1,315 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات – جميرا
نظَّم مركز جمال بن حويرب للدراسات جولة في آثار جميرا وتفقُّد موقعها الأثري، حيث زار مجموعة من المهندسين والمعماريين والمثقفين منطقة أثرية في جميرا مسيجة بالأسوار، وتنتشر فيها بقايا مبانٍ موزّعة هنا وهناك؛ بين مسجد وبيوت وخان «فندق» وسوق وبيت الحاكم وغيرها من بقايا مبانٍ كان الأسلاف يستخدمونها آنذاك، أي في فترة تعود إلى العصر العباسي حين ازدهرت المدن وامتدت رقعتها بفعل نموِّ الحضارة العربية الإسلامية إلى جميع الأمصار.
وقال جمال بن حويرب، لقد حرصنا في هذه الجولة على إشراك نخبة من المؤرخين والمعماريين والمهندسين والآثاريين أبرزهم: الأستاذ بلال البدور، المهندس عيسى الميدور، السيد سالم الموسى، المهندس فيصل القرق، الدكتور جمال المهيري، السيد عبدالله المطيري، الأستاذ علي عبيد، والأستاذ عمر الديسي وبعض المهتمين.
وقد أسهمت هيئة الطرق بدبي بتقديم حافلة لنقل المشاركين إلى الموقع الآثاري. وقدَّم الدكتور حسين قنديل، خبير الآثار في دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي، شرحاً وافياً حول اكتشاف هذه البقعة التاريخية التي يُعتقد أنها تمتد إلى البحر، باعتبارها محطة تجارية تربط عدداً من البلدان المجاورة آنذاك.
ويعدُّ موقع جميرا الأثري من المواقع الإسلامية المهمّة المكتشفة ليس في دولة الإمارات فقط، بل في منطقة الخليج العربي بأسره. ويعكس الموقعُ الفنَّ المعماريَّ الإسلاميَّ الذي كان سائداً خلال العصر العباسي بمختلف أشكاله وعناصره من خلال الأقواس والزخارف الهندسية الشرقية التي تُزَيِّنُ الواجهات والنوافذ والجدران، إضافة إلى تلك المكتشفات، هنالك الأبراج الدائرية ونصف الدائرية التي تعزِّز قوة البناء وتضفي عليه رونقاً وجمالاً. وتعكس هذه الإبداعات الفنية حالة الترف والثراء التي كان يعيشها أهل تلك المنطقة في ذلك الوقت.
الميناء البحري
يرجع تاريخ موقع جميرا الأثري إلى حقبة العصر العباسي، أحد العهود الإسلامية الأولى «القرنين التاسع والعاشر من الميلاد». ويتجسَّد موقعه الاستراتيجي بمحاذاة الشاطئ الشرقي للخليج العربي، ويقع على بعد 15 كليومتراً جنوب غرب إمارة دبي، ويغطي مساحة 80 ألف متراً مربعاً، فيما يرتفع بمعدل 4 أمتار عن مستوى سطح البحر.
وقد أسهم موقعه الجغرافي الفريد في تطوُّره ليصبح ميناءً بحرياً رئيساً ومهماً، إضافة إلى اعتباره محطة للقوافل التجارية. كما لعب موقعه على الطريق التجاري الذي يربط بين عمان وبلاد الرافدين دوراً كبيراً في تعزيز مكانته في مختلف المجالات، وخاصة التجارية والاقتصادية والعمرانية.
اجتمع في هذه الرحلة التاريخية القصيرة نخبة من ذوي الاختصاص والعلاقة بالآثار والمعمار والتجارة، من أجل جمع الخيوط النظرية والعملية المحتملة لما كانت عليه الحياة في هذا المكان الأثري من وجهات نظر مختلفة، ومن زوايا عدة ألقت الضوء على العصر الذي عاشته هذه المنطقة الحافلة بالتجارة والحياة الاجتماعية والاقتصادية.
ندوة تعريفية
وبعد انتهاء الجولة، انعقدت ندوة حول آثار جميرا في مركز جمال بن حويرب للدراسات الكائن في جميرا، حيث قدَّم بن حويرب المشاركين في الندوة التي أعقبت الجولة الاستكشافية لموقع جميرا الآثاري، كما قدَّم الشكر إلى هيئة السياحة، وأكَّد قائلاً: «لقد ضمَّ الوفد الزائر لهذا الموقع الآثاري مجموعة من المؤرخين والمعماريين والمهندسين والآثاريين؛ فاجتمعت المعلومات وتقاطعت مع مختلف الاختصاصات لتقديم رؤية متكاملة لما يمكن أن تكون عليه تفاصيل الحياة آنذاك. وللأسف الشديد، تعرَّض هذا الموقع لعمليات النهب على مرِّ السنين، حيث اختفى منه كثيرٌ من اللقى والمقتنيات والكنوز التاريخية التي كانت دليلاً على حياة زاخرة في المنطقة. وممّا زاد في بعثرة تلك الموجودات توزيع الأراضي التي اقتطعت من هذه المنطقة التاريخية بأجزاء كثيرة».
