ندوة موسَّعة عن خدمات دبي الصحية في مركز بن حويرب للدراسات

مجلة مدارات ونقوش – العدد 22 - 23

 913 عدد المشاهدات

مدارات ونقوش – خاص

أكَّد معالي حميد محمد القطامي المدير العام لهيئة الصحة في دبي، أنَّ في دبي تحتوي 3568 منشأة طبية وصحية مرخصة، وأنَّ الهيئة تَعدُّ القطاع الصحي الخاص شريكاً استراتيجياً في جميع مراحل وخطوات تطوير المنظومة الصحية.

وقال: إنَّ الهيئة تنظر بكل تقدير للمؤسَّسات الصحية الخاصة الرائدة، وإنها تتطلَّع إلى دور مهم يمكن أن تقوم به هذه المؤسَّسات، لتعزيز توجُّهات الهيئة وجهودها الرامية إلى توفير أعلى مستويات الرعاية الصحية وتعزيز جودة الحياة.

 

المشاركون في جلسة خدمات دبي الصحية
المشاركون في جلسة خدمات دبي الصحية

 

 

 

جاء ذلك في مداخلة ألقاها معاليه على هامش أمسية مهمة نظمها «مركز جمال بن حويرب للدراسات» بعنوان: «خدمات دبي الصحية الحديثة… تاريخ وإنجازات»، شارك فيها كلٌّ من الدكتور جمعة خلفان بلهول، أول مدير عام إماراتي لدائرة الصحة والخدمات الطبية في دبي، عقب إنشائها في العام 1970 من القرن الماضي، وصاحب مجموعة مستشفيات بلهول في دبي، والدكتور عبد الله الخياط، المدير التنفيذي لمستشفى الجليلة، رئيس مركز دبي للرعاية الخاصة وأول طبيب إماراتي في طب الأطفال منذ العام 1980م، والدكتورة رفيعة غباش، رئيسة جامعة الخليج العربي في البحرين “سابقاً”، ومؤسِّسة أول متحف للمرأة على مستوى الوطن العربي في دبي عام 2012، والأستاذ خالد الجلّاف، الفنان الإماراتي المعروف في مجال الخط العربي، ومدير إدارة البحوث والدراسات في هيئة دبي للخدمات الصحية، بحضور  سعادة جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، رئيس المركز، وعدد كبير من الأطباء والمهتمين، ورجال الأعمال والإعلام والصحافة.

العرب والطب

بدايةً تحدَّث خالد الجلّاف عن الخدمات الصحية في دبي، وما وصلت إليه من تطوُّر ورقي وتميُّز، خلال السنوات القليلة الماضية، بفضل الرؤى السديدة للقيادة الرشيدة التي جعلت صحة المواطن وتعليمه والارتقاء بمستواه المعيشي في رأس سلّم أولوياتها.

وتحدَّث الجلاف عن ازدهار الطب عند العرب، قديماً، ولاسيما في ظل الدولتين الأموية والعباسية، بعد أن نقلوا وترجموا كتب الطب القديمة، التي كتبت أيام الرومان والبيزنطيين، فكان من الأطباء الأعلام العرب الذين عرفهم العالم كله: الرازي وابن سينا وابن النفيس وابن زهر وغيرهم.

وأكد الجلّاف أنَّ العرب اكتشفوا معطيات الطب الحديث مبكراً، وهم أول من أسَّس المجاذم «الدور الخاصة بمرض الجذام»، والمستشفيات المتنقلة، ومحطات الإسعاف، إضافة إلى نظام الحسبة والإجازات.

المجتمع والطب

أمَّا الدكتورة رفيعة غباش فقد قالت: إنَّ ازدهار الخدمات الصحية يدلُّ على ازدهار المجتمع وتطوره، لذا فإنَّ الحديث عن تطوُّر الخدمات الصحية في دبي ليس ذا شجون، بل واقع نعيشه ونفتخر به. ورغم أنني تحدثت في هذا الموضوع في هذا المركز قبل نحو عام، فإني وجدت في هذا الجمع الطيب، وبحضور أساتذتي وزملائي في المهنة، فرصة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب المضيئة في مسيرة الخدمات الصحية في دبي، والتي لم يسعفني الوقت للحديث عنها في المرة الماضية، ولاسيما في جانب العمل النسوي في مجال العلاج والإسعاف.

