متاحف العالم: عين التاريخ ونافذة الحاضر للماضي

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكتاب مجلة مدارات ونقوش - العدد 3

 2,690 عدد المشاهدات

إعداد: الدكتورة مريم أحمد قدوري

تعدُّ المتاﺣﻒ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻷﻣﻢ ﻭﻧﺎﻓﺬﺓ الحاضر ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻛﺎﻥ المتحف في ﻣﺮﺍﺣﻠﻪ الأولى ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ  ﻟﻠﺤﺎﺟﺔ إلى اقتناء  مجموعات ﺃﻇﻬﺮﻫﺎ  ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ حماس الجامعين لها، وقد أصبح الاهتمام بها من ﺃﺳﺎﺳﻴﺎﺕ ﺃﻱ مجتمع ﻗﺎﺋﻢ، لما تمثله ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺫﻟﻚ المجتمع ﻭﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ الفني ﻟﺪﻳﻬﻢ. ﻓﻬﻲ ﺗﺼﻞ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ الحاضرة ﻭﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، وﺗﻌﺪُّ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ الحديثة ﻷﻱ مجتمع ﻧﺎﻫﺾ.

ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺘﺤﻒ ذات ﺃﺻﻞ يوناني وتعني ﺳﻴﺪ الجبل ﺃﻭ ﺍﻣﺮﺃﺓ  ﺟﺒﻠﻴﺔ، ﻭﻛﻠﻤﺔ ﻣﺘﺤﻒ في ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍلإﳒﻠﻴﺰﻳﺔ Museum ﻭﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ Museum ﻭفي الألمانية Museum، ﻭﻟﻘﺪ عرف المجلس الدولي للمتاحف “Icom” مصطلح Museum بأنه ﻣﺆﺳَّﺴﺔ تقام ﺑﺸﻜﻞ ﺩﺍﺋﻢ ﺑﻐﺮﺽ الحفظ والدراسة والتسامي بمختلف الوسائل، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﺧﺺ عرض مجموعات ﻓﻨﻴﺔ أو تاريخية ﺃﻭ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻠﻰ الجمهور، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ تحقيق المتعة ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ. وبالتالي فهو ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ المخصصة ﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﺘﺤﻒ ﻭالمواد ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﺃﻭ الحضارية ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ  ﺃﻭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ تعدُّ ﺭﻭﺡ المتحف، ﻭﻫﻲ التي تجذب ﺍﻟﺰﺍﺋﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭتجعله ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ بالمشاهد، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺟﻴﺪﺓ ﻭﻣﺪﺭﻭﺳﺔ، أثمرت ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ الهدف المنشود ﻣﻨﻬﺎ، ﻭأثمرت أيضاً ﻋﻦ ﺫﻭﻕ فني ﺳﻠﻴﻢ.

وعرفت المتاحف بأنها منشأة علمية تهدف إلى حفظ وعرض وصيانة القطع الثمينة والإرث الفني والعلمي والآثار. ولدراسة نشأة المتاحف، نجد أنها قد أُنْشِئَت من قديم الأزل، حيث أراد الإنسان البدائي الاحتفاظ بأغراضه الثمينة ومقتنايته الخاصة، فأخد يجمعها في أماكن خاصة، وكانت تلك القطع تمثّل له واقعاً معيناً يعتز ويفتخر بها، ثمَّ أخذ في تأملها بغية الوصول إلى مفهوم أعمق حول المحيط الذي تعيش فيه.

ويعدُّ المصريون القدامى هم أول من اهتم بالمتاحف، ولم تكن بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، بل كانت نوعاً من أنواع المعابد، ولم يكن إنسان العصور القديمة الرومانية واليونانية يسعى إلى جمع المقتنيات المختلفة كالتماثيل والرسومات والمخطوطات في مكان واحد، لعرضها على الناس حتى يتمتعوا بتذوقها فنيًّا وجماليًّا، فقد كانت كل تلك الفنون معروضة في الميادين والمعابد والأسواق والحدائق والقصور، وبالتالي لم تكن هناك ضرورة لبناء متحف بالمعنى والمفهوم الحديث.

