2,881 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات
قال الدكتور عبد الإله عبد القادر مدير مؤسسة سلطان العويس الثقافية ، إن دولة الإمارات العربية المتحدة ، ومن خلال الهيئة العربية للمسرح ، التي أمر بتشكيلها صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، تسعى إلى إعادة أمجاد المسرح العربي من جديد ، بعد أن تلاشت قلاعها في بغداد ، دمشق ، بيروت القاهرة والقيروان ، وذلك من خلال تنظيم مهرجانات مسرحية سنوية في عواصم البلاد العربية ، على نفقة سموه ، ومتابعة وإشراف هيئة الثقافة والفنون في الشارقة .
وأضاف د. عبد القادر ..خلال محاضرة ألقاها في مركز جمال بن حويرب للدراسات في دبي بعنوان ” المحطات الرئيسة لتطور المسرح في الإمارات” ، نحن اليوم بحاجة ماسة للأمن الثقافي والفني العربي ، تماماً كحاجتنا إلى الأمن القومي ، والأمن الغذائي وغيرها…
في حين قال المستشار جمال بن حويرب ، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، رئيس المركز: إن المسرح الإماراتي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام ، ليواكب النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة في شتى الميادين .
في بداية الجلسة قدم الإعلامي حسين درويش المحاضر ، الدكتور عبدالإله عبد القادر المؤرخ ، الكاتب ، والمسرحي ، وألقى الضوء على أعماله ومؤلفاته ، والمسرحيات التي ألفها وأخرجها . متندراً بحادثة جرت للمحاضر عندما كان يستقل قطاراً في بلد أوربي ، ذات يوم ، فجاء أحد رجال الشرطة ليفتش حقيبته ، وبعد أن سأله ، ماذا تحمل فيها ؟ ، أجاب عبد الإله لا أحمل شيئاً ، فقام بتفتيشها ووجد فيها قصيدة عن ماوتسي تونغ ، الزعيم الصيني الأسبق . عندها خيٌره الشرطي بين أمرين ، السجن ، أو حرق القصيدة ، والتعهد بعدم كتابة الشعر مدى الحياة . فآثر المحاضر الشرط الثاني ، وبذلك يكون الشرطي خلٌص العالم من شاعر شرير؟؟!!
أزمة المسرح العربي
قال الدكتور عبدالقادر ، قبل أن نذهب إلى واقع المسرح في دولة الإمارات ، وكيفية تطويره والنهوض به ، لابد من إلقاء الضوء على حال المسرح العربي حالياً ، الذي يعيش أزمة حقيقية يصعب التخلص منها حالياً .
من المعروف أن مراكز المسرح العربي التقليدي ، كانت تنحصر في بغداد ، دمشق ، القاهرو وتونس ، ومن بعدها أصبحت الكويت مركزاً مهماً في منطقة الخليج . إلاٌ أن هذه المراكز تضاءل دورها ، بل إن بعضها توقف تماماً وبالكامل ، والآخر في طريقه إلى التوقف .!!.
واستطرد قائلاً: دمشق .. كان فيها أهم مهرجانات المسرح العربي ، مهرجان دمشق الدولي ، الذي توقف وتوقفت معه فعاليات مهمة عدة، ومجلة ” الحياة المسرحية” ، التي كانت يديرها الراحل سعدالله ونوس ، كانت تشكل مرجعاً مهماً في الحياة المسرحية العربية ، لكنها توقفت هي الأخرى.
أما بغداد ومهرجاناتها الدولية للمسرح العربي ، وعدد كبير من المجلات المتخصصة بالمسرح والسينما ، فقد توقفت بسبب الحروب والغزو ، وتشرد الكتٌاب والمسرحيون في أرجاء المعمورة ، بعد أن كان في بغداد خيرة المخرجين والكتٌاب والمسرحيون العرب . ولم يكن في العراق مهرجان واحد للمسرح ، بل فيه مهرجانات تخصصية عدة على مستوى الدولة ، وكانت تلك الأنشطة تفرز خيرة الفنانين والمسرحيين ، الذين انتشروا في البلاد العربية ، يقدمون تجاربهم من أجل خلق حركة مسرحية عربية.
