3,926 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
سألني أحد الإخوة عن كسوة الكعبة المشرفة وتاريخها؛ إذ كان يظنُّ أنها لم تكن تكسى إلا في القرون المتأخرة فقلت له: الكسوة تاريخها قديم قد يعود إلى بداية وجودها في الأرض، ولكن لم يكن التدوين موجوداً حينئذٍ حتى نعرف كيف كانت تكسى في ذلك الوقت البعيد، ولهذا لم نعرف عن الكسوة إلا ما رواه الصحابة رضوان الله عليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الأخبار التي رويت في بداية العصر الإسلامي وسجّلها المؤرخون. ولهذا سأقسّم حديثي المختصر هذا عن الكسوة إلى عناوين فرعية حتى نتعرّف إلى تاريخها.
معنى الكسوة
الكُسوة بكسر الكاف وضمها: اللباس، ويجمع على كُسا بضم أوله ويقال: كسي فلان واكتسى وكسوته وكسيته.
كسوة الكعبة قبل الإسلام
جاء في حديث رواه الواقدي بسنده عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد الحميري* «تُبّع» وقال: هو أوَّلُ مَن كَسا البيت. وهذا الحديث ضعّفه العلماء بسبب تفرّد الواقدي بروايته لأنه ضعيف لديهم، ولكن يمكن أن نأخذ منه إشارة إلى أنَّ كسوة الكعبة في الجاهلية كانت تأتيها من جهة اليمن.
وفي رواية لصاحب المغازي محمد بن إسحاق يقول: «بلغني عن غير واحد من أهل العلم أنَّ أوَّلَ من كسا الكعبة كِسْوَةً كاملة تُبَّعٌ، وَهُوَ أَسْعَدُ الحميري، أُرِيَ في النوم أنه يكسوها فكساها الأنطاع (الجلود) ثم أُرِي أن يكسوها فكساها الوصايل وهي ثياب حِبَرَة (مخططة) من عَصَب اليمن، وجعل لها بابا يُغْلَقُ».
ومن هذه الرواية يمكننا أن نعرف نوعية الكسوة في تلك الأيام فهي كُسيت ببُسُطٍ من الجلود ثم بثيابٍ مخططةٍ يمنية.
الكسوة تاريخها قديم قد يعود إلى بداية وجودها في الأرض
الكسوة في الإسلام
كسا الكعبة الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته أبوبكر رضي الله عنه، ولما فُتِحَت مصر في عهد عمر كساها بكسوة القَباطي.. ثياب منسوبة إلى القبط ومن بعده الخلفاء، ويقال إنَّ معاوية رضي الله عنه كان يكسوها كسوتين الديباج في عاشوراء، والقَباطي آخر رمضان. والقَباطي جمع قُبطية وهو ثوب أبيض رقيق.
ويقال إنَّ المأمون كان يكسوها ثلاث مرات؛ فيكسوها الديباج الأحمر يوم التروية (8 ذي الحجة)، والقباطي أوَّل رجب، والديباج الأبيض يوم 27 رمضان. ويروى أنه ابتدأ الكسوة بالأبيض سنة 216هـ حين سأل عن أحسن ما يكون في الكعبة فقيل له: الديباج الأبيض.
ومن هذه الروايات كانت كسوة الكعبة بيضاء في عصر الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين فمن كساها بالثياب السوداء؟
أوَّلُ من كسا الكعبة بكسوةٍ سوداءَ هو الناصر العباسي المتوفى سنة (622هـ)؛ فقد كساها أولاً بكسوة خضراء، ثمَّ كسوة سوداء واستمر الأمر على ذلك من ذلك العهد. وفي عام (751هـ) أوقف الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد قلاوون ملك مصر وقفاً خاصاً لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وكسوة داخلية حمراء وكسوة خضراء للحجرة النبوية الشريفة مرة كل خمس سنوات.
يقول ابن الضياء (ت:854): كسوة الكعبة الآن سوداء من حرير، وبطانتها من كتان أبيض، والكسوة الآن طراز مدور بالكعبة بين الطراز إلى الأرض قريب من عشرين ذراعاً، وعرض الطراز ذراعان إلا شيئاً يسيراً، مكتوب في الطراز على جانب وجه الكعبة بعد البسملة: «إنَّ أوَّلَ بيت وضع للناس.. إلى قوله: غني عن العالمين» صدق الله العظيم. وبين الركنين اليمانيين مكتوب بعد البسملة: «جعل الله الكعبة البيت الحرام… إلى قوله: بكل شيء عليم». صدق الله العظيم. وبين الركن اليماني والغربي مكتوب بعد البسملة: «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل..إلى قوله: التواب الرحيم». صدق الله العظيم. وبين الركن الغربي والشامي مكتوب بعد البسملة: كما أمر بعمل هذه الكسوة الشريفة الفقير إلى الله تعالى السلطان قلاوون اسم ملك مصر.
ارتباط الكسوة بالولاء
عمد بعض الأمراء إلى إجبار أشراف مكة على كسوتهم فقط كما فعل الملك قلاوون ملك مصر؛ فقد نقل المقريزي في حوادث 754هـ: «وفي شعبان: حلف الشريف أبو نمي أمير مكة للسلطان وولده بالطاعة لهما، وأنه التزم تعليق الكسوة الواصلة من مصر على الكعبة في كل موسم، وأنه لا يعلق عليها كسوة غيرها» وقد أمره أيضاً بحماية الحجيج ومساعدتهم وتسهيل حجهم.
هذا وقد استلم هذه المهمة من بعدهم العثمانيون، ومن بعدهم محمد علي باشا ملك مصر، ولكن لم تخرج صناعة الكسوة من مصر إلا قليلاً، وكانت كسوة محمد علي خضراء تأتي عن طريق المحمل، كما كان يفعل ملوك مصر الذين سبقوه وتصنع في سوق الجمالين، زرتهم بنفسي، وأخذت عن أبناء الذين كان يعملون في الكسوة قبل أمر الملك عبدالعزيز بن سعود رحمه الله بعمل الكسوة في المملكة السعودية، ولعلي أخصِّص هنا مقالاً آخر عن المحمل الشريف.
افتتاحية مجلة مدارات ونقوش