وتطرَّقت الدكتورة غباش إلى الطب الشعبي، ومخطوطة كتاب صالح المطوع، من أهالي دبي، حيث تطرَّق فيها إلى أشهر المعالجين الإماراتيين أمثال أحمد سالم المزروع في طب الكسور، ومنيرة المزروع في مجال العلاج، وقالت: لقد كانت تجيد فن التصوير، وتصليح السلاح إلى جانب علاج المرضى.

أشهر المعالجات

وقدمت الدكتورة رفيعة عرضاً رائعاً تطرَّقت فيه إلى أشهر المعالجات الإماراتيات، أمثال رفيعة بنت ثاني بن قطامي، المتخصِّصة في معالجة الجروح العميقة ومعالجة العيون، ومريم بنت سيف الحمر، وروضة خميس المنصوري، وفاطمة صقر سالم النعيمي، وآمنة بو دبس، وسهيلة الدل، وعفراء سالم، وغيرهن كثيرات.

وبعد أن سردت الدكتورة غباش واقعة انتشار مرض الجدري في المنطقة في العام 1936، ودخول المبشرين الأمريكيين والشركات الأمريكية، إليها تحت شعار المساعدة على التغلب على هذا المرض وغيره من الأمراض، ودخول البريطانيين على الخط، أكَّدت دور المغفور لهما بإذن الله الشيخ سعيد آل مكتوم حاكم دبي، والشيخ شخبوط بن سلطان حاكم أبوظبي، في معالجة وباء الجدري، حيث رفض الشيخ سعيد المعروف بإنسانيته وبعد نظره، عزل المرضى بعيداً عن مجتمعهم، وأصرَّ على بقائهم في بيوتهم، أمّا الشيخ شخبوط فقد خاطب حاكم البحرين طالباً منه المساعدة لمعالجة المرض المتفشي.

وأشارت إلى دور دولة الكويت في التعليم والخدمات الصحية. كما تطرَّقت إلى إنشاء مستشفى المكتوم في دبي عام 1951، بتعاون من جميع الإمارات، لكن دبي تحمَّلت الجزء الأكبر من الكلفة التي بلغت نحو 350 ألف جنيه استرليني.

تأسيس دائرة الصحة

خالد الجلّاف، الذي أدار الجلسة، تحدث مجدداً عن تأسيس دائرة الصحة والخدمات الطبية في دبي بمرسوم من المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حيث تمَّ تعيين سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، رئيساً للدائرة، والدكتور هانيمان مديراً عاماً.

وأشار إلى الدكتور محمد ياسين الذي عمل في مستشفى المكتوم، وكان يدرس الطب في الهند، ولم يكن تخرَّج بعد، لكن الدكتور هانيمان أصرَّ على أن يتم دراسته في مجال الطب، وكان ذلك في باكستان، وعاد إلى العمل في المستشفى بعد خمس سنوات.

وذكر الجلّاف أسماء بعض المؤسَّسات الطبية آنذاك، مثل مستشفى سارة هوسمان في الشارقة (1952- 1994)، مستشفى الواحة في العين (1960- حتى الآن)، البعثة الطبية الكويتية (1962-1971)، ممثلة في مستشفى الكويت في دبي، ومستشفى الأمراض الصدرية في أم سقيم- دبي، وغيرها.

وشرح الجلَّاف بالتفصيل منشآت القطاع الخاص المرخصة في دبي، والتي أتى على ذكرها معالي حميد القطامي قائلاً: هي تتمثَّل في 18 مستشفى، 760 عيادة تجميعية، 124 عيادة تخصصية، 532 عيادة عامة، 31 مركزاً تشخيصياً، 14 مختبراً طبياً، 157 مركز علاج طبيعي وتأهيل، 39 معمل أسنان، 504 عيادات أسنان بالمراكز التجميعية، 62 عيادة أسنان عامة، 864 صيدلية، و324 محل نظارات طبية، وبذلك يكون الإجمالي 3568 منشأة.

 

الصحة أولاً

وأخذ زمام الحديث الدكتور جمعة خلفان بلهول، الذي كان مولعاً بالطب منذ نعومة أظفاره، والذي درس المرحلة الإعدادية في قطر، وأتمَّ الثانوية في الكويت ودرس الطب في القاهرة، وعاد إلى الدولة ليكون أوَّل وكيل لوزارة الصحة في الدولة الناشئة، وكان الشيخ سلطان المعلا أول وزير للصحة.

