3,384 عدد المشاهدات
خاص – د.حمادة هجرس .. مركز جمال بن حويرب للدراسات
على الرغم من أنَّ الصين كانت بعيدة ومنعزلة جغرافياً بعض الشيء عن حضارات الشرق الأوسط والبحر المتوسط، فإنها كانت ترتبط بعلاقات مع الإمبراطوريتين الفارسية والررومانية، فأقامت علاقات مع الإمبراطورية الفارسية منذ القدم، وقد لوحظ أنَّ المصادر الصينية سجَّلت أكثر من ثلاثين سفارة فارسية منذ عام 455م وحتى عام 651م، كما ارتبطت بعلاقات مع الدولة الرومانية، وهناك أدلة تاريخية تؤيد ذلك خلال عصر الإمبراطور أغسطس (Augustus) (27ق.م-14م)، إضافة إلى أنه كانت هناك سفارات رومانية للصين تمت في أعوام 166م، 226م، و285م، وقد اتصلت بتلك الحضارات بواسطة وسيلتين من أهم الطرق التجارية هما طريق التجارة البري، وطريق التجارة البحري.
العلاقات العربية الصينية قبل الإسلام
تؤكِّد المصادر التاريخية الصينية أنَّ الصينيين كانت لديهم معرفة قوية بالعرب قبل الإسلام بعدة قرون، حيث يرجع تاريخ العلاقات بين الصين والعرب إلى ما يقرب من 2000 عام. كانت سياسة أسرة هان (206 ق.م-8م) تهدف إلى فتح طرق تجارية مع الأقاليم الغربية للصين فيما عُرِفَ لاحقاً بطريق الحرير، ووفقاً لكتاب تاريخ أسرة هان (206 ق.م-8م)- والمؤرخ بعام 91 ق.م، فقد أرسل الإمبراطور وُوه (ت 87 ق.م) الجنرال جانغ تشيان في بعثتين إلى غرب آسيا؛ الأولى كانت في عام 139 ق.م، والثانية عام 119 ق.م. زار خلالهما چانج تشيان كثير من الدول مثل: منطقة تركستان الشرقية والهند وأفغانستان وآسيا الوسطى والعراق وسوريا، وبعد عودته من رحلته وصفاً لبلاد العــرب.
إضافة إلى ذلك كان للتجار العرب دورٌ مهمٌ في العلاقات التجارية بين الصين والغرب قبل القرن الخامس الميلادي، لذلك كان الصينيون في عهد أسرة هان على دراية جيدة بالعرب. تشير المصادر التاريخية الصينية مثل كتاب تانغ القديم أنَّ الصينيين لم يسمعوا عن الإسلام إلا في عام 17ھ/ 639م، خلال عصر أسرة تانغ (618-907م) في فترة حكم الإمبراطور تايزونغ (626-649م)، عندما استقبل بلاطه سفارة من آخر الحكام الساسانيين يزدجرد الثالث (631-651م) يطلب المساعدة ضد الجيوش العربية الغازية لبلاده، إلا أنَّ الإمبراطور تجنَّب الأمر درءاً للمتاعب التي قد تنتج عن ذلك. يتفق العلماء الصينيون أنَّ الإسلام وصل إلى بلادهم عام 29ھ /651م، وذلك في صيف السنة الثانية لفترة حكم ثاني أباطرة أسرة تانغ (618-907م) الإمبراطور غاوزونغ؛ ففي ذلك العام كانت أول سفارة عربية إلى بلاط أسرة تانغ.
العرب … وركوب البحر
كان للعرب معرفة كبيرة بالبحر وركوبه قبل الإسلام والبعثة النبوية الشريفة، والدليل على ذلك أنَّ لفظة “الفلك” وردت في القرآن الكريم 23 مرة، كما وردت لفظة “السفينة” 4 مرات، وقد وردت هذه الكلمات مرتبطة بأحداث وقصص قرآني مثل قصتي النبي نوح والنبي يونس، أو لتبيين نعم وآلاء الله عز وجل مثل قوله تعالى: “رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ” (الإسراء، الآية 66)، “أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ” (لقمان، الآية 31). تدل كثرة الآيات القرآنية التي تشير إلى السفن وما بالبحار من نعم إلى الأنشطة البحرية التجارية الخاصة بالعرب قبل الإسلام، خاصة في منطقة الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية وبلاد اليمن ومنطقة الخليج العربي كبلاد عمان والإمارات العربية، وهو دلالة لا تقبل الشك أنهم كانوا على دراية ليس فقط بركوب البحار ولكن أيضاً بحركة الملاحة والصيد والغوص.
