محمد عبده غانم رمز الأدب اليمني – 7 دواوين شعرية ومئات المقالات والـدراسات في الأدب والفنــون

مجلة مدارات ونقوش - العدد 1

 2,099 عدد المشاهدات

في باكورة محاضراته لهذا الموسم، استضاف مركز جمال بن حويرب للدراسات «في مقره الجديد » أمسية شعرية أدبية، استحضر فيها المحاضر الدكتور شهاب غانم ذكرياته عن والده الشاعر والأديب والمربي والسياسي والفنان المرهف.. البروفيسور محمد عبده غانم، الذي وُلِد في العام 1912 ، وتوفي في أغسطس 1994 ، بعد رحلة طويلة زاخرة بالعمل والعطاء في مناحي الحياة كافة.
بدأ الدكتور شهاب غانم حديثه قائاً: «لقد اختار سعادة جمال بن حويرب، موضوعاً لأتحدث فيه عن والدي، وهو موضوع يطول الحديث فيه، وتعدُّ شهادتي فيه مجروحة، كونه والدي، ومع ذلك سأكون موضوعياً، وسأحاول الإيجاز والاختصار قدر المستطاع وضمن الوقت المحدد .»

أدوار كثيرة:

قال المحاضر: كان البروفيسور محمد عبده غانم، أول شخص في الجزيرة العربية، يحصل على شهادة من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1936 ، ومازلت أحتفظ بهذه الشهادة حتى اليوم، وكانت من أفضل الجامعات.
وأضاف: كان للدكتور محمد عبده، أدوار كثيرة في حياته التي كانت حافلة بالمعاناة والعمل والعطاء؛ منها:
– في مجال التربية والتعليم، حيث كان يدرس اللغة العربية، وقد درَّس الصف الرابع الابتدائي لأكثر من عشرين عاماً، وكان أول عميد للدراسات العليا في جامعة الخرطوم، وهو مَنْ شكَّل لجنة لتأليف الكتب في عدن، وكانت اللجنة تجتمع في منزلنا.
– في مجال الشعر، كان رئيساً للجنة الشعر في عدن، وكتب سبعة دواوين شعرية، طُبِعَ منها ستة في حياته، والسابع طبعته بعد وفاته. كما أنَّ له مؤلفات في مجالات الأدب، والرحلات، والسياسة.
– هو أول من أسَّس للحركة الموسيقية في اليمن، في العام 1949 ، التي كانت تعنى بالغناء والموسيقى العدنية، إلى جانب الغناء الحضري والصنعاني واللحجي، وكانت لجنة الموسيقى والغناء تجتمع في منزلنا أيضاً.
– كان له اهتمام كبير بالرسم، وخاصة المناظر الطبيعية، والرسومات الانطباعية.
– هو أول من أسَّس جمعية للأحداث الجانحين، ووضع خططاً لإعادة تأهيلهم.
– كان شغوفاً بالرحات والمغامرات، ووضع أكثر من كتاب في هذا المجال؛ منها كتاب عن الباد العربية والعالم.
– كانت له اهتمامات رياضية، وقد أسَّس نادي «صيرة » للتنس في عدن.

– اشتغل مترجماً لدى الإنجليز خال وجودهم في عدن، وقد ذهبت والدته إلى الحاكم البريطاني، وطلبت منه إعفاءه من هذه المهمة خوفاً عليه، لكن الحاكم لم يلبِّ طلبها.

الشاعر الكاتب:
قال شهاب غانم: لوالدي ستة أبناء؛ منهم أربعة شباب يحملون شهادة الدكتوراه، أما ابنته «عزة » فتعدُّ أوَّلَ بروفيسورة في تاريخ اليمن.
وأضاف: عندما كان والدي طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت اشتغل أمين التحرير لمجلة «العروة الوثقى » المشهورة، التي أسَّسها ورأس تحريرها، المفكِّر والكاتب المعروف قسطنطين زريق، وكان يكتب فيها مقالات أدبية ووطنية وسياسية.
وقد حصل على خمس جوائز شعرية من «بي. بي. سي » عن قصائد شارك فيها بمسابقات عالمية.
وبعد أن عاد محمد عبده إلى عدن، راح ينشر قصائده، وكتاباته الأدبية في جريدة «الجزيرة » التي كان يملكها والد زوجته.