وأضاف .. أما القاهرة ، وكما ترون ، فقد تراجع دورها في المسرح العربي ، رغم محاولات متفرقة للنهوض به ، واعتمدت على المسرح التجريبي ، لكنه سرعان ما تراجع وانتهى !!. وكذلك غابت المجلات المتخصصة بالمسرح ، وتقلُص موسمها المسرحي السنوي ، وهناك شبه توقف للمسرح القومي ، المرجع الأساسي للمسرح العربي .
كما غاب عمالقة المسرح ، سواء بالموت أو لأسباب قاهرة ، وأصيب المسرح المصري بالشيخوخة التي لم تكن متوقعة . وربما ظلٌت القاهرة مصدراً للدراما التلفزيونية أكثر من دراما المسرح
واستطرد المحاضر.. أما الحال في تونس والمغرب ، فليس بأحسن من بغداد ودمشق والقاهرة ، فلم نعد نسمع بمهرجان قرطاج المسرحي في تونس ، أو نتلمس له أثرً في في التجارب العربية المسرحية ، وغاب العديد من رموز المسرح من تونس والمغرب ، حيث كنا ننظر إلى دورهم في الحياة المسرحية بكثير من الإعجاب والتاثُر .
أما المسرح الكويتي ، الذي كان مؤثراً في منطقة الخليج ، وبعد غياب رواده من المبدعين ، أمثال صقر الرشود وعبدالحسين عبد الرضا وسعد الفرج ، الذين شغلوا الخليج والوطن العربي في مسرحية ” باي باي لندن ” و” محكمة الفريج ” ، فلم نعد نلمس لهذا المسرح أي تأثير ، بسبب غياب عمالقته من المسرحيين .
وقال د. عبد القادر ، إذن فالمسرح العربي يعاني من أزمة حقيقية ، تتمثل في :
– انعدام الدعم وضعف موارده.
– فقر الإنتاج وضعف النص المسرحي.
– الابتعاد عن هموم الإنسان اليومية .؟
– عدم الاستقرار الأمني في معظم الدول العربية.
– تطور التقنيات ، وتجاوزها لتقنيات المسرح.
– هيمنة الدراما التلفزيونية ، والفضائيات التي أصبحت بديلة لكل إنسان.
– تغير مفاهيم الحياة ، وتطور ” ميديا النت ” ، وتطور تقنيات السينما ، التي وفرت للإنسان بدائل جاهزة
مسرح الإمارات
وانتقل المحاضر للحديث عن تاريخ المسرح في الإمارات قائلاً: لا أريد أن أقدم سرداً عنه ، خاصة بعد صدور كتب عدة ، تتحدث عن انطلاقة المسرح في الإمارات ، وكيف نشأ وتطور ، إلاٌ أنني أود التركيز على محطات تعتبر المؤشر على ذلك ، وأبدأ بما ذكره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عن حكاية ” صندوق الدنيا ” ، وكان عمر سموه يومها 9 سنوات ، إذ يقول : إن رجلا جاء من العراق ، يحمل صندوقاً فيه صور متحركة ، لكن الأهالي الذين لم يشاهدوا شيئاً كهذا سابقاً ، ارتعبوا ظناً منهم أن فيه جان ، وعندما وصل الأمر إلى الشيخ صقر القاسمي ، حاكم الشارقة آنذاك ، استدعى الرجل وأكرمه ، وطلب منه العودة إلى العراق .
وأضاف د. عبد الإله ، إذا ما أردنا تحديد الإرهاصات الأولى لانطلاقة المسرح في الإمارات ، فنعود إلى العام 1950 ، وإلى مدرسة القاسمية في الشارقة ، التي تعتبر واحدة من أوائل المدارس النظامية ، وفيها مجموعة من الأساتذة الأفاضل ، منهم زهدي الخطيب ، محمد دياب الموسى ، وعلي بورحيمة ، الذي قام بتأليف وتمثيل أول مسرحية في مدرسة القاسمية ، عنوانها ” الحطٌاب وبنت السلطان” ، كما يروي الشيخ سلطان ، غير أن هذه المسرحية أصبحت المحطة الأولى لانطلاقة المسرح ، دون أن يدري علي بورحيمة وقتها أنه يؤسس لحركة مسرحية في الإمارات ، ستأخذ أبعاداً مهمة مستقبلاً
واستطرد المحاضر.. في العام 1955 ، قدم مجموعة من الطلبة بتقديم مسرحية ” جابر عثرات الكرام ” لمحمود غنيم ، وكان على رأسهم الشيخ سلطان القاسمي ، والراحل تريم عمران تريم ، ومحمد حمد الشامسي ، وكذلك الأخوين أحمد ومحمد ناصر وخلف الفندي ومحمود خير الله ، وأخرحها فايز أبو نعاج ، ثم أعيد إخراجها في العام 1957 على يدي أحمد العدواني.