وبعد إقامة الدولة العربية وما صاحبها من فتوحات خلال عصر الخلفاء الراشدين والأمويين، وأصبحت تضمُّ أقاليمَ وأراضيَ شاسعة، وكذلك انتقال مركز الخلافة من الشام إلى العراق، زادت أهمية الخليج العربي، حيث أصبحت بغداد حاضرة الدنيا، وكلُّ هذا عزَّز من الملاحة العربية في البحار، حيث كان يجلب التجار كلَّ غالٍ ونفيسٍ إلى بلاط الخلفاء من شتى بقاع الأرض، فنشطت التجارات وعظمت الأموال، واندفع التجار يجوبون مشارق الأرض ومغاربها ليبيعوا منتجات العرب ويشترون نفائس الأرض كالبخور والخزف والحرير وغيرها.
رحلة أبو عبيدة عبد الله بن القاسم
وردت أخبار رحلة الشيخ أبو عبيدة عبد الله بن القاسم في مصدر تاريخي هو “كتاب أبي سفيان” لأبي سفيان محبوب بن الرحيل العبدي المتوفى في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، وكان من فقهاء الإباضية بالمشرق ومؤرخيهم في أواخر القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، بداية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، كان في عصر الإمام عبد الوهاب “رأس جماعة أهل الدعوة والمقدم عليهم”، وكان آخر من تأمّر على الجماعة الإباضية بالبصرة، وكان من رواة الحديث، واعتمد عليه الشماخي اعتماداً كبيراً في نقل أخبار المشرق.
جاء في كتاب أبي سفيان أنَّ أحد شيوخ الإباضية، وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان، وكان عالماً كبيراً في عصره وتاجراً معروفاً اشتغل بتجارة المر، وكان قد سافر بتجارة من الصبر والمر إلى بلاد المشرق والصين. يقول المستشرق كراتشكوفسكى عن رحلة الشيخ أبو عبيدة: “تاريخ تلك الرحلة غير معروف لنا ولو أنه لاعتبارات عديدة يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب مدينة كانتون (غوانتشو حالياً) عام 758م.
أمّا عن حادثة نهب المدينة، ففي عام 141هـ/ 758م بلغ التجار المسلمون حداً من القوة في ميناء المدينة المذكورة؛ الأمر الذي جعلهم يضعون أيديهم على المدينة وينهبونها قبل مغادرتها عن طريق البحر، كما تمَّ ذلك مرة أخرى عام 264ھ/878م.
على أية حال، يمكن أن نعدَّ أخبار رحلة أبي عبيدة عبد الله بن القاسم إلى الصين -التي تمت قبل سنة 141 هـ/ 758م، أي قبل نهب مدينة خانفو (غوانتشو حالياً)- أقدم ما وصل إلينا من أخبار الرحلات.
فقد كان أبو عبيدة عبد الله بن القاسم، عالماً كبيراً في عصره وتاجراً كبيراً اشتغل بتجارة المر، وكان قد وصل إلى ميناء خانفو نحو سنة 133هـ، وتعدُّ رحلته أقدم رحلات العرب إلى بلاد الصين، إن لم تكن أولها، وكان يدعى عند الصينيين بالشيخ عبد الله، وكان يكنى بأبي عبيدة الصغير، ووصل إلى ميناء خانفو عام 133هـ/ 750م، وكان رباناً كبيراً وتاجراً معروفاً. وخلال رحلاته مرَّ بموانئ الملايو وموانئ جزيرة سومطرة وجاوة؛ لأنَّ هذه الموانئ تقع على طريق التجارة البحرية بين المنطقة العربية والصين.
أصبح الشيخ أبو عبيدة رئيساً لمنطقة سكنى العرب والأجانب الآخرين في مدينة غوانتشو، وقد لقبه الإمبراطور الصيني سون سين زون بصورة خاصة “جنرال الأخلاق الطيبة”، وقد ورد في كتاب بعنوان موجز تسجيل الأمور الهامة المختلفة في عهد أسرة سون للأستاذ تشان زون “الاتصالات الودية بين الصين وعمان عبر التاريخ، وبصورة صريحة فإنَّ المبعوث لدولة ووشيون (صحار) التابعة لتاشي (العرب) قد جاء لتقديم الهدايا إلى الإمبراطور الصيني”. وقد عاش أبو عبيدة عبد الله بن القاسم سنوات عديدة في الصين.
كما حفظ لنا الرحالة والجغرافي ابن رسته رحلة التاجر أبي عبد الله محمد بن اسحق، الذي أمضى قرابة عامين في جزيرة قمار أو قمارى (أي قمير أو خمير- الاسم القديم لكمبوديا)، وذلك في أوائل القرن التاسع الميلادي، التي غدت معطيات هذه الرحلة مصدراً مهماً لابن رسته وياقوت الحموي.
رحلة الشيخ النضر بن ميمون
لم يكن الشيخ أبو عبيدة استثناءً للقيام برحلة عبر المحيط الهندي إلى الشرق الأقصى، فتبعه أحد تجار الخليج العربي، وهو الشيخ النضر بن ميمون الذي عاش حيناً في مدينة البصرة ورحل إلى الصين في منتصف القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، ويمكن اعتبار هؤلاء التجار بمثابة ممهدي الطريق للرحالة الذين أعقبوهم.
