1,690 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات
استهل مركز جمال بن حويرب للدراسات موسمه الثقافي الجديد 2018 – 2019 بجلسة، نظمت مساء أمس الأحد (2 سبتمبر) بعنوان ذاكرة القصيدة المغناة في الإمارات ألقاها الكاتب والباحث مؤيد الشيباني، أكد فيها الخصائص الفنية لهذه القصيدة، والتي احتفظت بأصالتها من خلال مجموعة من العناصر، كما حافظت على اللهجة المحلية، وتميزت بقوة المفردة وقدمت سيرة للمكان، الذي كانت بمثابة حنجرة له.
حضر الجلسة سعادة جمال بن حويرب، رئيس المركز، والشاعر شهاب غانم، والإعلامي عمر غباش، والمهندس رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني في الإمارات، والباحث راشد بن هاشم، والدكتور طلال الجنيبي، والشاعر السعودي سعيد ناصر الحمالي، ولفيف من المثقفين والإعلاميين.
بدأت الجلسة بكلمة لرئيس المركز سعادة جمال بن حويب، الذي رحب بالمحاضر والحضور، وقدم معلومات عن تزايد زوار المنصة الرقمية للمركز، حيث بلغ عدد زوار الموقع الإلكتروني للمركز أكثر من 65 ألف متصفح، ما يدل على أن هناك إقبال، وهذا شيء جيد لوصول الرسالة الثقافية التي نهدف لها، وقال إن المركز يتابع جلساته وندواته العلمية في التراث والتاريخ والأدب، ويشرفنا أن نستضيف اليوم الباحث العراقي مؤيد الشيباني، والمقيم في الإمارات، لكن نعده إماراتياً لإسهامه الكبير في بحوث التراث الشعبي فهو باحث عن الكلمة المغناة في الشعر الإماراتي الشعبي، فمؤيد الشيباني شاعر وإعلامي من العراق أقام في الكويت منذ سنة 1979 ثم انتقل إلى أثينا، وبعد ذلك جاء إلى دولة الإمارات منذ سنة 1986، ويقيم فيها منذ ذلك الحين، ونسعد به إلى ماشاء الله، وأضاف بن حويرب في سيرة الشيباني إنه أصدر عام 1982 مجموعة شعرية هي (اختيارات ابن الورد)، وفي عام 1989 أصدر مجموعته الشعرية الثانية (هذا هو الساحل أين البحر؟)، وفي العام 2002 أصدر مجموعة (لم يعد ما نسميه)، وفي 2006 أصدر مجموعة شعرية بعنوان (أغاني العابر) وأصدر مجموعة شعرية 2008 بعنوان (لاتسأل كم بقي من الوقت).
جمال بن حويرب يكرم الباحث مؤيد الشيباني بدرع المركز
له دراسات نقدية ومكانية عديدة منها: أصوات في الشعر والفن والحياة، والجزء الثاني منها بعنوان: أوتار..مقاربات القصيدة والأغنية والمكان . إضافة إلى نص مسرحي وعناوين أخرى في البيئة الإماراتية ونصوص الأغنية المحلية، كما له دراسات عديدة في التراث الخليجي.
عمل في مجلة «اليقظة» الكويتية في المجال الثقافي ثم سكرتيراً لتحرير المجلة، وانتقل منها إلى جريدة «الوطن» الكويتية، وفي اليونان أقاما عاماً عمل خلاله مراسلاً للعديد من الصحف العربية، وفي الإمارات عمل في إذاعة وتلفزيون دبي، ثم انتقل إلى صحيفة «البيان»، ومنها إلى جريدة «الخليج»، ومنها أسهما في تأسيس مركز راديو وتلفزيون العرب في دبي، وله العديد من الأفلام الوثائقية التلفزيونية.
منوها إلى أن ما يميز المتن البحثي لمؤيد الشيباني كونه اشتغل على موضوعات لم يشتغل عليه أحد، ولم يهتم به كثير من الباحثين، وهي من صميم الموروث، فأصدر كتاب «راشد الخضر قصيدة اللهجة ورموزها المكانية» والكتاب الثاني «حمد خليفة بوشهاب الموقف والشعر والتوثيق»، أما الكتاب الثالث «أحمد الكندي سيرة المكان وقصة القصيدة»، وغيرهم من كبار الأسماء في القصيدة الإماراتية.
