هود العمراني يحاضر عن اللغة العربية والتفكير التنموي في مركز جمال بن حويرب للدراسات

مجالس

 1,331 عدد المشاهدات

مركز جمال بن حويرب للدراسات – دبي

أكد الباحث السعودي في مجال اللغة العربية، الدكتور هود إبراهيم العمراني، أن الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه دول الخليج العربي، بفضل النجاحات الاقتصادية المدروسة، جعل هذه المنطقة مقصداً لملايين البشر، ما دفع عشرات الآلاف منهم إلى تعلم اللغة العربية، سواء في بلدانهم، حيث عمدت كثير من الجامعات المرموقة في دول عدة، مثل كوريا واليابان وتركيا، ودول أوربية واسكندنافية، إلى استحداث أقسام للغة العربية، كي يتعلم الطلبة اللغة العربية، أو في بلاد عربية، كالمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، التي تقدم منحاً مجانية لتعليم «العربية» لغير الناطقين بها.


وأكد العمراني في جلسة ثقافية نظمها مركز جمال بن حويرب للدراسات، مساء أول من أمس، بعنوان «يوم اللغة العربية والتفكير التنموي»، أن اللغة العربية تعتبر الثانية من حيث الانتشار عالمياً، بعد «الإنجليزية» ، وأنها لغة حية، حفظها القرآن الكريم، وقد اعتمدتها الأمم المتحدة لتكون اللغة السادسة في جلساتها.
وقال المحاضر، بعد أن قدمه الإعلامي حسين درويش نيابة عن المستشار جمال بن حويرب، رئيس المركز، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة  ، أنه يتوجه بالشكر للمركز ورئيسه على هذه الدعوة ، خاصة وأنها تأتي ونحن على أبواب الاحتفال بيوم اللغة العربية العالمي الذي يصادف يوم الثامن عشر من ديسمبر الجاري .
وأضاف..إن شغفي باللغة العربية ، رغم أنني طبيب أسنان ، جعلني أستخدم بعض المهارات ، لتأكيد أهمية اللغة في التنمية المستدامة ، وفي حياة الشعوب.
فقد اعتمد المجتمع الدولي في قمة الأرض في البرازيل العام 1992م  مصطلح «التنمية المستدامة»، بمعنى تلبية احتياجات الجيل الحالي، بدون إهدار حقوق الأجيال القادمة في الحياة ، وفي مستوى لا يقل عن المستوى الذي نعيش فيه . وفي قمم عالمية لاحقة حدد المجتمع الدولي مكونات التنمية المستدامة على أنها نمو اقتصادي، وتنمية اجتماعية، وحماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية فيها.

 

هود العمراني خلال المحاضرة

 

مفهوم الاستدامة يعني ضمان حصول البشر على فرصة التنمية دون التغاضي عن الأجيال المقبلة ، وهذا يعني ضرورة الأخذ بمبدأ ” التضامن بين الأجيال عند رسم السياسات التنموية”، وهذا ما يحتم بالتالي مأسسة التنمية في مفهومها الشامل من خلال المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية ، ما يجعلها تساهم في ديمومة التنمية .
واستطرد… الاستدامة تهدف إلى التطوير الذي يراعي الرفاهية ، وزيادة الإمكانيات للأجيال القادمة ، والتي ستمكنهم من من التنعم بموارد البيئة ، وقيم الطبيعة التي نستغلها اليوم ، وتعني أنه يجب التعامل مع التطوير والتنمية ببصيرة واسعة من ناحية البعد الزمني والمكاني والسكاني الاجتماعي.
وأكد د. هود أن للغة دور أساس في المحاور الثلاثة للتنمية المستدامة:
* اقتصادياً: وتعني استمرار النمو الاقتصادي بالاعتماد على الميزات التنافسية والمعرفة ( وعاؤها اللغة) ، وبالتالي استدامة النمو.
* اجتماعياً: استمرار التنمية البشرية ، ورفع نوعية الحياة ، والترابط أو التلاحم ، الانسجام أو الاندماج المجتمعي من خلال الاهتمام باللغة ، الثقافة والقيم ، التربية والتعليم ، والثقافة العلمية.
* بيئياً: ثقافة الحفاظ على البيئة ، وضمانها للأجيال المقبلة.
وأكد المحاضر أن هذه الأضلاع الثلاثة لا تتكامل فيما بينها إلاّ في مجتمع يعرف ب” مجتمع المعرفة ” ، وقد كنا قبل يومين في مؤتمر المعرفة العالمي الذي نظمته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بنجاح منقطع النظير.