التنقيبات لم تكتمل
تحدَّث الآثاري الدكتور حسين قنديل قائلاً: تحوي المنطقة بقايا معمارية أُسُسُها غيرُ مكتملة البناء، وتمَّ اكتشاف الموقع في عام 1969 من قِبَل دميتري برامكي، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت. وقد بقي في هذا المكان لمدة أسبوعين، اكتشف خلالها ثلاثة مبانٍ رئيسة؛ بيت الحاكم، والسوق والخان، وأرَّخ للقرن الخامس وبداية القرن السادس. ومن خلال هذا التحديد، تمكّن من تلمُّس الملامح المعمارية لهذا الموقع.
ويتكوَّن البناء من الحجر البحري والحجر الكلسي، وهو مطلي من الداخل والخارج بطبقة من الجص. وتحتوي الجدران على الزخارف الهندسية، وزخارف نصف دائرية. والفخار الذي تمَّ العثور عليه هو من الفخار المزجج، والقطع النقدية الإسلامية وبعض العينات الفحمية تحت الأساسات، وعندما أرسلناها إلى التحليل وجدناها متطابقة مع النقود الموجودة في العصر العباسي، ولكن الدكتور دميتري ظنَّ أنَّها ساسانية؛ لأنَّ العباسيين في ذلك الوقت كانوا قد تأثروا بالفن الساساني.
هذا وقد وصلت القطع النقدية والكتابات العربية والزجاج الإسلامي والجرار الفخارية من 40 إلى 50 قطعة. وتكوِّن المباني جميعها محطة تجارية تربط بين العراق وعمان.
وقد بدأت الحفريات ثانية في عام 1990، وقمنا بالخطة الأولى في تنظيف المباني وصيانتها، لكننا فوجئنا بأنَّ بعض المباني لم تُنقَّب بشكل كامل، بل تمَّ كشط الطبقة السطحية منها، حيث كان نصف الجدران مطموراً في التراب، ووصلت تنقيباتنا إلى الماء المالح الموجود تحت الأرض.
مساهمات عراقية
وقامت البعثة العراقية بالاستكشافات، وتمَّ نشر الأبحاث في مجلة «سومر» من قِبَل الآثاريَيْن صباح جاسم ومنير طه. وأضاف الدكتور حسين قنديل: «إنَّ موقع جميرا يحتاج إلى حفريات وتنقيبات مستمرة، حيث تمَّ العثور على مبانٍ مدفونة تحت الأرض بعد عمليات التنقيب والحفر التي قاموا بها.
وبعض الأساسات لا يزال قائماً، حيث تمَّ اكتشاف حفر مملوءة بالرماد تحت هذه الأساسات. كانت جميرا أكبر من المنطقة الحالية، وهي عبارة عن مدينة متكاملة لم يبقَ منها إلا الحي التجاري والحي الصناعي؛ بسبب وجود كثير من الحفر المملوءة بالرماد، وتمَّ العثور أيضاً على برادات الحديد، ما يدلُّ على كونها منطقة صناعية.
خارطة مائية
ثمَّ تحدَّث عبد الغفار حسين، باعتباره مؤرخاً ومعاصراً لهذا الاكتشاف قائلاً: إنَّ الفضل في اكتشاف هذا الموقع يعود إلى عالِم الآثار ديمتري برامكي، كما ذكر الدكتور حسين قنديل، عندما قامت دائرة المياه بدفن مواسير المياه واكتشفت هناك مبانيَ مدفونةً تحت الأرض.
وتمَّ نقل تلك المعلومة إلى الشيوخ؛ واقترح المعتمد البريطاني «كريك»، وهو رجل مثقف وعاشق للآثار، استدعاء متخصصين آثاريين للقيام بعمليات الحفر والتنقيب.
وبسبب معرفة «كريك» بلبنان؛ لأنه درس فيه اللغة العربية، تمَّ استدعاء الآثاري دميتري برامكي؛ فاكتشف مبنى كان يسكنه أحد الولاة الأمويين، وربما تكون أنقاض هذه المباني قد تعرَّضت لعمليات التجديد والترميم.
