ندوة الأستاذ خالد الجلاف في مركز جمال بن حويرب للدراسات

مجالس

 968 عدد المشاهدات

مركز جمال بن حويرب للدراسات

قال الفنان والخطاط الإماراتي خالد علي الجلاف ، إن ازدهار الفنون بصورة عامة ، وفن الخط بخاصة ، يؤكد قوة الدولة وعظمتها ، وإن لدولة الإمارات فضل كبير على ازدهار فن الخط العربي ، وتطوره . ودعا الجلاف إلى عودة هذا الفن إلى مناهج التعليم، ليُدرّس كفن بذاته ، وليس ملحقاً بمادة اللغة العربية، مطالباً بالاهتمام الإعلامي به كفن قومي، وتخصيصه ضمن مناهج التعليم في كليات الفنون بالجامعات والمعاهد ، وإنشاء مراكز لتعليمه في جميع أنحاء الدولة ، وتأسيس متحف وطني للخط، وتنظيم مسابقات للخطاطين واقتناء الأعمال الفائزة تشجيعاً لهم ، وتخصيص منح للراغبين في تعلمه وإتقانه.

 

جاء ذلك في جلسة استضافها مركز جمال بن حويرب للدراسات في مقره الجديد بالجميرا ، في إطار برنامجه الثقافي والأدبي ، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على أهم القضايا الفكرية والأدبية والثقافية التي تهم المجتمع .

بحضور أحمد الجميري وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، ثم مدير عام هيئة الصحة في دبي ، الأسبق، الشاعر والباحث الدكتور شهاب غانم والدكتور خالد الوزني المستشار في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، وعدد من الصحافيين والإعلاميين والباحثين ، منهم محمد أبو عبيد من قناة العربية .

رحب المستشار جمال بن حويرب ، رئيس المركز ، والمدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، بالمحاضر والحضور ، قائلاً : اختار المركز هذا الموضوع ، نظراً لأهميته في بناء حياتنا الثقافية والمعرفية ، ولأن كثيراً من الناس يجهلون دور الدولة وجهودها في الارتقاء بمستوى فن الخط العربي ، وازدهاره ، ولأن البعض يقول : أنتم في دولة الإمارات العربية المتحدة تهتمون بالبنيان والعمران ، حتى بلغتم عنان السحب ، لكنكم لاتهتمون ببعض الجوانب الثقافية والتراثية ، مثل فن الخط العربي ، على سبيل المثال .

وأضاف …لكن الحقيقة سيذكرها شاهد ورائد من أهل هذا الفن ، أخي الأستاذ خالد علي الجلاف ، رئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي، ونائب رئيس تحرير مجلة «حروف عربية»، المتخصصة في مجال الخط العربي. الذي عاش مشغوفاً بالرسم وفن الخط العربي ، ونظم لذلك أربعة معارض شخصية ، وخامسها قريباً في جامعة الشارقة . سوف يحدثنا عن هذه الحقيقة .

دولة قوية ..خط مزدهر

قال الجلاف : عندما أتحدث عن فن الخط العربي ، أجد نفسي أتحدث عن ذاتي ، وعن تاريخ كل منا . فقد كان اهتمامي بالرسم وفن الخط العربي منذ الصغر ، وكلما كبرت ، كلما كبر اهتمامي بهذا الشغف الذي بات جزءاً من حياتي ، بل حياتي كلها . وأصبحت شاهد عيان على ازدهار هذا الفن ، ورقيه في الدولة ، نتيجة اهتمام كثير من الناس ، وكبار المسؤولين ، وفي مقدمتهم صاحبا السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، حيث حرصا على تقديم كل مامن شأنه الارتقاء بهذا الفن إلى مصافٍ عالمية .

وأكد الجلاف أنه كلما كانت الدولة قوية وعظيمة ، كلما كان الفن بصورة عامة ، وفن الخط ، بخاصة ، في موقع من الازدهار والرقي . ودولة الإمارات منذ نشأتها ، دعمت بسخاء الفن والفنانين ، وأخص التشكيليين والخطاطين منهم .

