسا غلايبه
فشدد قواك ووثق السيف والعصا
وكفاك يا سرحان للكف زاهبه
وكن ثابت يا من علا فوق كورها
فضرغام غابك عند سمحه هزايبه
إلى الفيت حي الحي والجود والثنا
قبل تراب الحي سبعٍ لصاحبه
وحط الرحل عنها وقلب خفوفها
من حيث ناخت سوح من طاب جانبه
ابن سالمٍ من شرف الله قدره
ومن ساد من يمشي على الخد قاطبه
رفيع الذرا اليقظان في المجد والعلا
ومن شاد بيت العز بالسيف نادبه
وحامي النزيل وجابرٍ كل داخل
ومن كان مضيومٍ من القوم لاذ به
وباسٍ شديدٍ عن ملاقاه يتقى
وبحرٍ به الدانات تغني غناة به
بالخير تاكف في المعالي كفوفه
مارد كفٍ كان مذ كان خايبه
كريم السجايا سامي الطول والعطا
عطا ماجدٍ تغني عطاياه طالبه
فلو ان ما يلقى لمن سال يا فتى
لك الله غالي الروح للناس جاد به
جبلات نفسٍ دابها المد للملا
من يومها طينٍ تلادٍ تلاد به
إن نلتها من فيض يمناه غرفه
فبها غناك بدار دنياك دايبه
فصف حالتك والبس جديدٍ وسلم
ولياك تصغي صوب من جا تخاطبه
واظهر بحال اللي مريح من العنا
تمشي رخي البال والنفس طاربه
صحيحٍ مريح البال في ظل غيره
من كل ما يخشى سوى الله قاطبه
إله البرايا جل ولا عنه جابر
رب الورى سبحان من لا يحاط به
إله السما سبحان من جل شانه
وسبحان من لا له وليّه وصاحبه
نسب الشاعر وعصره
هو أبو محمد راشد الخلاوي العجلاني من ولد عبد الله بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من هوازن، عاش في القرن الثامن الهجري ومطلع القرن التاسع الهجري (720 – 820هـ)، اشتهر بصحبته لمنيع بن سالم أحد أمراء آل مانع من بني عصفور من بني عقيل.
مناسبة الأبيات
هذه الأبيات مجتزأة من القصيدة البائية التي تتجاوز 1000 بيت والمشتهرة بين الرواة والمدونين باسم «الروضة»، وفي هذه الأبيات يركّز راشد الخلاوي على النصيحة وهي إرادة الخير لمن تقدم له النصيحة وهو منيع بن سالم حينما فقد ملكه، حيث نصحه باختيار الزوجة المناسبة وعدد صفاتها ثم نصحه باختيار الصديق المناسب، ومن ضمن النصائح أن يختار الناقة الأصيلة من بنات الفحل «ظبيان» الذي توجد سلالته في منطقة الظفرة ثم في الأبيات الأخرى يرسل نجاباً ويصف ذلوله الحمراء «سمحه» التي هي من نفس السلالة.
دراسة النص
نجد الشاعر ينصح الممدوح الأمير منيع بن سالم بأن يختار من الهجن الأصيلة ناقة شديدة ضخمة السنام تقطع براكبها الصحراء المستوية الخالية، وهذه الناقة لا يسمع لها رغاء بل هي كتوم رشيقة الساقين صغيرة الأخفاف سريعة الجري تأتي بما تأتي به الطيور من السرعة وقطع المسافات في أقل وقت، ومتى ما أحست باعتلاء الراكب على كورها انطلقت به، وتتميز بكبر الصدر ونزوله للأسفل مع ضمور البطن وارتفاعه وهي من سلالة الفحل (ظبيان) الذي عاش ومازالت سلالته تتوالد في منطقة الظفرة منذ القدم، متسلسلاً أباً عن جد «ولادٍ تلاد به» ثم ينصح بالابتعاد عن الإبل غير الأصيلة قصيرة الظهر ليس لها زور ولا تنطلق مع الركائب «حرون» بل تبقى في مكانها عصية على راكبها، وإذا ما وصل عمرها عشر سنوات «في الأبجدي الياء تقابل العدد عشرة» فإنها تصبح عاجزة عن تحمل السفر عليها، ليؤكد الشاعر بأنه ليس هناك أعظم غبناً على الراكب من الذلول السيئة في الصحراء الخالية، وليس أعظم غبناً على الرجل في عصر العيد من رقص النساء الجميلات ذوات البشرة البيضاء.
