محمد رفيع.. الحلم يصبح حقيقة

أعلام أعلام الراوي الإمارات مجلة مدارات ونقوش – العدد 15

 2,180 عدد المشاهدات

كنت أجتمع معه في كثير من الليالي الطيبة التي نقضيها في مجلس أبناء أحمد بن سليم، وهو من مرتادي هذا المجلس من زمن طويل قبل معرفتي به.

عرفته رجلاً دمث الأخلاق، كثير الابتسامة، يحب الناس ويحبونه، تجلس معه وكأنه من جيلك ولا يشعرك بأنه أكبر منك سنّاً ولا أكثر منك خبرة، بل يتركك تشعر بأنك أنت صاحب الخبرة وأنك أسنُّ منه.

أردت في هذه الحلقة أن أُخَلِّدَ ذكراه.. ذكرى رجل مخلص أخلص في عمله وتفانى فيه لمدة تقرب من 50 عاماً، ترقّى فيه حتى بلغ أعلى المراتب بجده ومثابرته منذ وقت التأسيس الصعب لشركة الاتصالات إلى أن أصبحت من كبريات الشركات العالمية.

ولم يكن وحده، بل عمل معه كثيرٌ من أهل الجد والخبرة والإخلاص من أبناء هذا الوطن الحبيب ومن المقيمين فيه، ولكني أضرب بالحديث عن المرحوم محمد رفيع مثلاً للجيل الصاعد الذي يريد التميز.

ولا يخفى عليكم أنَّ العالَمَ سبَقَنا في استخدام تقنيات الهاتف؛ فمنذ اختراعه عام 1875م لم نعرف عنه شيئاً حتى انتصف القرن العشرون، ولكننا اليوم بفضل الله ثمَّ بفضل قيادتنا الرشيدة نفوق كثيراً من دول العالم.

 

ولادته ونشأته

كانت ولادة السيد محمد رفيع عام 1946م في ديره من دبي، ونشأ نشأة حسنة في كنف والده الملا حسن الذي كان إماماً لأحد المساجد. حفظ القرآن صغيراً، وكان مُلمّاً بكتب التفسير والعلوم والتاريخ، وعندما بلغ مبلغ الرجال تنقّل في أعمال مختلفة بين تجارة الأقمشة والأغذية وغيرها، ثمَّ في سنة 1954م انتقل للعمل في الخُبر بالمملكة العربية السعودية؛ فعمل محاسباً لدى أحد مكاتب التجار لسنوات عدة، ولمّا عاد بقي إماماً لمسجد بن مديه الواقع بميدان بني ياس، وظلَّ يؤم الناس إلى أن انتقل إلى جوار ربه.

 

تعليمه

بدأ السيد محمد رفيع دراسته سنة 1955م، حيث التحق بالمدرسة الأحمدية وبقي فيها حتى الصف الثالث، وقد انتقلت المدرسة الأحمدية إلى التعليم النظامي الشامل سنة 1957م، حيث تولى الأستاذ زهدي الخطيب إدارة دائرة المعارف، وكان مدير المدرسة هاشم أبو عمارة، وقد أدخل فيها لأول مرة تعليم اللغة الانجليزية والمواد الاجتماعية والعلوم.

و تعلَّم أيضاً اللغة الانجليزية عند مدرس خاص من الهند حتى أتقنها.

و كان ممّن زامله في المدرسة الأحمدية السيد أحمد المنصوري، والدكتور عبدلله الخياط مدير مستشفى الوصل، ومحمد سعيد حارب والدكتور شوقي خوري وغيرهم.

عمله

من الأمور اللطيفة أنَّ السيد محمد رفيع عندما كان يذهب إلى المدرسة، كان يقف أمام مكتب شركة البرق واللاسلكي المحدودة ويتأمل كيف كان عملهم، وهو لا يدري أنَّ مصيره سوف يقترن بالاتصالات طوال حياته! 

بقي فترة بعد تخرجه وانضمَّ إلى شركة البرق واللاسلكي المحدودة في سنة 1960م وعمره 14 سنة.

 

تاريخ الهاتف في الإمارات

ولعلَّ من المناسب أن أذكر شيئاً عن تاريخ الاتصالات في دبي، وسأعرض لكم شيئاً ممّا كتبه السيد ناصر بن عبداللطيف السركال الذي أسهم إسهاماً كبيراً في نشأة هذه الخدمات في الدولة.

يقول السيد ناصر:

«لقد كانت دبي خالية من الخدمات التليفونية، وكنّا نجد صعوبة في الاتصالات بين ديره وبر دبي خصوصاً بعدما انتقل مركز البنك البريطاني للشرق الأوسط إلى بر دبي، والذي كنّا على اتصال دائم به في معاملاتنا التجارية؛ لذا قمت بالاتصال بشركة أي.أ.إل البريطانية التي تقيم في مطار الشارقة، وتحدثت إلى مديرها في هذا الموضوع؛ فأبدى استعداده لرفع الأمر إلى شركته، كما أني في الوقت نفسه أخبرت بعض الأصدقاء بما قمت به فاتفقوا معي في الرأي. وجاء الردُّ من الشركة أنهم على استعداد لذلك بشرط أن لا يقل عدد المشتركين في خدمات الهاتف عن 500 مشترك، فتعهدنا بهذا العدد وكانت مجازفة منّا، وبعد ذلك رفعت الشركة هذا الأمر إلى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي؛ فوافق على تأسيس الشركة. وتأسست الشركة في سنة 1959م، وباشرت عملها في منتصف عام 1960م، وعينت عضواً في مجلس إدارتها، ثمَّ صدر مرسوم اتحادي في سنة 1976م بضم الاتصالات في الإمارات تحت شركة واحدة سميت اميرتل».

 

عمله في اتصالات

في عام 1963م عمل السيد محمد رفيع أولاً في قسم المكالمات الخارجية؛ فكان الذي يتصل من الداخل يريد الخارج وبالعكس يطلب منه ربطه بفلان في المنطقة كذا، فيقوم بوصله مع من يطلبه كما هو النظام القديم. وقد أشرف خلال هذه السنوات على تركيب الخطوط الخاصة بالشيوخ في دبي وحكّام الإمارات. وفي 1970م أصبح مديراً للقسم التجاري في المبيعات، وقد شهدت تلك السنوات إقبالاً كبيراً على الاشتراك في خدمات الاتصالات. وهكذا ظلَّ يترقى في المناصب حتى عُيِّنَ مديراً لاتصالات فرع دبي في سنة 1981م، ثمَّ صار مساعد المدير العام لشؤون العلاقات الدولية، ثمَّ نائب الرئيس لشؤون العلاقات الدولية.

صفاته

كما ذكرت آنفاً كان رحمه الله دمث الأخلاق، عطوفاً، شديد الاهتمام بأهله، يساعد الناس بما يملك، وقد ساعد على توطين شركة اتصالات، وكان يساعد الموظفين بما يقدر عليه.

وقد أرسلت له إدارة الشركة منذ بداية عمله كثيراً من رسائل الشكر تقديراً لتفانيه في العمل.

وفاته

هذا، وكنت أطلب منه أن يكتب لنا ذكرياته عن تأسيس شركة اتصالات، ويقول إذا وجدت وقتاً فسأكتب إن شاء الله، ولكن للأسف تعرَّض السيد محمد رفيع الملا إلى بعض المشكلات الصحية؛ فسافر للعلاج خارج الدولة، وبعد رجوعه ظلَّ يعاني آثارها حتى أتاه الأجل المحتوم في الأول من يناير عام 2009م، رحمه الله رحمة واسعة.