 

تعريف اللغة علمياً

يقول المفكر وعالم اللغويات الأميركي نعوم تشومسكي ، إن أكثر الناس يعرفون اللغة بأنها وسيلة للتواصل بين البشر ، وأنها تطورت وتفرعت إلى آلاف اللغات لتؤدي تلك الوظيفة الأساسية ، لكن هذا مجرد خطأ شائع.

صحيح أننا استخدمنا اللغة في التواصل بعضنا مع بعض ، وهذا ، بلا شك يشكل فائدة عظيمة ، لكنها ليست ما يميز اللغة ، ولا ما يمكن أن يصفها وصفاً علمياً دقيقاً . فاللغات بالأساس ، وفقاً لتشومسكي، وسيلة للتعبير عن الأفكار ، ولخلق الأفكار أيضاً . أي أن استخدامنا للغة بعينها ( كالعربية مثلاً) يؤثر على الطريقة التي نبني بها أفكارنا ، وينعكس ذلك على واقعنا بشكل مادي ملموس ومباشر.
وتطرق المحاضر إلى عالم لغويات آخر يدعى كيث تشين الذي قدم تطبيقاً عملياً على هذه النظرية ، فقال: هذا العالم قدم بحثاً في العام 2013 في جامعة ييل الأميركية أثبت فيه كيف أن اللغة التي نتحدث بها ، تحدث الفرق ليس على مستوى السلوك الشخصي فحسب ، بل على الأداء الاقتصادي للدول . وفرّق تشين بين نوعين من اللغات : الأولى هي اللغة المستقبلية، واللغات الغير مستقبلية وأثر ذلك على المعرفة والوعي والسلوك والحياة.

 

اللغة في مجتمع المعرفة

مجتمع المعرفة هو المجتمع الذي يوجد المعرفة وينشرها ويستثمرها من أجل ازدهار المواطن ورفاهيته ، أي تحسين نوعية الحياة ورفع مستوى المعيشة ، وتلعب المعرفة واللغة فيه دوراً أكبر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية .
وتقوم اللغة بدورين اثنين من الناحية الاقتصادية ، وهما :
-أولا : كأداة في الاقتصاد وفي عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول والأمم – ثانيا كصناعة وكسلعة ، وسنأتي على تعريف هذين الدورين باختصار.

 – أولاً: توفر اللغة تبادل ونقل المعرفة والخبرة بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وهي وسيلة التواصل بين أجزاء منظومة العلم والتكنولوجيا أو مركبات النظام الوطني للإبداع، فهي كالمال؛ إذا توفر تحقق تبادل السلع من وجهة النظر الاقتصادية ( وظيفة) .
– ثانياً: يحقق إتقان القوى العاملة للغة العلمية والتكنولوجية نقل التكنولوجيا للمجتمع من المنابع العالمية لها ( وظيفة ).
– ثالثاً: إن العمل المشترك المنتج والفعال في المكتب والمصنع والحقل يحتاج إلى لغة علمية وتكنولوجية حيّة . وإن العمل المشترك والتعاون ضمن الأمة يؤدي إلى زيادة دخل الجميع ، وهذا لا يتحقق إلا باستعمال اللغة الوطنية ( وظيفة ).
– رابعاً: إن تعلم العلم والتكنولوجيا والتدرب عليهما ، وتحويل هذه المعرفة إلى خبرات وإلى أفعال ومنتجات وخدمات ، يحتاج إلى لغة ( وظيفة ).
– خامساً: إن استخدام التكنولوجيا استخداماً فعالاً من قبل القوى العاملة ومن قبل كامل المجتمع ، يحتاج إلى انتشار هذه التكنولوجيات باللغة الوطنية ، للوصول إلى ما يسمى بمجتمع المعرفة ، الذي لا يمكن أن يكون بلغة أجنبية.

