922 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
عرف العرب مفردة “المجلة” بمعنى الصحيفة أو الكرَّاسة كما جاء في شعر النابغة الذبياني:
مجلتهم ذاتُ الإلهِ ودينهم
قويمٌ فما يرجون غيرَ العواقبِ
ولم يعرفوها بالمعنى الحديث الذي نفهمه اليوم عند سماعنا هذه المفردة. والعجيبُ أنَّ مفردة magzeen عندما تبحثُ عن أصلها في معاجمهم الإنجليزية، فإنَّهم يذكرون أنَّها مفردةٌ فرنسيَّةٌ أصلها من العربية makhāzin بمعنى مخازن جمع مخزن. وعلى هذا، فهذه بضاعتُنا رُدَّت إلينا لكن بشكلٍ آخرَ وجميلٍ، لم يستطعِ العربُ أن يصلوا إليه وهم في عصرهم الذهبي، ونحنُ نشكرُ الغربَ على هذا الاكتشاف المفيد وعلى استخدامهم مفردة عربية.
المجلات منذ نشأتها في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي في ألمانيا وبريطانيا، حملت كثيراً من الأخبار والعلم والصُّور، وحُفِظَ بها ما كان يضيع في القرون التي خَلَت من التدوين اليومي، وكم تمنيتُ لو اكتشف البشرُ الصحفَ والمجلاتِ في العصور الأولى، لكي نستطيعَ الوصول إلى حقيقةِ كثيرٍ من الأخبار التي وصلت إلينا من مؤلفات المؤرِّخين القُدامى؛ وبعضهم منصفٌ وكثيرٌ منهم غيرُ ذلك، وليس هناك من مراجعَ تثبتُ أو تنفي صحة هذه الأخبار إلَّا البحث الحثيث، وقد نصلُ إلى وثائقَ وقد لا نصل .
واليوم بعد كلِّ هذه القرون من النشر المتواصِل، نجدُ أنفسنا أمامَ كمٍّ هائلٍ من المجلات والصُّحف في العالم كلِّه لم يتوقَّف قطارها، بل تزيد قوتها كلَّ يوم، خاصَّة في هذا العصر الرقميِّ الذي لم يعد يعتمد على الصُّحف والمجلات فقط، بل تجاوزها إلى مواقع الإنترنت وحسابات التواصل الاجتماعي وغيرها ممَّا أبدعته الثورة الرقميَّة، التي تزيد كلَّ ثانية آلاف المرَّات على ما كان عليه النشر في الماضي؛ فمثلاً أظهرت البيانات لعام 2016 أنَّ أكثرَ من 54 ألف عملية بحث على موقع غوغل تُجرَى في كلِّ ثانية، ويُرسَل أكثر من مليوني رسالة بريديَّة في كلِّ ثانية، وتُنشَر أكثر من 350 ألف تغريدة على تويتر كلَّ دقيقةٍ، وكلُّ هذا مُخَزَّنٌ في خوادم الشركات الكبيرة من أمثال غوغل وتويتر وفيسبوك وغيرها، ويمكن العودة إليها في أيِّ وقت. ولا أدري ماذا سيكون مصير كلِّ هذه المعلومات بعد مرور قرنٍ من اليوم.
هذه الحسابات صارت تحملُ كلَّ دقيقة، معلوماتٍ أضعافاً مضاعفةً عمَّا كانت تحمله المطبوعات سابقاً خلال زمنٍ طويلٍ، وقد جعلت الثورةُ الرقميَّةُ كلَّ شيءٍ متاحاً للباحثين من غير طباعةِ أوراقٍ تؤثِّر في الطبيعة؛ بل أصبح معدَّلُ انتشارِها اليوميِّ وسهولة وصولها إلى كلِّ أحدٍ في هذه البسيطةِ، أعجوبةً لا مثيلَ لها، ولا ندري كيف سيكون النشر في المستقبل القريب عند اختفاء الطِّباعة الورقيَّة تماماً، كما اختفت المخطوطات والطِّباعة الحجريَّة وطباعة الأفلام التي أدركناها، فأصبحت الحواسيبُ الرقميَّةُ تتعامل مع المطابع مباشرة، وسيأتي يومٌ تختفي فيه هذه المطابع ويبقى النشرُ في العالم الافتراضي
وقد جاءت فكرة مجلة “مدارات ونقوش” لتنطلق من دبي.. إمارة استشراف المستقبل والابتكار والإبداع، تحت قيادة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “رعاه الله” لتواكبَ العصرَ الرقميَّ، وتكونَ مجلةً رقميَّةً منذُ عددها الأوَّل، حتى تصلَ إلى أكبرِ عددٍ من القرَّاء، ويمكن للكتَّابِ من كلِّ مكانٍ المساهمة والنشر المباشر فيها، حيث ستتاح لهم نشرُ مقالاتهم وأبحاثهم، عبر قنواتٍ خاصَّة، بشرط التقيُّد بشروط النشر العالمية. وتتمة للفائدة نقوم بترجمة أهمِّ الأبحاث في كلِّ عددٍ، لكي يستفيدَ منها غيرُ العرب، خاصَّة مِمَّن يعيشون بيننا ولا يعرفون شيئاً عن تاريخنا وتراثنا ولغتنا التي تدور حول هذه المواضيع مجلة “مدارات ونقوش”.
ختاماً، أشكرُ الأساتذة الكرام؛ عبدالغفار حسين، وبلال البدور، وشهاب غانم، وعلي عبيد وغيرهم من الإخوة والأخوات على تشجيعي لنشر هذه المجلة، وأرجو لكم قراءةً ممتعةً ومفيدةً، ولا أريدُ أن أذكِّرَكم بالاحتفاظِ بأعددِاها؛ لأنَّها ستكونُ وثيقةً علميَّةً في المستقبلِ تستفيدُ منها الأجيال. وكلُّ مَن يرغبُ في اقتنائها مطبوعةً، فما عليه إلَّا أن يشتركَ فيها، وستصلُه إلى مكانه حسب الشروط المنشورة، وشكراً لكم.