وكانت المعابد على وجه الخصوص تقوم إلى حد كبير بدور المتحف الآن، فهي تضم التماثيل والنقوش والرسوم التي تصور مهام الملوك الدينية اليومية وتسجيل المعارك والأحداث المهمة. وكان أول وأشهر متحف في العصور القديمة الذي أسسه بطليموس سوتير الأول بمدينة الإسكندرية سنة 290 ق.م، وهو عبارة عن مؤسَّسة بحثية علمية في المقام الأول، وهو مبنى يحوي العديد من قاعات البحث، ومكاناً لإقامة العلماء، ومكتبة كبيرة وقاعة لتناول الطعام.

ولم يظهر المتحف كمبنى مستقل إلا في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وكانت مصر هي أول دولة عربية اهتمت بالمتاحف، وكان ذلك عام 1835م بأمر من محمد علي باشا بإنشاء مصلحة الآثار ومتحف للآثار.

للمتاحف أهمية كبيرة؛ لأنها تكون على شكل معاهد أو مراكز علمية وثقافية ومصدر معرفي متنوع، وتساعد على نقل الحقائق للزائرين سواء أكانوا صغاراً أم كباراً، وتنمي فيهم اتجاهات خاصة، مثل الملاحظة الدقيقة والتفكير المنطقي السليم والمسؤولية الملزمة وحب الجمال ورفع مستوى الذوق العام.

لديها أيضاً أهمية أخرى تكمن في رفع قدرة الزائر على معرفة مكانته في بيئته المحلية، ومدى عظمة التطور الفني والتاريخي والحضاري لبلده بين العالم، كما أنها وسيلة فعَّالة لتوصيل الأفكار الخاصة بالإنجازات الثقافية للشعوب الأخرى، وللعلم الحديث، وللتقاليد الخاصة بكل شعب.

والزائر للمتاحف يستشعر أنَّ المتاحف أماكن مريحة، ليس بها أي ضغوط مما يسعده على أن يتعرَّف العلوم المتنوعة بسرعة كبيرة، ولا سيما أنَّ المتاحف تُعرّف الزائرَ بالمعروضات مع شرح لها، لفهمها ودراستها. وهي من أهم مصادر المعرفة؛ إذ إنها تساعد العلماء والباحثين في مجال البحث والاستقصاء، وتزودهم بما يحتاجون إليه من مواد ومعلومات لا غنى عنها في البحث العلمي.

أمَّا من الناحية الإعلامية والسياحية، فتعدُّ المتاحف واجهة مهمة من واجهات أي دولة، تعطي للزائر فكرة واضحة وصورة جليَّة عن معالم تلك الدولة، مما يترتب عليها نمو في الحركة السياحية وازدهار الاقتصاد الوطني.

المتاحف أنواع، تتعدد وتتنوع حسب نوعية المعروضات، وتنقسم بشكل عام إلى خمسة أنواع رئيسة هي:

– متاحف الآثار: وتعدُّ من أقدم أنواع المتاحف في العالم، وتتخصص في عرض أهم المقتنيات الأثرية، وهي ترتب عادة من الأقدم إلى الأحدث طبقاً لنوع القطع المتحفية والعصر الذي وجدت فيه. ومن أمثلة ذلك المتحف المصري والمتحف الإسلامي بالقاهرة، ومتحف مكة المكرمة للآثار والتراث بحي الزاهر، ومتحف التراث المكي بحي الرصيفة.

– متاحف الفنون: تهتم بجمع وعرض أروع أعمال الرسَّامين والفنانين والنحَّاتين المعماريين على المستوى المحلي والعالمي، وتنفسم إلى قسمين؛ هما متاحف الفنون الجميلة، ومتاحف الفنون التطبيقية، مثل متحف اللوفر بفرنسا، والمتحف الدائم بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة، ومتحف عمارة الحرمين الشريفين بأم الجود.

– متاحف العلوم: من أحدث أنواع المتاحف المتخصصة في جمع وعرض أحياء التاريخ الطبيعي وأعمال الكشوف الجغرافية، ومن فروعها: متاحف الجيولوجيا مثل المتحف الجيولوجي بالقاهرة، ومتحف جامعة أم القرى، ومتحف علم الفلك مثل مدينة الملك عبد العزيز الفضائية بالمملكة العربية السعودية بمدينة جدة، ومتاحف الطاقة، ومتاحف علوم البحار مثل متحف علوم البحار بمدينة جدة.