وتحدث الجلاف عن تجربته في الخطوة الأولى ، وتعلم قواعد الرسم من الأستاذ عبدالقادر الريس الذي نصحه بالابتعاد عن الرسم ، والالتزام بفن الخط العربي ، حيث لم تكن هناك تقنيات حديثة ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، ولا كتب ، أو معلمين.

البدايات الأولى

وذهب الجلاف إلى البدايات الأولى لنشوء الخط ، حيث تقول قصص عدة وروايات ، أنها تبدأ مع الكتابة ، التي بدأت مع تشكل الدولة ، حيث برزت حاجتها إلى التوثيق .

ومرت بأطوار عدة :
– الصوري : عندما كان الإنسان يعبر عن حاجته بالرسم .
– الرمزي: ترمز الشمس إلى النهار ، والقمر إلى الليل ، والأسد إلى الغابة والقوة.
– المقطعي: حيث تمثل أجزاء من منطوق الكلمة ، إلى مايريده صاحبها.
– الصوتي: إذ يعبر الحرف الأول من الكلمة عن كامل الكلمة ” حرف الغين يعني غزال ” و”حرف الكاف يعني كلب ” و…هكذا.

– الحروف الهجائية : حيث وضع لكل حرف رمز . والسومريون هم أول من كتب بالأحرف المسمارية ، في بابل وآشور ، وما حولهما . لكن هذه الأحرف انقرضت لصعوبتها .

ثم جاءت الأحرف الحثية في بلاد الشام ، وما لبثت إلاٌ قليلاً واندثرت ، لصعوبتها كذلك . تلتها الأحرف الفينيقية فالصينية والمصرية ” الهيروغليفية” . علماً أن الفينيقيين كانوا تجاراً ، وعندما زاروا مصر وجدوا أن المصريين اكتشفوا الكتابة ” الهيروغليفية” ، فأخذوا منها 15 حرفاً وضموها إلى خطوطهم . ثم ما لبث الكنعانيون أن أخذوا من الفينيقيين . وفي اليمن راح الناس يكتبون بالأحرف النبطية ، وقد اكتشف ذلك على قبر فهر بن سليمي .

وأضاف الجلاٌف ..تبين أن الأحرف النبطية في اليمن شبيهة بكتابات أهل الحجاز ، ولعل هذا أمر بدهي نتيجة ” رحلة الشتاء والصيف” التي كان أهل قريش يقومون بها إلى اليمن . ويعتبر الخط القؤيشي ، ثم المكي فالمدني ثم الحجازي تعتبر أقدم الخطوط العربية . وطور أهل الكوفة الخط الحجازي ، في فترة ما قبل البعثة المحمدية . وفي فترة الرسول محمد صلٌى الله عليه وسلُم ، كان الصحابة يكتبون المصحف والأحاديث النبوية الشريفة بالخط الحجازي ، والفضل يعود إلى علي بن أبي طالب ، كرُم الله وجهه.

أما الحجاج بن يوسف الثقفي فهو أول من نقٌط الحروف في القرآن الكريم ، لكن أبو الأسود الدؤلي فهو من شكُل الحروف .

وضرب المحاضر مثلاً على ازدهار الخط العربي أيُام الدولة الإسلامية في الأندلس والقيروان،  بازدهار حركة الترجمة ، حيث كان يوجد نحو 6000 خطُاط وناسخ زمن عبدالرحمن الناصر . أما في بلاد فارس فإنهم طوٌروا الخط العربي ، لكنهم لم يبتدعوه.

الإمارات والخط العربي

قال الفنان خالد الجلاف إن كثيراً من الناس لا يعرفون فضل الدولة ، ودورها في ازدهار فن الخط العربي ، فهل عرفت الإمارات الخط العربي أم لا؟؟.