 

المحاضرة يتوسط نخبة من المشاركين في الجلسة

 

دورها كصناعة وسلعة

• قال د. هود : لقد ازداد دور الصناعات الثقافية وقاعدتها اللغة الوطنية في الاقتصاد العالمي مؤخرا تزايداً كبيراً جداً . وإن اعتماد الاقتصاد على المعرفة و الإبداع و التقنية جعل الصناعات الثقافية تلعب دوراً متعاظما في عملية التنمية . وأخذ هذا الدور أبعاداً تجلت في كبر مساهمة هذه الصناعات في الناتج الإجمالي المحلي للدول التي اهتمت بها ، وفي مساهمتها في خلق فرص عمل وطنية ، وفي تنويع الاقتصاد ، و في زيادة الصادرات . لقد فاقت مساهمة الصناعات الثقافية ، في الناتج الإجمالي المحلي في بعض الدول ، مساهمة قطاعات صناعية كبيرة مثل : الصناعات الغذائية ، وقطاع البناء ، وقطاع الحواسيب وملحقاتها . ومن هذه الدول في أوروبا مثلا : هولندا و السويد وبريطانيا وبولندا وفلندا والدنمارك ولاتافيا و لتوانيا.

 

خصوصيات العربية

• واستطرد المحاضر..للغة العربية خصوصيات لا بد من الأخذ بها حتى تكون صناعات اللغة وتطبيقاتها المعلوماتية ناجحة في العالم العربي، ومن هذه التطبيقات تعريف الحروف العربية آلياً وتحليل الكلام وتعريف الكلام وتركيب الكلام وفهم اللغة والترجمة الآلية ومعالجة النصوص كالفهرسة والبحث والتحليل وغيرها .
• والسوق المعلوماتية باللغة العربية سوق كامنة وهامة ، خاصة مع انتشار الإنترنت ، فهي تغطي منتجات كثيرة في قطاعات التعليم والبحث والتطوير والتوثيق والمكاتبات والإدارة والتسيير والتجارة الإلكترونية و الحكومة الإلكترونية والصحة والأمن والتسلية والصناعة وغيرها.
وأضاف..هناك ميزات تفاضلية للعالم العربي في بعض مجالات الصناعات الثقافية ومنها صناعة البرمجيات مثل:
* أولاً البرمجيات المتعلقة باللغة العربية المترجمات الآلية ، برمجيات البحث والفهرسة والتصنيف الآلية ، برمجيات تركيب وتعرف الكلام ، برمجيات تعرف الحروف آليا ، وغيرها .
* ثانيا البرمجيات الثقافية العربية والإسلامية ( برمجيات الموسيقى العربية ، وبرمجيات التراث الإسلامي والعربي ، البرمجيات الدينية ، البرمجيات الخاصة بالرسوم والفنون الأخرى الحالية والتراثية وغيرها)
* ثالثاً البرمجيات الخاصة بالتجارة العربية البينية والتجارة الإلكترونية ولوازمها من برمجيات الحماية والعرض والتسويق .
إن واقع منظومة المعلوماتية العربية يدل على تطور سريع لها ، واهتمام بها ، وبهدف تحسين هذا الواقع لا بد من العمل في مجال بحوث وتطوير اللغة العربية ، وكذلك اتخاذ بعض الإجراءات التشريعية والتنظيمية والمؤسسية والمالية والبشرية ، وقد رأينا هذا جلياً في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

