900 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لا أعلم شخصيّةً في العالم نالت من الاهتمام العالميِّ من غير المسلمين ما نالت شخصية سيّدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهم هؤلاء على أنواعٍ فمنهم المولع بالحضارة الإسلامية وعلومها والمعترفُ بفضلها وفضل رسولها الأمين على البشريّة كلها، وهناك قلوبٌ حاقدةٌ وحاسدةٌ بسبب تأجيج المشاعر وإيغار الصدور عليه منذ الصغر وكما قيل “من شبّ على شيءٍ شاب عليه” إلا أن يهديهم الله بهداه، وهناك من يتوّقف في أمره ولا يحبُّ الخوض في هذا الموضوع تقديراً لنفسه وحرصاً على مشاعر المسلمين الذين يقترب عددهم من المليار ونصف، وسيكون لي وقفاتٌ عادلة مع كلِّ صنفٍ خلال هذه المقالات ولكنّي أقول لكم :كم أجلُّ وأُكبر الصنف الأول من المنصفين والصنف الأخير من المقدّرين وكم أدعو بالهداية للحاقدين الذين لو درسوا سيرة نبينا الأكرم وعلموا حقيقة روح الرسالة المحمدية السمحة لهجروا الحقد وكانوا في أقلّ أحوالهم من الصنف الثالث المقدّر.
كتاب “الخالدون المائة” من الكتب الغربيّة الحديثة والتي تشتمل على معانٍ كثيرةٍ من الإنصاف والجمال والإفادة، وإن لم يحصل على اهتمامٍ كبيرٍ من الأمة الإسلامية منذ أن نشره مؤلفه المؤرّخ الرياضي الأميركي مايكل هارت* في عام 1978م والذي فاق فيه كل التوقعات فجعل رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أول المائة وأعظمهم، تقديراً له واعترافاً بأفضاله على البرية من كل لونٍ ولغةٍ حيث فتح الإسلامُ بأتباعه العلماء العظماء للعالم كلِّه أبوابَ العلم في كل مجالاته حتى مهّدوا سُبُله وبيّنوا غامضه وشرحوا مجمله وبسطوا الفنون وابتكروا من الابتكارات ما قامت على أسسها الحضارة الغربية والحضارات الأخرى الحديثة، ولأنّ “مايكل هارت” رياضيٌّ وفيزيائيٌّ و فلكيٌّ فهو يعرف حقّ المعرفة فضل المسلمين على العلم الذي برز فيه وبزّ أقرانه، فمن هو “مايكل هارت”؟ وما هو كتابه “الخالدون المائة”؟
ولد “مايكل هارت” في مدينة “نيويورك” الأميركية في 28 من إبريل عام 1932م ونشأ في عائلته اليهودية فتخرج من مدرسة “برونكس” لتعليم العلوم ثم التحق بالجيش خلال الحرب الكورية وعاد وأكمل دراسته في علوم الرياضيات في جامعة “كورنال” وبعد ذلك تابع دراسته في جامعة “برنستن” وأخذ الدكتوراه في الفيزياء الفلكية. عمل “مايكل” باحثاً في وكالة “ناسا” ثم انتقل للتدريس في جامعة “تيرنتي” ومقرها ولاية تكساس ونال درجاتٍ علميةٍ منوعة في الحاسب الآلي والقانون وغيرها مما يدلُّ على نهمه الكبير للمعرفة وجمع العلوم المختلفة مما مكنّه من كتابه هذا الذي لم يكتب مثله من قبل في تاريخ الغرب!.
لعلّكم أيها الأعزاء اقتنيتم كتاب “الخالدون مائة” بنسخته الإنجليزية حيث طبع مرة أخرى سنة 1992م ولعل أسباب عودة الاهتمام الغربي به أتى بعد الحرب الكونية التي شنّها “بوش الأب” على العراق في عام 1990م حيث جعلت العالم كله يبحث عن كل ما يدلّهم على العرب وتاريخهم ورسولهم وكان ولا بدّ أن يتصدّر كتاب هذا العالم أسماء الكتب المرغوبة لديهم لأنه صدّر كتابه بسيرة رسولنا الهادي محمد عليه الصلاة والسلام، والشهادة لله كان كلامه عنه يحمل الإنصاف والتجرد العلمي مع أنه يهودي ولا ينكر ذلك والتي ظهر جلياً في جعله “نيوتن” الإنجليزي يأتي ثانيا ثم نبي الله “عيسى” عليه السلام ثالثا وقد عجبت من فعله هذا وكل الظنّ بأنه قدّم العلم على الدين وهو يرى في رسولنا العلم الذي أنار به الدنيا، ومن حسن طالع هذا الكتاب لدى الأمة العربية أن يقوم الأديب الراحل أنيس منصور رحمه الله بترجمته إلى العربية سنة 1981م بلغته الرقيقة والرشيقة التي تجذب مبغض القراءة للقراءة.
نظر “مايكل هارت” إلى موسوعات الأعلام العالمية فوجدها تدور حول 20 ألف شخصية ممن كان لهم أثر في بلدانهم أو على التاريخ الإنساني بشكل عام، يقول أنيس منصور في مقدمة ترجمته لهذا الكتاب : “المؤلف أقام اختياره لشخصياته الخالدة على عدة أسسٍ من بينها أنّ الشخصية يجب أن تكون حقيقية فهناك شخصيات شهيرة وبعيدة الأثر ولا أحد يعرف إن كانت عاشت أو لم تعش مثل الحكيم الصيني “لاوتسو” والشاعر الإغريقي “هوميروس”، واستبعد أيضا عدداً كبيراً من المجهولين مثل أول من اخترع النار، كما أنه أقام أساس الاختيار على أن يكون الشخص عميق الأثر سواء كان الأثر طيباً أو خبيثاً، ولا بدّ أن يكون للشخص أثر عالميٌّ إذ لا يكفي أن يكون له أثر إقليمي”.. وللمقالة بقية تابعوني غداً إن شاء الله.