1,069 عدد المشاهدات
الكاتب: محمد أحمد السويدي
سأسرد لكم بضع أسماء كتب عكفت على مطالعتها أخيراً بشغف كبير؛ أولها: كتاب »موانئ وجزر الخليج الفارسي» من تأليف ملا أحمد فرامرزي، والكتاب من ترجمة وتحقيق وإخراج فاضل الشريف العسكري، وهو عبارة عن رحلة زار فيها «فرامرزي» مدن الساحل ومنحها مساحة واسعة في كتابه، إضافة إلى الموانئ في الساحل الشرقي من الخليج العربي، وقدم إلى أبوظبي في أيام حكم الشيخ صقر بن زايد بن خليفة آل نهيان الذي حكم أبوظبي من عام 1926م إلى عام 1928م، وسرد أحداثاً متعلقة بها سواء على مستوى الفعاليات المجتمعية أو وصف التربة والمياه وسائر الحِرَف التي كان يقوم بها سكان أبوظبي في تلك المرحلة.
ولقد ذكر أنَّ أبوظبي على أيامه تشتمل على نحو 1500 منزل مشيّدة من سعف النخيل «العشوش والعرشان»، وليس فيها البيوت المشيدة بالحجارة سوى واحد أو اثنين وهما تابعان للشيخ، وبيت يعود لخلف بن أحمد العتيبة، وكذلك المسجد وأجزاء من سوق المدينة.
أما البيتان التابعان للشيخ فهما قصر الحصن، وهو مقر الحكم أيضاً، وبيت آخر قريب منه. وبالقرب منهما بيت الوجيه خلف بن عبدالله العتيبة، وأمّا المسجد فهو نفس المسجد الذي قام ببنائه الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان حاكم أبوظبي من عام 1845م إلى عام 1855م، ثمَّ قام خلف العتيبة بترميمه وتوسيعه وصيانته. فعرف بين أهالي أبوظبي باسم مسجد العتيبة، ويقع إلى الشمال من قصر الحصن.
إمبراطورية الكلمة
ومن جغرافية الكتب المركّبة التي تحيطني كتاب «إمبراطورية الكلمة» لنيقولاس أوسلر. بترجمة محمد توفيق الدجيري، وهو كتاب يستحقُّ كلَّ دقيقة أقضيها في قراءته.
ويعدُّ أول الكتب التي تسرد قصة التنوع في العالم، فهو يبيّن الابتكارات المذهلة التي حصلت في حقول التعليم والثقافة والدبلوماسية في الشرق الأوسط، ويصف الصراع الذي أدى إلى ولادة لغات جديدة في أوروبا الحديثة، ويقيس الانتشار العالمي للغة الإنجليزية، كما يبيّن لنا لغات المستقبل.
كما أتصفّح كتاب «حياتي مع الجوع والحب والحرب» للكاتب عبد العزيز ضياء الدين (1914-1997م)، وهو أديب ومترجم وإذاعي سعودي، عُرف على نحو واسع باسم عزيز ضياء، سجّل في كتابه أحداث تلك المرحلة ونزوحه إلى الشام.
يتكوّن الكتاب من جزأين يتناول فيهما المنعطفات الأساسية في تاريخ المنطقة بدءاً من اضمحلال دور وجغرافية الدولة العثمانية وتفكُّكها في مناطق نفوذها في الحجاز واليمن، وصولاً إلى حلف أشراف مكة والبريطانيين وقيام الثورة العربية، ثمّ الدولة السعودية لاحقاً.
وفي جانب من طاولتي القريبة يفتح فاغراً فمه كتاب «المجتمع المفتوح وأعداؤه» للفيلسوف كارل بوبر، ويعنى الكتاب بنشأة الحضارات، ويثير مجموعة من القضايا التي تواجه حضارتنا في نزوعها إلى تحقيق ما هو إنساني من قيم المساواة والحرية.
ثمَّ يشير إلى أنَّ الحضارة لم تفق بعد من صدمة ميلادها، أي صدمة التحوّل من «المجتمع القبلي» أو «المغلق» إلى «المجتمع المفتوح» الذي يطلق قوى الإنسان النقدية.
كما يراجع بوبر في فصل عقدة الجذور العميقة للثقافة الغربية، ويناقش بروح انتقادية أفلاطون بوصفه الفيلسوف المقدس تكرّس ذلك منذ كتابات التنويريين.
ولا يكتمل فضل الجليس إلا عندما يكون عنوانه «طوق الحمامة» وهو سعي ابن حزم في بيان الألفة والآلاف، أو رسالة الغفران لرهين المحبسين أو وعّاظ السلاطين لعلي الوردي، وهي مؤلفات كان الوالد قد أبدى رغبة بقراءتها فوفّرتها له، فسرّ بها كثيراً بعد أن جدّ في طلبها.
وأطالع بشغف كتاب الرسالة العراقية لمعروف الرصافي، وكتاب الاعترافات لجان جاك روسو.
سيرة مدينة
وخلال الفترة الأخيرة شرعت بقراءة رواية «غرابة في عقلي» لبرهان باموق، والتي قدّمها لي عطاء الله مهاجراني بتدويناته وتعقيباته وخطوطه عليها، ولقد أذهلتني سيرته الذاتية المتراكبة وشهرته وقدرته على القبض على تفاصيل المدينة من خلال شخصيات هامشية في الغالب.
