2,315 عدد المشاهدات
إعداد: الدكتورة مريم أحمد قدوري
لا نزال في عام زايد الخير، وذكراه تستوقفنا، في كل عدد من أعداد مجلة (مدارات ونقوش)، عند محطة من محطات إنجازاته التي شهد له التاريخ، ويشهد له العالم المعاصر بها. هي شهادات لمسيرة زايد في عدد من الصحف والمجلات الفرنسية التي صدرت قبيل وبعد الاتحاد، منذ اكتشف البترول في إمارة أبوظبي، ومنذ أن كانت الدول تتنبأ لها بتطورات ضخمة ستشهدها في سنواتها القادمة، إن تمت على نفس العزيمة، وبعدها أحداث أخرى عن علاقات الدولتين؛ الإماراتية – الفرنسية في تفعيل الشراكات الاستراتيجية والحيوية في جميع المجالات، والتي حرصت الإمارات أن تزكيها وتدعمها، لتكون اليوم وبعد حياة زايد، واحدة من أقوى الدول العربية والعالمية، ليس في مجال البترول كما كان مخططاً لها، ولكن في جميع المجالات.
فقد كتبت جريدة ″جمهورية الوسط″ (La république du centre) في عددها 5192، الصادر يوم الأربعاء 17 أكتوبر سنة 1962 مقالاً بعنوان: “برعاية فرنسا وإنجلترا – دولة بترولية جديدة تولد”. وافتتح الخبر بالحديث عن أبوظبي عاصمة الإمارات اليوم: أبوظبي تستعد للانفتاح على العالم في السنوات القليلة القادمة، وستكون واحدة من أقوى الدول المنتجة للبترول في الخليج بعد الكويت وإيران والعراق.
وستكون قريباً بريطانيا وفرنسا -وعن طريق الشركتين “بريتيش بتروليوم” والشركة الفرنسية للمواد البترولية- ممولان رئيسان لمنطقة بترولية ليست بالهينة، إنتاجها السنوي سيكون على أرض الواقع مع سنة 1966، بقدر يتراوح بين 15 و20 مليون طن سنويًّا، حسب خبراء الشركتين البتروليتين.
وحسب الخرائط الجغرافية، فإنه يمكن لحوالي 20 مليون نسمة العيش في مساحة 60000 متر مربع في الجنوب الشرقي من الخليج، وهي مساحة تعادل 9% من مساحة فرنسا. وقد أصبحت هذه المنطقة تعرف باسم (الساحل المتصالح) بالقرب من منطقة الهدنة بين بريطانيا والإمارات السبع سنة 1858، والتي كانت توفّر لها سلطة وحماية.
وكتبت صحيفة ″العالم″ (Le monde) الفرنسية في عددها الصادر يوم الأحد 06 يوليو سنة 1975 مقالا بعنوان “فرنسا والإمارات العربية المتحدة توقعان اتفاقية شراكة ثقافية وتقنية”، وافتتح المقال بما يلي: “الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، أنهى يوم السبت 05 يوليو زيارته الرسمية إلى فرنسا، وسيبقى مقيماً فيها بشكل خاص إلى غاية 09 يوليو بقصر “برينو- سير- صولدر”.
وجاء في الخبر أنَّ فرنسا والإمارات العربية المتحدة قد وقعتا يوم الجمعة اتفاقية شراكة ثقافية وتقنية، حسب المتحدث الرسمي لقصر الإيليزي، ومن جهة أخرى، تضمَّنت المقابلات العمل على تسريع العديد من المشاريع (نقل الغاز المميع، تحلية مياه البحر وبناء الوحدات السكنية). ومن جانبه أعلن السيد دورنانو وزير الصناعة والبحث اهتمامه بإرسال لجنة إلى العاصمة أبوظبي مكلفة بدراسة إمكانية الاستخدام السلمي للطاقة النووية، خاصة في مجال مشروع تحلية مياة البحر ومشروع إنتاج الطاقة الكهربائية.
وقد مَنَحَ الشيخ زايد كذلك هبةً قدرها 5 ملايين فرنك فرنسي إلى المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي الفرنسي (INSERM).
وفي مساء يوم الجمعة، قام وزير الشؤون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة السيد أحمد خليفة السويدي، ووزير البترول السيد مانع العتيبة، بتقديم ندوة إعلامية، دعوا فيها الحكومتين إلى ضرورة تنظيم اجتماع تحضيري في أسرع وقت ممكن عن الطاقة.
وقال السويدي: إن فرنسا حاليًّا متواصلة مع جميع الجهات المعنية بهذا الشأن واستدعتها لاجتماعها القادم، ونحن نتمنى أن تكون العروض الفرنسية مكللة بالنجاح، وبعد قيامنا بهذا الحوار الإيجابي، سنتمكَّن من حل الكثير من مشاكلنا مع دول أخرى.
وأضاف العتيبة على ضرورة تنظيم هذا الاجتماع قبل مؤتمر الدول المصدرة للنفط (OPEP)، الذي سيعقد في 24 سبتمبر في فيينا، وستطرح فيه مسألة أسعار النفط.
وقال العتيبة: الوقت يضغطنا، القوة الشرائية لعائداتنا البترولية ضعفت بنسبة 30% بالمقارنة مع سنة 1974، وهذا ما يجعلنا نعوض النقص بتفعيل البرامج المهمة مع الدول التي نملك شراكة معها.
