1,295 عدد المشاهدات
أكَّد بال البدور، الباحث والكاتب والشاعر، سفير الإمارات السابق لدى الأردن، أنَّ المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان حريصاً على دعم الحراك الثقافي والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، في المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وضمن هذا الإطار، فقد وجَّه بإقامة سباقات الهجن في منطقة وادي رم الأردنية، ولا تزال تقام سنوياً بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويحضر حفلها الختامي الشيخ سلطان بن حمدان بن محمد آل نهيان.
جاء ذلك في محاضرته التي ألقاها في مركز جمال بن حويرب للدراسات في دبي، بدعوة من رئيس المركز ، وبحضور جمع من المثقفين والكُتَّاب والمسؤولين الإماراتيين والعرب؛ منهم الأديب عبدالغفار حسين، والدكتور شهاب غانم، والدكتور عارف الشيخ، والدكتور صاح القاسم، وسعادة محمد الدراجي، القنصل الجزائري في دبي، والدكتور خالد الوزني، المستشار في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وابراهيم العابد، المستشار في المجلس الوطني للإعام، وأعضاء مجلس العمل الأردني في دبي، وجمع من الصحفيين والإعلاميين والمهتمين
بدأ جمال بن حويرب الحديث مرحباً بالمحاضر والحضور، قائاً: ثمة رجل سألني ذات يوم، لماذا تتكلم دوماً عن الثقافة، وكلنا يعلم أنَّ الثقافة لا تطعم خبزاً؟!
فأجبته: «إن الثقافة في أوروبا تُعَدُّ مصدراً ثانياً للدخل؛ فالثقافة العامة، والثقافة النفسية، والتوثيق والتسجيل، تعدُّ من أنواع الثقافة ومن مصادر الدخل التي ينبغي استثمارها بصورة إيجابية ومستمرة.
وبدأ بال البدور حديثه قائاً: «عندما وافقت على المحاضرة، كنت متخوفاً من قلة الحضور، بسبب موسم الإجازات، ومعظم الناس في سفر خارج الدولة، لكنني فوجئت بهذا الحضور الطيِّب، ما يشجِّعني على الغوص في أعماق الذكريات والوقائع والأرقام التي بنيت عليها محاضرتي.
قال البدور: من أجل معرفة الحراك الثقافي في بلدٍ ما، لا بدَّ من إلقاء الضوء على تكوين مجتمعه وأنشطته وعاداته وتقاليده؛ فالمملكة الأردنية الهاشمية هي بوبة الخليج إلى باد الشام «سوريا ولبنان والعراق » وقد مرَّت عبر التاريخ بأسماء كثيرة، نتيجة لكثرة الحضارات التي مرت عليها، بدءاً من الرومانيين، فالأنباط، والعرب ثمَّ العثمانيون… إلخ، وهذه كلها تركت آثاراً لم تزل قائمة وحاضرة في تكوين المجتمع الأردني.
وعند الحديث عن البتراء مثاً، قلَّما نجد منطقة تنافسها في تكوينها الحضاري الضارب في عمق التاريخ، وكذلك جرش ووادي رم ووادي الأردن وغيرها.
ومن حيث التضاريس، فإنَّ عمَّان بنيت على 7 جبال باتت اليوم 9 تضاريس بسبب التوسُّع العمراني الكبير الذي ترك أثراً في حياة الناس؛ فهناك الشركس، الشيشان، الكرد ، والأتراك، إضافة إلى الأكثرية العربية، وقد انصهر هذا التجانس ليشكِّل دولة عربية قد يكون لكل مكون من مكوناتها لغته الخاصة به التي يتحدث بها في بيته وبين أفراد أسرته، لكن تجمعها كلها اللغة العربية الأم.
هناك من المسيحيين الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك، ومن المسلمين، سنة وشيعة، ورغم قلة الشيعة، لكن ضمن الأردن الواحد، فإن لهم طقوسهم الخاصة، وعندما حاولت إيران التدخل بحجة حماية الشعائر الدينية؛ فإن الأردنيين لم يسمحوا لها بذلك.