جمال بن حويرب ومؤيد الشيباني وعمر غباش وشهاب غانم ورشاد بوخش وطلال الجنيبي وسعيد الحمالي وخليل البري
حنجرة المكان
البااحث مؤيد الشيباني بدأ بالتعبير عن سعادته بالحضور في هذا المكان وبين هذا الجمع الثقافي، وهذه الدعوة الكريمة من الأستاذ جمال بن حويرب الذي عرفته عن قرب في مجالات البحث والأدب ومن خلال الحضور الثقافي والإعلامي، مبينا أنه كلما أطل في جلسات للحديث عن موضوع القصيدة المغناة في الإمارات يجد خيطاً مختلفاً عن الآخر، فمن الصعب أن نفهم ماهي الأغنية ولماذا القصيدة المغناة بالذات، أمام هذا الكم الهائل من الأجناس الأدبية والفنية، مجيباً أن حضورها الرائع يتمثل في كونها حنجرة المكان وتاريخه وحنينه وصداه وشوقه ووجدانه، وهذا ما عبرت عنه القصيدة الإماراتية المغناة، التي تنفرد بالعديد من الخصائص الجوهرية، تميزها عن غيرها، شكلت إضافة نوعية لما هو متعارف عليه في بعض بلدان العالم، ففي الإمارات وجدت للأغنية خصائص، ومن هذه الخصائص أن كتاب نصوصها من قادة البلاد وأعيانها وعلماؤها وشيوخها ومؤسسو نهضتها ونساؤها الفاضلات فكانت متميزة بذلك، فهؤلاء هم من كتبوا الأغنية الإماراتية، واتكأت على نصوصهم أصوات المطربين، فكانت متميزة في ذلك.
وأكد أنه لم يسبقه أحد إلى العمل في هذا الجانب المتخصص من التراث، مبيناً أن هذا الجانب من الشغل الاجتماعي والفني والثقافي يكتسب أهمية كبيرة في مجال البحث لما يقدمه من معطيات، وأشار إلى أنه في سنة 1932 أقيم مؤتمر للموسيقى العربية في القاهرة، وكان بحضور عشرات الفرق الموسيقية والأصوات الفردية، قدموا ألوانهم الفنية ونصوصهم ومضامينهم، بقيت فرنسا تحاول الحصول على التسجيلات الصوتية لهذا الحدث سنوات طوال حتى سنة 1985 حتى أعلنت عن فرحها وقالت إننا اليوم حصلنا بأموال طائلة على هذه التسجيلات، وكانت لصالح معهد فرنسي اسمه معهد الصوت والحركة، وأقاموا ندوات ومحاضرات للإعلان عن هذا الإنجاز والنجاح في الحصول على هذه التسجيلات النادرة.
وأستطرد الشيباني أن الأغنية ليست نزهة أو موضوع عابر، فهي ابنة البيئة والمكان وابنة المياه الإقليمية، ابنة النكهة المحلية، هي جواز السفر الآخر، ويتذكر الشيباني أنه بعد غزو العراق للكويت كتب الشيخ فاهم القاسمي مقالاً في «جريدة الخليج» تحت عنوان «لماذا يا عمي يا بياع الورد»، وهي عنوان أغنية لخضيري أبو عزيز، ونلاحظ الأغنية حضرت في هذا الموقف الجلل، بمعنى أنني حين أسمع «أنت عمري» لأم كلثوم أتذكر أن مصر كلها سهرت يومها ولم تنم، ما يؤكد قوة الأغنية في الحضور الاجتماعي.
مضامين الأغنية
وبين الشيباني أن اهتمامه أكثر مرتبط بمضامين الأغنية، ومن خلال دراسة مضامين الأغنية الإماراتية تأتي منذ نحو 300 سنة، أي أن ميحد حمد اختار للماجدي بن ظاهر، مثل قصيدة «يقول الماجدي أبيات شعر.. » التي غناها، كما أن جابر جاسم استحضر قصائد منذ عام 1919 قدمت حياة سعيد بن عتيق االهاملي وأختار له أكثر من 7 قصائد، وكذلك علي بن روغة، وعندما حضرت لهجة تلك الفترة إلى اليوم أتخيل كيف أن الأغنية الإماراتية، بعيداً عن التسويق والاستهلاك والعابر كانت مؤثرة وقوية وحافظت على اللهجة المحلية.