وعن مسألة الصراع في الشرق الأوسط، صرَّح الوزير بأنَّ الدولتين ستتوصلان إلى قرار مشترك مؤسَّس على ضرورة إخلاء الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وإنشاء قطاع خاص للشعب الفلسطيني، مع الضمان له بمساندة جميع دول المنطقة لحصوله على حدود مؤكدة ومحمية.
وفي أسئلة متعلقة بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية، قال الوزير: إنَّ الدول العربية معنية مباشرة بالقضية الفلسطينية، وقد وافقت على جميع قرارات الأمم المتحدة التي لم تنفذها إسرائيل إلى غاية اليوم، وإنه لا يستطيع تقديم إجابات دقيقة عن السؤال.
وكتبت جريدة ″التحرير″ (Liberation) الفرنسية الصادرة يوم الأحد 06 يوليو 1975 في مقال يحمل عنوان “زيارة الأمير زايد – ملك القصر في باريس″، واستهل الحديث بما يلي: “زايد في باريس” زايد هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الإمارات العربية المتحدة، هذه الدولة الصغيرة في الخليج، المملوءة بالثروة البترولية.
وكان الأمير زايد قد وصل مساء يوم الخميس 03 يوليو في زيارة رسمية مدتها يومان، استقبله أثناء نزوله من الطائرة رئيس فرنسا السيد فاليري جيسكار ديستان، وأثناء زيارته لفرنسا، لم يأتِ الشيخ زايد فارغ اليدين، بل أتى بسيفٍ من الذَّهب مرصَّعٍ بالأحجار الكريمة للسيد ″جيسكار″، وعقد من الأحجار الثمينة إلى زوجته.
ومن جانبه، أهدى الرئيس الفرنسي الشيخ زايد سلاح صيد من النوع الفريد، مصنوع في فرنسا.
وقد قام الوفد الإماراتي المنتدب بلقاء نظيره الفرنسي، في جلسة دامت ساعة وعشرين دقيقة، أعلن فيها الطرفان عن العديد من اتفاقيات الشراكة التي تمَّ توقيعها، وأخرى ستوقَّع في المستقبل القريب.
وقد أظهر الشيخ زايد رضاه، وأعلن بعد اللقاءات المتعلقة بتنمية علاقات الشراكة بين البلدين قائلا: “لقاءاتنا أسفرت عن الشراكة في جميع المجالات بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة وعلى جمع المستويات”، وأضاف: “فرنسا والإمارات قامتا باتفاقيات سابقة في جميع الميادين الحيوية، وسنوقع اتفاقيات أخرى لاحقا″.
المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية السيد (كزافيي بوشو) حدَّد من جانبه أنَّ اللقاءات تمَّت بطريقة مرضية للطرفين، وأكَّد أنَّ وزيرا الشؤون الخارجية للبلدين وقَّعا اتفاقية شراكة ثقافية بينهما.
هذه الاتفاقية تسهم بشكل كبير في تفعيل التكوين التقني والمهني لمواطني دولة الإمارات، وتقدم لهم الاستشارات والخبرات الفرنسية التي سوف تكون متاحة للإمارات في دراسة مشاريعها.
من جهة أخرى، قدَّمت فرنسا الوثائق الثقافية، التقنية والعلمية المستخدمة في مجال البحث، وقامت الدولتان بإلغاء الرسوم الجمركية والضريبية على المعدَّات الأساسية، وكانت الحوارات أيضاً حول تضخيم الاستثمارات الإماراتية في فرنسا. وتمَّ الإعلان مباشرة عن إنشاء مكتب خاص بالاستثمار في باريس، فيما قامت فرنسا بالتعاون مع حكومة الإمارات الاتحادية بإنشاء رأس مال تنموي موجَّه نحو مساعدة دول العالم الثالث.
من جانبه أعلن وزير الصناعة السيد “ميشيل دورنانو” عن اهتمامه بإرسال لجنة إلى أبوظبي، مكلفة بدراسة إمكانية استخدام الطاقة النووية، وبالخصوص في مجال تحلية مياه البحر وفي الإنتاج الزراعي. ويحدّد دائماً المتحدث الرسمي لقصر الإيليزيه، فيما يتعلق بالشراكة الصناعية، أنَّ هذا التطوير مرتبط بدراسة مشاريع في مجال البيترو- كيمياء والأسمدة الزراعية.
وكتبت مجلة البطة المقيدة (Le canard enchaînĕ) في العدد رقم 3130 الصادر في 22 أكتوبر 1980 عنواناً ملفتاً للنظر “قبلة زايد”، جاء تحتها عنوان آخر: “أبوظبي ترفع سعر بترولها الخام”، وكتبت عبارة قصيرة تحت العنوان: في طريقه نحو العودة، جيسكار يتوقَّف في دبي، وسعر البنزين لا يزال يضرب إلى الأعلى.
وما هذا إلا بعض النصوص التي عثرنا عليها في مطبوعات نادرة يفوق عمرها الأربعين سنة، ولا يزال الكثير من الأخبار التي كتبت عن زايد وعن دولة الإمارات في الصحافة العالمية، والتي سنوافيكم بها في أعدادنا القادمة من (مدارات ونقوش).