3,248 عدد المشاهدات
الكاتب: حسين درويش
بين العام 1958 ويومنا الحاضر مسافة زمنية عمرها 60 عاماً، وهي في عمر حرق المسافات تعدُّ قصيرةً نسبيًّا مذ عرفت دبي الطباعة تلك السنة، وتحوُّلها إلى الطباعة الحديثة التي تنافس أشهر مطابع العالم في وقتنا الراهن.
يذكر الباحث الدكتور حمد بن صراي في صفحة “جذور” المتخصصة التي تصدر كل أسبوع في جريدة البيان:
“في أواخر عقد الخمسينيات بدأت تظهر المطابع التجارية الحديثة، وكانت تقليداً لِما كانت عليه الحال في الكويت. فتأسَّست مطبعة الرضوان في عام 1958 في دبي، وتولَّت طباعة الأعداد الأولى من الجريدة الرسميَّة لحكومة دبي، ثمَّ الأعداد الأولى من مجلّة «أخبار دبي» الأسبوعيَّة عام 1964.
وقامت هذه المطبعة بطباعة الأوراق الرسمية والمطبوعات التجاريَّة للمؤسَّسات والإدارات في «إمارات الساحل» وعدن، وهي بلا شكّ كانت تطبع الكثير من الدفاتر والأوراق المخطوطة والمكتوبة بخطّ اليد أو المطبوعة على الآلات الكاتبة.
وقد حازت دبي قصب السبق في مضمار ولادة المطابع ونشاطها ودورها النوعي في دعم حركة التدوين في المجتمع، فمنذ إنشاء المطبعة الأولى فيها، في عقد الخمسينيات من القرن الفائت، أخذت دبي تؤدي دوراً أساسياً في عملية التدوين والتوثيق في الإمارات؛ إذ أسهم إنشاء هذه المطابع، وبشكل كبير، في حفظ المدوّنات المخطوطة وإبرازها للعلن، علاوة على أنها أنتجت القدرة على إتاحتها للجمهور، وهكذا شاعت بالتالي، ثقافة التدوين المطبوع.
ويضيف ابن صراي: “أسهمت المطبعة العمانية التي أُنْشِئَت في دبي، عقب مطبعة الرضوان الرسمية، في طباعة دليل هاتف دبي لعام 1961، والعدديْن 17 و18 من السنة 12 للنَّشرة الرسميَّة لحكومة دبي.. وغيرها. وتبعتها، في الفترات اللاحقة، مطابع أخرى لعبت دوراً مهماً في نشر الثقافة والتوثيق للأحداث ونشاط حركة الطباعة.”
غير أنَّ العرب في عموم بلدانهم لم يعرفوا الطباعة كمنتج محلي؛ لأنَّ الطباعة كانت حكراً على الغرب الذي يخترع أدوات عصرية ساعدته على الانتقال الحضاري، فقد أكَّد بعض الباحثين أنَّ أول مطبعة كانت تطبع بالأحرف العربية ظهرت في إيطاليا 1514م. بأمر البابا يوليوس الثاني، ويشار إليها باسم “مطبعة الفاتيكان”، وفي عام 1538م بدأت في طباعة كتاب “القواعد العربية” ضمن مجموعة نشرها المستشرق «غويوم بوستيل» في كلية فرنسا عن مبادئ اثنتي عشرة لغة شرقية. ولم تتأخَّر ألمانيا في اللحاق بركب الطباعة بالعربية حيث طبع كتاب “في الألفباء العربية” لمؤلفه يعقوب كريستمان، وهو أول أستاذ للغة العربية في جامعة هايدلبرغ عام 1582م.
وبعد قرابة قرنين أنشأ الأب أثناسيوس الرابع الأنطاكي الحلبي ابن الدباس مطبعة الدباس عام 1702م، وقد جلبها من بوخارست. ويرجح أنَّ الصائغ الحلبي الشماس عبد زاخر قد حفر لها الحروف العربية. وقد طبعت هذه المطبعة بين عامي 1706 و1711م عشرة كتب دينية مسيحية. وفي عام 1721م طبعت كتاب “صخرة الشك”، ثمَّ كتاب “الصرف والنحو” للأب “جرمانوس فرحات” مطران الموارنة في حلب عام 1725.
ويبقى الدخول الأكبر للطباعة في الوطن العربي مربوطاً بحملة نابليون على مصر، حيث أدخل معه المطبعة عام 1798، وخرجت تلك المطبعة مع خروج الفرنسيين أيضاً، وبقيت مصر بعد هذا التاريخ دون مطبعة حتى عام 1819 عندما أمر والي مصر محمد علي باشا بإنشاء مطبعة في مصر، وهي موجودة حتى يومنا هذا ومعروفة باسم المطبعة الأميرية.