– المتاحف المتخصصة: حيث تهتم هذه المتاحف بعرض إنتاج فني بعينه دون غيره عن طريق ترتيب المقتنيات المتحفية ترتيباً تاريخيًّا، ومن أمثلة ذلك المتاحف التراثية الشعبية مثل متحف الفنون الشعبية ومتحف الشمع بالقاهرة، ومتاحف الأثات مثل متحف عبد الرؤوف خليل بمدينة جدة.

– متاحف المدن: وهذه المتاحف تقدّم دراسة معينة لمدينة معينة أو إقليم معين، وتعدُّ مراكز لتنسيق نشاط التمثيل الثقافي لسكان الحضر، وهي تعدُّ من متاحف التاريخ.

– المدن المتحفية: إذ هناك مدن بأكملها تصنفها الدول باعتبارها من المعالم التاريخية، وتعدُّ من متاحف الهواء الطلق وهي المتاحف المفتوحة.

– متاحف التاريخ والوثائق: وهي متاحف تتربع على مساحات أصغر، تحتوي على خزانات توضع فيها المعروضات ومن أمثلتها متحف البريد، متحف السكة الحديدية، ومتاحف الحرب والسلام.

ودولة الإمارات العربية المتحدة تعي جيداً قيمة المتاحف، لذا اهتمت كثيراً بالكشف عن آثارها وإبرازها، بهدف ربط الجسور بين الماضي والحاضر، وتوثيق العلاقة بين الإنسان والتاريخ، وقد أنشأت لهذا الغرض العديد من المتاحف، للحفاظ على هذه الثروة القومية، ولتكون في الوقت نفسه مرآة صادقة لها، ليس في ماضيها القديم فقط، بل في حاضرها المشرف أيضاً.

من بين أهم متاحف دولة الإمارات «متحف اللوفر أبوظبي» الذي افتتح في 2017 في جزيرة السعديات، ويعرض التأثيرات المشتركة والصلات التي ربطت بين مختلف الثقافات العالمية، ويقدم فكرة عن تاريخ البشرية منذ فجر التاريخ، كما يقدم منظوراً جديداً حول تاريخ الفن.

ويتكون من ستة أقسام رئيسة؛ هي «الشكل البشري»، و«العوالم القديمة» و«المقدسات والصورة الشرقية»، و«النظرة الغربية»، و«حوار الثقافات» و«سلسلة أعمال سي تومبلي»، أمَّا «متحف جوجنهايم أبوظبي» فيعدُّ منبراً عالميًّا للفنون والثقافة المعاصرة، ويقدّم للعالم بعضاً من أهم الإنجازات الفنية حاليًّا، ويشغل المتحف موقعاً مميزاً في المنطقة الثقافية في السعديات بمجموعته الدائمة التي تشكّل مثالاً حيًّا لتلاقي الفنون العالمية التي تمتد من ستينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا.

وتحتضن مدينة العين عدداً من المتاحف، من أهمها «متحف العين الوطني» الذي يقع بالقرب من قلعة الشيخ سلطان، وهو أقدم متحف في الدولة، حيث افتتح عام 1971، ويقدم للزائر نبذة شاملة عن عادات وتقاليد البلاد. كما يحكي تاريخ أوائل الناس الذين سكنوا المنطقة قبل أكثر من 8000 عام، ويعدُّ «متحف قصر العين» البيت السابق لمؤسّس دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان– طيَّب الله ثراه- كما يعدُّ مركزاً للنشاطات السياسية والاجتماعية، ويضم المتحف الذي شُيّد عام 1937 مجموعة كبيرة من مقتنيات العائلة الحاكمة، كما يعرض تراث المدينة وتاريخها الفريدين.

وتحتضن جزيرة دلما متحفاً يُطلق عليه «متحف دلما للتراث»، ويمثل أحد أهم المعالم في الجزيرة، وهو منزل قديم أسَّسه محمد بن جاسم المريخي، ويعكس بناء البيت من واجهاته الأربع الطابع المعماري الأموي، كما يأخذ طابعاً يتلاءم مع الواقع البيئي الخليجي.

وتضم إمارة دبي عدداً كبيراً من المتاحف، مثل «متحف دبي» الذي بُنِي عام 1787 ويقع بقلعة الفهيدي، ويحتوي على العديد من التحف والأعمال الفنية المحلية، والأشغال اليدوية من بلاد إفريقية وآسيوية عدة تربطها علاقات تجارية بدبي.