وهناك أردنيون من أصول فلسطينية وسورية وعراقية ويمنية وليبية… إلخ، هذا النسيج الفسيفسائي جعل من المملكة الأردنية بلداً رائداً في التنوع الثقافي والأدبي والاجتماعي والاقتصادي، وبفضل قيادته الواعية ظل، وسيظل إن شاء الله، بلداً موحَّداً وداعماً لأشقائه العرب، وخاصة في منطقة الخليج.
وأضاف البدور: «الإيرانيون حاولوا فتح حسينيات في مواقع معينة بالأردن، وقد ذكرنا حجتهم في ذلك، لكن السلطات الأردنية كانت مدركة لمراميهم الخفية، فلم تسمح لهم بذلك، فاستعاضوا عن الحسينيات بتوزيع الكتب والتسجيلات الخاصة بهم .»
وأكَّد المحاضر أنَّ هوية الأردن العربية الإسلامية لم ولن تتأثر، بفضل الارتباط الوثيق بين القيادة والشعب، وأن الأردنيين بكافة مشاربهم وفئاتهم يطلقون على الملك عبدالله لقب سيدنا »، وما ذلك إلا بفضل الحزم الأمني الواعي، وغير المتسلط أو القمعي، وضرب مثاً على ذلك: «كان هناك مظاهرة أيام الملك حسين، رحمه الله، تنادي ببعض المطالب، فأمر الملك رجال الأمن بمرافقتها؛ يد تحمل العصا، والأخرى تحمل الماء لسقاية من يحتاج إلى قطرة شرب خال المظاهرة .»
وأضاف: أستطيع تشبيه الأردن بقطعة من «الآيس كريم » المحاطة بالماء، لكنها بفضل التلاحم والتواد بين القيادة والشعب فإنها لم تتأثر، ولن تتأثر بإذن الله .»
أكَّد بال البدور أنَّ الحضارات التي مرَّت على الأردن، تركت كثيراً من المعالم الثقافية والسياحية، التي قلَّ نظيرها في باد أخرى، وعلى السائح الواعي المثقَّف أن يضع في برنامجه زيارة تلك الباد، ليطلع عليها عن كثب، ويمتِّع ناظريه وذاكرته بتلك المعالم النادرة؛ مثل منطقة أم الرصاص التي تبعد حوالي 30 كيلو متراً عن عمَّان، وتمَّ من خال التنقيب فيها، العثور على 14 أثراً لكنائس من العهود الماضية؛ إحداها بنيت في العهد العباسي الأول، وأخرى ما زالت الرسومات الأرضية فيها بارزة للعيان.
وهناك مدينة جرش أو جراسيا، وهي معروفة بآثارها، ومهرجانها السنوي الذي يؤمه السياح من أصقاع الأرض كافة، وهناك وادي رم، وهي منطقة صحراوية تخيم عليها الجبال والرمال، وتشهد سنوياً مهرجاناً لسباقات الهجن، بتمويل من دولة الإمارات، وبتوجيه من المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن ىسلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، الذي كان حريصاً على دعم الحراك الثقافي والسياحي في هذا البلد العربي الأصيل، أسوة بغيره من البلاد العربية والإسامية التي شملها دعم سموه آنذاك.
وقال البدور: «من يذهب إلى وادي رم، يجد أن جبالها نحتت بيد فنان محترف، وأن لهجة أهلها وعاداتهم، تشبه إلى حدٍّ كبير لهجة وعادات سكان الخليج العربي، وخاصة أهل المملكة العربية السعودية، ولا يمكن التمييز بين هذه وتلك .
هذا المزيج الحضاري والسكاني جعل في الأردن ثقافات متنوعة، قد تختلف عن بعضها في التفاصيل، لكنها تصب كلها في إطار التقافة الأردنية البدوية الأصيلة.
فالغناء الأردني مثاً، مصحوب بالربابة، أمَّا غناء القادمين إلى الأردن من القرى والجوار، فيكون مصحوباً بالدبكة.