أجاب …نعم ، فقد وجدنا دلائل من الأجداد والآباء على وجود وازدهار الخط العربي ، رغم انتشار الأمية منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. إذ كان هناك ثلاث جهات تتولى الكتابة لمن لايجيدها من السكان ، إضافة إلى تعليمهم قراءة القرآن الكريم، أولاها الكاتب أو ” الكراني” ، ثم ” المطاوعة” ، وثالثها ” الكتاتيب” ، وقد اشتهر هؤلاء قبل وجود المدارس النظامية كالفلاح والأحمدية ، في بدايات القرن العشرين ، وقبل وصول البعثة التعليمية الكويتية التي كان لها فضل كبير على مسيرة التعليم  ، وتطور الخط العربي بأشكاله المختلفة .

وأضاف ..لقد كان الشعراء والأدباء في منطقة الخليج ، وبخاصة في الإمارات يكتبون النصوص الشعرية بخط جميل من خلال ” الكيتوب ” . أو بخط أيديهم أمثال الشيخ محمد عبدالرحمن بن حافظ  ، وحميد بن سلطان الشامسي ، والشاعر مبارك العقيلي .

واستعرض المحاضر أسماء عدد من الخطاطين ، الذين وفدوا إلى الإمارات ، وكان لهم فضل كبير في تعليم خطاطي الدولة وفنانيها أصول فن الخط  العربي ، وأشكاله ، أمثال نزار الدوري وعلي ندا ومحمد الموسوي الذي كان معلماً في مدرسة جمال عبدالناصر . وأكد أن كل هؤلاء هم تلاميذ هاشم البغدادي ، أحد أكبر الخطاطين العرب .

وتطرق الجلاف إلى دور القطاعين العام والخاص في تطور وازدهار فن الخط العربي بدولة الإمارات ، مؤكداً أن لبعض المؤسسات فضل كبير في هذا المجال منها: هيئة الثقافة في الشارقة ، وندوة الثقافة والعلوم في دبي  ، حيث دعا رئيسها ” آنذاك” ، الكاتب والأديب محمد المر إلى إصدار مجلة ، هي الأولى في الوطن العربي ، تعنى بالخط العربي ، مجلة ” حروف عربية” ، التي لاتزال تصدر ، دورياً ، ربع سنوية . إضافة إلى رعاية تنظيم مسابقة العويس للخط العربي.

وأتى المحاضر على دور المجمع الثقافي في أبوظبي ، في رعاية وتطور فن الخط العربي من خلال الورش التي يقيمها باستمرار ، حيث تم تنظيم أول معرض للخط العربي في أبوظبي ، ضم اللوحات الفائزة في مسابقة حامد الحامدي .

أما هيئة الثقافة والفنون في دبي ، فقد نظمت معرض دبي الدولي لفن الخط العربي ، بحضور ورعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ، رئيس مجلس الوزراء ، حاكم دبي ، رعاه الله.

وأشار المحاضر إلى اهتمام وزارة الثقافة وتنمية المجتمع ، بتطوير فن الخط العربي ، ومساعدة الخطاطين والفنانين ، من خلال مسابقة ” البردة ” ، التي تقام في شهر رمضان المبارك ، بمشاركة نحو ثلاثين خطاطاً ، يعملون على كتابة المصحف الشريف بأشكال مختلفة لفن الخط العربي.

الشارقة والخط العربي

أشاد خالد الجلاف بدور وفضل حكومة الشارقة ، ومؤسساتها في تطور وازدهار فن الخط العربي ، بتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ، عضو المجلس الأعلى ، حاكم الشارقة ، والأب الروحي للحركة الثقافية والأدبية ، في الإمارة بخاصة ، والدولة بصورة عامة ، حيث خصص سموه نسبة من ميزانية الشارقة لدعم وتطوير الحراك الثقافي . كما أن سموه يحرص على حضور كل الفعاليات والأنشطة الثقافية والأدبية في الإمارة ، بما فيها تلك المتعلقة بفنون الخط العربي .

وأشار المحاضر إلى برامج هيئة الثقافة في الشارقة التي تعنى بالخط العربي ، والتي تمخض عنها معهد تعليم الخط العربي  ، وله فروع في جميع مدن الإمارة ، بينالي الشارقة للخط العربي . كما أن الشارقة خصصت مركزاً لتعليم فن الخط العربي . وهناك مشروع ” كتاتيب ”  ، تعمل الهيئة على إنجازه ، ولعل متحف الشارقة هو الوحيد الذي يهتم بالخط العربي .