تتناول الرواية سيرة تمتد لنحو أربعة عقود بين عامي (1969 و 2012)، وتتعقّب عمل شخص اسمه “مولود” في عدد من الأعمال بشوارع إسطنبول، من بيع اللبن الرائب والأرز إلى حراسة مواقف سيارات.
يراقب “مولود” الناس بمختلف أشكالهم وشخصياتهم وهم يمرون في الشوارع، ويشهد تدمير وإعادة بناء المدينة، ويرى المهاجرين من الأناضول وهم يصنعون الثروات. وفي الوقت ذاته يشهد كلَّ لحظات التحوّل في تاريخ المدينة؛ من صراعات سياسية وانقلابات عسكرية تعيد تشكيل البلد في كلِّ مرة.
يثير “مولود” السؤال عمّا يجعله مختلفاً عن الآخرين وعن مصدر وأسباب الغرابة التي لا تبارح عقله، ولكنه لا يتوقّف عن بيع البوظة في أمسيات الشتاء وهو يجتهد في أن يفهم من حبيبته.
كما قدّمت للوالد كتاب «فيصل، شخصيته وعصره وإيمانه» من تأليف ألكسي فاسيليف، وهو مؤرّخ روسي وباحث في شؤون الشرق الأوسط والأدنى ومدير معهد الدراسات الإفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وكانت فصوله الأولى مبهرة، ولم أنقطع عن قراءته حت الآن.
ويثير الكتاب أموراً عدة في حياة الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أصبح في عام 1964 عاهل بلد فيه ربع احتياطيات العالم من البترول، ويحتضن في رحابه مكّة والمدينة، ووُصِف بأنه «أقوى حاكم عربي منذ قرون».
بعد ذلك بإحدى عشرة سنة، أرداه أحد أبناء شقيقه (فيصل بن مساعد بن عبد العزيز) برصاصة أطلقها عن قرب على رأسه عند استقباله وزير النفط الكويتي في عام 1975.
ويروي أليكسي فاسيليف في كتابه سيرة ملك متديّن وحازم وسياسيّ بارع تمكّن من الحفاظ على علاقاته مع كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية عبر حربَيْن بين العرب وإسرائيل، كما أسهم بشكل واسع في فرض حظر نفطي على الغرب في عام 1973.
وكذلك كتاب «تاريخ البشرية» لأرنولد توينبي الذي يبحث في تتابع الحوادث التي كان من نتائجها نشوء وتطوُّر العرق البشري. وهو يختلف عن تاريخ العالم الذي ينظر إلى التطورات الفيزيائية لكوكب الأرض وتطوّر الحياة وتنوّعها عليه.
وينحو إلى تقسيم أبحاث تاريخ البشر إلى مدرستين يُطلق على الأولى (التصميم الذكي)، تعتمد على مفاهيم تناقلتها البشرية بطريق التواتر عبر الأجيال؛ ومنها التفسيرات التي وضعتها الأديان والثقافات للخلق، والثانية يُطلق عليها الاصطفاء الطبيعي، وتعتمد على فكرة التطوُّر التدريجي بناءً على نظرية البقاء للأصلح.
وحرص الوالد بأريحيته أن أخطَّ على الكتاب ما نصّه: هذا الكتاب من إهداء الابن محمد بن أحمد، أهدانيه في تاريخ (كذا) أثناء إقامتنا في لندن.
ثقافات ومدن
ومن الكتب التي دفعتها للوالد كتاب «التشيّع العربي والتشيّع الفارسي» للباحث العراقي نبيل الحيدري، تناول فيه من خلال ما يزيد على 560 صفحة و1200 مصدر ومرجع، رحلة عبر تطوّر الفكر الشيعي وأثر الفرس فيه.
ويُعدُّ بحثاً مهمّاً في بابه لمعرفة زمن ودوافع الافتراق الأصولي والفقهي الذي ما زلنا نعاني آثاره. بدءاً مما بدا أول الأمر حباً وموالاة للنبي وآل بيته إلى أن تطوّر إلى نظرية دينية متكاملة بلغت أقصى مراحل غلوّها عندما أسبغ على الأئمة صفات الألوهية، وأطلق عليها مصطلح «لاهوت الإمامة»، وجعلهم بمرتبة أكاسرة فارس القدماء، الذين حازوا المجد الإلهي بإمداد سماوي.
ويعمد المؤلف إلى توضيح ما يعنيه بلفظ الفرس وأنَّ الأمر لا يطال القومية أو الجنس، بل الثقافة الفارسية السابقة لدخول الإسلام إلى بلاد فارس، والتي تسلّلت عبر مراحل متعددة متراكمة إلى الثقافة الشيعية، وخلقت هوة ازدادت اتساعاً بين السنة والشيعة.
وكتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي.
وتصدّى فيه المؤلف إلى فهم طبيعة المجتمع العراقي بشكل عام، وفي المنطقتين الوسطى والجنوبية على وجه الخصوص. وعقد في كتابه فصولاً تناول فيها صراع البداوة والحضارة، وتأثيراتها ومذوّباتها وما أفرزته منذ العهد العثماني، ومكوّنات الشخصية الريفية ومظاهر التديّن وأسبابه، والوضع الاجتماعي للمدن التي تعرضت للترييف والبدونة وصولاً إلى تشكّلات الشخصية في المدن.