4,070 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
الوثائق الصحيحة أكثر ما ينقص الأرشيفات العربية، فلم يكن العرب يحتفظون بوثائقهم حكومات وشعوباً، خاصة إذا مرّت على الوثائق عقود أو قرون فلن تجد منها إلا القليل النادر، بعكس العثمانيين الأتراك والدول الأوروبية والأمم التي حافظت على حضارتها لآلاف السنين مثل الصينيين واليابانيين، فإنَّ كثيراً من تاريخهم محفوظ، كما أنهم يمكّنون الباحثين من الوصول إلى وثائقهم مع اجتهاد وبذل كبيرين من أجل البحث والتأليف وإثراء المراكز التاريخية الوطنية والأهلية في تلك الدول.
وإذا وجدنا بعض الوثائق السياسية والمراسلات العربية، فإنَّ أقلَّ القليل الذي نجده في مراكزنا التاريخية هو ما يدلُّ على التجارة القديمة من تصدير واستيراد عبر موانئ الوطن العربي الكبير، وإن ظفرنا ببعضها في مصر والمغرب فإنَّنا لا نجدُ شيئاً يُذكَرُ في خليجنا العربي إلا ما حفظه لنا الأرشيف التركي والبريطاني، وما أدركته دولنا الخليجية فاحتفظت به قبل التلف.
وإننا إذ نذكر الندرة في هذه الوثائق الخليجية التجارية، فإننا نؤكّد أنَّ وثائق تاريخ الخيول العربية أندرها وأعزها في حين شهدت منطقتنا بيع أفضل الخيول العربية بين ملّاك الخيول العرب وتجّار العالم، ولكن بسبب عدم وجود ثقافة حفظ الوثائق فقد ضاع أكثرها ولم نجد منها إلا القليل للأسف.
من الكتب القليلة التي جمعت عدداً قليلاً من وثائق الخيول العربية في الكويت كتاب الدكتور عبدالله اليوسف الغنيم «وثائق من تاريخ الخيول العربية الأصيلة في الكويت» الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 2016، وهو كتاب مهم في موضوعه وفريد من نوعه، حيث جمع فيه كلَّ ما وجده عن وثائق الخيول العربية في الكويت، واستفاد من 12 مرجعاً عربياً و 6 مراجع أجنبية وكان من أهمها مخطوطة «أصول الخيل العربية» لحاكم مصر عباس حلمي الأول ما بين (1854-1848). وقد وضع الكتاب فريق من خبراء الخيل اختارهم عباس حلمي من خاصته؛ منهم مدير اسطبله مصطفى بك، والأمير محمد علي، ورستم بك وغيرهم. وتم تيسير عمل هذا الفريق من قِبَل الأمير فيصل بن تركي، رحمه الله، فقاموا بالتجوال بين القبائل والتقوا شيوخها وأهل الخبرات في تاريخ وأنساب الخيول العربية.
ومن هذه المخطوطة انتقى الدكتور الغنيم ما ورد فيها من أخبار عن الخيول التي وصلت إلى الكويت؛ لأنها أصل مبحثه، وكانت تدور حول الوجيه الكويتي يوسف البدر الذي كان يسمّى في المخطوطة «راعي الكويت» بسبب شهرته باقتناء أهم سلالات الخيول العربية وممّا جاء فيها:
الباب الرابع في سلالات الخيل «الهدب» وقد سميت بذلك لطول شعر ناصيتها: سُئِلَ سلطان بن ربيعان شيخ عتيبة بحضور عدد من كبار السن من قبيلة عتيبة عن هدباء الظاهري؛ فأفاد أنه في حكم عبد العزيز بن سعود طلب الأخير من مانع بن سويط من الحجيلان من آل سويط من الظفير هدباء من خيله فأعطاه فرساً صفراء هدباء، وانحدرت هذه الفرس ونسلها بين مرابط عدة، وتحدر منها حصان أحمر تمَّ بيعه في الكويت على حصّانة الهند.
وقد غنم الدكتور الغنيم من الأرشيف البريطاني وثائق مهمّة عن تجارة الخيول العربية في الكويت، وكان أقدمها ما ذكره الرحالة جيمس باكنجهام (1855-1786) الذي ذكر أنَّ مجموع ما صُدِّرَ من الخيول العربية من الكويت والبصرة إلى موانئ بومبي ومدراس وكلكتا في سنة 1816 كان 1500 حصان، وثمن الحصان 300 روبية، وتكلفة النقل 100 روبية، ومصروفات علفه ورعايته إلى نهاية الرحلة 100 روبية.
وذكر باكنجهام أنَّ السلطات العثمانية منعت بيع الخيول العربية، ولهذا كان يدفع لولاة البصرة الرشاوى ليغضوا النظر عن شحن الخيول في السفن البريطانية.
ومن أهمّ الوثائق التي اعتمد عليها الباحث مجموعة وثائق أسرة الخالد الموجودة في مركز البحوث والدراسات الكويتية، ومن بينها هذه الوثيقة التي تعود إلى أوائل القرن الماضي وجاء فيها:
«أصل الفرس من عقال الخالدي أخذها محمود سامي طابور أغاسي الذي كان بالحسا، ومعها ورق شهادة أنها من عبية القصر، وحسب الظاهر أنَّ هذا المربط للحبيش ولد مكراد صاحب طابور أغاسي يمكن أن يطلع عليها، وأخذها محمد سامي وأوصلها البصرة وباعها على أغوات الحرم المكي» ثمَّ قال: «وأخذ المهرة حمد الخالد من الأغوات، وأتى بها إلى الكويت» وهذه الوثيقة تدلُّ على اهتمام كبير بأنساب الخيل منذ القدم والتشابك الكبير في أنسابها الأصيلة ما بين الأحساء ومكة والبصرة والكويت.