1,243 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لست أدري ماذا خطر في بالي، ولماذا خطر أصلاً وأنا أُسلّم عليه في آخر مرةٍ التقيته؟! وقد بدا لي شخصاً آخر شعرتُ للحظاتٍ بأنّي لن أراه ثانيةً فقلتُ: لا بأس على أستاذنا أبي خالد، ولكنّ الشعور بقي معي لم يفارقني، ثم أخبرني عنه صديقه الأديب الأستاذ عبدالغفار حسين أنه معه في رحلةٍ إلى الهند وسيعودان قريباً، فقلتُ: اللهم متّعه بالصحة والعافية، وسأتصل به أول وصوله للقائه، ولكنّ شعورَ خوفي عليه لم ينقطع، فلمّا جاء الخبر الحزين وتأكد فقده لم أستطع التصديق حتى أعاد قراءة النعي علي ثانية أحد الأصدقاء، هنالك صدّقت وبقيت برهةً في دهشةٍ متذكراً ذلك الوجه الكريم والرجل العصامي والإعلامي المحنّك والوزير الذي شارك في تأسيس اتحاد دولتنا الفتية، وشارك في تأسيس صرح إعلامي كبير، فيا لفداحة الخطب!! وواحزناه على عبدالله بن عمران الوطني والقومي!! الذي سخّر حياته لخدمة وطنه وأمته، وفارقنا وهو في عزّ عطائه ونحن بأمس الحاجة إلى علمه وفكره وخبرته وحنكته..
لعمركَ ما الدنيا وما ولعَي بها
وكيف ومن أهواهُ أصبح غائبا
أحاول مذ أمسِ التسلّي فلم أجدْ
لدمعِ عيوني يا “ابنَ تريمَ” حاجبا
وإنّي إن أسلو فمن ذا يكفّها
قلوباً بكتْ من فقد مثلكَ صاحبا
بقيتَ لها خلاً وفيّاً فهالها
رحيلكَ والأيامُ تفري المطالبا
نعم، هي الأيام تمضي سريعاً تُشيب الصغير وتُفني الكبير، وكأنّ البشر أغراضٌ (أهداف) فيصيب الحِمام (الموت) من استوفى ساعات عُمُره التي كتبها الله له، فلن يتقدم ولن يتأخر ساعة، ولو حاول كلُّ من في الأرض إنقاذه فلن يفلحوا ولن يستطيعوا، لأنّ الأمر قد قُضي وروحه قد انتقلت إلى الرفيق الأعلى.
وهكذا تمضي الخلائق أمّةً إثر أمّةٍ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وإنْ قلتُ هذا وأعلم أنّه عين اليقين، ولكنّ الفراق صعبٌ ورحيل الأحباب لا يمكن أن يطيقه قلبٌ وإن حاول التسلّي والنسيان، ولكنّها الحقيقة فالغصّة تبقى عند ذكرى الراحل العزيز وتستمر الدموع تهمل كلما ظهرت لنا صورته وجالت في العقول قصصه وكلماته، وكأنّه حقيقةٌ في حُلُمٍ جميل سرعان ما يزول ونعلم أنّ الراحل عنّا في رحلةٍ أبديّةٍ لن يعود منها..
كأنّكَ لم تخطبْ تعلّم جمعنا
بأنّ سموّ الفكرِ يُعلي المراتبا
كأنّكَ لم تكتبْ من العلم مرشداً
وتبني منَ الأمجادِ ندباً وكاتبا
كأنّكَ لم تجلسْ معَ الصحبِ جلسةً
إذا ذكروها رقرقَ الدمعُ ساكبا
نعم، إذا ذكر أصدقاء أبي خالد أخاهم الأستاذ الخبير الدقيق في فكره وفهمه والأديب الحبيب إلى القلوب ستنهلُّ دموعهم ولا بدّ، بل بعضهم لم يستطع الوقوف حزناً عليه عندما رآه وقد رحل عن الحياة الفانية إلى الحياة الباقية، لأنّهم لم يتعودوا على فراقه طيلة عقودٍ من الزمن، وأقسى ما يعانيه الصديق المخلص أن يفقد رجلاً صديقاً بحجم الأستاذ عبدالله عمران* رحمه الله، لأنّ الفاجعة ستكون مرتين أو أكثر على نفوسهم التي لم تتعود على النأي (البعد).
رحل “أبو خالد” وقلوبنا كانت كلها في شوقٍ إلى لقائه، لكنّه قدر الله ولا مفر منه، وتبقى إنجازاته وإسهاماته وراياته البيضاء الخفاقة في سماء دولتنا الحبيبة الإمارات العربية المتحدة، وفي كل الأمة العربية التي حمل همومها طيلة حياته ولم يتنازل عن حقوقها لحظة، وكانت قضية فلسطين المحتلة شغله الشاغل، ثم مواضيع التنمية العربية وكيف يمكن النهوض بها بعد كل سنوات التخلف التي مرت بها.
فكانت جريدته “الخليج” في وقت إدارته وإدارة أخيه الراحل “تريم”، تعجُّ بقضايا العرب بل هي منبر عروبي إماراتي بامتياز، لا يمكن أن يجحد هذا أحد تابع مسيرة جريدة “الخليج” منذ انطلاقتها الأولى، وما هي إلا خلاصة تفكير الأخوين المؤسسين تريم وعبد الله.
عبد الله عمران وطنيٌّ مند بداياته، نشأ على الخير والتربية الصحيحة في بيت فضلٍ، فتعلّم العلم وكافح من أجله وتغرّب فكان من أوائل الخريجين، ثم شارك في الوفود التي بدأت في مناقشة تأسيس “الاتحاد” وهو في أول شبابه، بكل فهمٍ صحيحٍ واقتدارٍ، ثم أصبح في التشكيلة الأولى للاتحاد وزيراً للعدل ثم أصبح وزيراً للتعليم ثم عاد لوزارة العدل ثانية في التسعينات.
ثم بعد ذلك انصرف لأعماله الخاصة ومتابعة أعمال جريدته “الخليج”، فكان نعم الوطني المخلص والإعلامي الرائد المحنّك، خاصةً أثناء الأزمات الكبرى كأزمة الربيع العربي المشؤوم، التي وقف فيها موقفاً شجاعاً من خلال الإعلام الصحيح الذي أظهر لنا مخاطر الثورات وشؤمها على الأمم، وأخيراً وقف مدافعاً بقلمه الشديد على الأعداء، ضد عصابات الإخوان المتأسلمين وأتباعهم الذين يريدون أن يعيثوا في البلاد العربية فساداً ويتركوها خراباً.
رحم الله فقيد الدولة الأستاذ “عبد الله عمران تريم” وأدخله فسيح جناته، وألهم ذويه وأصحابه ومن يعز عليهم الصبر والسلوان.. آمين آمين.
نشر في البيان
بتاريخ 01 فبراير 2014