1,642 عدد المشاهدات
الكاتب: خليل البري
انطلاقاً من رؤية الشيخ محمد بن راشد في كون «الحفاظ على تراثنا وثقافتنا التي توارثناها عبر الأجيال، وما قدمته لنا من إرث فكري وإبداعي مسؤولية وطنية وتاريخية نحملها اليوم وسيحملها أبناؤنا وأحفادنا» أنشأت بلدية دبي، ممثلة بإدارة التراث العمراني، مركز دبي للوثائق التاريخية عام 2016، في حي الشندغة بالمنطقة التراثية التاريخية الكائنة على ضفاف خور دبي، وليس بعيداً عن متحف دبي في منطقة الفهيدي.
وتمَّ اختيار منزلين تاريخيين في الشندغة لإقامة المركز، يعودان للمواطنيْن علي بن حزيم، وأحمد بن زايد، تبلغ مساحتهما 2650 قدماً مربعة. ويضمان غرفاً عدة، حيث يتكوّن البيت الأول من أربع غرف في الدور الأرضي، وليوانين وسلم صاعد إلى الدور العلوي، الذي يتكوّن من غرف عدة، وليوان ممتد يشمل كلَّ الغرف. أمَّا البيت الثاني فهو عبارة عن فناء كبير في الوسط وتحيط به ست غرف وليوان عند المدخل، وليوان آخر عند الجهة الغربية الجنوبية من الدور الأرضي. أمَّا الدور العلوي فَيُصْعَدُ إليه بسلم، حيث توجد غرفة واحدة كبيرة يظللها الليوان. وفي عام 2016م، عندما قامت إدارة التراث العمراني والآثار ببلدية دبي بتحويل البيتين إلى مركز دبي للوثائق التاريخية، استخدمت غرف الدور الأرضي لعرض الوثائق وحفظها، والدور العلوي لغرف الإدارة وقاعة للباحثين.
وقد أوضح عبد العزيز صالح الشحي، رئيس مركز دبي للوثائق التاريخية، في لقاء معه، أنَّ المركز تمَّ تأسيسه في عام 2016، لجمع الوثائق التاريخية لدبي، والإشراف على ترميم الوثائق التاريخية وترميزها، والحفاظ عليها من الأضرار والخسائر، وإعداد الدراسات التاريخية والوثائقية حول الإمارة، لإتاحتها للباحثين والدارسين والمتخصصين في تاريخ الخليج العربي.
البدايات الأولى
ووفقاً لما أورده الشحي، بدأ المركز بألف وثيقة، ويضمُّ اليوم نحو 100 ألف وثيقة، استفاد منها مئات الطلبة الذين يحضرون للدراسات العليا «الماحستير والدكتوراه»، وكذلك عشرات الباحثين والمتخصصين. وقد نظَّم المركز معارض عدة؛ منها معرض في جامعة زايد، وآخر في المدرسة الأهلية الخيرية، وثالث في جامعة الشارقة على هامش مؤتمر العلوم عند العرب والمسلمين، تمَّ خلالها إلقاء الضوء على محتويات المركز، وأهمية الوثائق في إبراز التاريخ.
ومن بين اهتمامات المركز، تنظيم ورش عمل لترميم الوثائق التاريخية، وقد تعاون في ذلك مع مركز جمعة الماجد، وتنظيم معرضين متخصصين عن الوثائق التي تملكها بعض الأسر الكبيرة والمعروفة في دبي؛ الأول في عام 2017 عن وثائق عائلة المنصوري، وقد تمَّ تنظيمه بإشراف الأستاذ أحمد عبيد المنصوري، واستمر عاماً كاملاً، والثاني عن وثائق أسرة السركال، بإشراف السيد ناصر السركال، ويضم نحو 100 وثيقة وصورة ويستمرُّ حتى نهاية العام الجاري.
وأسهم المركز في دراسات وبحوث عدة، كما أكّد الشحي، منها «كتاب بلدية دبي – وثائق تاريخية» الذي ستصدر منه الطبعة الثانية خلال العام الجاري، إضافة إلى دراسة حول كتاب « الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – وثائق تاريخية»، وهناك كتاب عن وثائق أسرة السركال، وآخر عن وثائق عائلة المنصوري، وكلاهما قيد الطباعة.