إلا أنَّ ظهور المطابع في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية تأخَّر إلى عشرينيات القرن العشرين، حيث ظهرت أول مطبعة في المنامة في عام 1913 على يد الحاج أحمد بن عبدالواحد فلامرزي وشريكه الحاج ميرزا علي جواهري، وكانت تُدْعَى المطبعة الحجرية، وتلاها في عام 1934 ظهور مطبعة أخرى في المنامة بآلات حديثة هي مطبعة البحرين لصاحبها الشاعر والتاجر عبدالله الزايد. وفي وقت متزامن تقريباً ظهرت المطبعة السلفية في مكة المكرمة، وكانت فرعاً من المطبعة السلفية في القاهرة لصاحبها محب الدين الخطيب. أمَّا تاريخ ظهور أول مطبعة في الكويت فيعود إلى عام 1928 على يد عبدالعزيز الرشيد.
وكانت أوائل المؤلفات الخليجية قد خرجت من مطابع إسلامية في مدينتي بومباي وحيدر آباد الهنديتين، اللتين كانتا مقصد الخليجيين للتجارة والترويح والعلاج والتحصيل العلمي وخلافه. حيث طبعت في هذه المطابع، ولاسيما مطبعة عبدالمنعم العدوي والمطبعة الحجازية في بومباي ومطبعة الجامعة العثمانية في حيدر آباد، أوَّل خارطة مطبوعة لمغاصات اللؤلؤ في الخليج في عام 1914، وأوَّل مؤلف عن مغاصات اللؤلؤ للشيخ مانع بن راشد المكتوم بعنوان “خريطة الخليج لمغاصات اللؤلؤ بين السواحل العربية والفارسية” في عام 1939، وأوَّل كتاب عن أوزان اللآلئ وأصنافها لمحمد عطا الله القاضي في عام 1928 تحت عنوان “اللآلئ”. كما طـُبِع في الهند في عام 1913 أوَّلُ كتاب خليجي عن مناسك الحج والعمرة على نفقة محمد بن عبدالله المدفع تحت عنوان “الغرر النصائح، الجالبة لكل قلب عن السبيل جانح، وتشوقه إلى حج بيته؛ إذ منْ أمــَّه فهو الرابح”. وفي بومباي أيضاً تمت طباعة أوَّل كتابين وهما كتاب “عقد الجواهر” في عام 1918، وكتاب “تحفة الناسك” في عام 1925 .
والملاحظ أنَّ ظهور المطابع في الإمارات تأخَّر كثيراً مقارنة بدول الجوار الخليجي. ويعزو الباحث الإماراتي عبدالله الطابور السبب ــ طبقاً لِمَا ورد في كتابه “رسائل الرعيل الأول من روَّاد اليقظة في الإمارات” ــ هذا التأخير إلى تأخُّر دخول الكهرباء إلى الإمارات بسبب وقوعها تحت قبضة الإنجليز الذين لم يهتموا كثيراً بالمرافق الخدمية. وعليه فإنَّ أوَّل مطبعة تأسَّست في الإمارات كانت مطبعة الرضوان التي ظهرت في دبي في عام 1958 على يد الإماراتي محمد عبدالله الرضوان، وشريكه الكويتي رضوان محمد رضوان، وكانت مجهَّزة بعدد من آلات الطباعة اليدوية والميكانيكية، ويعمل بها عدد من العاملين العرب والهنود، وتولَّت طباعة الجريدة الرسمية لإمارة دبي والمستندات الخاصة بالحكومة والبنوك والأعمال التجارية، كما غطَّت احتياجات كافة الإمارات الأخرى.
أمَّا المطبعة الثانية التي ظهرت في الإمارات فقد كانت “المطبعة العمانية” التي أسَّسها السيد هاشم بن السيد رضا الهاشمي في 18 إبريل 1959، وسماها بهذا الاسم نسبة إلى ساحل عمان، وقد اتخذت من بناية التاجر “علي بن مصبح القيزي” في دبي مقراً لها لمدة 14 عاماً قبل أن تنتقل في عام 1973 إلى مقرها الجديد في شارع سكة الخيل شمال مسجد السادة. وكان التاجر القيزي صاحب فضل على هذه المطبعة وصاحبها؛ لأنه لم يكن يتقاضى منها سوى إيجار رمزي وذلك من باب دعم أهدافها النبيلة. وكان أول كتاب تطبعه “ديوان الشاعر بن ظاهر” عام 1963.
ثمَّ أسَّس”يعقوب بن السيد رضا الهاشمي” ثالث مطبعة وطنية في الإمارات؛ ألا وهي “مطبعة الساحل” وكان موقعها على شارع البرقيات القديم في بر ديرة. هذا قبل أن يؤسّس مطابع أخرى في أواخر الستينيات من القرن العشرين مثل “مطبعة دبي” بالاشتراك مع خليفة النابودة، و”مطبعة البلاد” بالاشتراك مع سلطان الحبشي.