وفي الحقيقة، إنَّ المباني، حسب وجهة نظري الشخصية، لا تختلف كثيراً عن البيوت العربية؛ لأنها تتحلى بالطراز المعماري ذاته، وهي عبارة عن حوش كبير تحيط به الحُجَرات والمجلس، ويمكن مقارنة المباني الموجودة في جميرا الأثرية بصورة الفهيدي والبيوت الموجودة حول هذا الحصن التاريخي الذي يعود إلى عام 1819. وهذه المباني هي ذاتها الموجودة في حصن الفهيدي وبيت الحاكم.
والمباني كانت من غير أساسات عميقة؛ لأنَّ البناء لم يكن فيه طوابق، كما لم تكن البلاد تعرف الزلازل، ولديَّ رسالة كتبها ديمتري برامكي إلى المعتمد البريطاني يقول فيها: «سألني أحد الحاضرين، وكان يقصدني والظاهر أنه نسي اسمي».
وقد دعا جميع المشاركين في هذه الزيارة التاريخية إلى اشتراك المؤرخين والمهندسين وخبراء الآثار، لإعادة هذه المنطقة إلى الحياة عن طريق تصميم المدينة من جديد عن طريق البرامج الحديثة، وإخراج أفلام وثائقية عنها باستخدام الجرافيك للوصول إلى تصوُّر كامل عن الحياة فيها في تلك الحقبة، حيث يعتقد بأنه كان يقطن هذه المنطقة عدة آلاف من الناس.
بقايا الأبنية المهمة
يُعدُّ السوقُ من المباني المهمّة في موقع جميرا الأثري باعتباره دليلاً واضحاً وقوياً على مدى تطوُّر نمط الحياة وتقدُّمها، إضافة إلى ازدهار النشاط التجاري في ذلك الوقت. ويتكوَّن السوق من دكاكين صغيرة الحجم توجد أمام كلِّ واحدة منها مصطبة لعرض البضائع، أمّا المخزن فهو ملحق بأحد المباني الموجودة.
كشفت الحفريات التي يقوم بها حالياً فريق أثري محلي تابع لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي عن وجود مبنى مربع الشكل بمساحة من الأرض تبلغ 49 متراً مربعاً، ويتكوَّن من غرفتين، تطلان على الجانب الغربي «القبلة» باتجاه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
كما تمَّ العثور على محراب في جدار القبلة، إضافة إلى ذلك تمَّ العثور على بعض النقوش والكتابات التي تحتوي على بعض الكلمات مثل «النبي محمد». ويقع المبنى بين السوق والمبنى السكني رقم (3). ويُتَوَقَّع، بعد الانتهاء من الحفريات المستمرة الآن، الإعلانُ عن مكتشفات أثرية جديدة في موقع جميرا الأثري.
يختلف تخطيط هذا المبنى عن غيره من المباني الأخرى، من حيث اختلاف وجهة استعماله إذا ما سلَّمنا بأنه عبارة عن استراحة للمسافرين، أو خان تبيت فيه القوافل التجارية.
ويُعدُّ أضخم المباني في موقع جميرا الأثري. وهو مستطيل الشكل يغطي مساحة من الأرض تبلغ ألف متر مربع تتوسَّطه ساحة كبيرة مكشوفة ومحاطة بعدد من الغرف، وللمبنى مدخلان رئيسان في الجهة الشرقية والغربية.
تاريخ الاكتشاف
تمَّ اكتشاف موقع جميرا الأثري لأول مرة في عام 1969 وذلك بفضل جهود فريق آثاري تابع للجامعة الأمريكية في بيروت. بعد ذلك تمكَّن فريق آثاري عراقي في عام 1974 من اكتشاف حفريات مهمّة مماثلة في بعض المباني الأثرية والمصنوعات اليدوية المختلفة.
وتواصلت عمليات التنقيب والحفريات الأثرية عام 1993 في موقع جميرا، وقام بها فريق آثاري محلي تابع لدائرة السياحة والترويج التجاري في دبي، وقد أسفرت عن اكتشاف مبانٍ أثرية ومصنوعات يدوية جديدة.
مواد البناء
باستثناء المسجد، تتميَّز معظم مباني الموقع بشكلها المستطيل والصغير، وغرفها المستطيلة أيضاً. وتنفرد المباني السكنية بشكل خاص بوجود ساحات مكشوفة مزودة بالأفران، تلك الساحات محاطة بجدران مُشيَّدة بالحجارة، وكانت تُسْتَعْمَلُ في القيام بأنشطة الحياة اليومية مثل الطهي والطحن.
وتبلغ سماكة الجدران نحو 40 سنتيمتراً، ومُشيَّدة بأحجام مختلفة من الحجارة الرملية مثبّتة مع بعضها بمادة الجبس، ومكسوَّة من الداخل والخارج بطبقة جصية تساعد على حمايتها من العوامل الطبيعية المختلفة.