وعن المؤسَّسات الثقافية في الأردن قال البدور: هناك مراكز ثقافية عدة، لعلَّ أهمها المركز الثقافي الملكي الذي أنشئ في العام 1983 ، ويضم مسرحين وقاعات للمعارض.
– منتدى الفكر العربي، الذي دعا إلى تأسيسه الأمير الحسن بن طال، ومن أهم مشاريعه، الميثاق الاقتصادي العربي، ثم الميثاق الاجتماعي، والآن تتم دراسة الميثاق الثقافي العربي.
– مؤسَّسة عبدالحميد شومان، وتعدُّ من أهم المراكز الثقافية، وتستضيف معارض ومحاضرين من الداخل والخارج.
– ملتقى أبو غزالة الثقافي، ويهتم بتنظيم فعاليات ثقافية وأدبية باستمرار.
– هيئة الشؤون الدولية، يرأس مجلس إدارتها، عبد السام المجالي، رئيس وزراء الأردن السابق، وتضمُّ 7 رؤساء حكومات سابقين، وعدد كبير من الوزراء. منهم 16 وزير ثقافة سابق، ولها نشاط مميز؛ إذ تجتمع كلَّ يوم ثلاثاء، لتناقش قضايا عربية ودولية مهمة، وترفع توصياتها إلى الجهات المعنية.
– مجمع اللغة العربية، تأسَّس قبل نحو 40 عاماً، وأصدر معجماً للغة العربية، ووضع دراسات عن أخطاء الصحافيين، وأخطاء القضاة، وانتزع من الحكومة قانوناً لحماية اللغة العربية.
– بيوت الشعر الشعبي، في عمَّان والمفرق وسواهما، ويعود الفضل في إنشائها وتطوير نشاطها، إلى صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
قال البدور:
الدراما: أخذت مساحة واسعة على الشاشة الكبيرة من خال أعمالها التاريخية.
السينما: تأسَّست دائرة السينما في الأردن منذ العام 1965 ، وتأسَّس النادي السينمائي في 1979 ، لكن إسهاماتهما في هذا المجال محدودة.
وعن المعارض: أضاف البدور: هناك مهرجانات عدة مهمة تقام سنوياً؛ منها على سبيل المثال:
– مهرجان جرش للثقافة والفنون.
– مهرجان الفحيص.
– مهرجان موسيقى البلد.
– مهرجان دار الزين.
– مهرجان قلعة عمَّان.
– أيام عمَّان المسرحية.
– معرض الكتاب السنوي.
أمَّا المتاحف فهناك متحف الأردن للآثار، ومتحف السيارات، وهو خاص بعرض سيارات الملك حسين، رحمه الله.
وعن المزارات الدينية، قال البدور: يعدُّ الأردن من أغنى الباد العربية من حيث المقامات الدينية التي يمكن استثمارها في السياحة الدينية، فهناك العديد من قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، أمثال النبي سليمان، والنبي شعيب، ومن الصالحين والصحابة، أبو عبيدة بن الجراح، وضرار بن الأزور والخضر، وكثيرون غيرهم.
قال بال البدور: خال فترة وجودي سفيراً لدولة الإمارات في الأردن، والتي استمرت عامين من ،»2017 : 2016« انشغلت بدعم النشاط الثقافي، وخاصة الخطاطين والفنانين، واقترحت على وزيرة الثقافة إقامة معرض للخطاطين ضمَّ 13 خطاطاً، وكان هناك نحو 20 آخرين، عتبوا علينا؛ لأننا لم نتمكن من ضمهم إلى المعرض.
وقدمت مؤسَّسة طال أبو غزالة مساعدات مالية لهؤلاء الخطاطين، ووعدت بأن تكون هذه المساعدات سنوية لهم.