اليوم العالمي للغة العربية
قصة المناسبة: بدأت بعد تأسيس صندوق يدعم اللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ” اليونيسكو” ، بتمويل من الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي قدم مليون دولار لدعم المشروع ، آنذاك .
وعلى إثرها بدأ حضور اللغة العربية يتواجد حتى تقدمت السعودية والمغرب بمشروع قرار للجمعية العمومية في ” اليونيسكو” ، يقضي بتبني يوم عالمي للغة العربية . وتمت الموافقة بالإجماع في شهر أكتوبر العام 2012 م على ذلك ، حيث يحتفل العالم في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام بيوم اللفة العربية.

أما محاور الاحتفال فقد مرّت بمراحل عدة ، فقد قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية ( أرابيا) التابعة لليونيسكو أن يكون محور المناسبة للعام 2013 ، هو اللغة العربية والإعلام ، وفي العام 2014 كان الحرف العربي هو المحور ، واللغة العربية والعلوم للعام 2015 ، ثم تعزيز انتشار اللغة العربية في العام 2016 ، واللغة العربية والتقنيات الجديدة للعام 2017 ، وسيكون محور هذا العام …اللغة العربية والشباب.

 

أرقام تفاعلية
أكد د. هود أن الحضور العالمي الداعم للغة العربية كان واضحاً عبر الأرقام للمبادرات العربية لدعم اللغة العربية ، منها رصد احتفالية لحوالي 44 دولة ، احتفلت بهذه المناسبة ، وأكثر من 55 مليون مشاهدة كانت للوسم العالمي للغة العربية ، وكان لدولة الإمارات حضور قوي في هذه المناسبة ، من خلال مبادرة ” بالعربي” ، التي أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، حيث حققت نسبة فاقت مليارين و300 مليون مشاهدة .
وفي نهاية المحاضرة دارت نقاشات مهمة بين المحاضر وعدد من الحضور كان في طليعتهم سعادة بلال البدور الذي أشار إلى اختلاف وزراء الثقافة والتعليم العرب، حول اختيار يوم الاحتفال باللغة العربية، حيث طلب وزراء الثقافة أن يكون يوم الاحتفال هو 18 ديسمبر من كل عام ، لكن وزراء التعليم أرادوا يوم الأول من مارس ، لكن تم الاتفاق الدولي على أن يكون 18 ديسمبر هو يوم الاحتفال.
وتحدث سعادة محمد الدراجي القنصل العام الجزائري في دبي عن اللغة العربية..نمط حياة، أما الدكتور خالد الوزني المستشار في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة فقد علق على التنمية المستدامة واللغة العربية بعناصرها الثلاث: الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي.
وطالب الباحث التراثي راشد بن هاشم بأن تكون اللغة العربية هي الأولى في موطنها، وتساءل الباحث التراثي رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني في الدولة عن مصير اللغة العربية مستقبلاً. وطالب علي الشحي بأن يتم تعليم العمالة الوافدة اللغة العربية في مواطنها، وقبل استقدامهم إلى الدولة ، وتحدث الباحث والكاتب الدكتور شهاب غانم عن أهمية نشر اللغة العربية عالمياً أسوة بما يفعله متحدثوا اللغات الأخرى، واختتم الدكتور محمد عزام قياسة بالحديث عن اللغة العربية والطب.

بلال البدور يكرم هود العمراني

إضاءة
هود إبراهيم عبد المحسن العمراني، بكالوريوس جراحة وطب أسنان – جامعة لوبلن الطبية في بولندا.
دبلوم لغة انجليزية – جامعة الإمام محمد بن سعود.
دبلوم حاسب آلي وشبكات من مركز نيوهورايزون.
متطوع في خدمة اللغة العربية بعد تأسيسه للحساب الرسمي لليوم العالمي للغة العربية على تويتر .
مشارك في الاحتفالية الرسمية لليوم العالمي للغة العربية في مقر الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بباريس منذ العام 2014 حتى اليوم.