ثم ألقى نماذج من قصائده؛ منها قصيدة جاء فيها:

لست أدري ما الذي تخشين مني.. لست أدري 
وأنا الشاعر لا أرضى لمخلوق بضرِّ 
أنا لولا لوعتي صنتك في قلبي كَسرِّي 
ومنعت القلب أن يخفق حتى لا تضرِّي

وألقى قصيدة بعنوان «على الشاطئ المسحور » قال فيها:
البدر في القبة الزرقاء يأتلقُ

     لاغرو يا ليل أن ينتابني الأرقُ                   

إني كلوف بنور البدر يرسله
على البسيطة والنوام قد غرقوا                   
فالكوخ كالقصر يبدو للعيون إذا
        غشاه ذاك السناء الأبيض اليقق                   
وهذه «صيرة » في الأفق ماثلة
   وحولها البحر بالأمواج يصطفق                    
هنا على الشاطئ المسحور قد عمل
الأذواء من حمير للمجد واستبقوا                    

كانوا ملوكاً تهاب الناس دولتهم

    فلم يجوروا بهم في الحكم بل رفقوا                    
ولعلَّ أفضل ما كتبه الشعراء في رثاء أبي الأحرار.. شاعر اليمن الكبير.. محمد محمود الزبيري، الذي اغتيل وهو يحاول أن يخرج اليمن من مأساة الحرب الأهلية الضروس بين الملكيين والجمهوريين، قصيدة عنوانها «دموع في العيد » جاء فيها:

يا للرزية في طود هوى فهوت
                  آمالنا الشم وارتجت لها البيدُ
من للمنابر في الجلّى يزلزلها
             قد غاب عنها أبو الأحرار محمود
أم للعروبة في الدنيا يصوغ لها
                 آي القريض له في الخلد ترديد
أم للمبادئ يرعاها ويكلأها
                      كي لايضيعها البله العرابيد
 
والقصيدة بصورة عامة رائعة ولكن أروع ما فيها هذه الأبيات:

مازلت أذكر أياماً حللت بنا
                    فيها وما حل إلا الفضل والجودُ

وحولك الفتية الأحرار قد عرفوا

             فيك الزعيم إذا نادوك أو نودوا
من كل أروع تأبى نفسه كرماً

               أن يستبدَّ بها جهل وتقليد

وفي قصيدة عن الشيب بعنوان «المشيب الفتي » قال:

لعبت بفؤادي يامشيب وشاربي
            وباعدت ما بيني وبين الحبائبِ

إذا قلت للحسناء جودي بقبلة

              أبلّ بها نار الوى في الجوانب
تقول أما في الشيب للمرء زاجر

          عن اللهو بالغيد الحسان الكواعب
وما علمت أني فتى شاب رأسه

           وما زال في شرخ الشباب المواثب
فإن تكن الأيام أزرت بلمتي

               فلي في الهوى قلب فتي التجارب
ولولا ازدرائي مذهب الغش في الهوى

  لوارت مشيبي عنك صبغة خاضب
ولكن أبت لي همة ليس همها

            سوى العزة القعساء خطة كاذب
فلا تحفلي بالشيب فالقلب عنده

          جميع الذي تبغينه من مآرب

وفي نهاية الأمسية، سأل جمال بن حويرب المحاضر:
اليمن أنجبت كثيراً من الشعراء الكبار في العهود السابقة، لكنها فجأة توقفت عن الإنجاب.. فما السبب في رأيك؟
أجاب الدكتور شهاب: هناك عدد لا بأس به من الشعراء الجيدين والأقوياء، لكنهم لم يحصلوا على الفرصة المناسبة للظهور، بسبب الظروف السائدة، والشاعر الذي لا يخرج إلى الأفق الأوسع والأرحب، ليقول قصيدته وشعره، لا يلاقي انتشاراً واسعاً، ويبقى كمن يحدِّث نفسه في قوقعته.

شهد المحاضرة عدد من عشَّاق الشعر ومتذوقيه في مقدمتهم الأديبان؛ عبد الغفار حسين وبال البدور، والدكتور صاح القاسم المستشار في هيئة الثقافة والفنون في دبي، والدكتور أحمد الحداد كبير المفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، والكاتب علي عبيد، رئيس مركز الأخبار في تلفزيون دبي، وسعادة محمد دراجي، القنصل العام الجزائري في دبي، وعدد من الأساتذة والمحاضرين في كليات الدراسات العربية والإسلامية وكليات التقنية العليا في دبي، وكذلك عدد من الإعلاميين والصحافيين.