يا كاشف الأكراب ..رائعة تبرز قيم التكافل الاجتماعي في مجتمع دبي

Business مجلة مدارات ونقوش – العدد 26 – 27

 2,843 عدد المشاهدات

سعد بن عبد الله الحافي – كاتب وباحث سعودي

يعدُّ الشعر من أهم الوثائق التي نستحضر من خلالها حياة أهل الجزيرة العربية في فترات زمنية قديمة، ونستحضر من خلال الشعر جميع التفاصيل التي عاشها الأجداد في أفراحهم وأزماتهم، وخلَّدت لنا القيم والمبادئ الأصيلة التي جبلوا عليها، وورَّثوها للأجيال لأخذ العظة والاقتداء. ومن هذه النصوص قصيدة للشيخ بطي بن سهيل، حاكم دبي قبل أكثر من مائة عام، والتي تعكس طبيعة علاقة الحاكم مع شعبه، وأن ما نلاحظه هذه الأيام أثناء الأزمة العالمية التي أحدثها الفيروس المستجد (كورونا كوفيد – 19) من حميمية العلاقة الأبوية بين حكّام الخليج، حفظهم الله، مع شعوبهم وحرصهم عليهم، إنما تمتد جذورها ضاربة بكل قوة في أعماق التاريخ.

وفيما يلي نص القصيدة:

يا رب يا من كل خلقه تساله

     يا كاشف الأكراب يا مفرج الضيج(1)

يا من تنزه في علاه وجلاله

     وأحصى جميع أرزاق كل المخاليج(2)

نرجي ونأمل كلنا من نواله

     لعل بعد العسر يامر بتفريج(3)

اتريح ناسٍ ناجلين الحماله

     وتسوق بالطافك لهم حظ توفيج(4)

يا خير مسؤولٍ لمن هو شكاله

     ويا خير مأمولٍ لفك المغاليج(5)

ابحق ما في النور واسم الجلاله

     تفرج الى ضاقت حبال الخنانيج(6)

وش حالة المخلوق من دون ماله

     ليعاد كده ما يكافي المخاريج(7)

اتقل حتى حيلته واحتياله

     وايظل حيرانٍ بقلبه تواهيج(8)

متمشكلٍ من سوء حالٍ جراله

     يشكي فلس عقب الخيش والصناديج(9)

كم خيرٍ بانت عليه افتشاله

     حمل بحملٍ ما يواحيه ويطيج(10)

هذا الذي دار الدهر واغتياله

     ما يشتكي من حادث الوجت تعويج(11)

خذ من زمانه ما يكافي حواله

     ولا غرته هل العقول المطافيج(12)

يا رب عن ها الحال تخلف بداله

     يسرٍ بعد عسرٍ وللهم تفريج(13)

يا الله يا سامع دعا من شكاله

     غث من تضرع وابتهل لك على الريج(14)

كلٍّ بسط كفه ورافع ندا له

     يا كاشف الاكراب يا مفري الضيج(15)

تعريف الشاعر

هو الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، اختير حاكماً لدبي عام 1906م بعد وفاة ابن عمه الشيخ مكتوم بن حشر. وكان شاعراً امتاز شعره بالجزالة وقوة السبك، وله قصائد عدة على فن التغرودة الإماراتي. ذكر الشاعر حمد خليفة أبو شهاب أنه توفي، رحمه الله، عام 1912م.

مناسبة النص

ذكر الشاعر حمد أبو شهاب في تقديم النص «أنَّ القصيدة تتحدث عن الظروف المعيشية الصعبة في ذلك الوقت».

