مع كتاب «الخالدون مئة .. أعظمهم محمد رسول الله» 2-2

مقالات متنوعة

 672 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقودٍ على صدور كتاب «الخالدون المئة» لمؤلفه مايكل هارت الفيزيائي الأميركي، الذي استهواه التاريخ حتى صنّف فيه ما لم يُصنّف من مثله منذ قرونٍ طويلة، وسبق بفكرته هذه كلَّ من سبقه بل اشتهر بعلم التاريخ أكثر من شهرته بعلوم الرياضيات والفيزياء الفلكية التي تخصص فيها، فهو ممن غلبت هوايته علمه الذي درسه ويعمل في مجاله وأمثاله كثيرون في العالم، ولكنّ هذه الفكرة العجيبة التي ابتدعها لم تنجح حتى قرأ آلافاً كثيرة من سِيَر أعلام العالم المشهورين والذين يصلون في ظنّه 20 ألف علَمٍ، فانتقى منهم مئةً ممن رآهم يستحقون الاختيار من حيث الشهرة العالمية والتأثير سواء أطيبين كانوا أم أشراراً، فكل الذي كان ينظر إليه هو باختصار: التأثير العالمي الناتج من شخصيةٍ حقيقية.

من قراءتي لهذا الكتاب وجدت مايكل هارت يميل كثيراً إلى العلوم أكثر من ميله للأمور الأخرى مثل الفلسفة والآداب والدين، ولا ألومه على ذلك، لأنّ عقليته بنيت على العلوم البحتة من الرياضيات والفيزياء منذ صغره، ولهذا فلا غرابة إن جعل نبي الله “عيسى” عليه السلام يحلّ ثالثاً ونبي الله موسى عليه السلام يحل في المرتبة السابعة عشرة، وشيخ أدباء بريطانيا “شكسبير” في المرتبة السادسة والثلاثين، مما أثار حفيظة بعض الإنجليز والمعجبين بأدب شكسبير وانتقدوه على ذلك، ومن تتبع كتاب “الخالدون المئة” سيجد أكثر من أربعين عالماً من أعلام العلوم لأنّه نشأ على علومهم، ولهذا جعل من “نيوتن” ثانياً لأنّه يراه أثّر في كلّ الصناعات والنظريات الحديثة، ويذكّرني صنيعه هذا بقول العالم المالكي أحمد بن عميرة نزيل تونس:

فعـــل امـرئٍ دلَّ على عقـلهِ
والفرعُ منســـوبٌ إلى أصـلهِ
لا يتـــرك اللازمُ ملـــزومـهُ
والشخـصُ لا ينفـكُّ عن ظـلّهِ
وكلّ مقصـــور على شيمــةٍ
لا بدّ أن تظـــهرَ في فعـــلهِ
والناسُ أشتاتٌ وفي الطبع ما
قد يعطفُ الشـكلُ إلى شكـلهِ

ولا يهمنّي أعزائي من كتاب «الخالدون المئة» في هذه المقالة إلا تقديمه رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم على جميع الشخصيات التي اختارها، ولعلّ سائلاً يسأل: ما هو سرُّ هذا الاختيار؟ ولماذا لم يخفْ من النقد وهو يعيش في مجتمعٍ مسيحيٍّ يسيطر عليه رأس المال اليهودي؟! والجواب على هذا السؤال المهم يجيب عنه”مايكل هارت نفسه فيقول في أول كلامه عن حبيبنا “محمد” عليه الصلاة والسلام: “لقد اخترت محمداً (صلى الله عليه وسلم) في أول هذه القائمة ولا بدّ أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حقٌّ في ذلك، ولكنّ “محمداً” هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحدٍ من أعظم الديانات وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد 13 قرناً من وفاته فإنّ أثر محمد عليه الصلاة والسلام لايزال قوياً متجدداً”.
قلتُ: سبحان الله انظروا إلى كلام المنصفين العلماء وإن كانوا على ملّةٍ أخرى، لأنّ الإنصاف إذا تمكّن من إنسان عمل به وحكم ولو خالف هوى قومه ومن يتعصب لهم، وهذا هو الذي جعل “مايكل” لا يأبه لنقد الناس له في مجتمعه الغربي، والغرب كما يعلم الجميع يحفظ الحريّات العلمية والشخصية ما لم تؤذ الآخرين، ويؤمن أنّ الأفكار حرية شخصية، ولهذا باع هذا الكتاب مئات الآلاف من النسخ منذ صدوره حتى اليوم وإلى ما شاء الله، وقد تُرجم إلى كثيرٍ من لغات العالم لأهميته العلمية، ولا أدري كم باعت الترجمة العربية للراحل فقيد الأدب أنيس منصور، رحمه الله، وإني قد أجزم بأنها لا تصل إلى عدد أصلها الإنجليزي، فأرجو منكم الاعتناء بهذا الكتاب فهو مهم جداً ويمكن أن يُستخدم لإقناع المجتمعات الغربية بفضل نبينا المصطفى بغير هذه المظاهرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فتأملوا.

نشر في البيان
بتاريخ: 29 سبتمبر 2012