وحول التعاون بين المركز والمراكز المشابهة في الدولة، قال الشحي: «هدفنا يتجلّى في الحفاظ على تراثنا ومنحه الاهتمام والرعاية الكاملة كونها تمثّل جزءاً محوريّاً من تاريخ الدولة، والتعاون قائم بيننا وبين مراكز الوثائق التاريخية، ودارة الشيخ سلطان في الشارقة، ومركز الوثائق التاريخية في رأس الخيمة، ومركز الأرشيف الوطني في أبوظبي. وعلى مستوى الخليج العربي لدينا تعاون وتنسيق مع مركزي الوثائق في البحرين ومسقط، إضافة إلى مركز الوثائق الخاص بمجلس التعاون الخليجي، وهناك أفكار لربط المراكز الخليجية ببعضها.
دعوة إلى التوثيق
وقال عبدالعزيز الشحي: إنَّ المركز يدعو الدوائر والهيئات الحكومية المحلية، والأشخاص والأعيان الذين يملكون وثائق خاصة عن إمارة دبي، إلى أن يتقدموا بها إلى المركز، لعرضها في إطار حفل سنوي يقيمه المركز للتعرُّف إلى هذه الوثائق وما تحمله من أهمية قصوى في تاريخ الإمارة، الذي نحرص على جمعه وتوثيقه، في إطار التوجيهات السامية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي تفقَّد منطقة الشندغة التراثية مرات عدة في سياق عملية التطوير الحضاري للمناطق التراثية في الإمارة، بما يليق بمكانتها التي تشهد على مرحلة مهمَّة من تاريخ دبي، لمعاصرتها البدايات الأولى لنهضتها الحديثة، حيث كانت المهد الذي انطلقت منه إنجازاتها المعاصرة.
وقد أكّد سموه على أهمية الحفاظ على المواقع التراثية، ومنحها الاهتمام والرعاية الكاملة كونها تمثّل جزءاً محوريّاً من تاريخ الإمارة ودولة الإمارات على وجه العموم؛ إذ تمثِّل تلك المناطق الجسر الذي يربط الأجيال الحالية والقادمة بتاريخهم وثقافتهم الأصيلة، وهي العناصر التي تمثّل الركيزة الأساسية التي ننطلق منها نحو المستقبل.
وقال سموه: «الحداثة والمعاصرة لا تكتمل إلا باستيعاب التاريخ والتعلّم من دروسه والاحتفاء بما منحه إيّانا من شواهد تنقل لنا صورة الماضي الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا وكيف صنعوا البدايات الأولى لنهضتنا الحديثة… الحفاظ على تراثنا الحضاري وثقافتنا التي توارثناها عبر الأجيال وما قدّمته لنا من إرث فكري وإبداعي مسؤولية وطنية وتاريخية نحملها اليوم وسيحملها أبناؤنا وأحفادنا».
وأشار سموه إلى أهمية العمارة كجزء أصيل من التراث الثقافي لدولة الإمارات، وقال سموه: «العمارة التراثية الإماراتية جزء من ثقافتنا وهويتنا، وعلى الأجيال الجديدة الحفاظ عليها وتطويرها لتبقى شاهدة على قدرة الإنسان الإماراتي على الإبداع وحسن توظيف الإمكانات المتاحة، لتقديم الحلول الأكثر ملاءمة لبيئته والتي تعينه على تطويع الظروف المحيطة به، وهو ما يتجلّى في الإرث العمراني المميز الذي تركه لنا الأجداد بكل ما يعبّر عنه من معانٍ تاريخية وإنسانية كبيرة».
واختتم الشحي قائلاً: «يتبنى المركز أفضل الممارسات في إعداد وتنفيذ برامج ترميز وفهرسة وحفظ وتنظيم تداول الوثائق التاريخية وإتاحتها للباحثين». وشدد على الجهود المتواصلة للبلدية في تجميع هذه الوثائق القيّمة، التي يمكن أن تساعد على توثيق تاريخ دبي والإمارات العربية المتحدة، كما أكد أهمية الوثائق في إبراز التاريخ، وإعطائه جانباً ملموساً وأكثر مصداقية، قائلاً: كانت بلدية دبي سباقة في إنشاء مركز خاص بتجميع الوثائق التاريخية، ولدينا حتى الآن، أكثر من 100 ألف وثيقة تاريخية، يستفيد منها الباحثون والطلبة في دراستهم حول تاريخ الإمارات، ويستخدمونها مراجع وأدلة.