دلالات من نصوص حميدان الشويعر

مجلة مدارات ونقوش – العدد 2

 5,716 عدد المشاهدات

إعداد: سعد الحافي

تأثر حميدان بالشاعر جبر بن سيار

يرجح لديَّ أنَّ الشاعر حميدان الشويعر، من بلدة القصب، قد عاصر الشاعر “جبر بن سيار- المتوفى عام 1115هـ” وأنَّ حميدان تتلمذ على يد جبر بن سيار، حيث نجد في نصوص “جبر” نفس الأسلوب الشعري الذي اشتهر به حميدان، واعتمادهما كثيراً على البحر المتدارك والرجز، فنجد “جبراً” يشاكي شاعراً اسمه “ابن دواس” يذكر معاناة كبير السن:
في مشيبه رخيصٍ وعقلٍ نقيص
مثل شنٍ على الجال يرمونه

نجد أنها صور تكررت في نصوص حميدان ومن ذلك قوله:
شفت الشايب عن عياله
     وأم اعياله مثل العزبي
لو يطلبهم ردة لقمه
     قالوا مخلي وش ذا الصلبي

بيت حميدان الشويعر
بيت حميدان الشويعر

وفي قصيدة أخرى لـ”جبر بن سيار” ينصح أمير القصب:

إلى بغيت الدار يثبت عزها
     فاجعل على أوطانها حيطانها
وحصن مبانيها وتم بروجها
     كن البروج النايفات ارعانها

ونجد حميدان في نص مشابه لنص “جبر” في البحر والقافية ونفس الغرض ناصحاً ابن نحيط:

عدو جدك من قديم ودارس
     متجرعٍ بغضاك طول ازمانها

وفي انتقاد “جبر” لمن يتخذ الدين وسيلة يخدع بها الناس يقول:

وشيوخٍ إللى فكرت فيها لكنها
     ثعالب طرفاً تفسد الملك جايره

ويقول حميدان في نفس الغرض:

لقيت الظلم يا مانع
     من عامٍ لموه العلما
واحدهم من كبر اللحية
     حبالٍ حط به طعما
يحب الكامد والجامد
     من مال الغير إللى ولما

دلالات الفترة الزمنية التي عاشها:

تتضمن  نصوص حميدان دلالات كثيرة نستدل من خلالها على الفترة الزمنية التي عاشها الشاعر ومن ذلك قوله:
مكنت بالحادي شياطين مذهب
     الكل عن القادي اتحوس مطامسه

حيث نجد دلالة على أنه عاصر آخر القرن الحادي عشر، وبالتالي هذا النص الاعتذاري قاله في مقتبل العمر بالنسبة إلى الشاعر، حيث أجبر على الغزو وأولاده صغار لا يجدون من يطعمهم:
وطاني ردي الخال غزان صخره
     وأنا عيلتي مفتاقةٍ وصغار

وبهذا يجمع بين الدلالات التاريخية من نصحه لابن نحيط قبل عام 1112هـ، وبين اعتذاره لابن معمر المتوفي 1138هـ، وقد كان سبب اعتذار “حميدان” عن ذلك النص الذي قيل في معركة قادها إبراهيم ابن حاكم العيينة عبدالله، وقد هزمه الكثير في معركة الأصيقع عام 1137هـ. وفي الاعتذارية نجد استشهاد “حميدان” بأبيات فارس البسام في عبدالله بن معمر، وفارس عاش مطلع القرن الثاني عشر الهجري:

ذكر فيه فارس خصلتين من الثنا
     وزدت بثلاثٍ واربعٍ ثم خامسه

كذلك استشارة “حميدان” لعثمان بن مانع أمير القصب قبل عام 1139هـ :

فقلت لعثمان النخي ابن مانع
     وكل فتىً يأوي إلى من يوانسه

كما أنَّ قصة انتقام ابنه ممن ضربه وأعاب يده جاءت قبل عام 1158هـ، وهي السنة التي قتل فيها محمد بن ماضي أمير روضة سدير حينما غادر الشاعر القصب وقال قصيدته العينية التي منها:
فيا طارشي قل لابن ماضي محمد
     ترى الشور عقبه قد بدى برجوع

ونجد أنَّ الشاعر عاد بعد ذلك للقصب، فالنصوص التي يذكر فيها كبر سنه وتقوس ظهره يحدد انطلاقته فيها من القصب. كما نجد من أحداث 1168هـ عندما استنجد أهل ضرما بالإمام محمد بن سعود ضد غزو أهل ثرمداء، فأرسل الإمام ابنه عبدالعزيز وهزموهم، فأشار لذلك حميدان ولأسر ابن زامل:

ومهيضه ربط الكريم ابن زامل
     سنا الوشم راعي منسفٍ وجفان

وفي عام 1180هـ، أغار عبدالعزيز بن محمد على أهل ثرمداء في وقعة الصحن فقال حميدان:

ناديت بالجرعا رزين ومانع
     وعيت تنابيني صدي المقابير
ياليتهم يحيون يوم وليلة
     يشوفون كونٍ بالصحينات باكر

كما نجد أنَّ الراوي وصاحب مخطوطة ابن يحيى ينقل عن الشاعر إبراهيم الجعيثن الذي توفي عام 1368هـ، أنه قابل الشاعر ابن عشبان الذي أفاد بأنه شاهد “حميدان” ثلاث مرات وهذا يتفق مع جميع الروايات، ويؤكد صحة ما ذكره صاحب مخطوطة شذا الند في أخبار نجد من وفاة “حميدان” في عام 1200هـ بعد أن امتد به العمر.

الهجاء الغرض الأشهر لدى “حميدان”:
لو تتبعنا الفترات الزمنية في تاريخ الشعر العامي، فسنجد في كلِّ فترة أنَّ هناك شاعراً يبرز في غرض معين، فحميدان الشويعر برز في غرض الهجاء والنقد الساخر، فكان فنه الذي لا يجارى فيه، وتميز بحدة النقد التي تصل إلى التجريح والانتقاص، فلم يكن يرضيه شيء، ولا يسكت عن شيء وهو كما وصف نفسه:
أقول النصايح وأعد الفضايح
     عن اللي فعلها ولا أخاف لايم

ويبدو أنَّ للحياة الشاقة التي يعيشها مجتمعه القروي دوراً في إضفاء هذه السمة على شخصية الشاعر، فقد كان فلاحاً كادحاً عانى من تسلُّط الأقوياء عليه، وربما كان لقصر قامته جانب من هذه النقمة نتيجة تعرضه للاستهزاء من الآخرين، فقد استكثروا عليه اسم حمد فنادوه “حميدان” واستكثروا الشاعر فصار شويعراً، والجدير بالملاحظة أنَّ “حميدان” في نقده وهجائه بدأ من أسرته الصغيرة، ثمَّ عمَّ شرائح المجتمع، ويبدو أنه عندما كبر في السن عانى من تنكُّر ابنه وزوجته، فبدلاً من أن يرتاح استمرَّ في الكدِّ والشقاء، بينما هم يتنعَّمون ويستكثرون عليه أشياء كثيرة. فلذلك نجد هذا النص الذي انتقد بالـهجاء من خلاله، ابنه مانع حتى إنه تمنَّى له الموت بأنواع مختلفة بما يوحي بأنَّ الشاعر مغلوب على أمره ويعاني من سوء المعاملة من ابن عاق:

أنا سهرٍ بمنيحتي
     وهو مجلنطٍ بسطوحه
أنا أكل من شين أثماره
     وهو له زينه وبلوحه
عطاه الله صيحة غفله
     تودع نسوانه في نوحه
وألا زراجةٍ فارق
     تنشب لي رأسه في صوحه
وإلا رصاصة درج
     تطلع لي طعمه مع روحه
لو يذكر لي وقتٍ راح
     وشفه بالجيه والروحه
ادخل به مع باب الطلحه
     مالي ذرعاني بطروحه
ترى العيلان اللي كبروا
     وأجود اللي يكفي روحه

ويؤكد ما ذهبنا إليه نصوص عدة أخرى، في أحدها يشير إلى أنه عندما بدأ الناس بالاستعداد لحرث الأرض، فإنَّ ابنه مانع ذهب مع (سويرة) زوجته الثانية إلى بلدتها الرياض وترك والده وحيداً، وأنفق أمواله في تحقيق رغبات زوجته، ولم يكلف نفسه بشراء لبيبيدة (جبة صوف) يكسو بها “حميدان” ظهره العاري:

يوم دلوا زراريعنا للحريث
     روحت به سويره عن العيثري
العرب يظهرون النخل والعيال
     وهو يشري لها المسك والعنبري
حط له حرمتين جعل ما هو بزين
     اجعله عقب هذا يهبد الشري
يوم جا ما عطاني لبيبدةٍ
     اتدفا بها يوم ظهيري عري

وفي جانب آخر مهم نجد الشاعر ينتقد الآباء الذين يزوجون بناتهم ممن لا يستحقونهن ولا يعرفون قدرهن، وهذا انتصار من الشاعر للفتيات المغلوبات على أمرهن في ذلك الوقت:

