3,498 عدد المشاهدات
الكاتبة : كاميلا بانيك – باحثة في الشعر النبطي
يعدُّ كارول شيمانوفسكي أحد أهم المؤلفين الموسيقيين البولنديين في النصف الأول من القرن العشرين، كما يعدُّه النقاد من أكثر الشخصيات أهمية في تاريخ الموسيقا البولونية بعد شوبان.
ولد شيما نوفسكي في السادس من أكتوبر عام 1882م لأسرة من النبلاء، ونشأ في وسط اجتماعي عالي المستوى من حيث الثقافة والتعليم؛ إذ كان والده واسع المعرفة في علوم الرياضيات ومولعاً بالموسيقا، حيث يمكن اعتباره معلم كارول الأول في الموسيقا، إضافة إلى تمتُّع كلِّ أشقائه بمواهبَ فنية؛ فشقيقته «آنا» كانت موهوبة في الفنون التشكيلية، و«زوفيا» ذات موهبة أدبية، أمّا شقيقته «ستانيسلافا» فقد أصبحت مغنية مشهورة، وشقيقه «فيليكس» كان عازفاً ممتازاً على آلة البيانو، في حين أصبح كارول المؤلف الموسيقي الأبرز في زمانه.
إضافة إلى موهبته الموسيقية، فإنَّ كارول لديه اهتمامات أخرى كانت مخفية عن الجمهور، فهو بجانب شهرته كعازف كان أيضاً كاتباً جيداً، وتشمل أعماله نحو مائة من النصوص الصحفية وروايتين وعشرات من المخطوطات الأدبية الصغيرة وكذلك القصائد.
كان أيضاً يكتب النصوص الشعرية للمغنين والتي تكون عادة من ألحانه، وجزء كبير من هذه النصوص متأثر بالأصول العربية، وهذا شيء واضح للباحث في الثقافة، وحتى لأي إنسان من عامة الناس؛ لأنَّ العالم الغربي والعالم الشرقي يختلفان في أكثر من زاوية. وإحدى الوسائل التي من خلالها يمكننا أن نشعر بهذه الفروق هي الموسيقا الكلاسيكية.
يمكننا تقسيم حياة كارول شيمانوفسكي الفنية إلى ثلاث مراحل:
في بداياته استلهم الألحان التقليدية من عالم الرومانسية، ثمَّ انتقل في المرحلة الثانية إلى التقليد الشرقي، وقال إنه شكَّل لغته الموسيقية الخاصة، أمّا المرحلة الثالثة؛ ففي نهاية حياته، تحوَّل شيمانوفسكي إلى الفولكلور الأصلي، حيث رأى مصدراً لا ينضب للابتكار الموسيقي. في الوقت نفسه، استطاع كارول تغيير موضوع الكلمات المستخدمة في الأغاني الغنائية الصوتية وتغيير اللغة الموسيقية أيضاً.
مولد اهتمامه بالشرق
ضجر شيمانوفسكي بأساليب الموسيقا المستخدمة في أوروبا آنذاك. لذلك قرَّر أن يسافر بعيداً، لكي يجد إلهاماً جديداً. كان يسافر عدة مرات إلى الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية حتى اكتشف جمال الأسلوب الشرقي الموجود في ثقافة تلك المناطق. فأثارته الثقافة الشرقية إلى درجة أنَّ اهتمامه أخذ يتحوّل تماماً تجاه العالم الشرقي كله.
الدفاتر العربية
بعد رحلاته إلى الشرق الأوسط والعودة إلى بلده، بدأ يقرأ عن الأشياء التي شاهدها في العالم الأجنبي في الكتب التي درسها، وهو لم يبحث عن الإلهام الفني في تلك الرحلات، ولكن كان هدفه اكتساب معرفة موثقة جيداً حول الحضارة التي رآها كسائح.
من المؤكد أنَّ المصدر الرئيس لمعرفته كان كتاب «حضارة العرب» La civilization des Arabes، لعالِم الاجتماع الفرنسي وعالِم الأنثروبولوجيا غوستاف لوبون Le Bon. تتضمن هذه الملاحظات أيضاً اسم المستشرق الفرنسي لويس سيدو Louis-Amélie Sédillot، مؤلف كتاب تاريخ العرب Histoire générale des Arabes الشامل والمكوّن من مجلدين، وقد تمت ترجمته بالفعل إلى العربية في القرن العشرين، واستُقبِلَ جيداً في البيئات الفكرية العربية.
إضافة إلى الأمرين المذكورين أعلاه، من الممكن أن يُفْتَرَض أنَّ شيمانوفسكي قد يقرأ القرآن بترجمته الفرنسية للمترجم Wojciech Kazimirski، مع مقدمة موسعة مخصَّصة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وتعليقات المترجم.