وأضاف المحاضر .. أما في دبي ، فيذكر الأستاذ زهدي الخطيب أن أول مسرحية ، شهدتها مدارس دبي ، كانت في العام 1958 ، بعنوان ” جامع الذهب ” ، كان سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم ، نائب حاكم دبي ، يمثل فيها وكان معه جمعة غريب .
إذن يمكن أن نحدد النشاط المسرحي المدرسي ، في الشارقة بدأ العام 1950 في المدرسة القاسمية ، على يدي علي بورحيمة ، وفي دبي العام 1958 في المدرسة الأحمدية ، وفي العام 1960 في المدرسة القاسمية برأس الخيمة.
وتطرق المحاضر إلى دور النوادي الرياضية الثقافية في الحركة المسرحية بالدولة ، وأشار إلى جهد صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في هذا المجال ، حيث قدم سموه عملاً مسرحياً من تأليفه وتمثيله ، بعنوان ” وكلاء صهيون” ، أغضب الحاكم البريطاني يومها ، وأصر على إغلاق المسرح . ثم أعيد إخراجها العام 1963 في نادي الشعب بالشارقة .
وذكر المحاضر مسرحية ” الإسلام والتعاون” ، لجمعة غريب ، التي قدمها العام 1959 ، خرجت على إثرها مظاهرة طافت شوارع دبي ، تنادي بالحرية والاستقلال.
قيام دولة الاتحاد
قال د. عبدالإله عبد القادر: إن قيام دولة الاتحاد فجٌر ثورة تعليمية في جميع أنحاء الدولة ، قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، تعتبر مفصلاً أساسياً في الثقافة بصورة عامة ، والمسرح والتعليم بخاصة . إذ استقدمت وزارة التربية والتعليم مئات بل آلاف المدرسين ، كما استقدمت الفنان زكي طليمات من مصر ، لوضع خطة تستهدف النهوض بالمسرح ، وبخاصة المسرح المدرسي الذي كان عماد الحركة المسرحية في الإمارات .
وبعد طليمات ، جاء صقر الرشود من الكويت ، الذي يعتبر ، رحمه الله ، ثروة كبيرة ، وفكراً مسرحياً ، قل مثيله ، وكان أحضر معه أستاذه ابراهيم جلال ، الذي كان أول من أدخل العلم إلى المسرح ، وأول من أدخل مسرح ” بريشت ” إلى المسرح العربي ، ونقل شباب الإمارات إلى مهرجان دمشق الدولي . وقد حلٌ محل صقر الرشود بعد وفاته بحادث سير في الكويت.
وقد تشكلت معظم الفرق المسرحية في الدولة ، بتواريخ متقاربة . حيث أصبح لدينا نهضة ثقافية ومسرحية .
وتطرق المحاضر إلى دور كل من المخرجين ابراهيم الشطي وجواد الأسدي في تطوير المسرح الإماراتي ، لكن منهج الأسدي ، الذي يعتبر مفجر طاقات الشباب ، والذي أحضر معه أكثر من أربعين شخصاً ، كان صعباً ، فانفض المسرحيون من حوله ، ولم يبق معه سوى ناجي الحاي وسميرة أحمد وابراهيم جمعة .
وسط هذه المعطيات ، انبثقت فكرة تنظيم مهرجان مسرحي محلي ، أيام الشارقة المسرحية ، التي لاتزال مستمرة إلى يومنا هذا ، بدعم لا محدود من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ، الذي أمر بتشكيل الهيئة العربية للمسرح ، وأنيط بها تنظيم مهرجانات مسرحية سنوية ، في البلاد العربية ، لتعويض ما نتج عن غياب مهرجانات دمشق وبغداد والقاهرة وقرطاج .
واختتم المحاضر قائلاً : ..وبذلك تكون دولة الإمارات العربية المتحدة ، قد أعادت للمسرح العربي تألقه ونشاطه .