كما أن النصوص التي قدمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بلغت حوالي 93 قصيدة، غناها أكثر من 300 صوت مكرر ومعاد، من تونس إلى السعودية، من الإمارات إلى العراق بأصوات متعددة وأجيال متعددة، وهي تحمل مضامين مهمة، كما انتقلت إلى منطقة الأغنية الكثير من المضامين التراثية كالقنص والفروسية، كما تغنى عشرات المطربين بأشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كما لم تكن المرأة غائبة عن الإسهام الشعري في الأغنية الإماراتية، حيث تعددت الأصوات مثل عوشة السويدي، «فتاة العرب»، وهذا اللقب أطلقه عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وقبلها بقرون كانت الشاعرة بنت الماجدي بن ظاهر «فتاة الحي»، فالساحة الإماراتية لم تعرف ساحة عربية مثلها وجود كم كبير من الشاعرات اللاتي غنيت قصائدهن، حيث وصلت إلى أكثر من 40 قصيدة مغناة، ودعم القيادة كان له دور كبير في دعم هذا الزخم الثقافي والتراثي.
كما تميزت القصيدة الإماراتية المغناة بقوة المفردة، وحملت ذاكرتها مخزوناً من المضامين الإنسانية والثقافية قدمت سيرة للمكان جمعت بين البيئتين البحرية والصحراوية.
فهناك أصوات مختلفة وألحان مختلفة، وكانت نهاية الستينيات، بداية لتشجيع الحراك الفني، حيث كانت حفلة جابر جاسم سنة 1967 أمام الشيخ زايد في قصر الحصن بمناسبة عيد الجلوس، وقد رافق زايد الشعراء في رحلات القنص ومنهم أحمد الكندي، القادم من عمق اليتم والبداوة في ليوا والمقبل على الحياة والمعرفة، فتميزت نصوصه بالبساطة والنبض الإنساني، ومن أبرز نصوصه المعروفة «سيدي يا سيد ساداتي» التي تغنى بها جابر جاسم وكانت أغنية المفاجأة في افتتاح كأس الخليج لكرة القدم في الكويت 1975.
وقدم الشيباني نماذج مختلفة من العديد من الأشعار المغناة وفرادة القصيدة الإماراتية على مستوى الأغنية في توثيق وتأريخ شيق للنص والموسيقى، مبيناً أن جمع أكثر من 5 آلاف نص مغنى، وكانت أول قصيدة مغناة للشاعر الذي رحل في وهو ابن 24 سنة عام 1948 المرحوم ماجد علي النعيمي وغناها حارب حسن، وهي «يا حبيب القلب عذبت الحشا» وكان ذلك سنة 1952.
موروث
وتناول الكلام سعادة جمال بين حويرب الذي بين أن علاقة الشعر بالغناء قديمة قدم الحداء، حيث كان البدو يغنون لإبلهم، كما كان الشعر قديماً مغنى، وماتزال بعض عناصر الموروث تحتفظ بذلك كفن «الونة» وغيره من ألوان التراث المهمة، التي يجب أن توثق حتى لا تضيع وتذهب أدراج الرياح، وهي مسؤولية تقع على الباحثين، ومنهم مؤيد الشيباني، بعد ذلك فتح الباب للنقاش، حيث تساءل الشاعر شهاب غانم عن الفروق بين القصائد، وما يجعل قصيدة تغنى دون أخرى، ودور الموسيقى الداخلية للنص في ذلك، وتحدث الإعلامي عمر غباش عن دور الثقافة في الحفاظ على الموروث، في ظل إشكالات العزوف عنها من الأجيال الجديدة، وأثار الشاعر السعودي سعيد الحمالي قضية جدلية تطرق فيها إلى العمق الثقافي والجغرافي الذي يفرض هيمنته على النصوص، وسيطرة الشعر العمودي دون غيره، مبينا أن ازدهار القصيدة المغناة مرتبط بالرفاه، كما نلحظ في العصر الأندلسي، وأوضح أن ما يميز القصيدة الإماراتية هو البعد عن الإسفاف، والانزلاق عن المعنى.
وتحدث الدكتور الشاعر طلال الجنيبي الذي بين أن الانفتاح الثقافي والإنساني هو الذي خلق هذا الازدهار أمام كل التجارب الإنسانية، مبينا دور الإيقاع في الشعر في إبرازها وحضورها في الأغنية.
وفي ختام الأمسية شكر سعادة جمال بن حويرب الحضور، ومنح المحاضر درع المركز والتقطت بعض الصور الجماعية، يشار إلى أن الموسم الثقافي لمركز جمال بن حويرب للدراسات 2018 – 2019 يحفل بالعديد من الأنشطة والفعاليات، من ضمنها جلسات متخصصة، ستبحث قضايا تاريخية وتراثية وأدبية يشارك فيها نخبة من المحاضرين المتخصصين في الشأن الثقافي الإماراتي والخليجي والعربي.