لم تكن دراسات شيمانوفسكي موجَّهة نحو الموسيقا فحسب، لكن نحو الثقافة العربية بشكل عام. ومعرفة الفلسفة الصوفية لم تكن نقطة رئيسة في مجال اهتماماته الشرقية كما يعتقد بعض الباحثين، فقد لعب كارول دوراً مهماً في التطوُّر الروحي للملحن. وتُعَدُّ الدفاترُ العربيَّةُ التي سجلها من ملاحظاته، مساهمةً مهمّة للغاية في موضوع التأثيرات الشرقية في أعماله.
نتائج فنية لهذا الإلهام
يعتقد بعض الباحثين أنَّ هناك تصوفاً في قطعه الفنية التي أنشأها في تلك الفترة من حياته. الموضوعات تدور حول التصوُّف الديني والرغبات في نصوصه التي تسود هذا الجو من عمله «المؤذن المجنون» و«كينغ روجر». كان يستخدم الغزل للشاعر الإيراني حافظ من القرن الرابع عشر، وخاصة الترجمة الألمانية للقصائد. نتيجة لهذا التأثر كتب الأغاني التالية: عمل مويسيقي 24 للصوت والبيانو والتأليف 26 للصوت والأوركسترا. أنشأ أيضاً في هذه الفترة أعمالاً موسيقية أخرى مثل أقنعة التأليف 34 والأساطير وغيرها.
أمّا الأوبرا المشهورة «كينغ روجر» فأصبحت إحدى أبرز الأوبرات البولندية في الساحة العالمية.
خصائص شرقية
خلال هذه الفترة تغيَّرت أيضاً موسيقاه وتخلَّص من الأجراس، رغم أنه كان متأثراً بالمدرسة الانطباعية، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ درامية أعماله تظهر في مقطوعة «لوحة البيانو». وفي الفترة بين 1914 و1918، ابتكر شيمانوفسكي بالفعل لغته التوافقية الأصلية، التي تتجاوز قواعد النظام الرئيسة البسيطة. لقد أدرك أنَّ الوقت قد حان للتفكير الفكري المتعمّق، فأعاد إنشاء قواعد البناء الموسيقي.
حصلت انطلاقة في عمل شيمانوفسكي نحو عام 1914، تتعلَّق أساساً بوسائل التقنية التركيبية، في حين أنَّ التصميم الجمالي لا يزال وفياً للقواعد الحديثة.
الموضوعات الرمزية
تميَّزت الموضوعات ضمن العمل الموسيقي الواحد؛ فالرمزية في حالة «ميتوب» أو «الأساطير» أو السمفونية رقم (3) في هذه الفترة كانت تدور حول الشرق والعصور القديمة والخيال، ولكن قبل كلِّ شيء حول الرغبات. في الطبقة اللفظية من هذه الأغاني تسود الزخارف الحداثية الشرقية، مثل الرقص المملوء بالبهجة وحفلات الزفاف.
أحبَّ شيمانوفسكي إشارات الرمزية حول الطريقة الروحانية الصوفية والتجربة الداخلية. واستخدم كذلك أعمال جلال الدين الرومي في إنشاء السمفونية رقم (3). على سبيل المثال في الأغنية الخامسة من لحنه العشرين، هناك صورة الحورية التي تمشي مع حجاب من الحرير. وهذه إشارة واضحة إلى الثقافة العربية.
في ذلك الوقت، يقوم الملحن أيضاً بإنشاء الأغاني التي يستخدم فيها نصوص أخته Zofia Szymanowska «أغاني للأميرة الخيالية» للصوت والبيانو للعمل الموسيقي (31) ونصوص Jarosław Iwaszkiewicz «أغاني المؤذن المجنون» للصوت والبيانو التأليف(42)، كانت المؤلفات الشعرية بتكليف من الملحن كارول. ومن الممكن أن نجد خصائص الشعر العربي مثل الأميرات الخياليات في النعال الذهبية، العندليب، الورود، القمر، والأعياد، وتخلق الوسائل الشعرية خلفية زخرفية لتوضيح التجارب الداخلية للموضوع الغنائي.
حب الشرق
يصوِّر شيمانوفسكي روح الشرق من خلال الموسيقا، مستخدماً ألحاناً ذات إيقاعات شرقية عكست طابعها ومزاجها، ومن الصعب تحديد أيِّ جهة من الشرق استفاد شيمانوفسكي في أعماله، لكن من دون أيِّ شك أنَّ كارول أُعْجِبَ بالجو الشرقي وعطوره وبخوره التي لا تزال موجودة في المجتمع البولندي، وخاصة مدينة زاكوباني البولندية، حيث متحف كارول شيمانوفسكي الفنان البولندي الذي فُتِنَ بكلِّ ما يتعلَّق بالثقافة العربية.
توفي شيمانوفسكي في لوزان في 29 آذار 1937، وقد نقل رفاته إلى بولونيا، حيث دُفِنَ في مقبرة العظماء في كراكوف، بينما ظلَّ قلبُه محفوظاً في مستشفى «أوبازدوفسكي» في وارسو، ولكنه احترق أثناء انتفاضة وارسو ضد الألمان النازيين سنة 1944.