ثم يعود في إشارة ثانية لهذه السلالة الموجودة في الظفرة عندما يخاطب الشاعر رسولاً سماه «عقاب» يمتطي ناقة كتوم الرغاء عيونها كبيرة بارزة متقدة، وهذه الناقة حمراء اللون أصلها من إبل منطقة الظفرة كبيرة الصدر تمتاز بطول أضلاعها المنحدرة للأسفل عريضة النحر، متسع ما بين يديها تتميز بسرعة الجري فتطوي براكبها الصحراء المستوية كما يطوي الكاتب السجل، وهذه الناقة لديها قدرة على الصبر وتحمل العطش ووعورة الطريق. وعندما تصاب الإبل بالذعر فهي لا تجفل كونها مدربة بعناية، وقد انتصب على كورها شاب كالباز شجاع نجيب ذكي يوصل الرسالة على أكمل وجه ولا يكثر النوم، ثم يخاطب من سماه «عواد» بأنه سيجد هذا الفتى في عجلة من أمره ليبلغه أنَّ الخلاوي يريد منه متى ما قرر السفر وانطلق من مكانه ممتطياً ناقته «سمحه» قاصداً ديار منيع بن سالم، وبعد أن يسير على الصحراء الشامية «شمال الجزيرة العربية» مسير يوم وليلة «نحو 100 كيلومتر» فعليه أن يلوي رقبة ناقته للتوقُّف عند راشد الخلاوي لوقت قصير يقدره بمدة شرب كأس، ليُحمله رسالة محب، ثمَّ يوصي هذا الفتى «عقاب» وإن كان ذكياً فطناً يعرف الطريق ومثله لا يوصى، بأن يضع الجدي خلف كتفه اليسرى، دلالة على اتجاهه نحو «جنوب شرق» وألا يغيب عن نظره نجم سهيل «حتى لا يتمايل شرقاً» ويحذِّره من الميل عن هذا المسار وما يترتَّب عليه من أخطار وشرور، وعليه ألا ينهر ناقته فهي مدربة، بل يرخي زمام الناقة «سمحه»، ويسير في حفظ الله ورعايته وعندما يجتاز الصحراء التي تكثر فيها السباع ويصيبه شيء من الرهبة والخوف، فإنَّ ناقته «سمحه» لن تهاب السباع وإن أغارت عليها ورأيتهم تحتها فاطمئن، فهي سريعة الجري تسابق الطيور ولن تهمها السباع أو تتغلب عليها، فقط عليك أن تستجمع قواك وتقبض بكفك على السيف وبالأخرى على العصا وتكون ثابتاً على الكور مستعداً للدفاع، ثم متى ما وصلت إلى منازل تلك القبيلة الكريمة فقدم الاحترام الواجب لشيخهم منيع بن سالم، وحط رحلك عن الناقة وتفقد أخفافها من الإصابات، ثمَّ أخذ الشاعر يمدح منيع بن سالم ويذكر مناقبه ويمجده إلى آخر الأبيات.
حقائق:
1- الأبيات وثيقة مهمّة في أنَّ أول ذكر لمنطقة الظفرة يعود لأكثر من 600 عام.
2- تمثّل الأبيات وثيقة مهمّة في أنَّ أقدم سلالة للهجن العربية الأصيلة هي من سلالة الفحل (ظبيان) في منطقة الظفرة.
3- تمثل الأبيات وثيقة مهمة عن اسم (سمحة) كأقدم اسم لناقة من إبل الظفرة وصل إلينا.
4- تمثل الأبيات صورة واضحة الأبعاد عن المسافر قديماً وكيف يستدلُّ بالنجوم في اجتياز الصحراء وما يمكن أن يلاقيه من مخاطر في الطريق.
عضو اللجنة الثقافية ورئيس لجنة الأدب الشعبي بمهرجان الجنادرية