ونستطيع القول إنَّ النصَّ يعدُّ وثيقة مهمة لظروف معيشية صعبة مرَّ بها أهل دبي قبل أكثر من مئة عام، حيث كانت دبي تعتمد على تجارة اللؤلؤ، وكيف أنه في خضم هذه الظروف كان هناك رجال من أهل الخير قاموا بمساعدة الناس الفقراء؛ فأنفقوا أموالهم في كفالة الآخرين، وصبروا على ذلك، وهذا يعكس مدى شيوع قيمة التكافل الاجتماعي في مجتمع دبي في ذلك الوقت. ويتضمن النصُّ دلالة على أنَّ الشاعر قال القصيدة مستغيثاً بالله، عز وجل، أن يفرّج الأزمة بعد أن رأى أحوال الناس المادية قد ساءت:

     يا الله يا سامع دعا من شكاله

غث من تضرع وابتهل لك على الريج

     كلٍّ بسط كفه ورافع ندا له

يا كاشف الاكراب يا مفري الضيج

دراسة النص

ورد النصُّ في عدة مصادر، وقد اعتمدت هنا على ما جاء عند الشاعر حمد خليفة أبو شهاب (رحمه الله) في كتاب «تراثنا من الشعر الشعبي».

 تعدُّ القصيدة مرجعاً لهجوياً ذا عمق تاريخي قديم في اللغة العربية، من حيث إبدال القاف جيماً معطشة، حيث نجد أنَّ ذلك وحَّد قافية القصيدة (القاف) و(الجيم)، وجعلها في قافية واحدة (الجيم المعطشة)، وهذا يجوز في اللهجة الإماراتية، إذا كان الشعر سماعياً وليس كتابياً.

المعنى الإجمالي

بدأ الشاعر قصيدته متوجهاً بالدعاء إلى الله، عزَّ وجلَّ، الذي لا يُدعى ولا يُسأل سواه، وهو الذي يرفع الكرب، ويبدل العسر يسراً، ثمَّ إنَّ الشاعر يعظم الله ويثني عليه بما هو أهل له، سبحانه، موقناً بأنَّ الله وحده مَن يُقسِّم الأرزاق بين الخلق، وأن لا رازق إلا الله، ولا يرجى إلا فضله، ويدعوه متضرعاً أن يعجِّل لهم بالفرج بعد الشدة، من أجل أن يخفِّف على الناس الذين تكفَّلوا بالإنفاق على من لا يجدون شيئاً، وأن يشملهم الله بألطافه وتوفيقه جزاء ما قدَّموا.

صبر وإيثار

ويتوسَّل متضرعاً إلى الله بأسمائه الحسنى أن يوسِّع عليهم؛ فالظروف الصعبة شدَّدت عليهم الخناق، ويتساءل: كيف يكون حال الإنسان الذي لا يجد مالاً إذا كان يعمل ويكدح، ثمَّ لا يجد ما يكفي للإنفاق على حاجاته؟

 فعند ذلك هو يقف محتاراً لا يحسن التصرُّف بعد أن حاصرته الهموم، وقد أصبح مفلساً بعد أن كان غنياً، ثمَّ يبيِّن أنَّ ذلك جعل بعض أهل الخير والكرم يشعر بعجزه بعد أن قصده الناس وهو لا يجد ما يكفيهم، فقد تحمَّل فوق مقدرته المالية، وأنَّ هذا النوع من الرجال هم من دار عليهم الدهر دورته، ومع ذلك صبروا ولم يشتكوا أو يتبرَّموا ممّا أصابهم، فقد قنعوا ورضوا بستر الحال، ولم يستمع أحدهم لخفاف العقول. ثمَّ يدعو لهذا النوع من الرجال (ولا شكَّ أنَّ شاعرنا منهم) أن يبدل الله عسره بيسر، ويفرّج همّه، ويلحّ في الدعاء، ويسأل الله الإجابة.

الهوامش:

1- الضيج: الضيق.

2- المخاليج: المخاليق.

4- توفيج: توفيق.

5- المغاليج: المغاليق.

6- الخنانيج: الخنانيق، ومفرده خناقة، وهو منسوج صوفي يوضع حول رقبة الناقة.

9- الصناديج: الصناديق.

10- يطيج: يطيق.

11- الوجت تعويج: الوقت تعويق.

12- المطافيج: المطافيق.

14- الريج: الريق.

15- يا مفري الضيج: يا مفرج الضيق.