 

جمعة خلفان بلهول متحدثاً في الجلسة
جمعة خلفان بلهول متحدثاً في الجلسة

 

 

وبعد أربع سنوات من تأسيس دائرة الصحة في دبي، تمَّ تعيينه مديراً عاماً لها، وعين الدكتور هوفمان مستشاراً لها.

وتحدَّث الدكتور جمعة مطولاً عن الإنجازات التي حقَّقتها الدائرة خلال عقدين من الزمن، قضاها مديراً لهذه المؤسَّسة المهمة، والتي كانت تعتمد على العنصر الأجنبي في كل شيء، وكانت شركة «كراون» تدير كلَّ شيء في الدائرة، فكان لا بدَّ من إدخال العنصر المواطن والعربي. ثمَّ تمَّ إدخال نظام العمل بالكمبيوتر، وكانت الدائرة وشرطة دبي في الدرجة الثانية بعد بنك دبي الوطني في هذا المجال. وأضاف: «بعد بضع سنين فكرنا ببناء مستشفى دبي، لتغطية احتياجات الإمارة من الخدمات الصحية، خاصة بعد ازدياد حالات مرض الأطفال».

وعندما عرض الأمر على المرحوم الشيخ راشد، وافق على الفور، وأكد بلهول أنَّ الشيخ راشد كان يوافق على ميزانية دائرة الصحة دونما نقاش، كونه يؤمن بأنَّ صحة المجتمع تأتي أولاً، وعلى رأس أولويات الحكومة. وكنا المؤسَّسة الوحيدة التي يوافق الشيخ على ميزانيتها فوراً.

وذكر الدكتور بلهول العديد من الإنجازات؛ منها على سبيل المثال، السماح للأطباء المواطنين بالعمل بعد الدوام في عيادات تمَّ تأسيسها في مستشفى راشد، تلاها السماح لهم بفتح عيادات خاصة بعد الدوام، وذلك بموافقة سمو الشيخ حمدان بن راشد، رئيس الدائرة. كما تمَّ إنشاء مركز الإخصاب الذي تطوَّر لاحقاً، وسينتقل إلى مبنى خاص به، وفق كلام معالي حميد القطامي، المدير العام للهيئة حالياً.

كما تمَّ تأسيس مركز جراحة القلب الذي اقترحه الدكتور نجيب الخاجة، أوَّل طبيب إماراتي متخصِّص في هذا المجال. وكذلك مركز جراحة الأعصاب، مؤكداً أنَّ الدائرة لا تقدم على فتح أو تأسيس أي مركز ما لم يتوافر طبيب إماراتي متخصِّص في مجاله.

وأكد الدكتور بلهول أنَّ الاستثمار في القطاع الصحي يعدُّ استثماراً في الكفاءات البشرية، لذا فإنَّ الدولة منحت القطاع الخاص أفضلية الاستثمار في المجال الصحي، وأصبحت الدولة في مقدمة الدول التي تعنى بالسياحة الطبية والصحية.

طب الأطفال

وتحدَّث الدكتور عبدالله الخياط عن العمل في مجال طب الأطفال، وقال: كنَّا محظوظين بأن عملنا في طب الأطفال في مستشفى راشد الذي بني في العام 1973م، حيث أنشئ القسم الخاص بهم في العام 1980، وعمل فيه كل من الأطباء جعفر وميرزا وعبد النبي.

وفي العام 1988 افتتح مركز الثلاسيميا، وفي العام 1989 تحوَّلت مستشفيات الدائرة إلى مستشفيات تعليمية، وتمَّ إنشاء مدينة دبي الطبية في العام 2007، وأنشئ مستشفى الجليلة في العام 2016.

واستطرد الدكتور عبدالله: «في العام 2007 تمَّ تحويل دائرة الصحة إلى هيئة، لتنتقل معها الخدمات الصحية في دبي إلى مستويات مزدهرة ومتقدمة، تنافس مثيلاتها في كثير من الدول المتقدمة، وأصبحت الإمارات جاذبة للاستثمارات الطبية والسياحة الطبية والصحية».

وفي ختام الجلسة، عقب عدد من الحضور على بعض ما ورد فيها، منهم رجل الأعمال سالم الموسى الذي تساءل عن إمكانية تحويل الهيئة إلى شركة مساهمة؛ وأجابه حميد القطامي بأن الأمر يتعلق بجودة الخدمات التي لا يمكن توفيرها إلا من خلال المؤسسات الحكومية، ناهيك على أنَّ العلاقة بين القطاع الطبي الحكومي والخاص علاقة تكاملية واستراتيجية.