وذكر دور جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة ، التي تأسست قبل نحو أربع سنوات ، بموجب مرسوم من صاحب السمو حاكم الشارقة ، الذي وجه المسؤولين بإشهارها قبل اكتمال أوراقها الثبوتية .

مشاريع ومعاناة

كشف الجلاف النقاب عن تنظيم معرض لفن الخط العربي في الشارقة ، في شهر ابريل المقبل ، بعنوان ” جوهر زايد الإنسان ” ، يشارك فيه نخبة من الخطاطين والفنانين الإماراتيين والعرب . وبالإضافة إلى جائزة البردة ، هناك ” جائزة ستة آلاف دولار ادعم الفنان الإماراتي “. وقال : إن هناك في دبي من المعارض والغاليريات ، ما يفوق أمثالها في الوطن العربي . وضرب مثلاً في دمشق ، أقيم معرض واحد ، وفي مصر معرضان ، أماٌ في الإمارات ، فقد تم تنظيم 14 معرضاً ، ثمانية منها في الشارقة ، وستة في دبي . وقال : إذا كانت اسطنبول أصبحت اليوم سوقاً رائجاً لفن الخط العربي ، فما ذلك إلاٌ بفضل دولة الإمارات ، وفنانيها.

وعن المعاناة والعقبات التي تحول دون تحقيق المزيد من التطور والازدهار لفن الخط العربي ، أكد الجلاف ، أن ذلك يعود إلى إهمال المدارس في تعليم الخط العربي ، وإذا كانت خطوط طلابنا اليوم سيئة ، فإنما بسبب أن المادة لم تعد تدرس في المدارس . وأضاف ..من أسباب المعاناة وجود ازدواجية في المعارض والأنشطة المتعلقة بهذا الأمر ، لكن مؤخراً ، برز نوع من التنسيق ، تقوده جمعية الإمارات لفن الخط العربي ونأمل أن يكتمل هذا الدور، ليؤتي أكله.

وقال : في كل العالم نجد أن فن الخط ، فن ذكوري ، أما في الإمارات فإنه فن أنثوي ، ولعل ذلك يعود إلى انصراف الذكور عنه. بعد أن أصبحت الساحة تعاني من ترهل ونوع من الفوضى ، علماً أن شهادة فن الخط في اسطنبول لاتمنح إلاُ بعد مرور 8 سنوات من الدراسة .

 
 

واختتم الجلاف ، بعدد من العوامل ، ينبغي توفرها ، لإعادة فن الخط العربي إلى سكته في الدولة ، منها:
– أن يعود الخط العربي إلى المناهج الدراسية.
– أن يعامل ، إعلامياً ، كفن قومي ،  وأن تقوم وسائل الإعلام بدورها تجاهه على هذا الأساس .
– إضافة مادة ” فن الخط العربي ” إلى المعاهد والكليات في الجامعات ، كمقرر دراسي.
– إنشاء مراكز لتعليم فن الخط العربي في كل إمارات الدولة ، أسوة بإمارة الشارقة.
– إنشاء متحف وطني لفن الخط العربي ، كما اليابان والصين .
– إقامة مسابقات تشجيعية للخطاطين والفنانين الإماراتيين ، وقد بدأنا الخطوة الأولى من خلال معرض ” زايد الإنسان”.

– تخصيص كرسي أو منحة لتعليم الطلبة الراغبين في تعلم فن الخط العربي.

 

فضاء الأنترنت
وفي نهاية الجلسة ، تحدث المستشار جمال بن حويرب قائلاً: أرى أن فن الخط العربي ينبغي أن يخرج إلى العامة ، وأن ينتشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، ومجالس الأنترنت ، وأن نشارك في المعارض الدولية ، وإلاٌ فإن هذا الفن سيظل يراوح مكانه.
وأضاف.. كما ينبغي مشاركة القطاع الخاص في نشر وتطوير هذه القضية الوطنية ، كأن تفتح المجالس والمراكز ، من قبل مؤسسات القطاع الخاص ، مسهمة منها في ازدهار ورقي فن الخط العربي.