مداخلة مسرحية
الباحث راشد بن هاشم ، قدم مداخلة عن بدايات المسرح في الإمارات ، وعاد بالذاكرة إلى فترة بداية الستينيات من القرن الماضي ، كونه أحد المشاركين في بعض المسرحيات آنذاك . وقال: في مطلع الستينيات قدمنا في نادي النصر الثقافي والاجتماعي والرياضي ، الكائن في منطقة الشندغة ، حينها ، وتحديداً في بيت المرحوم عتيق بن أحمد المري ، قرب بيت الشيخ جمعة بن مكتوم ، المسرحية كانت بعنوان ” طبيب الأسنان” ، من تأليف المرحوم الشيخ ماجد بن عبيد بن جمعة آل مكتوم ، الذي أخذ دور الطبيب فيها ، بينما أخذ دور الممرض أحمد بن محمد المنصوري ، ودور المنصر النسائي قام به عبدالله مبارك بالزمول ، أما صبي العيادة فكان راشد بن هاشم ، ولحن المسرحية المرحوم اسماعيل حنكوس. وعرضت على مدى أربع سنوات ، في كل عام مرة.
وأضاف بن هاشم ..في العام 1969 ، تم عرض ” مسرحية الفوالة ” ، بحضور المغفور لهم بإذن الله تعالى ، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ، والشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ، وذلك بمناسبة تدشين بئر نفط ” مرغم” ، آنذاك.
وعرضت المسرحية في المقر الجديد لنادي النصر ، قرب الحوض الجاف ، وكانت من تأليف الشيخ ماجد ، والممثلون إضافة إلى المؤلف هم : عبدالله بن مبارك بالزمول ، راشد محمد بن هاشم ، عبدالوهاب محمد عبدالوهاب ، زعل خليفة ، وموزة المزروعي ، وتعتبر أول عنصر نسائي يشارك في مسرحية محلية ، والمرحومة منى مبارك بالزمول التي أخذت دور ابنة موزة في المسرحية .
وشاركت الفرقة الماسية المصرية في عزف موسيقى المسرحية ، بمشاركة المرحومين عبدالحليم حافظ، شكوكو ، والفنانة شريفة فاضل ” أم البطل ” . وشارك كذلك كل من الفنانين المبدعين ، المرحومين ، بخيت الشيخ وحارب دروب” الرميثي”.
تفاوت اللهجات والمسرح الشعري
وجرى في نهاية الجلسة حوار مطول بين المحاضر والحضور حول تفاوت اللهجات العربية بين المشرق والمغرب ، ما يؤثر على فهم المشاهدين ، لما تطرحه المسرحيات . فقد قال القنصل الجزائري في دبي ، محمد الدرجي : المسرح مثل الشعر والرواية والقصة ، يعكس البيئة الثقافية في البلد ، لكن هناك إشكالية تتمثل في تفاوت اللهجات ، بين هذا البلد وذاك ، ما يجعل المتابع أو المتفرج يواجه صعوبة في الفهم والمتابعة ، ونحن في الجزائر نحتاج إلى مترجم ، عندما نشاهد أو نتابع المسرحيات الكويتية ، مثلاً.
وتابع الدراجي .. المسرح أضحى مثل ملعب كرة القدم ، فقد بدأ تعليمياً ، ثم أصبح رمزياً ، واليوم يقف عند مفترق طرق ، بين الشعب والحكام ، هل ينحاز إلى جانب الشعب ، أم إلى جانب السلطة؟؟.
في حين قال الكاتب والباحث والشاعر د. شهاب غانم ، الحياة مسرح كبير ، وهذا يعني أن المسرح أبو الفنون ، فهل استفاد المسرح في الإمارات من حركة الترجمة العالمية ؟. وهل هناك مسرح شعري في الإمارات؟؟.
فأجاب المحاضر على التساؤلات قائلاً : أما بالنسبة لدور المسرح فإننا في دولة الإمارات ، فإنه يمثل بيئة عصره ، ونحن بعد قيام الاتحاد ، حيث هناك تقارب كبير ، بل انصهار لامثيل له بين الشعب والسلطة ، والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد كان بمثابة أب لكل المواطنين ، بل وحتى للمقيمين في الدولة ، لذا فقد كان هناك دور كبير للمسرح ، وكان في أوج قمته .
وأضاف ..بالنسبة للمسرحيات المترجمة ، فإن المسرح الإماراتي لم يقدم أكثر من 10 منها ، نحن اعتمدنا على المسرح العربي فقط . أما المسرح الشعبي ، فإنه لايوجد لا في الإمارات ، ولا في الوطن العربي .