لى جا ثورٍ يخطب بنتك

     فاضرب رجله قل له قف
والله ما يسوى ملكتها
     ولا يسوى قرع الدف
والله ما يسوى ضيفتها
     ولا يسوى ظلف وخف
أن سلمت من ضربه بيده
     ما سلمت من بف وتف
يروحن حيلٍ وملاط
     ويجن لقح ومردف

وفي الجانب الآخر نجد الشاعر قد صنف النساء وخصص لهن قصيدة يفضل فيها ما تصلح أن تكون زوجة، وغير الصالحة من وجهة نظره. وهو ينصح ابنه الذي يبدو من نصوص أخرى أنه لم يلتزم بوصية والده:

يا صبي استمع من عويدٍ قضى

     الدهر مدبه لين ما قصرى
ما بقى منه غير العصب والعظام
     مثل عودٍ على الدرب ومقشري
لا تضم اللي ما تعرف السوى
     تجعل الزين شينٍ ولا تستري
يذن العصر والعيش فوق الرحى
     القدر موصخٍ واللبن مخوري
لا تضم التي تشتري للغا
     دايمٍ هرجها بالكلام الزري
لى نشدها بعلها بهرجٍ لطيف
     طوحت حسها ما ادري ما ادري
اندفه في ثلاثٍ تبعهن ثلاث
     لجل تاكل طعامك هنيٍ مري
لا تضم التي قد حكي بامها
     تحسب العيب باري وهو ما برى
لا تضم التي ما تخلي العباه
     دايمٍ كنها تلعب العيفري
من جهلها تخلي ولدها يصيح
     ما تسنع لها مورد ومصدري

اختلاف الروايات في نصوص “حميدان“:

كثر تدخل الرواة في شعر حميدان فنجد للبيت أكثر من رواية مختلفة الصياغة، وهذا الأمر مشهور في الروايات الشفوية حيث ينسى الراوي شطراً أو مفردة فيكملها بناء على فهمه للسياق الدلالي للبيت، إلا أنَّ هناك تدخلاً متعمداً من شعراء آخرين بإضافة أبيات على النص، بقصد تصفية حسابات مع آخرين على حساب “حميدان”، وقد عانى من ذلك في حياته وليس أدل من قصيدته الاعتذارية التي وضَّح فيها هذه المشكلة:
بنوا فوقها أصحاب الوشايا وصيروا
     لها وشمةٍ زرقا وبالقلب لاعسه
أنا شيلوني نقلةٍ ما حملتها
     ولا حاطها فكري ولا اختل هاجسه

ومن أمثلة تعدد الروايات واختلافها في نصوص “حميدان الشويعر” نجد بيتاً قارناه بروايات متعددة فوجدنا اختلافاً  كبيراً حيث يرد عند (هوبير):

مكنت بالحادي شياطين مذهب
     الكل عن القادي اتحوس مطامسه
يرد الشنا عني ولا ينقل الثنا
     كتاتيب سوٍ عن شمالٍ امراوسه

وفي رواية (الفرج):

شاهدت بالحادي شياطين مذهب
     محاريث سوٍ بل انجوسٍ مناجسه
تعد الردى عني ولا تنقل الثنا
     كتاتيب سوٍ عن شمالي امراوسه

وفي رواية (الحاتم)

وأنا صرت في نادي شياطين مذهب
     عن الحق مالوا واقتضوا في مناجسه
تروي الخزى عني ولا تنقل الثنا
     كتاتيب سوٍ عن شمالي امراوسه

وعند(العمري):

شاهدت بالحادي شياطين مذهب
     أكلا عن القادي انجوسٍ مناجسه

كما أنَّ هناك نصًّا كاملاً نسب له وهو لشاعر اسمه قرينيس من بلدة الحلوة، عاش في نفس الفترة الزمنية، وقد اخترع عليه الرواة ما ليس في النص الأصلي ومطلع النص:
ما همن ذيبٍ في عوصا
     همن ذيبٍ في الدرعيه

فلم يعرف عن “حميدان” أنه عارض الدعوة السلفية التي قام بها الإمامان؛ محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب بل نجده يؤكد صحة وسلامة دعوتهم ويحث على اتباعها:

النفس لا جت لمحاسبها
     فالدين أخيار مكاسبها
كأنك للجنة مشتاق
     تبغى النعيم بجانبها
اتبع ما قال الوهابي
     وغيره بالك اتقربها