وعلى كل حال، يمكن اعتبار أنه في ذلك الوقت المبكر ظهر دور الرحّالة والتجار العرب من أهل عمان والإمارات العربية في تطوير نظم الملاحة والطرق البحرية، وأخذوا على عاتقهم نشر الإسلام في أقاصى البحار وبلاد آسيا. ومما سبق نستنبط أنه يمكن اعتبار أولئك التجار العمانيين بما فيهم أهل الإمارات بمثابة ممهدين لتجار آخرين كبار.
رحلة التاجر سليمان وابن وهب القرشي
ومهما يكن من أمر، تبقى رحلة التاجر سليمان ورفيقه ابن وهب القرشي أقدم ما وصل إلينا لوصف رحلة بحرية قام بها العرب إلى الشرق الأقصى، وهي الرحلة التي تلقفها ونقلها عنهما ومحّص روايتهما أحد الرحّالة العرب؛ وهو أبو زيد السيرافي، ومهما يكن من أمر، فإنَّ التاجر سليمان يُعَدُّ من قدامى الرحّالة الذين عرفوا برحلاتهم الغريبة ورواياتهم الطريفة عن البلدان التي زاروها، ونحن لا نعرف شيئاً عن حياته، سوى ما وصل إلينا من الرواية التي ذكرها عن رحلته.
قائمة المراجع
- القرآن الكريم
- إبراهيم محمد علي مرجونة، تيسير محمد محمد شادي، المؤثرات الحضارية المتبادلة بين العالم الإسلامي والصين، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، 2020م.
- أحمد بن سعيد الشماخي ، كتاب السير، المجلد الثالث، دار المدار الإسلامي، 2009م.
- إسماعيل بن موسى الجيطالي، قناطر الخيرات 1-3، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، 2001م.
- إسماعيل راجي الفاروقي، ولمياء لوس الفاروقي، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة، الطبعة الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض 1419ه/1998م.
- رضوان ليولين روي، اللغة العربية في الصين، سوريا، مجلة المجمع العلمي العربي، العدد الرابع (1 أكتوبر 1987م)، صـ 715، 734
- السيرافي، رحلة السيرافي، تحقيق عبد الله الحبشي، المجمع الثقافي، أبوظبي، 1999م.
- شوقي عبد القوي عثمان، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية (41-904ھ /661-1498م)، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1990م.
- الطبري (أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 310ھ)، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، الجزء الرابع، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر (د ت).
- عماد علو، القوى البحرية والتجارية في الخليج العربي خلال العصور الإسلامية، دار الجنان للنشر والتوزيع،2017م.
- فيصل السامر، الأصول التاريخية للحضارة العربية الإسلامية في الشرق الأقصى، دار الطليعة للنشر، بغداد، 1977م.
- كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب العربي، الجزء الأول، القاهرة، 1963م.
- يوسف الشاروني، من تراثنا البحري: أخبار الصين والهند لسليمان التاجر وأبي زيد السيرافي (في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي)، الطبعة الأولى، الدار المصرية اللبنانية 2000م.
- Armajani, Yahya, Iran, New Jersey, 1972.
- Chenyu Ning; Tang Xiaofang, « Huízú gǔdài zōngjiào jiànzhú de wénhuà yìshù tèzhēng » (Characteristics of Hui Minority Culture and Art of the Ancient Religious Architecture), Xīběi mínzú yánjiū (Journal Xibei Ethnic Studies), 2007, Vol. 4, No. 55, pp. 15-22.
- Chenyu Ning; Tang Xiaofang, Zhōngguó huízú wénwù ( Heritage of Chinese Hui Minority, Ningxia People’s Press, 2007.
- Leaning, Melanie; Pratt, Douglas, «Islam in China, From Silk Road to Separatism», The Muslim World, (2012), Vol. 102, pp. 308-335.
- Leiyu, « Zhōnggǔ shíqí yīlǎng yǔ zhōngguó de sī lù shāngmào », Chinese Academic Journal Electronic Publishing House, 2011, No. 1, pp. 138-
- Steinhardt, Nancy, «China’s Earliest Mosques», Journal of The Society of Architectural Historians, (2008), Vol. 67, No.3, pp. 330-361.
- Wangtie Zheng, « Lìshǐ shàng de zhōng ā wénmíng jiāowǎng » (Cultural Exchange between China and the Arab States in History), Journal of Northwest University (Philosophy and Social Sciences Edition), Vol. 34, No. 3, pp. 115-119.
- Wangxiao Fu, Shǐ zhèngdà tǔ táng zhì shí fān guānxì (History of Relations between Tang and Arabs), Beijing University Press, 1992