في نهاية المحاضرة طلب جمال بن حويرب من المحاضر، التطرُّق إلى العوائق التي تحول دون تطوير الحراك الثقافي في الأردن. وقال البدور: لعلَّ أهمَّ العوائق يتمثَّل في عدم الاستقرار في رأس الهرم الثقافي هناك، خاصة إذا علمنا أنَّ النشاط الثقافي يتعلَّق بشخص الوزير وبرنامجه بعيداً عن العمل المؤسَّسي، كما هو معمول لدينا في دولة الإمارات، وضرب مثالًا على ذلك:
“عدم الاستقرار في رأس الهرم الثقافي، ونقص التمويل، من أهم معوقات تطور النشاط الثقافي”
بأنه خال سنتين تمَّ تغيير 3 وزراء ثقافة، وهذا يقود إلى عدم الاستقرار في النشاط الثقافي.
ويضاف إلى ذلك، نقص في الاعتمادات المالية المخصصة للأنشطة الثقافية والفنية في الميزانية العامة للدولة.
وتحدَّث الأديب عبد الغفار حسين قائاً: في الحقيقة أتمنَّى أن يكون كلُّ سفراء الدولة في الخارج، مثل الأستاذ بلال البدور، من حيث الاهتمام بالثقافة إلى جانب العمل الدبلوماسي. ثمَّ ألقى الضوء على العلاقات الإماراتية – الأرنية، فقال: هي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، يوم جاءنا عدد من الضباط الأردنيين المنضمين إلى قوة ساحل عمان، وتذكَّر منهم الضابط داوود صدقي، وآخر اسمه طعمة مقره إمارة الشارقة.
وضمن البعثات الأردنية إلى الإمارات جاءنا الإعلامي المعروف عدي البيطار، وعندما قام الملك حسين، رحمه الله، بزيارة الإمارات في العام 1961 تشرفت بمرافقته.
واليوم تفخر الإمارات بوجود حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الأميرة هيا بنت الحسين، التي ترأس عدة جمعيات خيرية وثقافية في الدولة.
أما الدكتور شهاب غانم، فقد سأل المحاضر عن الحراك الشعري في الأردن، فأجاب: عندما ذهبت سفيراً إلى الأردن، قلت لهم: جئتكم بالدبلوماسية الناعمة، وبالفعل ركزت على الحراك الثقافي، ومنه الجانب الشعري، والتقيت بالعديد من الشعراء الأردنيين الذين نفتخر بهم، ومنهم راشد عيسى.
والحقيقة أن في الأردن عدداً من عمالقة الشعر العربي، أذكر منهم رائد الحركة الشعرية «عرار »، مصطفى وهبي التل، وحيدر محمود، وسواهما.
وأخيراً تحدث الدكتور خالد الوزني، المستشار في مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، فقال مخاطباً المحاضر: إنَّ لك تقديراً خاصاً عند جميع الأردنيين، وخاصة المثقفين منهم، وكذلك جميع سفراء الإمارات في الأردن، والحديث في عمَّان اليوم يتركز حول كيفية الاستفادة من تجربة دولة الإمارات المتقدمة في جميع النواحي، وخاصة في مجالات التقدم العلمي والمعرفي والثقافي والاقتصادي وغيرها، ولعلَّ ذلك يعود إلى القيادة الرشيدة وتلاحمها مع شعبها، وتسخير كل الإمكانيات لإسعاده وتحقيق الرفاهية له.
وأضاف: بالأمس، وفي استطلاع عن الأكثر تأثيراً في مجال «السوشال ميديا » عالمياً، جاء سعادة جمال بن حويرب، ضمن العشرة الأوائل، في حين حصل الذي يليه على الرقم 63 ، ولعلَّ ذلك يعود إلى المكانة العلمية والثقافية التي يتمتَّع بها شباب وشابات الإمارات.
الأديب والباحث الأستاذ بلال البدور، سفير الدولة السابق لدى المملكة الأردنية الهاشمية، عمل في وزارة الخارجية لسنوات عدة، له مؤلفات كثيرة؛ منها «موسوعة شعراء الإمارات »، عضو مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، وله باع طويل في مجال الثقافة والأدب، رئيس جمعية حماية اللغة العربية في الدولة، حاصل على وسام الاستقلال من الملك عبدالله بن الحسين في العام 2017