5,288 عدد المشاهدات
الكاتب: محمد زاهد غول
يُذْكَر في التاريخ الرسمي التركي أنَّ الغزوات الأولى للمسلمين نحو الأناضول بدأت فعليّاً في عهد السلاجقة كما يُدَّعَى، وأنَّ هضبة الأناضول بدأت بالتترك والتحوُّل إلى الإسلام بعد الحروب التي قام بها طغرل بك وتشاغري بك نحو هذه البلاد، وأنَّ معركة ملاذ كرد كانت نقطة تحوُّل فُتِحَت من بعدها أبوابُ الأناضول أمام المسلمين.
لكن المصادر التاريخية الكلاسيكية تخالف هذه الادعاءات وتقول لنا إنَّ الغزوات الأولى للمسلمين نحو الأناضول بدأت قبل قدوم السلاجقة إلى الأناضول بأربعمائة عام، وإنَّ انتشار الإسلام بين الروم والأرمن والسريان والأكراد قد بدأ في عهد العباسيين وازداد انتشاره بين الأتراك.
ذكر المؤرخ أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري أنَّ الصحابي سعد بن عمير هو من نظَّم أوَّل حملة نحو الأناضول، وأنَّ المسلمين قاموا بفتح منطقة أنطاكية وقاموا بإنشاء حي للمسلمين فيها.
وذكر المؤرخ الإسلامي الكبير ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ” أنَّ أول حملة للمسلمين نحو الأناضول كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث تولى قيادتها الصحابي معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، كما ذكر ابن الاثير أنه تمَّ فتح مدن ماردين وأورفه وجزره وديار بكر، وأنَّ بعض سكان هذه المناطق اعتنقوا الدين الإسلامي في تلك الفترة.
وقد ذكرت المؤرخة الفرنسية هيلينا أهرويلر (Helene Ahrweiler) في كتابها “آسيا الصغرى والغزوات العربية” (L’Asia Mineure et les İnvasions Arabes) أنَّ الغزوات العربية نحو الأناضول ازدادت في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، الذي تولى الخلافة بعد وفاة الفاروق عمر بن الخطاب، كما ذكرت أنَّ المسلمين وصلوا إلى قيصري وشوروم، وأنَّ المنطقة شهدت حركة تحوُّل إلى الإسلام بشكل سريع. ومن الأدلة التي استندت إليها أهرويلر في ادعاءاتها هذه ما ورد في الكرونيكات التاريخية البيزنطية عن مساعدة القرويين المسلمين في الأناضول للمقاتلين العرب إبّان حملة حصار إسطنبول التي بدأت في أيام الدولة الأموية.
معارضة عمر بن الخطاب بناء الأسطول
طلب معاوية بن أبي سفيان والي الشام من الخليفة عمر بن الخطاب بناء أسطول بحري من أجل الحملات التي تمَّ تنظيمها ضد البيزنطيين، لكن عمر بن الخطاب عارض بناء الأسطول خشية إضعافه لقوة الجيش الإسلامي. وقد كان هناك سبب آخر لمعارضة عمر بن الخطاب بناء الأسطول؛ ألا وهو تأمين اعتناق الناس بصورة سهلة للإسلام في المناطق التي تمَّ فتحها حديثاً، فقد كانت هناك صعوبات في توطين الناس في الأراضي حديثة الفتح، وكانت هناك حاجة إلى بعض الوقت لكي يتكيَّف أهالي الصحراء مع الحياة المستقرة أيضاً. ثمَّ إنه حتى لو تمَّ تأمين السفن والطواقم، فقد كانت هناك حاجة إلى بناء الموانئ لحماية هذه السفن. وعلى الرغم من ادعاء المؤرخ الألماني “يوليوس ويلهاوزن” (Julius Wellhausen) في كتابه “تاريخ الإسلام” (Geschicte des Islams) أنَّ الخلفاء الأوائل لم تكن لديهم أهداف مثل فتح إسطنبول، فإنَّ أوامر عثمان بن عفان لمعاوية ببناء الأسطول وتوجيهه نحو أوَّل الفتوحات البحرية شرق المتوسط تفند هذه الادعاءات.
وقد تمت الفتوحات في الأناضول في عهد الفاروق على محورين هما: محور هاتاي وأضنة، ومحور ماردين وديار بكر، حيث تمَّ العمل على تركيز الفتوحات بشكل خاص على قلب الأناضول لا شمالها. ثمَّ تغيَّرت سياسة الفتوحات في عهد الخليفة عثمان بعد بناء الأسطول، حيث تمَّ استئناف حركة الفتوحات في الأناضول عبر أنطاليا وملاطية التي تمَّ بناء مركز قيادة للجيوش الإسلامية فيها.
السيطرة على تشوكوروفا دون قتال
دخلت منطقة تشوكوروفا المعروفة بكيليكيا تحت سيطرة العرب المسلمين دون قتال، حيث رأى البطريرك الأرمني ثيودوروس عدم جدوى مقاومة الغزو العربي الإسلامي من الناحية السياسية، وقام بتسليمها للمسلمين بعد أخذ العهد بدفع ضرائب أقل من الضرائب التي كانوا يدفعونها للبيزنطيين. وأصبح الأرمن الذين ساعدوا المسلمين على إزالة الحاميات البيزنطية من المنطقة من رعية العرب المسلمين في الأناضول. وكان المؤرخ الأرمني سيبيوس Serbos)) قد صرح بأنَّ المسلمين أفضل وأكثر احتراماً من البيزنطيين، وأنَّ فترة السلام في الأناضول قد بدأت بقدوم العرب المسلمين إلى هذه البلاد.
قدوم الجيوش الإسلامية العربية الأولى إلى إسطنبول في عصر الخلفاء
ذكر ابن الأثير أنَّ الجيوش الإسلامية فرضت سيطرتها على مناطق أرمينيا وأذربيجان في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وأنَّ فتوحات القوقاز بدأت في تلك الفترة. وعلى الرغم من أنَّ حصار إسطنبول بدأ في عهد الأمويين، فإنَّ المؤرخين السابقين وعلى رأسهم البلاذري قد ذكروا أنَّ معاوية ابن أبي سفيان قد وصل على رأس جيش مسلم يبلغ عدده عشرين ألفاً إلى أسوار إسطنبول بهدف الاستطلاع. وقد وافق المؤرخ الأرمني سيبيوس المؤرخين المسلمين في كتابه “تاريخ هرقل”، حيث ذكر أنَّ الجيوش الإسلامية قد وصلت إلى منطقة قاضي كوي في عهد الخليفة عثمان بن عفان.
صنع المسلمون العرب أول ترسانة في الإسكندرية، والثانية في طرابلس، أمّا في منطقة الأناضول فقد اختاروا مدينة فينيكه لتكون أول مركز للترسانة في هذه المنطقة. وعلى الرغم من أنَّ الوجود الكثيف لأشجار السرو التي تستخدم في صناعة السفن في فينيكه أسهم في تأمين إنشاء الترسانة في هذا المكان، فإنَّ فينيكه قد أصبحت المرفأ الأهم للأسطول الإسلامي العربي، حيث كانت تنطلق منه الحملات المتجهة نحو الأناضول والقوقاز وحوض المتوسط.
وقد استمرَّ الأرمن والسريان والأكراد وغيرهم في الحفاظ على ارتباطهم بالمسلمين، على الرغم من الركود الذي شهدته حركة الفتوحات الإسلامية في الأناضول بسبب الخلافات التي حدثت بين المسلمين في عهد علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه.