4,184 عدد المشاهدات
الكاتب: فاطمة بنت ناصر
لا يمكن الحديث عن تطوُّر الأحوال الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية تحديداً دون الحديث عن تجار بلاد السند، وما أحدثوه من نقلة نوعية في صعد عدة؛ لطبيعة التجارة البحرية التي راجت في نوعية السلع التي دخلت الخليج من خلالهم، وكذلك الدور الذي لعبوه في تصدير السلع المحلية إلى بلاد السند. ويعدُّ تجار السند الرعيل الأول من التجار الذين أقاموا علاقات تجارية وسيطة بين دول الخليج من جهة وبين الأوروبيين وموانئ السند. تزامن وجودهم مع التجار الهنود أو المعروفين باسم (البانيان).
أقدم ظهور في الخليج العربي
تعدُّ مسقط أول وأقدم مدينة خليجية سكن فيها التجار الهنود، ويعود تاريخ استيطانهم للقرن الخامس عشر الميلادي كما تشير الوثائق. أما ثاني أقدم لاستيطان الهنود في الخليج ففي البحرين، وتحديداً مدينة المنامة، وأقدم تاريخ لذلك عثر عليه 1667 في وثيقة هولندية، تليها باقي دول الخليج.
البضائع المستوردة والمصدرة
تستورد دول الخليج من الهند كلاً من السمن والأرز والأقمشة والأخشاب والبهارات والسكر والشاي والقهوة، وتصدر إليها الخيول، اللؤلؤ، والتمور. ويعدُّ اللؤلؤ إذ ذاك عصب التجارة للساحل المتصالح (الإمارات المتحدة حالياً) والكويت والبحرين وقطر. بينما لا يشكّل اللؤلؤ مصدراً رئيساً للدخل لتجارة سلطنة عمان مثلاً.
أعداد البانيان
إنَّ أقدم إحصائية ذكرت فيها أعداد الهنود البانيان في سواحل الخليج العربي هي تلك التي قام بها الكابتن جورج بركس Captain George Brucks في عشرينيات القرن التاسع عشر 1822، وكان توزيعهم في موانئ الإمارات العربية كالآتي:
* خور فكان: 50 بانيانياً (يشكلون وقتها 25% من إجمالي عدد سكان المدينة)
*الشارقة: عدد محدود من البانيان (لم يذكر عددهم) ولكن ما يميزهم أنهم كانوا يرتدون الزي التقليدي الإماراتي، ويتجارون في اللؤلؤ ويصيغون الذهب ويبيعون الملابس ويتاجرون في الحبوب.
*أبوظبي: عدد محدود من البانيان (لم يذكر عددهم) يمارسون التجارة وصياغة الذهب.
تلت إحصائية جورج بركس إحصائية أخرى للوريمر Lorimer في العشرينيات من القرن العشرين (1920)، وقد ذكر أنَّ هناك الكثير في الخليج العربي ولكنه لم يشاهد وجود عوائل للبانيان سوى في 8 أماكن وهي:
1- أبوظبي
2-الشارقة
3-أم القيوين
4-مطرح
5-مسقط
6-جزيرة قشم
7-جوادر
8-شابهار
وحين نقارن أعداد التجار الهنود بمختلف فصائلهم في بداية ومنتصف القرن العشرين نلاحظ (1905-1947)
الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة) | 1905 | 1947 |
408-428 | 33 (يعملون في شركات البترول) |
مهن الهنود قبل وبعد النفط
الإحصائيات السابق ذكرها تكشف عن تغير المهن التي مارسها الهنود قبل ظهور النفط. ففي بداية العشرينيات وما بعدها بدأوا يعملون في شركات التنقيب عن البترول، والآن كما نعلم نراهم في شتى المجالات. أمّا في السابق وقبل ظهور البترول فكان أغلبهم يمارسون التجارة؛ فمنهم تجار اللؤلؤ وتجار بيع الجملة والصّرافون (أصحاب النقد والبنوك وغالباً يكونون هم ذاتهم من يمارسون تجارة البيع بالجملة) وهؤلاء فقط هم من استقروا فقط في دول الخليج العربي. كما يوجد هناك البناؤون والنجارون وصانعو السفن في كل موانئ الخليج تقريباً.
لمحات مصورة من ظاهرة التنوع الثقافي التي تحفل بها مدينة دبي منذ القدم
تجار السند الخوجة والبهاتيا
أغلب تجار السند في دول الخليج العربي ينتمون إلى جماعتي: البهاتيا والخوجة، وهم جماعات تحترف التجارة من القدم. وقد أتت هذه الجماعات من 3 مناطق رئيسة هي: شيكابور – Shikarpur، تهاتا – Thatta ، سكهر – Sukkur، وجوجرات وكوتش. معظمها اليوم يتبع دولة باكستان وبعضها في الهند. وقد أتوا إلى أبوظبي ودبي في 1890م. وتركزت تجارتهم في سلعتين: اللؤلؤ والتمور. وقد قدر عدد محلاتهم لبيع اللؤلؤ في الساحل المتصالح (الإمارات حالياً) في العشرينيات بـ 50 متجراً.
وإضافة إلى دورهم الاعتيادي الثابت في جلب الحبوب إلى دول الخليج العربي. انتهز تجار السند الفرصة لاحتكار تجارة اللؤلؤ في أهم الموانئ المنتجة لها في الخليج وهي: دبي والمنامة. ولقد تقاسم معهم احتكار هذه التجارة تجار الهند (البانيان). اختص الخوجة والبانيان بشكل أساسي بتجارة تصدير اللؤلؤ من موانئ الخليج إلى الخارج.
تجار الهند
أغلبهم يشار إليهم بالبانيان، ولقد تقاسموا مع الخوجة احتكار تجارة اللؤلؤ. البانيان اسم أطلقه العرب والأوروبيون على تجار الهند. وهم ينتمون إلى 3 طبقات رئيسة وديانتين. أما الديانات فهي الهندوسية والجينية، وهي تتشابه في تقسيماتها الطبقية لأفرادها. أمّا بالنسبة إلى الطبقات التي ينتمي إليها أغلب التجار في الخليج فهي الطبقة الثالثة والمعروفة ب Vaishyas – وهي طبقة التجار، تليها فئة تنتمي للطبقة الثانية والمعروفة بـ (Kshatriyas)، وهي طبقة الحكّام والمحاربين، وأخيراً فئة قليلة العدد تنتمي للطبقة الأولى والمعروفة بـ (Brahmins)، وهي طبقة الكهنة وطلاب العلم، تمَّ تدوين وجودها في القرنين 18 و20 في مسقط فقط. وعلى الرغم من أنَّ كلمة البانيان لا يقبلها المنتمون للطبقتين الثانية والأولى فإنَّ الاسم سرى عليهم لعدم معرفة العرب بتلك التفاصيل الدقيقة للتقسيمات الطبقية في الديانة الهندوسية.
تجار كوتش
كان هناك تجّار الكوتش Kachchh – الذين ينسبون إلى إقليم كوتش الهندي التابع لولاية غوجارات. وقد اختصت تجار الكوتش بثلاثة أمور رئيسة أهمها:
1- فرز وتصنيف اللؤلؤ حسب الأحجام والأنواع.
2- تقدير وتثمين حبات اللؤلؤ.
3- التجارة باللؤلؤ في الأسواق.
آلية العمل بين التجار وأصحاب الحرف
ترتكز العلاقة بين التجار ومن يوفرون البضاعة لهم كالغواصين- على سبيل المثال – على التعامل الشفهي فقط والثقة الكلامية بين الطرفين. فعلى عكس التجار الذين يجيدون الحساب، نجد أنَّ أصحاب المهن هم من الأميين الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة. إنَّ الثقة الكلامية التي ذكرناها آنفاً كانت كما يبدو من طرف واحد، فالتجار سواء أكانوا من السند أم من الهند داوموا على كتابة كل شاردة وواردة في دفاترهم.
كما أنَّ تجار اللؤلؤ العرب والفرس كانوا يضعون أموالهم في خزائن تجار بهاتيا السند دون تدوين أو كتابة أي ضمانات، وهذا دليل على الثقة الكبيرة التي كانت موجودة في ذلك الزمان. بمقابل حفظ تلك الأموال في خزائن البانيان، كان التجار العرب والفرس يحصلون على قروض ميسرة في المقابل. وحين تحصل منازعات فإنَّ سجلات تجار البهاتيا أو البانيان يتمُّ إحضارها للفض في النزاع، فهم وحدهم من كانوا يسجلون كلَّ شاردة وواردة تتعلق بتجارتهم والقروض التي لهم، ويندر بالطبع أن تكون عليهم.
احتكار اللؤلؤ
في عام 1950 تمكَّن الهنود من احتكار تجارة اللؤلؤ في كل من دبي والبحرين بنسبة 80%. على عكس غيرهم من التجار، لا يتاجر الهنود بلؤلؤ الهند؛ لأنه أرخص وأقل جودة من اللؤلؤ الخليجي، فتذكر المصادر أنَّ جودة لؤلؤ الخليج تكمن في لمعانه وبريقه الذي لا يتأثر بالمواد العطرية وغيرها من المستحضرات التي توضع على الجسم. وهذا ما يفسِّر أيضاً زيادة عدد تجار اللؤلؤ من الهنود في الخليج العربي في موسم صيد اللؤلؤ، ففي 1905 بلغ عددهم في دبي 20 تاجراً من مجمل عددهم البالغ 110. وقد أدخلت تجارة اللؤلؤ المال الوفير في خزائن مشيخات دول الخليج التي كانت تعتمد عليه كاعتمادها على النفط حالياً.
حجم التبادل التجاري بيننا وبين الهند
يعدُّ الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة حالياً) ثالث أكبر مصدر للهند وثالث أكبر مستورد منها بعد البحرين ومسقط، حسب إحصائيات 1904.
تصدير البضائع إلى الهند | استيراد البضائع من الهند | الميناء |
75.2% | 59.7% | البحرين |
74% | 57.2% | مسقط |
71.3% | 55% | الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة) |
34.8% | 49.4% | الكويت |
اندمجوا فأمنوا فلبسوا ما نلبس
تذكر الدراسة التي حملت عنوان Indian_Communities_in_the_Persian_Gul
وهي أحد مراجعي الأساسية في هذا المقال: أنَّ تجار الهنود أو البانيان كما يحلو لنا تسميتهم لم يلحظ أن لبسوا زي البلد الذي يستقرون فيه، ما عدا الشارقة. وقد ذكر ذلك الكابتن جورج بركس Captain George Brucks في عام 1822. بينما نلاحظ أنهم في أقدم وأطول وجود لهم في الخليج والذي كان في مسقط كانت لهم أزياؤهم الخاصة.
مواقف إنسانية بين الشيوخ وأفراد الجاليات
إنَّ العلاقة التي تربط الحكام بأفراد الشعب سواء أكانوا من المواطنين أو من الجاليات الوافدة تعكس الكثير عن علاقة الدولة بأسرها معهم.
وأصدق تلك المواقف هي التي تذكر بلسان أصحابها عرفاناً بالجميل وامتناناً بحسن الاستضافة؛ فقد ذكر التاجر الهندي المعروف ناراين آساربوتا – وهو من بهاتيا السند – في مذكراته أنَّه في عام 1964 تمت دعوته وهو وحرمه إلى مأدبة في بيت الشيخ خالد بن سلطان بن زايد آل نهيان (1906-1977) في منطقة الخالدية، وحين رأت الشيخة موزة حرم الشيخ خالد زوجة التاجر آساربوتا وهي لا تلبس خلاخيل الأرجل- التي تشتهر بلبسها نساء الهنود- قامت الشيخة بفك خلاخيلها من رجليها وأعطتهما زوجة التاجر الهندي لتلبسهما.