هل نحتاج إلى بناياتٍ وقفية في الخارج؟

مقالات متنوعة

 804 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب
ذهبتُ إلى أحد المستشفيات شرقيّ مدينة «منشن» الألمانية مع بعضٍ من الأهل، وذلك لإجراء فحوصاتٍ لهم، ولا أزال متعجباً من مهارة الأطباء الألمان وخبراتهم المتراكمة منذ قرون وطول صبرهم وتُؤَدتهم في التشخيص، فمن عادتهم عدم الاستعجال في الفحص، ومن ميزاتهم أنهم لا يجازفون بعلمهم ولا بسمعتهم بل هم يصرّون على النُظُم والإجراءات فلا يخالفونها كما يفعل بعض الأطباء من غيرهم عندما يرون الذين يدفعون لهم أكثر، ولسان حالهم كما قال المتنبي لـحِبِّهِ سيف الدولة الحمداني:

وما أخصُّكَ في بُـرءٍ بتـهنئـةٍ
إذا سلمتَ فكلُّ الناسِ قد سَلِموا

بل يعاملون الجميع بعين المساواة، ويجب أن يأخذ كلّ مريضٍ حقه الكامل من الرعاية ولا يعني ذلك أنهم يقومون بذلك بغير مقابلٍ بل بمقابلٍ مع تقديرٍ كبيرٍ للعلم الذي يحملونه ويحترمونه ويفنون حياتهم كلها في تحصيله كما أخبرني رجلٌ منهم اشتعل الشيبُ في رأسه وهو يعمل في التخدير(البنج)!!.

هذا المارستان (المستشفى) الذي زرته يقع في منطقةٍ هادئة كثيرة الأشجار تشعر وأنت تدخلها بكمية الأوكسجين والراحة التي يحتاجها الإنسان الطبيعي، فما بالك بالمريض الذي يحتاج إلى الراحة الكبرى والتنفس الطبيعي الخالي من الملوّثات ودخان عادم السيارات الذي يغطي عادة المدن المكتظة بالسكان مما يتسبب بكثير من الانتكاسات الصحية.
وقد تذكّرتُ وأنا في هذه المنطقة فعلَ طبيبنا الكبير محمد بن زكريا الرازي* (250-311هـ) وهو صاحب “الحاوي” أعظم كتب الطب في ذلك الوقت ولقرون من بعده، فيُقال كما ذكر حكايته ابن أبي أصيبعه في طبقاته: “إنه استشير في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه المارستان (المستشفى).
وإنّ الرازي أمر بعض الغلمان أن يعلّق في كلِّ ناحيةٍ من جانبي بغداد قطعة لحمٍ، ثم اعتبر التي لم يتغير فيها اللحم بسرعة، فأشار الى أنْ يبنى في تلك الناحية وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان”. هكذا كان أسلافنا من الأطباء والعلماء وهكذا اليوم علماء الدول المتقدمة وأطباؤها، ونحن سنعود إلى ماضينا المجيد بتضافر الجهود والحرص على العلم وأهله بإذن الله.
ولا أذهب بكم بعيدا عن صلب الموضوع الذي جعلته عنوانا لمقالتي، فقد عرفتُ في هذه الرحلةِ وفي رحلات أخرى أقواماً منّا قدموا إلى أوروبا للعلاج، ولم تتوانَ دولتنا الحبيبة في ابتعاثهم ووفّرت لهم سُبُل الراحة والمتابعة، وهؤلاء المبتعثون المرضى أنواع فمنهم الغنيُّ ومنهم دون ذلك من أصحاب ما يسمّى “الدخل المحدود”، ولا حاجة للحديث عن الأغنياء هنا فإنّ أمورهم ميسّرَةٌ وأسأل الله أن يشفي مرضاهم.
ولكنّي سأدندن اليوم عن الفقراء والمساكين من المواطنين الذين ليس لديهم ما يكفيهم وهم في بلادهم فكيف بهم إذا قدموا إلى بلادٍ مثل ألمانيا وفيها من الغلاء ما فيها، والمصروفات اليومية من فندقٍ وأكلٍ ومواصلاتٍ واتصالاتٍ وغيرها كثيرةٌ وغاليةٌ، والمال الذي يصرف لهم لا يكفيهم إلا بشقِّ الأنفس أو بالدين واستعمال بطاقات الائتمان التي تُضاعف عليهم المبالغ أضعافاً كثيرةً،.
وهم كما يعلم الجميع بعضهم يعود سريعاً إلى وطنه وبعضهم يطول علاجه وهو لا يدري أيصارعُ المرض أم يقاتلُ الصرفَ الذي لا يقدر عليه، ولهذا أقترح على أهل الإحسان والجود من أبناء وطننا المخلصين أن يقدموا لإخوانهم من محدودي الدخل خدمةً سوف تسجلُّ لهم في سجل الصدقات الجارية، وأمجاد الأمم المتعاونة وهو أن يقوموا
بشراء بنايات وجعلها وقفاً لله في المناطق التي يكثر فيها المواطنون للعلاج من مثل “منشن”، وتحويلها إلى شققٍ مفروشةٍ تؤجر لهم بأسعارٍ مناسبةٍ يستطيع المواطن محدود الدخل أن يسدّدها ويعيش معها على الكفاف، مع تخصيص مطعمٍ يشترك فيه المستأجرون خلال وجودهم هناك، على أن يكون الاستئجار بالتعاون مع الهيئات الصحية ومكاتب الدولة في الخارج.
أيها الأعزاء: إذا قمنا بهذا العمل المبارك وشجعنا عليه الأغنياء، الذين عُرفوا بأعمال البر فسوف نكون قدمنا مساعدة عظيمة لهؤلاء المرضى المحتاجين، فما رأيكم في هذا المقترح؟.

 
نشر في البيان بتاريخ: 26 مايو 2012