1,422 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
العنصرية ومعناها تفضيل بعض الناس عنصرهم على الآخرين من حيث العرق أو القومية أو الدين أو الحالة الاقتصادية أو من حيث الموقع والمنشأ والتقدم في العلم، وهي أعني العنصرية وبال على كل من يدعو إليها أو يعتقد بها بل قد تخرجه من الطبيعة الإنسانية ويتحول إلى طبيعةٍ وحشيةٍ تسبب الهلاك والدمار، ولهذا حثنا رسول الله على التواضع والتراحم فقال : كلكم لآدم وآدمُ من تراب، وهذا أمر مقطوع به ومذكور في كل الأديان والشرائع عند المسلمين وأهل الكتاب والأديان الأخرى إلا ما شذّ من اليهود والنازيين وغيرهم.
ولا يتوهم أحدٌ أنّ حفظ الأنساب وتاريخ العائلات والمحافظة عليها على مرّ العصور من باب العنصرية المحرمة بل من باب التعريف والتعارف وقد كان رسول الله يسأل عن الرجل وأبيه وقبيلته للتعارف ليس إلا، ومن جعل الأنساب طريقا له للتفاخر وغمط الناس والحطّ منهم فقد وقع في المحظور وعليه التوقف مباشرة.
في أميركا دولة الحريات وبلاد تحقيق الأحلام لم يحصل السود على حقوقهم إلا من زمن قريب بل كان قانون الفصل العصري لجيم كرو عام 1890م قاصمة الظهر للحرية العامة وقد أيدته المحكمة العليا عام 1896 الذي جعل السود يفصلون أنفسهم خشية من عنف الرجل الأبيض فبنوا مدارسهم وجامعاتهم وكنائسهم وحدائقهم الخاصة واعتزلوا البيض واتخذوا حياة أخرى طيلة عقود من الزمن حتى خرج منهم المثقفون وأصحاب المال والنفوذ فبدأ جهادهم ضد العنصرية خاصة حركة الحقوق المدنية ما بين 1954و1968 واستطاعت بالضغط على جون كيندي ومن بعده ليندون جونسون على إلغاء كثير من هذه القوانين.
وهكذا نال السود بعضا من حقوقهم وفي سنة 1969 قُبل أستاذ الحقوق والمدافع عن الحريات ديريك بيل في جامعة هارفرد ليكون أول أستاذ أسود فيها نتيجة لنجاح هذه الحركة وقد أصبح بعد ذلك في 1980 عميدا لكلية القانون في جامعة أورغون ثم في 1986 عاد إلى هارفرد مرة أخرى ثم خرج منها عام 1990ومن العجيب أن تنقلاته هذه كلها بسبب الحساسية من العنصرية فهو لا يمل من مواجهة خصومه العنصريين ولو خسر وظيفته.
وأنا أقرأ خبر وفاة البرفسور ديرك بيل في الخامس من شهر أكتوبر الجاري، رجعتْ بي الذاكرة إلى 13 قرنا خلت ورأيتُ عظمة الإسلام في قصة الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك مع إمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح (114)هـ وكان أسود أعرج عندما قدم إليه فقال هشام مرحباً مرحباً هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟
قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لهم عطاءين وأرزاقهم لسنة، ثم سأل عطاء أمورا أخرى للمسلمين وكان هشام يقول له نعم ثم قال : هل من حاجة يا أبا محمد، قال عطاء: نعم اتق الله في نفسك، فإنّك وحدك، وتموت وتحشر وتحاسب وحدك. فسكت هشام متفكراً وانصرف عنه عطاء ولم يشرب عنده قطرة ماء.
نشر في البيان
بتاريخ 19 أكتوبر 2011