3,949 عدد المشاهدات
الكاتب : جمال بن حويرب
في مطلع الثلاثينيات وصلت أولى السيارات إلى الإمارات، حسب ما اطلعت عليه من روايات كبار السِّنِّ، وبعض الوثائق والصور التي حفظتها كاميرات شركات البترول آنذاك. ومن ذلك العهد، بدأت السيارات تأخذ مكانها في صحراء الإمارات وتتزايد بشكل عجيب، خاصة منذ أواخر الخمسينيات حتى اليوم.
خلال هذه العقود الماضية لم يقُمْ أحدٌ بتوثيق هذا التاريخ ولا جمعه ولا الكتابة عنه، بل ظلَّ مفرّقاً في ذاكرة الأهالي وفي بعض الوثائق والأوراق التجارية هنا وهناك، ولم يتمكَّن أحدٌّ حتى الآن من جمعِ كلِّ ما يتعلَّقُ بتاريخ السيارات وقِطَعِ غيارها ومستلزماتها في بلادنا، في حين نجح آخرون في كثير من الدول المتقدمة بتأسيس أهمِّ المتاحف المتخصِّصة في السيارات الكلاسيكية القديمة.
كذلك لا يوجد إلا عددٌ قليلٌ جداً من الصور التي توثِّق تلك المراحل الأولى من قدوم السيارات إلى أرضنا التي كانت بغيرِ شوارعَ معبَّدةٍ، ولا إشاراتِ مرورٍ، ولا شرطةٍ، ولا رخصٍ للقيادة، ولا وكالاتٍ للسيارات، اللهمَّ إلا تجاراً جلبوا بعضَ السيارات المستعملة من بلدان مجاورة، وجابوا بها الصحراء القاحلة حينها.
متاحفُ السيارات العالمية المتخصِّصة كثيرةٌ في العالم، وتأتي الدول المصنِّعة للسيارات الأولى في مقدمتها؛ من حيث أهمية المجموعات وجمع الوثائق المتعلقة بهذه الصناعة المهمّة التي غيَّرت حياتنا إلى الأبد، وسأذكر هنا بعضاً من أهمِّ المتاحف العالمية التي تحظى باهتمام المتخصِّصين.
متحف فورد
يقع هذا المتحف في غرب مدينة ديربون في ولاية ميتشغن الأمريكية، وقد اُفْتُتِحَ عام 1929م في حياة مؤسِّسه الصناعي الأمريكي هنري فورد (1947-1863)، ويحتوي المتحف على تشكيلة نادرة من أقدم السيارات الأمريكية منذ عام 1903م. والزائر هذا المتحف سيجد فيه كلَّ ما تمَّ إنتاجه في مصانع فورد منذ بدايات عهد تصنيع السيارات. ويتميَّز هذا المتحف، الذي لا مثيل له في العالم، باحتفاظه بعربة الخيل التي استقلَّها الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثين «روزفلت» عام 1920م، وكان لا يحبُّ ركوب السيارات، وأيضاً سيارة ليموزين للرئيس السابق «جون كينيدي» والتي اغتيل فيها في تكساس عام 1961م، وكذلك سيارة الرئيس «ريتشارد نيكسون».
ويحوي متحف فورد أوَّل سيارة بريد زودت بها إدارة البريد الأمريكية في عام 1906م، وأوَّل سيارة إطفاء تمَّ إدخالها في خدمة إدارة المطافئ عام 1924 بلونها الأحمر.
ولم ينسَ متحف فورد الاحتفاظ بتاريخ الحركات النضالية في أمريكا؛ فقد حفظ للتاريخ مثلاً الحافلة التي شهدت واحدةً من أهمِّ الحوادث في مرحلة نضال السود الأمريكيين، وأدَّت إلى تأجيج حركة الحقوق المدنية عندما رفضت سيدة أمريكية سوداء تُدْعَى «روزا باركس» التخلي عن مكانها في الحافلة لرجلٍ أبيضَ في مدينة مونتغمري عام 1955.
الحديث عن متحف فورد يطول، وفي هذه النبذة كفاية للدلالة على أهمية متاحف السيارات في حياة
الشعوب.
متحف فورد للسيارات في ديربورن – ميتشغن
متحف السيارات البريطانية
يقع هذا المتحف في قرية جايدون في يوركشاير البريطانية، ويعدُّ مبنى المتحف تحفةً هندسيَّةً كلاسيكيَّةً رائعةً، ويضمُّ في أقسامه أكبرَ مجموعةٍ من السيارات البريطانية التاريخية في العالم، إذ يحتوي على ما يقرب من 300 سيارة قديمة.
في عام 1975 تمَّ إنشاء مؤسَّسة «ليلاند للمركبات التاريخية» لرعايتها جميعاً، وسرعان ما بدأت بجمع الوثائق والصور التاريخية الخاصة بالسيارات البريطانية.
وفي عام 1983، شهدت مجموعات الأرشيف والمركبات نمواً كبيراً لدرجة تقرّر فيها إنشاء صندوق خيري مستقل لحماية هذه المقتنيات. وهكذا نشأ صندوق التراث البريطاني لصناعة السيارات. ويمتلك الصندوق مجموعة واسعة من المقتنيات التاريخية التي تساعد على سرد التاريخ الطويل والمتنوِّع لصناعة السيارات في بريطانيا، منذ نشأتها المبكِّرة قبل أكثر من مائة عام. وكلُّ قطعة يقتنيها الصندوق إمّا أن تكون مصنوعة سابقاً مِنْ قِبَل شركات السيارات البريطانية، وإمّا أن تكون على صلة بها.
وفي عام 1993 اُفْتُتِحَ متحفُ تراث السيارات في جايدون، ما مكَّن من عرض المزيد من السيارات في المجموعة وحفظ الأرشيف الخاص بهذه الصناعة.
ويضمُّ أرشيف الصندوق الآن آلاف الوثائق التجارية والمبيعات، وأكثر من مليون صورة وأميال من الأفلام المتحركة، وكلُّها ترسم تاريخ مسيرة صناعة السيارات البريطانية منذ عام 1880م حتى يومنا هذا.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أشكرَ كلَّ من أسهم في إقامة متاحفَ للسيارات في دولة الإمارات؛ الحكومية منها والخاصة، كمتحف الشارقة للسيارات القديمة، ومتحف أبوظبي والعين، وكذلك الشباب الذين يحتفظون بكثير من هذه السيارات القديمة في مخازنهم الخاصة، ولكن بسبب قلّة التدوين والحاجة الماسّة إلى توثيق تاريخنا أدعو حكومتنا الرشيدة إلى بناء متحف عالمي للسيارات يحوي كلَّ صور ووثائق السيارات منذ وصولها إلى هذه الأرض الطيبة.